تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج الإصلاحي والمنهج الثوري .. نحو فهم إسلامي للتغيير



فتح الإسلام
01-04-2008, 12:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


المنهج الإصلاحي والمنهج الثوري


لا يخلو حزب أو جماعة صغيرة من منهج حركي أيا كان المستوى الحركي الممارس في الواقع المعاش. ولا يعدو هذا التحرك أن يكون أحد الشكلين أو المنهجين الذين يحكمان أساس الحركة الاجتماعية، وهما المنهج الإصلاحي للتغيير والمنهج الثوري الجهادي للتغيير، وكل من هذين المنهجين يفترق عن الآخر بوسائله وأساليبه وبعض أهدافه وطرائقه في التغيير كما يختلف في المنهج الواحد منهما عدة ممارسات ووسائل تختلف عن بعضها البعض من حزب إلى حزب. أو من جماعة إلى جماعة أخرى.

وهذان المنهجان المتباينان حركيا، كانا ومازالا السبب المهم والأكثر إلحاحا في معضلة ومشكلة الافتراق والاختلاف بين الاحزاب والحركات بشكل عام والحركات الإسلامية بشكل خاص، ما نهج التغيير عن طريق الإصلاح التدريجي الثانوي والتربوي داخل المجتمع الجاهلي ومنها مناهج التغيير الانقلابي الثوري الجهادي .

ونحن إذا رجعنا إلى المقياس والميزان الحركي… أي إذا رجعنا إلى حركة الجماعة الإسلامية الأولى بقيادة الأسوة الحسنة لنا ولكل المسلمين في كل زمان ومكان، نرى بدون أدنى مجال للشك وبالشواهد المبينة الواضحة بأن المنهج الجهادي الثوري الانقلابي التغيري الشامل هو نهج الجماعة الإسلامية الأولى، ولم يُمارس المنهج الإصلاحي إلا في العصور الحديثة.

فالجماعة الإسلامية الأولى بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت لتكون بديلا للمجتمع الجاهلي، جاءت لتنسف هذا المجتمع من قواعده، وتقيم قواعد جديدة تختلف كل الاختلاف عن القواعد الجاهلية، سواء كانت على نطاق السياسة أو الاجتماع أو الفكر أو الاقتصاد.

جاءت لتعلن أن الحاكمية والعبودية والتربوية والتشريع يجب أن تصدر من الله سبحانه وتعالى. وأن الذين يدعون أو يغتصبون هذا الحق يجب أن نتمرد عليهم ولا نطيعهم ونسعى جاهدين للإطاحة بهم، بالكلمة وأنواعها والقوة وأشكالها.
فعندما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فهم العرب هذا القول وقال له أعرابي " إذا ستقاتلك العرب والعجم " ، فأدركوا بحسهم أن هذا الشعار مؤداه قلب الأوضاع القائمة رأسا على عقب، وهدم أسس بنيان المجتمع القائم وتفويض أركانه، ولم نشاهد في حركة الرسول صلى الله عليه وسلم أي نوع من المنهجية الاصلاحية فها هي قريش تساومه لتسلمه أرقى المناصب وأن تزوجه أجمل بناتها وتهب له جل مالها، فيأبى أن يتنازل أو يساوم أو يلتقي معهم في منصف الطريق، كما يأبى أن يهادن أو يصالح أو يداهن، والعذاب والفتنة مسلطة فوق رأسه ورؤوس صحبة البررة الكرام.

والدارس المتبصر لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين، تتأكد لديه هذه المنهجية الثورية من خلال المنهج الفريد الذي تربى به النخبة الممتازة والطلائع الأولى، إن التربية الشمولية الجهادية للنخبة الممتازة كانت عنوان هذه المنهجية الثورية.

إذا فإننا نلمس التربية الجهادية من التربية الإصلاحية من خلال منهج التربية القائم في الحزب والجماعة حتى قبل استعمال أدوات العنف لأن القتال والعنف عبارة عن جزء نهائي من العملية التربوية الجهادية.

والتربية الجهادية تمر بمرحلتين :
1- المرحلة النظرية
2- المرحلة التطبيقية " العملية ".

ونقصد بالمرحلة النظرية "هي مرحلة البناء الفكري والعقائدي إضافة للعزلة الروحية والفكرية والوجدانية".

حيث يتم في هذه المرحلة بناء النخبة الممتازة بالفكرة، وبناء الفكرة بالنخبة الممتازة، وبدون هذه العملية التي تستغرق فترة زمنية مضنية، لا يمكن أن يحدث الصقل المطلوب، والغرس العميق لهذه الأفكار في النفوس فيدرك المسلم منذ اللحظة الأولى أنه قد انخرط في سلك الجندية في انتظار المعركة الفاصلة بين جند الحق وجند الباطل. ويدرك أنه سوف يعطي العطاء تلو العطاء لهذه الأفكار التي قد آمن بها، ويضحي من اجلها حتى النصر والشهادة .

وأما المرحلة التطبيقية " العملية " فنقصد بها "مرحلة التفاعل والممارسة أو إن شئت القول مرحلة التربية بالأحداث والوقائع والمواجهة ".

وهذه المرحلة تبدأ بدون عنف أو مواجهة مسلحة تجابه العنف بالصبر، والعذاب بالتحمل والصمود، واختبار النفس، ومدى استعدادها للتضحية والعطاء والبذل حتى إذا كانت هذه النفوس أقوى وأصلب من أدوات القهر والعذاب، ويعلم القاصي والداني أن الحق كل الحق يصب في قنواتها ويدرك الجميع بأن الظلم كل الظلم هو سمة القوى المضادة لها حينها قد تنهي هذه النخبة الصراع بالقوة والعنف المادي المسلح " احد اشكال صراعها مع الطاغوت "

إن التربية التطبيقية هي المجال الأوحد الذي يكفل صلابة عود هذه الطليعة ويعودها على مواجهة القوى الظالمة ويجعلها تتلذذ بالعذاب في سبيل المبدأ كما تلذذ المسلمون الأوائل بهذا العذاب في سبيل الله ، عندما وقف عبد الله ابن مسعود قارئا للقرآن في وسط حشد الكفر وتعرض للعذاب من جراء ذلك فقال " والله لقد اصبحوا علي أهون من ذي قبل " وأدرك المسلمون قول الله سبحانه وتعالى ]أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [ فالتربية العملية تمارس في نفس اللحظة التي تمارس فيها الفتنة ضد المسلمين فيصمد في الصراع من يصمد، ويخر صريعا من يخر، والذين يصمدون يكونون أكثر فرحا من غيرهم وهم يبذلون ويعطون لهذه الدعوة.

إن التربية النظرية بدون تطبيق عملي وبدون أن يختبر الواحد منهم نفسه على مدى القدرة والتحمل في سبيل ما آمن به من أفكار تبقى مجرد أفكار عقلية أو وجدانية ليس لها من الواقع العملي أي مجال، وهذا لم ولن يحقق في يوم من الايام النظام العملي على أرض الواقع .

فالطلائع الأولى للحركة الاسلامية لم تتذرع مطلقا كما يتذرع البعض اليوم بقول الله سبحانه تعالى . [لا تلقوا بأيديكم إلى التهلك ] أو القول (نحن في المرحلة المكية) بل فهم هؤلاء الطلائعيون بأن الهلكة الحقيقة في فصل النظرية عن التطبيق في التربية بتجريد الفكرة من البذل والعطاء والتضحية فهذا عمار بن ياسر ووالديه، وبلال بن رباح وغيرهم من الصحابة يعذبون في سبيل المبدأ ما يثنيهم عن ذلك شدة التعذيب وقساوته، لأن الذي يعجز عن مواجهة التحدي منذ اللحظة الأولى سوف يستمر في العجز في كل موضع بعد ذلك، ويغدو العجز والضعف ميزة أساسية في حياته، أما الذي يقف شامخا أمام التحدي في الصدمة الأولى فإنه من الصعب أن يكسر بعد ذلك مها كانت المحن والصعاب، في حين أن الذي يستمر في العذاب في سبيل الله وفي سبيل الحق الذي يؤمن به ويدفع ضريبة الكرامة، فإنه يهون عليه بعد ذلك أن يدفع ويدفع ويدفع... لشعوره بأن السعادة دائما هي في العطاء والبذل، أما أولئلك اللصقاء بالعمل الإسلامي الذين يترعرعون منذ نعومة أظفارهم على الأخذ دوما من الإسلام فإنهم وبدون شك عندما تحين لحظة العطاء فإنهم سيبخلون عن أداء ضريبة الكرامة والعزة وهذا ليس ذنبهم أو خطؤهم، إنما الخطأ في منهج التربية وفي منهج التغيير الإصلاحي ذلك المنهج الذي يأخذ أكثر مما يعطي، وغاب عنهم قول الله سبحانه وتعالى [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ] إن الأخذ ليس مطلوبا في الدنيا إنما هو جائزة الله في الآخرة بدخول الجنة، ولكن للأسف الشديد نرى كثيرا ممن تعودوا الأخذ قد اغتنوا بهذه الدعوة ولم يقدموا ولو للحظة واحدة ضريبة العزة والكرامة ولم يفتنوا لا في أنفسهم ولا أموالهم ولا في أي مجال من مجالات الحياة ونقول لأولئك الذين يتشدقون بأن الجماعة الإسلامية بقيادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن خطها ثوريا لقول الله سبحانه وتعالى [كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة] بأن الله سبحانه وتعالى قصد بهذا القول الكف عن القتال واستعمال القوة في التربية في طورها البنائي، ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال نفي الخط الجهادي والتربية الجهادية... فالتربية الجهادية لا تعني كما يتبادر إلى أذهان البعض استعمال القوة والعنف والقتال من أول لحظة… بل إنها تعني أن التربية يجب أن تكون نوعا من التأهيل لهذا الدور الذي يقف القتال على رأس هرمه... فتبدأ بالجانب النظري ثم تنطلق بالجانب العملي الذي يكون جزء منه التربية القتالية دون استعمال القتال انتظار اللحظة الصفر والحسم... ولا مجال للاعتراض بالقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم بتدريب أصحابه على الناحية القتالية، كون الصحابة جميعا كانوا بحكم الواقع البيئي مدربين أشد التدريب على مستويات القتال آنذاك وكان هذا الامر على المستوى العملي مفروغ منه...

أما اليوم والحكومات الظالمة تهيمن على كافة مجريات الحياة ومقدرات الأمة فلا بد لافراد الحركة الإسلامية أن يتعلموا شيئا من ذلك مما يلزم الحركة الإسلامية في هذا الجانب المهم من التربية العملية لتكون أهلا للمواجهة مع القوى الظالمة التي لا بد وان يأتي يوم تقف وجها لوجه أمامها في صراع دام عنيف.

وللمنهج التغيري الثوري ميزة كبيرة جدا تميزه عن المنهج الإصلاحي، وهي التوجه رأسا إلى قمة الهرم في المجتمع الإشراكي والعمل على هدمه في حين يقوم المنهج الإصلاحي بالتوجه إلى القاعدة للبناء... وهذه ميزة هامة وخطيرة لأن المنهج الإصلاحي قد وقع في خطأ فادح ألا وهو ممارسة أسلوب البناء لا أسلوب الهدم... مما أوقع هذا المنهج في وضع حركي تمثله عبارة " مكانك سر " إن أسلوب هدم الشيء – أي هدم الإطلاق- يبدأ من اعلاه فالهرم مثلا عندما نريد هدمه... أو البيت نبدأ من قمته وأعلاه ونهبط إلى أسفل... أما في عملية البناء فإنها تنطلق من القاعدة ومن الأساس إلى القمة وإلى الارتفاع... فالحركة الإصلاحية تنهج في تغيير المجتمع الجاهلي منهج البناء وليس منهج الهدم... فهي تقوم بالتغيير من القاعدة التي سوف يظل العمل فيها مجرد وهم وضرب - كما يقولون- في صوان... لأن معاول الهدم التي تملكها الحركة الإسلامية أضعف بكثير من معاول البناء المستمرة في الجانب المقابل...

أما العمل الثوري فإنه يسير في الخط الطبيعي للعملية البنائية وعملية الهدم معا... ويعي أن الهدم يجب أن ينطلق من رأس الهرم ومن قمته، وأما البناء الجديد فيجب أن يهتم بالقاعدة وينطلق منها لتكون صلبة لتقاوم كل عوامل التحدي والخراب.

ومن هنا نرى بأن الحركة الثورية تحدد عدوها وهو النظام وتوجه له كل ما تملك من قوى تغييرية فاعلة في حين توجه كل ما تملك من طاقة بناء إلى القاعدة وإلى جماهير الشعب، تربي فيها بذور وتعاليم المجتمع الجديد لتكون سياجا واقيا له عند التغيير الثوري في المجتمع .

من هنا نرى أن منهج التغير الصحيح هو ذلك المنهج الذي يجمع في علاقة جدلية رائعة بين عملية الهدم من جانب والبناء من جانب آخر بشكل متلازم ومتوافق وبشكل عضوي يؤثر كل جانب على الآخر فيه.

إن مرحلة التربية الثورية " الجهادية " هي المقدمة الطبيعية والحتمية لمرحلة التنفيذ الثوري " الجهادي " ومرحلة التنفيذ الثوري ربما تأخذ عدة أشكال استجابة لظروف خاصة ومعينة تفرض نفسها فمثلا عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم البدء في مرحلة التنفيذ الثوري وجد أن أسلم طريق لهذا الأسلوب هو الهجرة وإقامة الدولة في ظل قاعدة أمنية تحرسها طلائع الحركة الإسلامية بقوة السلاح في وجه القوى الكافرة المتربصة بها، وهناك شكل آخر للتغير الثوري هو الانقلاب الثوري بواسطة النخبة الممتازة بمفردها وتحمل مسئولية هذا العمل والمشقة في سبيله ومن ثم فرض نظام الله سبحانه وتعالى وتطبيق شريعته كما أن هناك شكلا يشبه لا شكل الثاني ولكنه يعتمد على الثورة الجماهيرية في التغير فتشارك الجماهير جنبا إلى جنب مع النخبة الممتازة في هذه المهمة الشاقة ويكون عندها الاستعداد التام للتضحية والاستمرارية في العطاء بدون توقف حتى تحقق أهدافها التي انطلقت من أجلها.

أما أولئك الذين يطرحون المنهج التغيري للعمل، ويؤمنون بالتغير الثوري بالعنف وينطلقون في اتجاه الهدم – بدون التفكير في البناء في المقابل – فأولئك حتى وإن حققوا أهدافهم في هدم النية الجاهلية فإنهم لن يستطيعوا أن يمارسوا البناء لأنهم لم يتعودوا ذلك، مما يجعل الجماهير نفسها في مواجهة عملية معهم. فإما ان يكون السقوط حليفهم أو يرسخون حكمهم بشكل دكتاتوري تسلطي وفي كلا الحالتين يفقدون مبرر وجودهم.

وكذلك الذين يمارسون المنهج التغيري الثوري، ولكن يشترطون شرطا غاية في الغرابة... وهو مبدأ النصرة، للقيام بعملية التغير الفعلية، ظانين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتت له النصرة من خارج الحركة الإسلامية... وهذا خطأ اجتهادي فادح لأن الأنصار هم اسلاميون كالمهاجرين على نفس المستوى وإن تباعدت أماكن السكن والعيش، ونقول لهم بأن حالكم كحال من لا يحمل ماء في الصحراء انتظارا للمطر يسقيه، ولذلك عليهم أن يعتمدوا على القوة الذاتية لهم وألا يطلبوا النصرة أبدا من خارج إطار الحركة التي ينتمون إليها.

وأما أصحاب المنهج الإصلاحي في التغير فهم أبعد الناس عن المنهجية التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التغيير... وهم إفراز طبيعي لحالة العجز والضعف التي تتحكم في العمل الإسلامي... ومنهجهم يعتبر منهجا هزيلا تبريريا يجعل من مصلحة الدعوة والمحافظة على بقائها صنما يعبد بشكل غير شعوري... والمنهج الإصلاحي يمثله شكلان من الحركات... الشكل الأول يؤمن بالتغير الشامل ويطرح العملية التغيرية للنظام القائم، ولكن على المستوى العلمي لا يمارس الشعار ينادي به، ولا يتخذ الوسائل الكفيلة بالوصول إلى أحداث التغيير الشامل والجذري في المجتمع، ويكتفي بالوسائل التربوية النظرية والتثقيفية ويستبعد الممارسة التطبيقية… أو يبتعد عن أدوات القوة والعنف في أي مستوى حركي، ويحصر نفسه بأساليب النضال الأكثر سلما وسلاما، فنراه يبحث لاهثا عن كل ما من شأنه أن يوفر الدعة والطمأنينة ونسى أن طريق الدعوة والعمل الإسلامي هو طريق الأنبياء والرسل الكرام حيث الصراع والتحدي والصمود من جانب والقهر والظلم في الجانب الآخر... فنرى أصحاب هذا المنهج لا يتورعون عن الإنخراط في البرلمانات وفي المؤسسات الحكومية وغيرها وفي الجمعيات الخيرية وفي الأعمال الخيرية وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظل مجتمع جاهلي أصلا... ويدعون بأن تغيير القاعدة الاجتماعية هو الكفيل بإسقاط النظام الجاهلي... ونسوا أو تناسوا أن معادلة الجماهير صعبة ولاضمان لها إلا بوجود طليعة ممتازة تقود نضالها ضد هذا النظام الباغي... والتاريخ الإسلامي لم يقدم لنا دليلا واحد على نجاعة هذا المنهج في التغير أو صلاحه بدءا بحركة الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهاء بالعصر الحالي.

وأما الشكل الثاني : فهو الذي يؤمن بالإصلاح وسيلة للتغييرات الجزئية داخل المجتمع الجاهلي على المستوى النظري والتطبيقي في آن واحد... دون المس بالبنية الفوقية والتحتية في الجوهر... وإنما في الشكل والإطار العام... وهؤلاء مثلهم كمن يحاول تجميل وتزين وجه دميم بطلائه بالمساحيق الكثيفة ولا تعدو هذه الأعمال الإصلاحية - مهما بلغت من الروعة في أعين البعض - أن تكون مجرد خدمات يسديها المنهج الإصلاحي للنظام القائم، ويعملون على تشييد هذا الصرح الفاسد الذي ينخزه الإنحلال من داخله ببعض الرتوش التي لا تغني ولا تسمن من جوع... لكونهم يحافظون على أركان وأسس هذا البناء... ولا يعترضون مطلقا إلى موضع الداء بل يهربون عنه, وعلى هؤلاء الإصلاحيين أن يتدبروا جيدا حركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسترشدوا خطواتهم ليس من منطق العصر المهزوم ولكن من منطق ما يجب أن يكون.

ونحن لا نرفض هذا المنهج الإصلاحي داخل المجتمع الجاهلي ولا نفرح بانتشار الرذيلة فيه ولا نساعد على نشرها لأن العمل الإسلامي نظيف الأهداف، نظيف الوسائل - ونعلم أن المجتمع كلما كان ذو أخلاقية أفضل فإنه بالتالي يكون أكثر استجابة وتفاعلا مع الحركة الاسلامية - ولكن نرفض المنهج الإصلاحي بصفته يحصر العمل الحركي الإسلامي في نطاق حيز محدود هو مقاومة المنكرات وتجاهل المنكر الأكبر والفساد الأعظم ومنبع الرذيلة والانحراف... ونطالب بأن يكون التغيير على مستويين المستوى التربوي والبنائي بوسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القاعدة... وانتهاج نفس النهج مع القمة مضافا إليه القوة العملية والتغيير بالعنف عند حد معين ومعيار محدد، لاعتبار بأن النظام الذي يمثل القمة في المجتمع هو أساس المنكرات وهو منبعها والقوة التجسيدية لها وذلك من حيث أنه يدعو للمنكر ويقية بسياج القوة والقهر والعنف مقابل المعروف الأعزل الذي يجب أن يمتلك هذه الأداة ليحتفظ بالتوازن بينه وبين المنكر المدعوم بأداة القهر.
وأخيرا فإن استرشاد حركة الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة الأولى يدفعنا بوضوح للبراءة والتحلل من المنهج الإصلاحي في التغيير، ويدعم في المقابل المنهج الثوري الجهادي الانقلابي الشامل في جميع مجالات الحياة وأوجه النشاط بشكل عام... وهذه دعوى لأصحاب المنهج الإسلامي الأصيل في التغيير الى تحقيق وحدة الحركة الإسلامية والتي هي الخطوة الأولى والهامة على طريق التغير الشامل... وإقامة نظام الله سبحانه وتعالى في أرضه وبين عباده، محققين قول الله سبحانه وتعالى:



(إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) صدق الله العظيم



من إصدارات الجماعة الإسلامية ـ فلسطين


( منقول بتصرف )

فتح الإسلام
01-04-2008, 11:27 PM
للرفع ، ليستفيد منه أكبر عدد من القراء والباحثين عن الحقيقة .