تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دين الثعالب



مقاوم
01-02-2008, 05:40 AM
دين الثعالب(1)



الشيخ طه الدليمي

قبل أيام قليلة تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية خبر اجتماع كبير لرؤساء عشائر ورجال دين وشخصيات شيعية في جنوب العراق، وصدور بيان عنه بإدانة التدخل الإيراني الطائفي في العراق. وجاء في الخبر ما يلي: (وقع أكثر من ثلاثمئة ألف عراقي من بينهم ستمئة من زعماء العشائر الشيعية على بيان يتهم إيران بنشر الانفلات الأمني جنوبي العراق. وقال البيان إن "أكثر الطعنات إيلاماً وأكثر الخناجر تسمماً التي غرزتها إيران في خاصرة الشيعة في العراق هو استغلال المذهب وبشكل مخجل لتحقيق نواياها الشريرة". كما اتهم البيان إيران باستهداف المصالح الوطنية العليا والبدء في التخطيط لتقسيم العراق وفصل المحافظات الجنوبية عن العراق. ودعا الموقعون - ومن بينهم 14 رجل دين و600 شيخ عشيرة و1250 حقوقياَ ومحامياً و2200 طبيب ومهندس وأستاذ جامعي و25 امرأة - الأمم المتحدة لإرسال وفد للتحقيق فيما وصفوها بالجرائم التي ترتكبها إيران وأتباعها في جنوبي العراق. وأطلع شيوخ العشائر المشاركون في الحملة وكالات الأنباء ومراسلي الصحف العالمية على الأوراق التي احتوت على التوقيعات الأصلية).
الطريف في الخبر ما جاء في تضاعيفه من (رفض الشيوخ الكشف عن أسمائهم خشية تعرضهم للانتقام)!. واستبشرت جهات إعلامية سنية بالخبر. ولربما عده البعض دليلاً إضافياً من أدلة وجود تيار عروبي وطني في أوساط الشيعة.

لسنا ضد النادمين، ولكن..
لست ضد هذا كله. بل نحن مع كل الصاحين من نومهم – وإن طال – ومع كل الراجعين عن غيهم – وإن تمادوا – ومع كل خطوة في الاتجاه الصحيح – وإن تثاقلت – بل نمد أيدينا لانتشال الغارقين، الذين يستغيثون للخلاص مما هم فيه. ولكن..
كل شيء بمقدار. وكل شيء ينبغي أن ينظر إليه على حجمه الذي هو عليه دون زيادة أو نقصان. حتى لا نَظلِم، ولا نُظلَم. فالله تعالى ذم الذين يظلمون أنفسهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم كقوله جل وعلا : (فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(الروم: من الآية9). والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزلّ أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل علي). وهو من أذكار الخروج من الدار.
والمسؤولية العظيمة التي ينبغي أن نستشعرها، تفرض علينا أن لا نأخذ الأمور على ظاهرها، أو ننساق معها انسياقاً عاطفياً، تكون عاقبته وبالاً وابتئاساً وإحباطاً، في زمن كثرت فيه دوافع اليأس، ودواعي الإحباط. إنما المطلوب أن ننظر إلى ما يحدث نظرة موضوعية، تحسب حسابات الربح والخسارة، وتوازن بين الحسابين: أيهما أكبر؟ وأيهما وهم أو سراب لا يغني من لذع الحقيقة شيئاً؟

مساكين أهل السنة..!
قبل حوالي سنة حضرت مجلساً ضم نخباً متنوعة من العراقيين: منهم علماء دين، ومنهم شيوخ عشائر، ومنهم سياسيون وعسكريون كبار، ومنهم أساتذة جامعات. تطرق البعض منهم إلى أن في الجنوب شيوخ عشائر كثيرين، يعادون إيران، ويتمتعون بالشعور العربي والحس الوطني. فتجاوب البعض الآخر مع هذا النوع من الطرح، وراحوا جميعاً يكيلون المدح والثناء لهؤلاء الشيوخ، وأنهم كثرة في أوساط شيعة الجنوب، ويأتون بقصص وحكايات يرونها تؤيد وجهة نظرهم!
تلفتّ يميناً وشمالاً، وأخذت أنظر إلى نفسي باستغراب! أين ما أراه مما أراه؟! وحين أخذ الحديث مستحقه من الأخذ والرد خاطبت الذي بدأ الموضوع – وكان أحد مشايخ الدين في البصرة - فقلت: لي على ما قلتم تعقيب في سؤالين: الأول: هؤلاء الشيوخ الذين تصفهم بالعروبية والوطنية ماذا فعلوا يوم دخل المحتل البلد؟ هل وقفوا ضده؟ أم صفقوا له مع المصفقين؟ أم ماذا كانوا يصنعون؟ فقال - هو وبعض الحاضرين - : صحيح.. لقد صفقوا للمحتل. قلت: وسؤالي الثاني: هل هؤلاء الذين تقولون عنهم: "يعادون إيران ويكرهون العجم" أذلهم العجم حين سيطروا على البصرة وبقية محافظات الجنوب، وأهانوهم، وضربوا مصالحهم؟ أم أكرموهم وعاملوهم معاملة الند للند؟ قال: بل أذلوهم وداسوا على رؤوسهم، وضايقوهم في أرزاقهم ومصالحهم المادية.
قلت: أيها الإخوة! فأين العروبة والوطنية مما هم فيه؟! هؤلاء قوم تصوروا أن المحتل سيفرش لهم دنياهم بالورود، فلما ضربت مصالحهم، وأذلت معاطسهم، وتبخرت أحلامهم، انطلقت ألسنتهم سخطة للدنيا، كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم: (وَمنْهُم منْ يَلمِزُكَ في الصَّدقاتِ فَإنْ أُعطُواْ مِنهَا رَضُواْ وَإنْ لمْ يُعْطَواْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسخَطُونَ) (التوبة:58). ليست الوطنية أن تفتح أبواب بلدك، وتنفتح معه للأجنبي المحتل، حتى إذا أهانك وأذلك ناديت بالويل والثبور. وليست العروبية أن تستبشر بالعجمي يطأُ فراشك معززاً مكرماً، تقبل يديه، وتمسح البساط ما بين رجليه، حتى إذا وطئت قدماه رأسك صحت: "عجمي! خذوه!" لا أبداً.
الوطنية أن تصطف مع بلدك في الحالتين، والعروبية أن تمقت الشعوبية والشعوبيين في المرتين. على أنني لا أعمم فأقول: كل هؤلاء على تلك الشاكلة. بل منهم من هو وطني عروبي بحق. وهم كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم: (لَيْسُواْ سَوَاءً) (آل عمران:113). ولكن هنا يتبادر سؤال: كم هو مجموع هؤلاء وهؤلاء، أي الوطنيين الحقيقيين والمزيفين كلاً على بعض؟ لا شك أنهم قليل. وهم - وإن كثروا - لا تأثير لهم في تغيير مجرى الأحداث؛ فلا ينبغي أن نعول عليهم كثيراً، ونعطي للأمر حجماً أكبر مما هو عليه في الواقع.

الأرقام الواردة في الخبر..!!!
وأول ما يلفت النظر في هذا الخبر، الأرقام الواردة فيه! وأولها عدد التواقيع (000 300) ثلاثمائة ألف توقيع! هذا عدد ضخم ليس من السهل تصديقه. ومن جرب عرف. ولك أن تتخيل نفسك ملزماً بالترويج لأمر يحتاج إلى توقيع (000 10) شخص، لا (000 300)، عندها ستشعر بضخامة هذا العدد! ومقتدى قبل ثلاث سنوات أراد أن يجمع – للدعاية والتطبيل لا أكثر- مليون توقيع يطالب برحيل الأمريكان. وإلى الآن لم نسمع خبراً عما آل إليه الأمر! رغم أن جهات سنية معتبرة - مثل هيئة علماء المسلمين - كانت معه، ووعدته المساعدة في هذا الموضوع نفسه.
الرقم الآخر عدد رؤساء العشائر وهو (600) ستمائة شيخ عشيرة..! وأنا أسأل: كم هو عدد العشائر في العراق كله؟ وارجعوا إلى كتب الأنساب. فكم هي عشائر الجنوب وحده؟ ربما يقال: المقصود بالعشائر هو الأفخاذ. ونقول: حتى وإن كان هذا هو المقصود فإن العدد يبقى كبيراً، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدد العشائر التي لم توقع. ولا شك أنه كبير. ومن استحضر الأجواء السياسية والعسكرية في الجنوب، وسيطرة إيران والأحزاب والتجار والمراجع والمليشيات الموالية لها يدرك صعوبة الاصطفاف ضد إيران. والخبر يشير إلى هذا فقد جاء فيه: (رفض الشيوخ الكشف عن أسمائهم خشية تعرضهم للانتقام)! والشيء نفسه يقال عن عدد الحقوقيين والمحامين (1250)..!!! هل يمكن أن يعقد مؤتمر بهذا الحجم، ثم يمكن التغطية على المشاركين فيه بعدم الكشف عن أسمائهم؟! إذن أين تمكنوا من عقد اجتماعهم؟ هل تحت الأرض؟ أم في جزيرة من جزر المحيط؟ أليس من وسائل إعلام حضرت الاجتماع؟ ثم من يجرؤ على معارضة المالكي ومقتذى هذه المعارضة في علاقتهم وارتباطهم بإيران؟
وعندها تدرك أن الخبر موضوع للدعاية القائمة على المبالغة والتضخيم. فمن يقف وراءه؟ من هو المستفيد؟

ليس المهم الحدث
وهنا لي أن أقول:
1. ليس المهم الحدث، وإنما تفسير الحدث: كيف؟ ولماذا؟ ما هي أسبابه؟ وما الغاية التي يريد الانتهاء إليها؟
2. وليس المهم الحدث، إنما استغلال الحدث. فإن كنا جادين فعلاً؛ فلنعمل على استثمار هذه البوادر – بل حتى البوادر أو الأحداث السيئة - لصالحنا، بشرط أن لا تكون خسارتنا أكثر من ربحنا. لا أن نقف موقف المتفرج، أو المزمر بالسلب أو الإيجاب دون أن يدري عن حقيقة الأمر شيئاً. وهو المطلوب بالنسبة للخصم ابتداءً أو مآلاً.
وتأسيساً على ما سبق، وعلى فرض صحة أصل الخبر، أقول:

مؤتمرات متلاحقة من العيار نفسه..؟!
بعد الخبر بيوم أو يومين تتابعت اجتماعات متلاحقة من الجنس نفسه، تحت مظلة المصالحة، ونبذ الطائفية، والتآخي بين السنة والشيعة. مؤتمر للعشائر يعقده الشيخ أحمد عبد الغفور في جامع أم القرى. مجلس علماء العراق يقيم مؤتمراً في النجف بعده بيوم أو يومين. وآخرها اليوم (28/11) وفد صدري من أهالي حي الثورة (المسمى بمدينة الصدر) يزور الأستاذ طارق الهاشمي في مكتبه، ويدعوه إلى تبني مشروع الوحدة والمصالحة، وأنهم اختاروه ممثلاً لهم في هذا المشروع، طالبين منه أن يضع يده بيد مقتذى في سبيل هذا الهدف!!! ولا ندري ما الذي يعقد من اجتماع في الغد القريب؟!


http://www.alqadisiyya3.com/images/1196327791.jpg
عمائم سنية من مجلس علماء العراق مع أخرى شيعية في النجف
أكل هذا يحصل من دون اتفاق، أو تخطيط؟! فمن وراءه؟ ومن المستفيد؟ وماذا يراد لنا؟ وبنا؟

ما خسروه في القتال يريدون سلبه بالكلام
يقول الانجليز: "ما نخسره في ميدان الحرب، نكسبه على طاولة المفاوضات". فهل الشيعة اليوم يطبقون المبدأ نفسه؟ فبعد أن استعملوا جل أوراقهم في القتل والتخريب والتدمير، ومحاولة تنفيذ مشروعهم في جعل جنوب العراق ووسطه، والعاصمة بغداد منطقة صافية للشيعة، بتصفية أهل السنة، وإرعابهم، وتهجيرهم. ثم تبين لهم بالملموس أن تحقيق هذا الهدف ليس بالسهل. لا سيما أن قواعد اللعبة تغيرت كثيراً، ومصالح (الإخوة الأعداء) بدأت بالتضارب. إذن المرحلة تقتضي مد اليد للآخر والجلوس معه على طاولة مفاوضات (الأخوة، والتصالح، ونبذ الطائفية، والحفاظ على وحدة البلد، وتعليق كل الأخطاء على شماعة إيران).
المشكلة أن الكثير من أهل السنة يسارع في تصديق مثل هذه الخزعبلات، مدفوعاً بشتى الأسباب. ولا يتردد في نسبة جرائم الشيعة التي ملأت الأرض حتى ضجت أطرافها، إلى جهات خارجية كالموساد وإيران، وكأن منفذيها من العراقيين مجرد دمى تحرك بخيوط خفية، لا إرادة لهم في تنفيذها قط!
سمعت يوماً - وأنا غلام يافع - رجلاً يقول لصاحبه: ندعو فلاناً، ثم نشبعه ضرباً وإهانة، ولو بالوسائد. ثم نختم ذلك بالضحك آخر الأمر، ونقول له: كنا نمزح معك. فنهينه أمام الحضور، وفي الوقت نفسه نتخلص من تبعة الفعل! هذا ما يريد الشيعة فعله بنا اليوم! أحلوا للمحتل بلادنا، وذبحوا شبابنا، وقتلوا علماءنا، وشردوا أهلنا، وحرقوا مساجدنا، ومزقوا مصحفنا، ودمروا بلدنا. ثم ها هم اليوم يضحكون علينا باسم الإخوة والتصالح!
عيب علينا والله نلدغ من الجحر نفسه في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا نتوب ولا نكون من المعتبرين!

مقاوم
01-02-2008, 05:43 AM
#
دين الثعالب (2)



انظروا إلى الشاشة ففيها الجواب


رأيت اليوم (28/11) على شاشة التلفاز رئيس الوقف الشيعي صالح الحيدري في اجتماع النجف بين العمائم السنية والشيعية، وهو يندد ويقول: "لا مذهبية ولا طائفية ولا فئوية ولا.. ولا" ! فقلت: لقد هزلت حتى صار مثلك يتكلم بهذا ! وتذكرت قول الشاعر العراقي المبدع أحمد مطر:


رأيت جرذاً


يخطب اليومَ عن النظافة


وينذر الأوساخ بالعقاب


وحوله يصفق الذباب


وصباح هذا اليوم رأيت على قناة المستقلة المدعو محمد رشاد الفضل مذيلاً اسمه بما يسمى "التيار الإصلاحي المستقل" يتحدث حديثاً مطولاً عن إيران وتدخلها بشؤون العراق، وقتلها للشيعة العروبيين في المحافظات الجنوبية، ويسميه القتل لإعلاء شأن المذهب. ويقول: اللغة الفارسية تأخذ مجالها الآن في النجف، وينتظرون إلغاء اللغة العربية. وأن أحد الإيرانيين المتخفين من أعضاء مجلس النواب العراقي هو الذي اقترح اعتبار اللغة الفارسية لغة رسمية في العراق إلى جانب اللغة العربية. ويذم المجلس الأعلى وبدر، ويتحدث عن ارتباطهما بإيران. ويحكي قصة الإيراني محمود الهاشمي، كيف صار أول رئيس "للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق". ثم صار رئيساً لمجلس القضاء الإيراني، وسمى نفسه شاهرودي. وأنهم سألوه في البرلمان الإيراني: أنت عراقي أم إيراني؟ فقال: أنا إيراني، لكن لمصلحة إيران قلت: أنا عراقي. كل هذا قاله في كلام طويل عن إيران وتآمرها على العراق.


وأنا أسأل القارئ: ما تقول - وأنت تسمع مثل هذا الكلام - في مثل هذا؟ أجب قبل أن تقرأ ماذا قال عن السيستاني، ومقتدى وجيش المهدي والتيار الصدري؟ والمقاومة العراقية الباسلة.


لقد دافع عن غراب إيران علي السيستاني، واصفاً إياه بأنه رجل دين لم يتدخل في السياسة قط، وأنه ضد الأمريكان. ولا علاقة للمجلس الأعلى به. ثم صار يكيل المدح للتيار الصدري. وكان مما قاله فيه: "التيار الصدري مدرسة إصلاحية، يرعون الفقراء والمساكين، ويرفضون التصرفات الخاطئة للشيعة. ولا علاقة له بإيران. كلهم شباب عراقيون عرب". وغير ذلك من الكلام.


ولم يكتف بهذا حتى حمل على المقاومة حملة شعواء، ونفى أن تكون ثمة مقاومة في العراق! وكان مما قال بهذا الخصوص: نسمع بأن هناك (38) جيشاً يقاوم الاحتلال. لو صح هذا، ولو كان صحيحاً أن هناك مقاومة، لما كان هذا العدد القليل لقتلى الأمريكان. إلى الآن لم يبلغ عدد القتلى أربعة آلاف. لو كل واحد منهم قتل أمريكياً لبلغ عدد القتلى عشرات الآلاف. إذن كل ما يقال عن وجود مقاومة كذب. هؤلاء يقتلون العراقيين فقط. ثم رجع يمجد مقتذى الصدر ويقول عنه: الصدر يرفض الطائفية، والتقسيم، والقتل. وعرج على ما أسموه بالانتفاضة الشغبانية، وصار يمجدها.


والآن ماذا تقول في هذا؟ هل غيرت إجابتك؟


ما الناتج النهائي الذي يمكن أن تحصل عليه من هذا الشخص وأمثاله؟ وهم عامة من يتحدث في الوطنية والعروبة والإصلاح من الشيعة.


نصيحتي لكل المخلصين أن لا يستعجلوا في الحكم على الشيعي، بمجرد أن يسمعوه يذم إيران، أو هذا الطرف الشيعي أو ذاك، حتى يسمعوا كلامه كله، ويقلبون مجال النظر فيه من كل جانب، وينظروا إلى مواقفه كلها.


هؤلاء هم الشيعة! فلا يصح أن ننظر إلى تظاهرهم بالعداء لإيران، ونوقع لمن فعل ذلك على بياض.



الالتفاف على مكاسب العشائر السنية


كلنا يعلم أن العشائر السنية خطفت الأضواء في الفترة الأخيرة، وأصبحت أحد الأرقام المحسوبة في المعادلة العراقية. فصارت الوفود الشيعية تترى إلى المناطق الغربية السنية تخطب ودها، وتحاول الالتفاف عليها؛ حتى لا تنفرد بالقرار المؤثر وحدها. ولا تتخذ قرارات تؤثر سلباً على من باع البلد واصطف مع المحتل. ومعلوم عنا طيبة أهلنا، كما أنهم ليسوا خبراء في معرفة العقلية الشيعية، وكيف تفكر؟ يسمعهم الشيعة معسول الكلام، ولا شيء غير الكلام والهوسات (الأهازيج) والأشعار، ويأخذون مقابلها مواقف عملية لها وزنها. فعلى سبيل المثال: قامت العشائر السنية بتأمين طريق الرمادي – سوريا، والرمادي – الأردن، دون تفريق بين سني وشيعي، فصار الشيعي يسلكه آمناً مطمئناً. بينما لم يحصد أهل السنة مقابله تأمين طريق بغداد – المحافظات الجنوبية، فلا زال السني لا يأمن على نفسه في سلوكها. وهذا خطأ سياسي كبير. كما عادت عوائل شيعية عديدة إلى المناطق السنية المؤَمَّنة كالعامرية وغيرها، لكن لم يعد ما يقابلها من العوائل السنية إلى بيوتهم في المناطق الشيعية. هذا إذا سلمنا أن هذا العمل المتبادل هو الصحيح.



أكثرنا يجهل كيف يفكر الشيعي؟ وكيف يسلك؟


لا زال أهل السنة في العموم بعيدين عن المعرفة الدقيقة بنفسية الشيعي ودوافعه في تصرفاته، وعقليته وكيف يفكر؟ وكيف يسلك في تنفيذ أفكاره؟ نعم عرف الكثيرون عقائد الشيعة. لكن معرفة العقائد وحدها لا تكفي، بمعزل عن هذه الأمور. إن أكثرية أهل السنة يجهلون هذا كله، ويقيسون نفسية الشيعة وعقليتهم وطرائق تفكيرهم وسلوكهم قياساً جامداً على ما عليه أهل السنة أنفسهم من ذلك.



التقليد والعلاقة العضوية بين الشيعي ومرجعه


الشيعي حياته مبنية على العلاقة مع المرجع الديني بناء يصعب هدمه، وتأسيس علاقة أخرى خارج هذا البناء. فالتقليد عند الشيعي عقيدة ودين لا يمكن أن يتخلى عنه، وإلا شعر بأن حياته الدنيوية مهددة بالأعداء الذين يريدون الانقضاض عليه، وحياته الأخروية مهددة بالخلود في جهنم. نعم قد يتضايق من هذه العلاقة، وقد يلاحظ انحراف المرجع الذي يقلده، وقد يشكو منه، بل ربما يسبه، لكنه في النهاية يعود إليه، ليأخذ بفتواه وتوجيهه في دنياه وأخراه. والمرجع إما عجمي أو مستعجم. فالفتوى عادة ما تصب في مصلحة إيران.


هذه العلاقة الصميمية بين الشيعي والمرجع لا يتصورها حتى علماء أهل السنة – إلا القليل – فعندما يأتي شيخ عشيرة شيعي، أو أستاذ جامعي، أو رجل عادي إلى شيوخ عشائرنا، أو علمائنا، ويظهر لهم الشكوى والتذمر من عزيز الحكيم، أو السيستاني، أو مقتذى، أو المالكي، أو يسب إيران – وقد يكون صادقاً في سبه وشكواه – يتصور شيوخنا وعلماؤنا أن هذا يكفي في سلخ الشيعي عن مرجعه، وابتعاده عما هو مخطط له من السير في الطريق الخاطئ الذي يسلكه. ويستبشرون بما رأوا وسمعوا، وربما تفاخروا به، وصاروا يتحدثون بما حققوه من مكاسب مع فلان وفلان من شيوخ ووجهاء وشخصيات شيعية مؤثرة. ويتخذون مواقف تضر بنا مقابل كلمات سمعوها، وأوهام تخيلوها. ولا ينتظرون حتى يروا موقفاً عملياً ملموساً بناء على ما سمعوه من كلام. ولا يدور ببال الكثيرين منا أن هذا الشيعي الشاكي المتذمر – حتى لو كان صادقاً – إنما هو في نهاية المطاف لن يصدر إلا عن أمر المرجع الذي كان يذمه ويتذمر منه! والسبب أن التقليد عند الشيعي دين وعقيدة. وليس هو كما عند أهل السنة. فيقع جماعتنا في مفارقة القياس مع الفارق.



مرض الإدمان على المراجع


والسبب الآخر نفسي. وهو لا يقل عن السبب الأول: الاعتقادي. إن الشيعي يتربى منذ نعومة أظفاره على تقديس المرجع والخضوع له إلى حد العقدة التي يمكن أن نسميها بـ(عقدة الأب). فإن الشيعي مهما تضايق من رجل الدين، وشعر أنه يظلمه ويعتدي عليه، ومهما ذمه أو تكلم عليه، لا بد في النهاية أن يعود لطاعته والاستسلام له. كما يفعل الولد البار مع والده. هل رأيت رجلاً يدمن الخمرة، لكنه يتضايق منها، ويعلم أنها تؤذيه؛ فيذمها ويسبها، ويتمنى الخلاص منها، لكنه عند حلول الظلام يعود إليها يترشفها ويشربها. فهو يلعنها في الصباح، ويصحبها في المساء. كذلك الشيعي مع المرجع. فلا يغرنكم كلام الشيعة على مراجعهم، حتى تروا موقفهم العملي منهم. والنتيجة أن العلاقة مع إيران علاقة لا تنفصم ما دام الشيعة يؤمنون بالتقليد، ويطبقونه في واقعهم ديناً وعقيدة لا يمكن لهم أن يتخلوا عنها.


هل يعلم جماعتنا أهل السنة بهذا؟ أم إنهم يستغربون كلامي؟ ويتخذون من استغرابهم له سبباً لرفضه؟



انتبه..! ليس كل من عادى عدوك صار صديقك


هل كل من كان عدواً لعدوك كان صديقاً لك؟ اللهم إلا على طريقة استغلال العداوة بينهما للإضرار بهما كليهما، أو بأحدهما اقتناصاً للفرصة. والحكماء عندما قالوا: "عدو عدوي صديقي" قصدوا هذا، ولم يقصدوا الصداقة الحقيقية. فلو افترضنا أن بعض الشيعة صدق في عداوته لإيران، فلا يعني هذا أنهم انقلبوا أصدقاء لنا. فالأعداء طالما يختلفون فيما بينهم. والخبراء يقولون: لا يوجد في السياسة أعداء دائميون ولا أصدقاء دائميون. إنما توجد مصلحة دائمة. فتختلف المصالح بين بعض الشيعة وإيران، وتضطرب العلاقة. ثم تلتقي المصالح وتتجدد العلاقة. ربما يختلف اليهود مع إيران إلى حد الحرب. لكن هذا لن يجعل واحداً منهما صديقاً لي. وعلي في هذه الحال أن أقتنص الفرصة لا أكثر. لا أن أطبل لهذا الطرف أو ذاك في حسابات وهمية لا تعود علينا إلا بالخسارة. فهب أن شيعياً شتم إيران، فكان ماذا؟


لقد طفح الكيل، وأمسى التدخل الإيراني في شؤون العراقيين لاسيما في الجنوب، واستعداء هذا على هذا واضحاً، ومحاربة العرب، ومن عنده بقية من أصول وأخلاق عربية – حتى من الشيعة - والتعصب للفرس، والتمييز العنصري صار الناس يعيشونه واقعاً، حتى سفاحو جيش المهدي صار بعضهم يستنكره ويشكو منه، ويذم إيران لأجله. فهل نشطب على تاريخ خمس سنين من العداوة والقتل والجرائم، من أجل أن هذه الحثالات - وقد ضربت مصالحها، وداس العجم على معاطسها – صارت تشتم إيران؟


هكذا بهذه البساطة؟!



اللعبة المزدوجة في السياسة الإيرانية


إيران تتبع في سياستها دائماً وأبداً مبدأ "اللعبة المزدوجة". فهي تعين الضد وضده في وقت واحد. فهي تمد هذه اليد للجهات الشيعية، واليد الأخرى للجهات السنية المتصارعة معها، وغير المتصارعة أيضاً، المتطرفين منهم وغير المتطرفين! وتشجع العملية السياسية والعلاقة مع الأمريكان، وفي الوقت نفسه تشجع العمل المقاوم ضدهم! وهكذا تعمل مع هذه القوى جميعاً، ويكون لها مع كل جهة نصيب. وهي لعبة قديمة لليهود ذكرها القرآن العظيم في سورة البقرة، في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:85،84).


وقد ذكر أحد المهتمين بهذا الشأن أن وفداً زار أحد الدول العربية، يطعن في إيران، ويحذر منها. بينما الحقيقة أن هذا الوفد مرسل من قبل إيران نفسها لهذه المهمة.


لقد كثر الطاعنون في إيران. وكشفت الكثير من أوراقها. فوجود مجموعة من بضعة أفراد يطعنون فيها لن يغير من المعادلة شيئاً، ولن يزيد الأمر سوءاً. فلتصطنع إيران هذه المجموعة، وتتفق معهم مسبقاً ليديروا الأمور لصالحها. يتجسسون لها، ويطلعون على بواطن الأشياء لها. ويختطفون الثمرة من يد أصحابها، ويضعونها في سلتها. هكذا تلعب إيران لعبتها. فعلينا أن نكون حذرين جداً جداً في التعامل معها، ومع أذنابها، ولا نعطي الأمان والاطمئنان لكل من يشتمها، ويتظاهر بالعداء لها.


وصدق أحمد شوقي حين قال:


مُخطئٌ من ظنَّ يوما أنَّ للثعلبِ دينا

عبد الله بوراي
01-02-2008, 08:58 AM
رحم الله شوقي فما أروع ما أوجز شعراً


مُخطئٌ من ظنَّ يوما أنَّ للثعلبِ دينا


وبارك الله فيكَ أستاذى مقاوم
على هذه المحطات الكاشفة.


عبد الله

مقاوم
01-02-2008, 11:06 AM
حياك الله أخي الكريم