طرابلسي
12-15-2007, 06:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسوله الكريم , وعلى آله وصحبه أجمعين
نظرية "التَنَك"
هي أحدث ما توصلت إليه النظريّات السياسيّة في عالمنا العربي، وهي في الأصل نظريّة أمريكيّة مستوردة حديثا، ولها نسخة مصنوعة خصّيصا للمواصفات العربيّة، في ضوء الأنظمة الحالية.
وهذا شرح النظرية مع تبسيط شديد:
هي مشتقة من "التنك"، بالتحريك، وهي علبة من معدن خفيف لاتصلح للأشياء الثقيلة ولا الأمور المهمة بلاريب.
وإذا كانت فارغة فأتى عليها ضربٌ خفيف تصدر اصواتا هائلة، لاتعكس حقيقة ما وراء الصوت، بل أكبر منها.
كما أنها يسهل "بعجها" وإعادة تشكيلها.
وفي اللهجة الخليجية تُضرب مثلا للشخص الأبله الذي يصدق كل ما يُقال له، ويمكن توجيهه بسهوله، وخفيف العقل
ويردد كالببغاء ما يقوله غيره بلا وعي، ولايكتشف أنه قد خُدع إلا بعد فوات الأوان، فيقال: "فلان إتْنِكه"!
وملخّص نظرية التنك السياسية هذه، أن تقتصر مهمّة النظام السياسي في هذه الخطوات:
الخطوة الأولى:
مواصلة التعبئة في الوعي واللاوعي للشعوب العربية والإسلامية، أنها مجرد قطعان سائرة وراء الغرب المتطوّر - أو لنقل: قطع "تنك" بأعداد كبيرة جدا! –
وذلك بواسطة الإتهام المتكرر لتراثها، وتاريخها، وثقافتها، وشخصيّتها الحضاريّة، بل نفس تركيبة العقل العربي والمسلم، بأنّ ذلك كلّه من شأنه أن يولّد الإرهاب، والتطرف، والتشدد، والتخلف، لاسيما القرآن العظيم - تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا - ومنابر الجمعة، والمساجد، وكتب الفقه، وكتب التاريخ العربي والإسلامي، وكلّ ما له علاقة بالإسلام هو السبب الرئيس في تخلف الشعوب، حتى الحجاب، واللحية، وكليات الشريعة... إلخ!
وفي هذه الخطوة؛ يتم رفع الشعوب العربيّة إلى المستوى الأوّل من حالة "التنكية"، وبلاريب يجب أن يكون هذا تحت الإشراف الأمريكي.
الخطوة الثانية:
توجيه وسائل الإعلام توجيها منهجيا، لتفريغ العقول من القضايا المهمّة التي تحتاجها الأمّة اليوم وهي خمسة قضايا:
أولا: إعادة الإعتزاز بالإنتماء إلى الإسلام على أنه المكوّن الحضاري الأساس للأمّة، على مستوى العقيدة، والتشريع، والقيم الروحيّة، والاخلاقيّة.
ثانيا: تحويل طاقات الأمّة من هذا الاعتزاز الذاتي بالهويّة والثقافة، إلى تحمّل مسؤولية نشر الإسلام عالميا متحديا برسالته العلوية السماوية، كلّ المناهج الأرضيّة الوضعيّة، متحولا من موقع الدفاع إلى الهجوم.
ثالثا: تحقيق الوحدة التكامليّة للشعوب في نظام سياسي موحّد، يسترد بلادها المحتلة، ويخرج كل قواعد الإحتلال وملحقاته منها، ويعزز شخصيّتها الحضارية عالميا، ويحقّق استقلال القرار السياسي للأمة، والتكامل الإقتصادي، والقوة العسكرية.
رابعا: توفير حقوق الشعوب العربيّة والإسلاميّة كاملة، وحفظ كرامة الفرد، وضمان بقاء النظم السياسية خادمة للشعوب أمينة على حفظ دينها، وكرامتها وحقوقها، مرهون بقاؤها بهذا الحفظ فحسب، لا بأطماعها الشخصية، ولا بتدخلات خارجية.
خامسا: تطوير العلوم اللاّزمة للنهضة الشاملة العلمية، والسياسية، والإدارية على مختلف الأصعدة، تطوير هذه العلوم، وليس تخريب - وليس هو تطوير - مناهج تعليم الشريعة واللغة العربية!
تفريغ عقول الأمّة من هذه القضايا، إلى إشغالها بثلاث قضايا تركّز عليها وسائل الإعلام:
ولاحظوا أن واقع وسائل الإعلام، ومناهج الثقافة، والمؤتمرات، وحتى شيوخ الدين المزيفيّن أو الذي تم تحويلهم إلى "تنك" بواسطة هذه النظرية الخطيرة، يجب أن يركزوا عليها دائما! وهي:
1) مكافحة وهم "الإرهاب"، وإشغال الدولة في ملاحقة شبحه، من تغيير المناهج، وتفتيش المساجد، وتنبيش عقول الشباب، إلى البحث تحت الثياب، ووراء النقاب... إلخ.
وعلى شيوخ الفتوى أن يتفرّغُوا لتوعية الشعوب من هذا الخطر الداهم، ويجب تأجيل كلّ القضايا الأخرى إلى أجل غير مسمّى، فلاشيء أخطر على الأمّة اليوم، من الإرهاب المختفي وراء النقاب، وتقصير الثياب، ووراء الحديث عن توحيد الأمّة، و الجهاد، والتحذير من مكايد اليهود والنصارى، في المواقع الإلكترونية، وزوايا المساجد!
في لهث مستمر، وحثيث، ومجنون، الهدف منه إبقاء الأمّة في حالة شعور بالذنب، والتخلف، والبحث عن الذات، والدفاع عن النفس، وتغييبها عما يحاك ضدها، بل تحويلها إلى وقود في المشروع الذي يهدف إلى إخضاعها!
2) الحديث المتواصل عن الإصلاح الأمريكي الجديد، وخطوات الإستجابة له في كلّ بلد، وإلى أيّ مدى وصلت، والتبشير بالمشروع الأمريكي الحالم، الذي يرفع شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بينما يخفي ثلاثة أمور:
أ) تجزئة وتفريق الامّة سياسيا، وتخريب ثقافتها، وأخلاقها.
ب) تفريغ المنطقة من احتمال بروز أي لاعب استراتيجي فيها غير الهيمنة الأمريكية، حتى إنه يستعمل لفظ "الخوارج"، لمن يفكّر بالخروج عن هذه الهيمنة إن كان في إطار الثقافة الإسلامية، والدول المارقة، التي خرجت عن المجتمع الدولي، أو التيارات الراديكالية، إن كان غير ذلك!
ج) "تسليعْ" كل شيء فيها للأسواق الأمريكية.
3) التركيز على قضية المرأة العربية المظلومة المسكينة التي تعاني من اضطهاد الرجل العربي، وامتدت إليها اليد الحانية الامريكية لتنقذها من بؤسها وشقاءها!
وبهذا يكتمل المستوى الثاني من الحالة " التنكية "!
الخطوة الثالثة:
تهيئة الشعوب للحالة "التنكيّة" الكاملة، وهنا يحصل شيء لايمكن تصديقه، فيتم تخدير العقول إلى أن تصدق بما يلي:
1) أنّ المحتل المغتصب الذي قتل من أمتنا الآلاف واغتصب وانتهك كل الحقوق، ما هو إلا محسنٌ ومتفضل على الشعوب؛ إن أعطاها بعض القطع من أرضها، ومكّنها من التصرف في بعض إدارة شئونها، أو حرّر المرأة فيها - بينما هو يستعبد الدولة نفسها وتمتلأ سجون إحتلاله من أبناءها يسمومهم سوء العذاب جهرا لاسرّا! - كما يحدث في فلسطين، والعراق، وأفغانستان على سبيل المثال.
2) أنّ الغازي المحتلّ، إنما هو عاقل، وحكيم، وكبير في سموه، وأخلاقه، لأنّه جاء ليعلم الشعوب الإسلامية كيف تفهم القرآن فهما صحيحا، وتنظر إلى الشريعة الإسلامية نظرة معتدلة وسطية، بحيث ترى مشروع الإصلاح الأمريكي هو "المسيح المخلّص"، وأما المقاومون فهم المفسدون في الأرض، يجب استئصالهم، أو إيداعهم السجون!
3) أن الأنظمة العربيّة عندما تسير وراء المشروع الأمريكي، إنما - منطلقة من حرصها الكبير والحنون على مصلحة شعوبها والذي طالما اتصفت به - تريد أن تحقق الرفاه، والحرية، وترتقي بحال شعوبها إلى ما كانت تصبوا إليه دائما، من حياة كريمة، يجد فيه الفرد لقمة العيش الشريفة، ويأمن على نفسه من قبضة الإستخبارات، ووسائل التجسس، وبطش البوليس السري، وتكميم الأفواه، وإغلاق العقول، ولهذا فإن طاعة هذه الأنظمة وهي تسير وراء المشروع الأمريكي: هو مقتضى: الشرع، والعقل، والإتزان، والحكمة، والمصلحة!
ونضرب هنا مثالا حيا على حالة "تنكية كاملة ونموذجية":
فعلى الفرد من الشعوب العربية أن يصدّق، أن أمريكا لاتريد إخراج سوريا من لبنان من أجل حماية الصهاينة، وطرد الفصائل الفلسطينية من دمشق في إطار المؤامرة لتقويض الإنتفاضة، ولأجل منع وجود أيّ لاعب خارج الهيمنة الأمريكية في المنطقة، بل من أجل تحرير لبنان، ومنع الإستبداد، وعدم السماح بوجود جيش دولة في حدود دولة أخرى، وعلى الفرد أن يصدق أيضا أن وجود الجيش الأمريكي في العراق، مع المخابرات والموساد الصهيوني، وما ترتب عليه من دماء وانتهاكات لايمكن إحصاؤها، مع استعمال كل وسائل الإستبداد العسكري، والاستخباراتي، والسياسي هناك، والعبث بكل مقدرات العراق، لايتناقض أبدا مع المطالب الأمريكية لسوريا، لأنّ ما تفعله أمريكا يختلف دائما، وحتى لو لم تر - أيها الفرد العربي - الفرق، فاتهّم عقلك ولا تتّهم السياسة الأمريكيّة!
وإذا انتهت هذه الخطوة الثالثة والأخيرة من نظرية "التَنَك" يتحقق نجاح المشروع الأمريكي.
ويتضح ذلك جليّا إذا تجوّل الأمريكي في بلادنا، فنظر إلى الناس، فرآهم "علبا" من "تنك" تتحرك؛ تضربها وسائل الاعلام التي هي أبواق للمشروع الأمريكي فتردد الضرب بأعلى منها كالببغاء لكن بحماس أكبر! ويشكلّها هذا المشروع كما يشاء أن يشكلّها، ثمّ هي - كالتنك – لا تستحق أن تتحمّل إلا أتفه القضايا، وأخسّ الهمم، فيعلم حينئذ أن هذه النظريّة قد تم تطبيقها بأمانة تامة في بلادنا العربيّة!
أما من يدعو أمّتنا إلى أن تكون أمة القرآن، والحديد الذي فيه البأس الشديد؛ فإنّه من "الخوارج"، أو "التكفيريين"، أو "المتطرفين"، فالحديد لايصح أن يكون إلا للقوات المحتلة، وأما حقّ شعوب المنطقة فهو نظرية "التنك" فحسب.
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
كتبه /حامد العلى
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسوله الكريم , وعلى آله وصحبه أجمعين
نظرية "التَنَك"
هي أحدث ما توصلت إليه النظريّات السياسيّة في عالمنا العربي، وهي في الأصل نظريّة أمريكيّة مستوردة حديثا، ولها نسخة مصنوعة خصّيصا للمواصفات العربيّة، في ضوء الأنظمة الحالية.
وهذا شرح النظرية مع تبسيط شديد:
هي مشتقة من "التنك"، بالتحريك، وهي علبة من معدن خفيف لاتصلح للأشياء الثقيلة ولا الأمور المهمة بلاريب.
وإذا كانت فارغة فأتى عليها ضربٌ خفيف تصدر اصواتا هائلة، لاتعكس حقيقة ما وراء الصوت، بل أكبر منها.
كما أنها يسهل "بعجها" وإعادة تشكيلها.
وفي اللهجة الخليجية تُضرب مثلا للشخص الأبله الذي يصدق كل ما يُقال له، ويمكن توجيهه بسهوله، وخفيف العقل
ويردد كالببغاء ما يقوله غيره بلا وعي، ولايكتشف أنه قد خُدع إلا بعد فوات الأوان، فيقال: "فلان إتْنِكه"!
وملخّص نظرية التنك السياسية هذه، أن تقتصر مهمّة النظام السياسي في هذه الخطوات:
الخطوة الأولى:
مواصلة التعبئة في الوعي واللاوعي للشعوب العربية والإسلامية، أنها مجرد قطعان سائرة وراء الغرب المتطوّر - أو لنقل: قطع "تنك" بأعداد كبيرة جدا! –
وذلك بواسطة الإتهام المتكرر لتراثها، وتاريخها، وثقافتها، وشخصيّتها الحضاريّة، بل نفس تركيبة العقل العربي والمسلم، بأنّ ذلك كلّه من شأنه أن يولّد الإرهاب، والتطرف، والتشدد، والتخلف، لاسيما القرآن العظيم - تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا - ومنابر الجمعة، والمساجد، وكتب الفقه، وكتب التاريخ العربي والإسلامي، وكلّ ما له علاقة بالإسلام هو السبب الرئيس في تخلف الشعوب، حتى الحجاب، واللحية، وكليات الشريعة... إلخ!
وفي هذه الخطوة؛ يتم رفع الشعوب العربيّة إلى المستوى الأوّل من حالة "التنكية"، وبلاريب يجب أن يكون هذا تحت الإشراف الأمريكي.
الخطوة الثانية:
توجيه وسائل الإعلام توجيها منهجيا، لتفريغ العقول من القضايا المهمّة التي تحتاجها الأمّة اليوم وهي خمسة قضايا:
أولا: إعادة الإعتزاز بالإنتماء إلى الإسلام على أنه المكوّن الحضاري الأساس للأمّة، على مستوى العقيدة، والتشريع، والقيم الروحيّة، والاخلاقيّة.
ثانيا: تحويل طاقات الأمّة من هذا الاعتزاز الذاتي بالهويّة والثقافة، إلى تحمّل مسؤولية نشر الإسلام عالميا متحديا برسالته العلوية السماوية، كلّ المناهج الأرضيّة الوضعيّة، متحولا من موقع الدفاع إلى الهجوم.
ثالثا: تحقيق الوحدة التكامليّة للشعوب في نظام سياسي موحّد، يسترد بلادها المحتلة، ويخرج كل قواعد الإحتلال وملحقاته منها، ويعزز شخصيّتها الحضارية عالميا، ويحقّق استقلال القرار السياسي للأمة، والتكامل الإقتصادي، والقوة العسكرية.
رابعا: توفير حقوق الشعوب العربيّة والإسلاميّة كاملة، وحفظ كرامة الفرد، وضمان بقاء النظم السياسية خادمة للشعوب أمينة على حفظ دينها، وكرامتها وحقوقها، مرهون بقاؤها بهذا الحفظ فحسب، لا بأطماعها الشخصية، ولا بتدخلات خارجية.
خامسا: تطوير العلوم اللاّزمة للنهضة الشاملة العلمية، والسياسية، والإدارية على مختلف الأصعدة، تطوير هذه العلوم، وليس تخريب - وليس هو تطوير - مناهج تعليم الشريعة واللغة العربية!
تفريغ عقول الأمّة من هذه القضايا، إلى إشغالها بثلاث قضايا تركّز عليها وسائل الإعلام:
ولاحظوا أن واقع وسائل الإعلام، ومناهج الثقافة، والمؤتمرات، وحتى شيوخ الدين المزيفيّن أو الذي تم تحويلهم إلى "تنك" بواسطة هذه النظرية الخطيرة، يجب أن يركزوا عليها دائما! وهي:
1) مكافحة وهم "الإرهاب"، وإشغال الدولة في ملاحقة شبحه، من تغيير المناهج، وتفتيش المساجد، وتنبيش عقول الشباب، إلى البحث تحت الثياب، ووراء النقاب... إلخ.
وعلى شيوخ الفتوى أن يتفرّغُوا لتوعية الشعوب من هذا الخطر الداهم، ويجب تأجيل كلّ القضايا الأخرى إلى أجل غير مسمّى، فلاشيء أخطر على الأمّة اليوم، من الإرهاب المختفي وراء النقاب، وتقصير الثياب، ووراء الحديث عن توحيد الأمّة، و الجهاد، والتحذير من مكايد اليهود والنصارى، في المواقع الإلكترونية، وزوايا المساجد!
في لهث مستمر، وحثيث، ومجنون، الهدف منه إبقاء الأمّة في حالة شعور بالذنب، والتخلف، والبحث عن الذات، والدفاع عن النفس، وتغييبها عما يحاك ضدها، بل تحويلها إلى وقود في المشروع الذي يهدف إلى إخضاعها!
2) الحديث المتواصل عن الإصلاح الأمريكي الجديد، وخطوات الإستجابة له في كلّ بلد، وإلى أيّ مدى وصلت، والتبشير بالمشروع الأمريكي الحالم، الذي يرفع شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بينما يخفي ثلاثة أمور:
أ) تجزئة وتفريق الامّة سياسيا، وتخريب ثقافتها، وأخلاقها.
ب) تفريغ المنطقة من احتمال بروز أي لاعب استراتيجي فيها غير الهيمنة الأمريكية، حتى إنه يستعمل لفظ "الخوارج"، لمن يفكّر بالخروج عن هذه الهيمنة إن كان في إطار الثقافة الإسلامية، والدول المارقة، التي خرجت عن المجتمع الدولي، أو التيارات الراديكالية، إن كان غير ذلك!
ج) "تسليعْ" كل شيء فيها للأسواق الأمريكية.
3) التركيز على قضية المرأة العربية المظلومة المسكينة التي تعاني من اضطهاد الرجل العربي، وامتدت إليها اليد الحانية الامريكية لتنقذها من بؤسها وشقاءها!
وبهذا يكتمل المستوى الثاني من الحالة " التنكية "!
الخطوة الثالثة:
تهيئة الشعوب للحالة "التنكيّة" الكاملة، وهنا يحصل شيء لايمكن تصديقه، فيتم تخدير العقول إلى أن تصدق بما يلي:
1) أنّ المحتل المغتصب الذي قتل من أمتنا الآلاف واغتصب وانتهك كل الحقوق، ما هو إلا محسنٌ ومتفضل على الشعوب؛ إن أعطاها بعض القطع من أرضها، ومكّنها من التصرف في بعض إدارة شئونها، أو حرّر المرأة فيها - بينما هو يستعبد الدولة نفسها وتمتلأ سجون إحتلاله من أبناءها يسمومهم سوء العذاب جهرا لاسرّا! - كما يحدث في فلسطين، والعراق، وأفغانستان على سبيل المثال.
2) أنّ الغازي المحتلّ، إنما هو عاقل، وحكيم، وكبير في سموه، وأخلاقه، لأنّه جاء ليعلم الشعوب الإسلامية كيف تفهم القرآن فهما صحيحا، وتنظر إلى الشريعة الإسلامية نظرة معتدلة وسطية، بحيث ترى مشروع الإصلاح الأمريكي هو "المسيح المخلّص"، وأما المقاومون فهم المفسدون في الأرض، يجب استئصالهم، أو إيداعهم السجون!
3) أن الأنظمة العربيّة عندما تسير وراء المشروع الأمريكي، إنما - منطلقة من حرصها الكبير والحنون على مصلحة شعوبها والذي طالما اتصفت به - تريد أن تحقق الرفاه، والحرية، وترتقي بحال شعوبها إلى ما كانت تصبوا إليه دائما، من حياة كريمة، يجد فيه الفرد لقمة العيش الشريفة، ويأمن على نفسه من قبضة الإستخبارات، ووسائل التجسس، وبطش البوليس السري، وتكميم الأفواه، وإغلاق العقول، ولهذا فإن طاعة هذه الأنظمة وهي تسير وراء المشروع الأمريكي: هو مقتضى: الشرع، والعقل، والإتزان، والحكمة، والمصلحة!
ونضرب هنا مثالا حيا على حالة "تنكية كاملة ونموذجية":
فعلى الفرد من الشعوب العربية أن يصدّق، أن أمريكا لاتريد إخراج سوريا من لبنان من أجل حماية الصهاينة، وطرد الفصائل الفلسطينية من دمشق في إطار المؤامرة لتقويض الإنتفاضة، ولأجل منع وجود أيّ لاعب خارج الهيمنة الأمريكية في المنطقة، بل من أجل تحرير لبنان، ومنع الإستبداد، وعدم السماح بوجود جيش دولة في حدود دولة أخرى، وعلى الفرد أن يصدق أيضا أن وجود الجيش الأمريكي في العراق، مع المخابرات والموساد الصهيوني، وما ترتب عليه من دماء وانتهاكات لايمكن إحصاؤها، مع استعمال كل وسائل الإستبداد العسكري، والاستخباراتي، والسياسي هناك، والعبث بكل مقدرات العراق، لايتناقض أبدا مع المطالب الأمريكية لسوريا، لأنّ ما تفعله أمريكا يختلف دائما، وحتى لو لم تر - أيها الفرد العربي - الفرق، فاتهّم عقلك ولا تتّهم السياسة الأمريكيّة!
وإذا انتهت هذه الخطوة الثالثة والأخيرة من نظرية "التَنَك" يتحقق نجاح المشروع الأمريكي.
ويتضح ذلك جليّا إذا تجوّل الأمريكي في بلادنا، فنظر إلى الناس، فرآهم "علبا" من "تنك" تتحرك؛ تضربها وسائل الاعلام التي هي أبواق للمشروع الأمريكي فتردد الضرب بأعلى منها كالببغاء لكن بحماس أكبر! ويشكلّها هذا المشروع كما يشاء أن يشكلّها، ثمّ هي - كالتنك – لا تستحق أن تتحمّل إلا أتفه القضايا، وأخسّ الهمم، فيعلم حينئذ أن هذه النظريّة قد تم تطبيقها بأمانة تامة في بلادنا العربيّة!
أما من يدعو أمّتنا إلى أن تكون أمة القرآن، والحديد الذي فيه البأس الشديد؛ فإنّه من "الخوارج"، أو "التكفيريين"، أو "المتطرفين"، فالحديد لايصح أن يكون إلا للقوات المحتلة، وأما حقّ شعوب المنطقة فهو نظرية "التنك" فحسب.
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
كتبه /حامد العلى