تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من أبرز آثار التكفير تشويه سماحة الاسلام وعالميته



ahmadamir
05-31-2003, 09:35 AM
د. الشبل لـ"الرياض ":من أبرز آثار ظاهرة التكفير تشويه سماحة الإسلام وعالميته

أجرى الحوار حمد الفحيلة

أوضح الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن منهج التكفير منهج قديم حيث رفعت هذه الظاهرة برأسها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي تظهر وتنمو في بيئة الجهل وسوء الفهم والتنزيل لأحكام الشرع المطهر، كما وإن حصل في بلاد أفغانستان إبان الحروب والتشتت وقال إن آثارها خفاء العلم بالدين وتشويه سماحة الإسلام وعالميته. جاء ذلك في الحوار التالي:
نود في البداية أن نعرف ما هو التكفير وما مفهومه؟
- مفهوم التكفير هو الحكم على أشخاص معينين بالكفر المخرج عن الملة، وهو ما يسميه العلماء بتكفير المُعيِّن، وجعل هذا هو المراد بالتكفير عند اطلاقه بين الناس في هذا الزمان.
وأيضاً التكفير هو الحكم على غير معنيين بالكفر المخرج من الملة، سواء كانوا جماعات أو أهل بلدان أو مذهب أو قوم، وهو ما يسميه العلماء بالتكفير المطلق.
وكذلك الحال أيضاً في المراد بالتفسيق، فيقال في المراد به كما قيل بالتكفير.
مع ملاحظة أن المراد بالتكفير والتفسيق في الاستعمال الملحوظ الآن ومن خلال واقع الحال - هو التكفير المعيِّن والتقسيم المعيِّن بأشخاص محدودين بأعيانهم وأسمائهم، سواء بالحكم الدنيوي أو الحكم الأخروي، أو بهما معاً. ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه" وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
والتكفير مرحلة خطرة على العقيدة وعلى الفرد وعلى المجتمعات تسبقها مواصل التبديع والتفسيق والجميع سائرون في مركب الجهل والغوائية والسفاهة، التي تذيع الخوف وتشيع الكره والإفتتان في المجتمع المسلم، مما يكرس معاني الفوضى والهمجية مما لا تحمد عقباه.
لكن هذه الظاهرة تنمو وتظهر في بيئة الجهل وسوء الفهم والتنزيل لأحكام الشرع المطهر. كذلك تفشو هذه الظاهرة في مجتمع الازدواجية بين المتضادات من خلال الحفاوة بأهل الفسق والزندقة، أو عدم الأخذ على أيديهم بالعلم والبرهان، والقوة والسلطان، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
وماذا عن هذه الظاهرة قديماً هل هناك توضيح؟
- هذا وقد فشت ظاهرة التكفير قديماً، ففي أمة الإسلام، رفعت التكفير برأسها أواخر عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وهي تسببت بقتله ثم بمقاتلة الخوارج لعلي وللصحابة رضي الله عنهم، في حين بدأ أصلها عقب غزوة حنين، أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء في الصحيحين أن عبدالله بن ذي الخويصرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم حنين فقال: يا رسول الله أعدل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك! ومن يعدل إن لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم: دعه، فإنه سيخرج من ضمضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، وقيامكم إلى قيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم".
فكان هذا بفرقة الخوارج ومن تأثر بهم، وسراية مذهبهم الفاسد الخبيث إلى طوائف وجماعات وأفراد من المسلمين قديماً وحديثاً.
وهل هناك مكان محدد لنشوء ظاهرة التكفير؟
- لا أعرف مكاناً محدداً لنشوء ظاهرة التكفير والتفسيق ولا سيما المعينين ولكن هذه الظاهرة تنحو وتظهر في بيئة الجهل وسوء الفهم والتنزيل لأحكام الشرع المظهر. كذلك تفشو هذه الظاهرة في مجتمع الإزدواجية بين المتضادات من خلال الحفاوة بأهل الفسق والزندقة، أو عدم الأخذ على أيديهم بالعلم والبرهان، والقوة، والسلطان، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
ما أسباب ظهور هذه الظاهرة ونشوؤها؟
- الواقع أن أسباب ظهور ظاهرة التكفير، وفشوها وانتشارها عديدة، يكمن أهمها في:
1- الجهل الذريع، وربما الجهل المركب بهذه المسألة المهمة، في معرفة الكفر في موارد أدلة الوحي الشريف، والفرق بين الكفرين الأكبر والأصغر، وحال أصحابهما من جهة اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعيّن، والكفر الدنيوي والحكم لأصحابه بالخلود الأخروي بالنار.
2- اتباع الهوى، والأغراض النفسية بالتكفير المخالف وذمه والقدح في عرضه بالكفر دون تبصر بالعلم، وتورّع بالديانة.
3- اتباع المذاهب البدعية، والأقوال الشاذة، وتقليد الأصاغر بالعلم والدين في إطلاق الكفر على الدول والمجتمعات والأفراد.
4- الاستهانة بمحارم الله وأحكام شرعه، وعدم الأخذ على يد المكابر والمعلن بقالة الكفر، وأطره على الحق أطراً بقوة البرهان والسلطان! إلى غير ذلك من الأسباب، مع الأخذ بالاعتبار أن كل سبب من هذه الأسباب يحتاج إلى بطء في العرض والتحليل وضرب الأمثلة والتدليل... إلخ
وما آثار انتشار هذه الظاهرة؟
- أهم آثار انتشار ظاهرة التكفير والتبديع والتفسيق هو فشو الجهل وخفاء العلم بالدين: عقيدة وشريعة. وتشويه سماحة الإسلام وعالميته، كذلك أهم الآثار اختلال الأمن العام للمسلمين وغيرهم: الأمن العقدي والفكري، والأمن الديني والأمن الاجتماعي والأمن السياسي والعسكري والأمن الأسري والأمن النفسي، ولا سيما على العقل والدين والعرض والنفس والمال، وهي الضرورات الخمس التي أجمعت على حفظها شرائع الله قاطبة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"، وفي حجة الوداع في يوم عرفة قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" متفق عليه.
هل هناك علاج لهذه الظاهرة؟
- علاج هذه الظاهرة في فشو حالة التكفير أو التبديع والتفسيق بين الناس، ولا سيما المتعالمين أو المتعجلين بأحكامهم أو الجاهلين بها هو بعلاج النبي صلى الله عليه وسلم وعلاج أصحابه رضي الله عنهم لظاهرة الغلو في الدين، والتجافي عن منهاج العدل والوسطية عقيدة وقولاً وعملاً ويتأتى ذلك بوسائل أهمها فيما يبدو لي:
1- بنشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الوحيين الشريفين وعلى نبراس من فقه السلف الصالح من لدن الصحابة فالتابعين فعلماء الأمة الفحول رضي الله عنهم ورحمهم. والقضاء بالتالي على الجهل أو محاصرته، وهو ... التكفير التي يترعرع فيها.
2- وبمعالجة الظواهر الفردية بالحكمة والبصيرة اللائقة بها زماناً وواقعاً وحالاً، ويتأتى هذا بالعلماء الراسخين، والحكماء ذوي العقل والفطنة.
3- قيام الحاكم الشرعي، والعلم الرباني، والمربي الواعي، كلٌ فهم بواجبه المناط به ديانة وآداءً للأمانة الواجبة، وابراءً للذمة ونصحاً للأمة اعذاراً وانذاراً.
ثم ثمة علاج خاص لمن وقع في شباك هذه الفتنة من خلال مسلكين هما:
أحدهما، بالرفق واللين والتوجيه والتربية وحسن البيان لمن اشتبه عليه الأمر أو ادلهمت عليه الشبهات.. ولا يتأتى هذا إلا على يد ذوي العلم والغيرة الراسخين.
والثاني: بأسلوب مقارعة الحجة ودفع الشبهة، والتأديب والتعزير اللائقين في المعاند والمكابر، ومن على شاكلة هؤلاء، وهذا مناط بالقضاة والعلماء.
وما حكم من يجاهر بها وما الموقف معه؟
- نعم إن من يجاهر بكلام يصل إلى الكفر أو يدل على الردة عن الديانة، والزندقة في الملة، بأنه يدل على رقة الدين وضعفه في قلبه أو اضمحلاله، ثم يولد ردة فعل عكسية بتكفيره إما مقالة أو عيناً. فهذه الظواهر الاستفزازية من أولئك مصدر من أهم مصادر التكفير والتبديع.
والموقف مع هؤلاء له مراتب وأحوال.
فمن ذلك النصح لهم ودعوتهم، ثم الانكار عليهم قولهم بالأسلوب اللائق وكل مقالة يتفوه بها كل منهم.
ثم من لم يتب منهم ويرجع عن غيِّه، فبإقامة حكم الشرع عليه دون مجاملة ولا محاسبة لأحد في دين الله عز وجل. ولا شك أن لجانب القضاء الشرعي في بلادنا النزاهة والتثبت والنظر العلمي المعتبر من عدة مستويات من المحاكم: الكبرى فالتمييز فمجلس القضاء الأعلى وهذه الدوائر القضائية الكبرى تبلغ أقصى مدى ممكن لتحري العدل والحق وانفاذهما. كما ويجب على مسؤولي الإعلام تقوى الله، وأن لا يؤذوا عباد الله بمثل تلكم المقالات والطروحات الخطيرة التي تستفز دين الأمة وعقيدتها، وأن تخدم ذلك كما تحترم سياسة دولتها.
هذا والمسلم العاقل له في الناس كل الناس نظران:
1- أن ينظر لهم بعين الحكم الشرعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء، والنصح والدعوة لكل بحسبه.
2- وأن ينظر إليهم بعين القدر والقضاء، فمن كان منهم منحرفاً أقواله وفعله أو عقيدته، رحمه بذلك، وحمدالله أن لم يكن مثله، وأن الله قد عافاه مما ابتلى به غيره. فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف شاء

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم
إذ لا تردُّ مشيئة الديان

ahmadamir
05-31-2003, 09:37 AM
نود أن نعرف موقف العلماء من هذه الظاهرة؟
- واجب العلماء كبير ومهم وخطير في البدء والنهاية وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، من العلماء المفتون والمنشغلون بالنوازل والبحث العلمي فيها، ومنهم المدرسون وباذلوا العلم، ومنهم الوعاظ والموجهون، ومنهم القضاة... فالله المسؤول أن يعينهم ويوفقهم، ويأخذ بأيديهم ويثبتهم والمؤمل فيهم المبادرة إلى توجيه الناس وتربيتهم على الحق والخير، وعودتهم إليه وحملهم عليه، وبيان الأمور المشكلة عليهم وايضاحها لهم حسب تقديرهم - وفقهم الله - للأحوال والأمور، ولا يليق بهم التخلف وعدم المبادرة لذلك، حيث هم محط انظارهم، ومرفع رؤوسهم في مثل هذه الخطوب!
كما ويجب على الناس وذوي الغيرة الرد إلى العلماء ولا سيما في مثل هذه المسائل الدقيقة والأمور المهمة في الخطوب المدلهمة، ومن ذلك مشاكل التكفير والتبديع والتفسيق، والصدود عن توجيه العلماء ورأيهم.
ولا يجوز من ذوي الحماسة والاندفاع الاستهانة بأهل العلم وأحكامهم وفتاواهم ورأيهم. وهو لا يجوز أيضاً من ذوي التخاذل والاستكانة وقلة الغيرة على دين الله وشرعه، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
والله سبحانه يتولانا وإياكم برحمته، ويحفظنا بحفظه، ويوفق المسلمين لكل خير ويجنبهم كل شر وسوء ومكروه.
وماذا عن التفجيرات وأثرها في الفساد والفوضى؟
- التفجيرات وأثرها في الفساد يتبين في أن إرهاب الآمنين وتخويفهم وإشاعة الخوف فيهم من صنائع أهل البغي والخروج، الذين سلمت منهم دماء المحاربين من أهل الكفر، وأعملوا القتل في أهل الإسلام، ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون علي الله من أن يهراق دم امرء مسلم".
كما وإن التفجير في المجتمع المسلم الذي فيه ولاية شرعية وأمن وطمأنينة، كمجتمعنا ولله الحمد، من السعي في الأرض فساداً، بل ومن الافتئات على الولاية المعتبرة الشرعية إلتي في أعناق المسلمين لولي أمرهم، ومن إهدار الأرواح والأموال والأمان بين المسلمين. ولو كان هذا الفعل موجّهاً لكافر له معنا عهد وميثاق، فإن ذمة المؤمنين واحدة يسعى بها أدناهم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو متوعد وعيد خطير صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال: "من قتل نفساً معاهدة بغير حلِّها، حرم الله عليه الجنة أن يجد ريحها" رواه أحمد وبعض أهل السُنّة.
وعليه فإن عمليات التفجير والقتل التي تطال المسلمين في بلاد الإسلام محرّمة عظم حرمها، وكذا ما طال المستأمنين والمعاهدين ممن لهم عهد أمان من الكفار، في معاهدات ومواثيق منحت لهم من ولاية المسلمين الشرعية، لها الحرمة والخطورة ما دلت نصوص الشرعية وقواعدها ومقاصدها عليه من وجوه كثيرة يدركها أهل العقل والحكمة فضلاً عن العلماء والفقهاء، وتغيب أو تُغيب عن مدارك الصبيان والجهال وأنصاف المتعلمين والله المستعان.
وماذا عن موقف الإسلام من النوازل والأحداث؟
- إنه يتأكد على المسلم الحريص على دينه المشفق على نفسه عند وقوع الفتن وادلهام المحن أن يراعي الأصول الشرعية التي أبانها دينه ليعتصم بشرع الله عند وقوعها، وليسلم من الانزلاق في مراديها، وهذه الأصول هي:
1- البصيرة عند وقوع الفتن بها وبحكم الشرع الشريف بها، فإن العالم المستبصر بالفتن ناج بها بنفسه ومنج غيره، أما الجاهل بها وبعواقبها فإنه يوشك أن يقع فيها.
ولا تتأتى البصيرة إلا بالعلم الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- الالتجاء إلى الله عز وجل والانطراح بين يديه وسؤاله العفو والعافية حيث يتأكد على المؤمن صدق تضرعه لمولاه وعبادته بالسؤال والإلحاح عليه أن ينجيه من الفتن ويعصمه منها، ولذا من دعاء الصالحين {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
3- يجب الرفق والتأني والحلم عند وقوع الفتن والتعقل فيها والحذر من العجلة في الرأي والحكم، والحذر من الطيشان والتصرفات غير المسؤولة فإنها لا تأتي إلا بالشر وبنتائج غير مسؤولة "وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه". وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم أشج عبدالقيس بخلتين هما: الحلم والأناة.
4- مراعاة جانب السلامة للدين والعرض عند وقوع الفتن ولو بالهروب منها، والقعود عنها "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". ولما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستكون فتنة النائم خير فيها من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، فمن وجد ملجأ أو معاذاً فليستعذ به".
وفي صحيح مسلم من رواية أبي بكر رضي الله عنه نحوه وزاد: "ألا فإذا وقعت الفتن فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه. فقال رجل: يا رسول الله من لم يكن ذلك، قال: يعمد إلى سيفه فيتق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاة اللهم هل بلغت .. مرتين.." الحديث.
5- ومن الأصول المهمة التي تحكم المسلم هنا رد أمر الفتنة إلى العالم فيها والمتبصر بعلمهم، وهم العلماء الراسخون في العلم، ضليعو الديانة والحذر من أضدادهم من الجهال أو القراء والمتعالمين وصغار السن والأحلام والسفهاء والصحفيين، فإن مسائل الفتن والنوازل والخطوب المدلهمة ليس لها إلا الكبار علماً وعقلاً وديناً وحكمة؟!
6- ومن الأصول التي يجب مراعاتها ولا سيما خلال ادلاهم الفتن أهمية الاجتماع ووحدة الصف بوحدة الكلمة في جماعة واحدة تقودها قيادة راشدة من العلماء ومن ولاه الله أمر الناس، والحذر أشد الحذر مما يعكر صفو ذلك من التفرق وشق الصف بالقول والرأي والفعل {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} {وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار". و"الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية" قد من الله علينا مما فقده غيرنا من اجتماع الكلمة تحت راية شرعية معتبرة يقودها ولاة لهم في أعناق المسلمين عند نا بيعة ويسوسها العلماء بحكم الديانة والملة فله سبحانه الحمد في الأولى والاخرة، ولله الحكم وإليه ترجعون.
ومن جهة ما نراه ونلحظه من تنوع التحليلات والشائعات والاتهامات، وكثير منها مبالغ فيه جداً أو خارج عن معنى الحق والمصداقية فهو من أظهر وسائل الإرجاف بالمؤمنين وتخويفهم، وتخذيلهم وبث الرعب والفتن والشر فيهم، وتفريق اجتماعهم وكلمتهم وهذا كله شأن من ضعف إيمانه أو قلة حكمته وبصيرته، وهو شأن المنافقين المرجفين قديماً وحديثاً كما حذرنا الله منهم في كلامه القرآن آمراً لنا بضد حالهم، كما في آية سورة النساء {وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}. وكان من قول المنافقين المخذلين والمرجفين بالمؤمنين، غزوة تبوك "أتحسبون قتال بني الأصفر - أي الروم - كقتال العرب بعضهم بعضاً" تخويفاً وارجافاً بالمسلمين.
هذا وأنفع ما ينفع المسلم ويعصمه عند وقوع الفتن والنوازل: ذكر الله تعالى الذي به طمأنينة القلوب، ودعاؤه سبحانه والانطراح بين يديه والإلحاح عليه وسؤاله كفاية شرها والعفو والعافية منها. ومن ذكر الله دعاء الخوف والكرب والهم والحزن كدعوة ذي النون المكروب يونس عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ودعاد الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ذو العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، رب العرش الكريم). ودعاء الهم والحزن: (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) وغيرها من الأدعية والأذكار النبوية النافعة في مثل هذه الخطوب.
ومن دعاء الله الذي أمر الله من في قوله سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليتقوا بي لعلهم يرشدون} وقوله سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون}.
مع ملاحظة تحري أوقات الدعاء المناسبة، ولا سيما أوقات الإجابة كآخر الليل ساعة التنزل الإلهي، ثلثه الأخير، ودبر الصلوات المفروضة والنوافل، وحال السجود، وعند الفطر لمن كان صائماً، وعند نزول المطر، ووقوع الخطب والمصيبة لكمال التعلق والاتجاء إلى الله عند وقوع الظلم والكرب، نسأل الله العافية في الدين والدنيا والآخرة، وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.