تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يقظة مارد:



Anfal
05-28-2003, 04:03 PM
إلى من ظن أن الظلام دامس لا يليه فجر صادق؛ إلى من نسي أن أسفل الوديان لا تتبعها قمم الجبال؛ إلى من ظن أن الأمة فارقت الحياة، إلى من فتش عنها ولم يرها وسط الدمار والخراب. أقول لكم جميعا أما أنا فوجدتها، رأيتها من بعيد كالمارد العملاق أرخى قدماه الطويلتان على الأرض وبسط يداه يمنةً ويسرةً دون حراك وسط اللغو والتدمير والفتن والخراب.
وجدتك أيها الأمة وقد تخضبت أطرافك بالدماء، أما جبينك فوضّاء ينير رأسا استند إلى صخرة من صخور بيت المقدس.. بدأت أناديك: انهضي لم يعد وقت الرقاد ولكنك لم تسمعي فالصبية من حولك كانوا يعبثون بك، ظنوك فارقت الحياة. أخذوا ينكتون في جراحاتك، يعبثون بعراقك الحبيب، يخرجون بلقانك، يضربون أفغانك، ... ناديتك أخرى لا تخشي الجبناء ولكنك لم تسمعي فالصبية عادوا إليك رأوك تنزفين فمن حمقهم، من جبنهم لم يعرفوا أن النزيف دليل الحياة، لم يفهموا أن السكون قد يرمز للثبات، وثبوا على صدرك داسوا على فلسطينك في مهجة قلبك وما إن فعلوا حتى انتفضت الأمة واستيقظ المارد من جديد فخفق القلب وملأت خفقاته أرجاء السماء أوجلت منها صدور الجبناء الذين انكسروا عنها خائفين مترقبين.
أما أنا فأسرعت إليك أنظر في عينيك لألمح حزنا وألما، وانظر في شفتيك لأرى صمتا وندما فدعوت ربي أن يطلق لساني فبدأت أتلو عليك من رحيق القرآن، من سورة الفتح وآل عمران، من آيات الانشراح وسورة الرحمن.. أثبت بها فؤادك الولهان وطفقت أنادي بملء صوت صُمّت منه الآذان: انهضي أيتها الأمة.. قد آن الأوان؛ ولكنها أشارت إلي لجرحها، فقلت لها: أنا أعلم أيتها الأمة أن في كل مكان من جسدك مصاب، فمنك من يُقتل بغير هوادة ولا رحمة، ومنك من يُشرّد ويُعذّب، ومنك من يُذلّ ويُهان، ومنك من تُنتهك حرماته وتُحاصر حرياته، ولكن لا تقولي كيف أنهض!! فأنت الأمة التي لا تموت لأنها أمة الرسالة المعظّمة والنبوة الخاتمة والكلمة المُتمّمة.
أيتها الأمة، قلّبي معي في صفحات التاريخ أيام عز ذهبية، تذكري الصمود في شخصية أبي بكر، والعدل والرحمة والقوة مع الفاروق، والحكمة مع عثمان، والشجاعة والعلم مع علي، تذكري النبل والزهد مع عمر بن عبد العزيز، والإقدام والبسالة مع صلاح الدين، والشباب والعزيمة مع محمد الفاتح.. أيتها الأمة لن أطوي سجل العزّ.. خذيه وانشريه علّ الناس يدركون أن ما حلّ بنا اليوم ليس سوى غمامة سوداء ستنكشف من ورائها شمسنا الغراء.
فتلألأت من الأمة العينان وضحكت منها الشفتان وغيّر اللون الوردي منها الوجنتان، فنهضت تخلع عنها ثوب الوهن والضعف والجهل والتفرقة وتلبس رداء الإسلام الفضفاض تنظر إلى الصبية بعين الشفقة والرحمة وبدأت كالعروس الفاتنة تتبختر من بعيد فعلمت أن الأمة حبلى ستولّد من جديد.