تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حالة نمر بها



بشرى
05-28-2003, 03:52 PM
حالة نمر بها.. وعلاج مناسب
قال الفتى الشاب لشيخه الجليل وهو يحاوره:
أعاني تذبذباً واضحاً في علاقتي مع الله جل جلاله.. تارة أسمو.. وتارة أنخفض.. تارة أشعر أني أتلألأ بالنور.. وتارة أحس أني أتلطخ بالوحل والأقذار.. تارة أكون في انشراح عجيب مع الطاعات.. وتارة أجد انقباضاً منها، وثقلاً فيها.. تارة أرى كل شيء واضحاً أمامي لا يحتاج إلى شرح.. وتارة أحس أن مفاهيمي غريبة في زمن غريب عجيب!! تارة… وتارة..
ابتسم الشيخ الجليل ومسح على رأس الفتى، وأخذ يتمتم له بالدعاء ثم قال:
يا بني.. أصغ إليّ جيدا.. اعلم أولاً: أن دوام الحال من المحال.. وهذه سنة الله في خلقه: ليل، ونهار.. صيف، وشتاء.. ربيع، وخريف..الخ.. فهذه الحالة التي تنتابك، يجدها كل من سار في طريق الله عز وجل.. غير أن الناس فيها يتفاوتون.. وعلى كل حال: العلم الصحيح يحفظك من الزيغ.. ويثبت قدميك على الطريق. العلم الصحيح يحفظك من المفاهيم الخاطئة.. العلم الصحيح يكشف لك جوانب الطريق ومزالقه وجوانبه ومنعرجاته..
فعليك ابتداءً: بتحصيل العلم اللازم الذي يحفظك به الله تعالى، ويكون سبباً في ثباتك أمام فتن الدنيا _ وما أكثر هذه الفتن_ ثم هذا وحده لا يكفي.. لابد لك من أجواء صحية صحيحة نقية.. أعني بذلك: أنه لابد لك من بيئة طاهرة تعيش في أجوائها.. بعبارة أدق: أنت تحتاج إلى صحبة صالحة متوضئة.. تكون لك بمثابة الوقود الذي يعينك على مواصلة الرحلة حتى تصل إلى الفردوس إن شاء الله ومع هذا وذاك.. أنت تحتاج إلى شيء آخر!!
قال الفتى الذي بدأ وجه يتلألأ مع كلمات الشيخ: أيضا…!؟ فوق ما تقدم؟!
ابتسم الشيح الجليل وفاضت روحانيته على ملامح وجهه وقال: نعم يا بني.. أنت تحتاج إلى جرعات مكثفة من عقاقير مختلفة..
حملق الشاب في وجه شيخه وتمتم: جرعات..!! عقاقير..!! ما هذا؟
قال الشيخ وعلى وجهه تتلألأ ابتسامته المشرقة: نعم جرعات مكثفة من: ذكر الله الكثير.. والدعاء والمناجاة.. والتضرع.. جرعات من تلاوة القرآن.. والصدقة.. والصلاة بالليل والناس نيام.. جرعات من الاستغفار بالأسحار.. والدعوة إلى الله قدر طاقتك بالحكمة والموعظة الحسنة.. بل قد تحتاج مع هذا كله إلى اعتكاف بين الحين والحين لتنقطع إلى الله وحده.. فإن الله تعالى سيضاعف لك كرمه، إذا انقطعت له يوما أو بعض يوم.. وتحتاج إلى جرعة قوية من الثقة بالله سبحانه وأنه لن يخذلك إذا أحسنت الإقبال عليه، بعد ذلك.. إذا انتابتك مثل هذه الحالة التي وصفت.. فلا عليك.. فقط أوصيك يا بني هاهنا:
أن تبادر لتفتش نفسك، لعل هذه الحالة التي تمر بها سببها مخالفة وقعت فيها، أو زلة ترديت فيها، أو ذنب في حق أحد وقعت فيه.. أو سماع ما لا ينبغي.. ونحو هذا كثير.. فإذا عرفت السبب فيبقى أن تجاهد نفسك هاهنا حتى تخرج من ذلك السبب، لتعود إلى ما كنت فيه من إشراق وبهاء وسمو.. فإذا فتشت نفسك جيدا ولم تعثر على سبب ما، فاكثر من الاستغفار، واصبر وصابر وثق بالفرج القريب..
قال الفتى المتلألئ: ونفعني الله بكلمات الشيخ هذه كما لم أنتفع بشيء آخر من قبل.. كانت كلماته ترسم لي خريطة حياة، وبرنامج عمل.. ولما سرت على ضوئها تكشف لي الطريق كله.. وتذكرت قول الله تعالى: والذين جاهدوا فينا.. لنهدينهم سبلنا ) فلله الحمد والمنة..)
ومن منا يخلو من هذه الحالة؟؟ في كل واد بنو سعد!.. المشكلة ليست في الحالة نفسها، فهي لازمة من لوازم قصيدة الحياة.. المشكلة الحقيقية: كيف نواجه هذه الحالة حتى لا تعرقل سيرنا إلى الله؟ كيف نعرف طرق الخلاص منها حتى ننجو؟؟ وقد تكفل شيخنا بعمل اللازم.. ووضع "روشتة" العلاج.. ولكن الدواء أحيانا يكون شديد المرارة.. وعلى هؤلاء (أعني الذين يجدون العلاج مرا).. عليهم إما أن يتحملوا مرارة الدواء ليشفيهم الله سبحانه.. وإما فعليهم أن يكبروا على أنفسهم أربع تكبيرات.. نسأل الله أن يلطف بنا ويرحمنا..