تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل الطائفية دينية فقط؟



حسين
11-17-2007, 07:17 PM
لطائفية شكل من أشكال التمييز، مثله مثل العنصرية والعرقية والشوفينية والطبقية والجنسية وغيرها من الأشكال الأخرى. وتختلف الطائفية عن كل هذه الأشكال في الأساس الذي يقوم عليه هذا التمييز. فإذا كانت العنصرية تقوم على اللون والعرقية تقوم على العرق والشوفينية تقوم على الهوية القومية والطبقية على الموقع الذي يتخذه الفرد أو الجماعة في الهرم الاقتصادي الاجتماعي والجنسية على أساس الجنس أو النوع (الجندر)، فإن الطائفية تقوم على أساس المعتقد أسواء كان دينيا أم أيديولوجيا.
إن أشكال التمييز هذه قد يكمل بعضها بعضا أحيانا مثل أن تكون الطائفة المميز ضدها أو اللون أو الجنس المميز ضده يقع في أسفل درجات السلم الطبقي فيندمج التمييز العنصري والطائفي بالتمييز الطبقي، وقد يناقض بعضها بعضا أحيانا أخرى فيكون التمييز العنصري أو الطائفي دافعا لتهميش الحس الطبقي أو العكس.
وإذا ما تتبعنا مسيرة البشرية سنجدها - بقدر لا بأس به من التعميم - تتحول من التمييز على أساس المكونات الطبيعية مثل اللون والدم والجنس في المجتمعات والمراحل الأكثر تخلفا إلى التمييز على أساس المكونات المكتسبة مثل العقيدة والطبقة في المجتمعات والمراحل الأرقى. وإذا ما شبهنا ذلك بقطع الحاسوب لقلنا إن البشرية ترتقي من التمييز على أساس القطع الصلبة Hardware إلى التمييز على أساس القطع الناعمة والبرمجيات .Software رغم إدانتنا الأخلاقية للتمييز الطائفي (العقائدي) إلا أنه بالطبع خطوة للأمام في مسيرة البشرية مقارنة بالتمييز على أساس العرق واللون، وإن من أهم انجازات الديانات السماوية والأيديولوجيات الكبرى هو أنها فرزت الناس على أساس معتقدهم الفكري بحيث وقف الأخ ضد أخيه والابن ضد أبيه في سبيل الإسلام أو الشيوعية مهمشاً بذلك الأصل القبلي والعرقي والعنصري، مثلما أن التمييز الطبقي وهو أرقى أشكال التمييز على سوئه هو أيضا خطوة للأمام مقارنة بالتمييز على أساس الطائفة والعقيدة.
الحديث إذن عن الطائفية - بوصفها تمييزا على أساس المعتقد - وهل من التاريخي والموضوعي أن نحصرها في التيار الديني أم أن لها مصاديق أخرى في التيارات التي هي حتى الآن في العرف السياسي كانت ضد - طائفية. في أعقاب السجال اللفظي بين النائبين الشيخين الديري والسعيدي عاد الكلام مجددا عن الطائفية ومخاطرها وضرورة مواجهتها ولوم الإسلام السياسي على إنتاجه لخطاب وأفراد طائفيين بحسب ما تراه الأطراف السياسية الأخرى. وفي غمرة مهرجان الكلام حول الطائفية نسي أو تناسى الجميع أن الطائفية ليست دينية فقط، وأن من عايشوا فترة المد اليساري في البلاد يتذكرون أن انجازات الحركة الوطنية الواضحة في تحييد الطائفية الدينية لم تحل من دون تنشيط الطائفية الأيديولوجية. وأن هذه الحركة التي يذكر لها التاريخ شرف اختراق حاجز التشيع والتسنن في الزواج المختلط لم تخترق حاجز الشعبية والتحرير في العلاقات الشخصية وفي تقييم الأشخاص والمواقف. كان بوسع الشيعي أو الشيعية أن يتزوجا بسني أو سنية أو العكس ولكن لم يكن من السهل أن يتزوج المنتمي إلى التحرير بالمنتمي إلى الشعبية، فقد كانت تلك أندر الزيجات، كما لم يكن ممكنا الحصول على مديح لشخص ينتمي لهذا التنظيم من شخص ينتمي لذاك التنظيم، لا بل إن فرص الوصول إلى موقع في العمل أو التعليم في الخارج أو غير ذلك من المنافع كان داخل الحركة اليسارية نفسها محكوما بهذه الطائفية الأيديولوجية. وبات لكل من هاتين الطائفتين أدباؤها وشعراؤها وفنانوها الذين هم بالضرورة ليسوا فنانين ولا أدباء الطائفة الأخرى، وكان من أهم الأسلحة في هذه الحرب الطائفية هو سلاح التخوين والمزايدة على الطائفة الأخرى في أسبقية النضال وفي صحة الخط المستقيم. وحين وصل الصراع إلى المنظمات الطلابية والعمالية والثقافية والاجتماعية كان في بعض الحالات ثراء ديمقراطيا ولكن في حالات أخرى تدميرا طائفيا شرسا، وأدى في بعض الأندية مثلا إلى سقوط الفريقين واستيلاء القوى التي لم تكن تنتمي للحركة الوطنية آنئذ وكأن لسان الحال الطائفية اليسارية هو ‘’ليكن أن يستولي الآخرون على هذا الموقع، المهم ألا تأخذ الشعبية مكانا للتحرير أو التحرير مكانا للشعبية بحسب موقع المتحدث’’. وحين حدث الانفضاض عن اثنين من الفنانين أحدهما ملحن ومطرب والآخر مطرب فقط في أعقاب اتهامها بالردة وتخوينهما بتهمة خدمة النظام فنيا، بادر أتباع الطائفة اليسارية الأخرى التي لا ينتمي إليها الفنانان بإبراز نموذج آخر للفنان الوطني المستقيم الخط الذي ‘’لا يسقط تحت عجلات السلطة’’ الخ... ذلك من الكليشيهات الديماغوجية التي كان سهلاً إنتاجها حيث الديماغوجية والبروباغندا كما نعلم هي قوام الطائفية، أية طائفية. ومازالت هذه الطائفية نشطة حتى يومنا هذا، ومن يحضر ندوات أو فعاليات ثقافية أو فنية أو سياسية يكتشف ذلك دائما من خلال الخطاب الدفاعي في جهة أو الهجومي في جهة أخرى الذي لا علاقة له بالقيمة الفنية أو الثقافية أو السياسية أو غيرها من قيم الخطاب المنقود بل بالانتماء لهذه الطائفة أو تلك، وحيث لكل طائفة رموزها المتعالية على النقد. وإذا كان للطائفية الدينية اختلافاتها في أيام أعيادها وتواريخها المقدسة فإن الطائفية اليسارية لم تخل من هذه القداسات، وفي احتفال عقد في أحد الأعوام الأخيرة بانتفاضة مارس/ آذار الشعبية العام 1965 دار جدال ليس له أهمية إلا بحساب الطائفية اليسارية حول ما إذا كان يوم الانتفاضة هو هذا اليوم أم هو يوم آخر يليه أو يسبقه بعدة أيام، تماما كما يتصارع فقهاء الطائفتين الدينيتين حول هلال رمضان والعيد. ويتجلى الموقف الطائفي الواضح في تفسير ورواية التاريخ رواية طائفية تعلي من شأن طائفة وتقزم من شأن الأخرى، فتنسب لهذه وتبعد عن تلك شرف تأسيس الحركة الوطنية وقيادة الجماهير وصناعة التاريخ والريادة النضالية. تلك صورة من الطائفية الأخرى، نهدف بالعرض الموجز لها القول إننا طائفيون قبل أن تكون هناك طائفية، ولو لم يكن هناك التسنن والتشيع لابتكرنا شيئا آخر نتطوف حوله.
وإذن فنقد الطائفية لا يبدأ بتقاذف الكرة بحيث يتهم تيار تيارا آخر بأنه يؤسس للطائفية فيما يحتفظ التيار الناقد لنفسه بشرف الوطنية والموضوعية والنزاهة بين الطوائف والأيديولوجيات.
ليست المسألة مسألة تيارات، هي على الأرجح مسألة ثقافة الفرد وثقافة الجماعة القائمة على نظرية الفرقة الناجية من جهة والفرقة الجانية من جهة أخرى، وحديث الفرقة الناجية وإن كان حديثا دينيا إلا أن مآلاته تنفتح على ما هو خارج الدين بل على ما هو ضد الدين أيضاً. وهي ثقافة ضاربة في العمق من تكوين العرب السياسي والثقافي والاجتماعي، ومن أبرز الأمثلة أنه بعد ما يقارب من نصف قرن من الحكم الاشتراكي في بلد عربي في الجزيرة العربية عاد زعماء هذا البلد يتقاتلون على أساس قبلي ونهضت كل قبيلة تدافع عن سليلها حين تفجر الصراع. بمناقشة هذا البعد الثقافي للطائفية العقائدية - أيا كانت هذه العقيدة - يمكننا الحديث عن اختراق هذه الطائفية وإصلاح العقل باتجاه العلمانية والحداثة والتنوير الذي يتجاوز الديماغوجيا إلى صناعة حضارة الإنسان وإنسان الحضارة.

للكاتب كريم رضي