تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مهلكم! هذا خطاب نفير وليس كرسي اعتراف



حفصة
11-01-2007, 12:10 AM
مهلكم! هذا خطاب نفير وليس كرسي اعتراف


د. أكرم حجازي / كاتب وأستاذ جامعي
[email protected] ([email protected])
صحف – 25 / 10 / 2007


http://www.maktoobblog.com/userFiles/d/r/drakramhijazi/images/372image.jpeg

لأن ساحة العراق هي أسخن الساحات الجهادية في العالم؛ ولأنها الساحة الأهم في العالم الإسلامي؛ ولأن الخلافات والانقسامات والشقاقات تعصف فيها أشد العصف؛ ولأن مختلف القوى انتظرت كلمة من الشيخ أسامة بن لادن كي تهدأ الأمور ولو قليلا؛ ولأن الخطاب الذي جاء متأخرا (23/10/2007) خصص لأهل العراق؛ ولأنه تحدث عن أخطاء المجاهدين فلم يكن غريبا أن تثني عليه أغلب الجماعات الجهادية والقوى السياسية وهي تعاجل نفسها بتحديد مواقفها حتى قبل أن تستمع إلى جواهر الخطاب وحقيقته. لكن الدقائق السبع التي اقتطعتها قناة الجزيرة التي انفردت، كالعادة، بنص الخطاب الذي احتل من الزمن 33 دقيقة كانت وبالا عليها في اليوم التالي بعد أن نشرت الشبكات الجهادية روابط الخطاب ليكتشف روادها أن القناة "حرفت وبدلت وشوهت في الخطاب"، وشمل الغضب أولئك الذين عقبوا على الخطاب الذي بدا لهم وكأنه خلا إلا من الأخطاء، بل أن التحليلات انصبت على اعتراف القاعدة لأول مرة بأخطائها في العراق، أو أن الخطاب جاء تعبيرا عن أزمة تنظيم القاعدة في العراق أو أن بن لادن لم يذكر دولة العراق الإسلامية بالاسم وبالتالي فقد تجاهلها .... وباختصار فقد قُدِّم الخطاب وكأنه تجريم للقاعدة دون أو أكثر من غيرها وتبرئة للجماعات الأخرى التي لم يأت أحد على ذكر أخطائها. لكن الذين جهدوا في هوى تأويلات اليوم الأول، على قلتهم، صمتوا في اليوم التالي بعد نشر الخطاب كاملا، ولم يعد المراقب يجد لهم كثير حضور في مقابل الطرف الثاني الذي اجتهد في التعبير عن غضبه من قناة الجزيرة، فما هي حقيقة الخطاب؟





أولا: ملاحظات منهجية في تحليل خطابات السلفية الجهادية
ربما تكون الجزيرة في اقتطاعها لبضعة دقائق معينة ما يخدم توجهاتها الأيديولوجية والسياسية وهو حال الإعلام الذي لا يمكن أن يكون محايدا مائة بالمائة فضلا عما تفرضه ضرورات المهنة من عجلة وسرعة في النقل والعرض والتحليل، لكن المشكلة المزمنة تكمن في الانحياز حينا وفي التصيد بلا مبرر حينا آخر، وفيمن يأخذ على عاتقه تقديم تحليلات دون أن يحسب حسابا لعواقب المصداقية والثقة والأمانة فيما يبديه من آراء وتعقيبات ربما يحالفه الحظ في النجاح فيها تارة والفشل تارة أخرى. ولعل هذه المشكلة وليدة الفهم الخاطئ لبعض الظواهر من جانب وللقصور المنهجي في التعامل معها من جانب آخر بحيث يغيب عن البال ما أُثر من قول :"ما هكذا تورد الإبل" " فلكل مقام مقال".
فما لا تريد الغالبية فهمه والاعتراف به كحقيقة علمية صارخة أن السلفية الجهادية ومن ورائها كافة الأدوات الضاربة لها هي جماعات دينية بالدرجة الأساس وليست جماعات سياسية ذات طابع ديني. بل أن السلفية، منذ سايكس – بيكو، وإلى يومنا هذا هي الجماعة الدينية العاملة الوحيدة التي ظهرت في عالمنا هذا، ونعني بهذا أنها الجماعة الوحيدة التي لا تقبل بغير الشريعة مرجعية لتقرر في أمورها السياسية والحربية والأمنية والإعلامية بحيث يغدو من العبث التعامل معها وتفسير مواقفها وفهم علاقاتها واستراتيجياتها وتوجهاتها بمعزل عن السياسة الشرعية. وحتى أولئك الذين يتعاطفون مع القاعدة انطلاقا من خلفياتهم الأيديولوجية، أكانت وطنية أو قومية أو يسارية، كثيرا ما تفقد تحليلاتهم بريقها وحتى دقتها كونها تتأسس على العواطف بعيدا عن المنهج العلمي الدقيق الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح.
فلو قارنا السلفية الجهادية بأية جماعة إسلامية سواء كانت مدنية أو سياسية أو خيرية لوجدنا أنها تعمل وفقا لمرجعيات قانونية وضعية بحيث لا يضيرها ما يضير السلفية من وجوب تحكيم الشريعة في كل ما يتعلق بشؤون الحياة اليومية للمسلم.
وعليه فإن قراءة خطابات قادة القاعدة مثلا في ضوء المرجعيات السياسية الراهنة أو الحكم القائم على الدستور والقوانين وأنظمة تداول السلطة والعلاقة بين الأحزاب والجماعات أو ما تسميه السلفية بسايكس – بيكو ومنتجاتها لهو خطأ منهجي فادح كونه سيؤدي إلى مغالطات كبيرة أو قل نتائج معاكسة لما تريد السلفية التعبير عنه. فليس مهما القبول بالخطاب السلفي أو رفضه، ولكن من الأهمية بمكان أن نفهم حقيقته بحيث يمكننا التعامل معه دون عناء كبير، أما أن نقدمه بالطريقة التي نريد أن نفهمه بها، بعيدا عن السياسة الشرعية وضوابطها التي تحكمه وتوجه اختياراته، فهو سقوط مريع لا يقوى على تحمله من يحترم عقله وعلمه.
لذا قلنا وما زلنا نردد أن السلفية الجهادية تيار ديني لا يقبل إلا المرجعية الدينية كفيصل، وحتى هذه اللحظة لم يطرأ أي تغير يذكر على هذا الاعتقاد، وعليه من المنطقي أن نلجأ إلى تحليل خطابات السلفية استنادا إلى هذا المعيار لنتحقق فعلا ما إذا كانت القاعدة قد اعترفت بأخطائها سواء في العراق أو خارج العراق وما إذا كانت الوحدة بين الجماعات الجهادية التي دعا إليها بن لادن هي وحدة عقدية؟ أم وحدة سياسية عامة؟ أما الانطلاق في التحليل بناء على معايير الواقع السياسي المعيوش فقد يؤدي إلى الفشل في التقييم والفشل في بناء السياسات والفشل في الاستنتاجات والفشل في النتائج. ولا يعني هذا أننا نصيب حيث يخطئ الآخرون إلا أن لسلامة المنهج وصحته هيبته وسطوته.
فلو أخذنا مثالا على التحاليل العقيمة كالتي قرأت الخطاب بمنطقها السياسي والأيديولوجي أو بمنطق الواقع السياسي والذي رأى أن "القاعدة تعترف للمرة الأولى بارتكاب أخطاء في العراق"، وهو ما لم يرد قطعا على هذه الصورة الحصرية؛ أو إذا كان الخطاب يتحدث عن "عام الجماعة" فهذه لا تقوم إلا بتراجع القاعدة عن أخطائها، لتولد لدينا استنتاجا أوليا مفاده أن القاعدة بصدد تفكيك دولة العراق الإسلامية باعتبارها أكبر الأخطاء التي تسببت بـ "الأزمة التي تعيشها ... وتتركز أساسا بفقدان الحاضنة الشعبية لها في العراق، وانفضاض الكثير من الجماهير عنها بعد أن حاولت فرض رؤيتها على بقية جماعات المقاومة لاسيما من خلال تشكيلها ما يسمى بدولة العراق الإسلامية ومطالبة الجميع بمبايعة قادتها"، لكن هل هذه القراءة وهذا الاستنتاج يعبران حقيقة عن جوهر الخطاب وحقيقة الأخطاء التي تحدث عنها بن لادن؟ إن كان كذلك فالمنهج التحليلي المتبع صحيح، وإن كان غير ذلك فالأكيد أن المنهج خطأ، وبالتالي ما الفائدة التي جنيناها من هكذا تحليلات؟ لا شيء إلا التخبط.









ثانيا: سياقات الخطاب
كل الخطاب من أوله لآخره لم يتجاوز قيد أنملة تحديات أبو عمر البغدادي ولا مرارة أبو حمزة المهاجر من الخذلان ولا مصطلحات الظواهري التحريضية ونصائحه ولا صرامة الشيخ عطية الله وهو يتحدث عن قيادة الجهاد ولا إدانة أبو يحيى الليبي ودعواته للمجاهدين بالصبر ولا أيٍّ من قادة الجهاد العالمي وهم يتحدثون عن سلطان الأمة المغتصب وتداعي قوى العدوان عليها في حروبها الظالمة على الأمة. وفي حين يفتتح بن لادن خطابه الموجه لأهل العراق بآيات الاستشهاد والبلاء والمصائب والنصر والصبر والقتال والقتل نراه يختصهم عموما بلفظ " الصابرين الثابتين ... المرابطين في خط الدفاع الأول عن الدين وعن حرمات المسلمين" واصفا عشائرهم بـ "المجاهدة الأبية" والساحة الجهادية بـ "العراق الواعد"،ثم يتابع فيلقي السلام على "الغر الميامين والأسد المحامين عن الملة والدين" وليس عن الدنيا ولا عن التحرير ولا عن الاستقلال، فيشيد بـ "أبطال العمليات الفدائية في كل مكان... " وبمن أبوا "أن يقعدوا مع الخوالف فهاجروا للجهاد وخالفوا كل مخالف" دون أن ينسى "أنصار الجهاد والمجاهدين في كل مكان" شأنهم شأن "أبطال العمليات الفدائية".
هذا هو السياق الأول الذي يجيء به الخطاب بالضبط وما دونه تأول واجتهاد قد يصيب وقد يخطئ. فما هي النصائح التي وجهها الخطاب؟ وما هو مضمونها؟ وفي أي سياق يمكن تنزيلها دون تأويل مغرض أو قاصر؟ وعن أية أمة يتحدث بن لادن؟ وأية جماعات؟ وأية دولة إسلامية؟ ولماذا يكون العراق واعدا؟
أولا: الأخطاء
من البديهي أن تشهد أية ساحة قتال أخطاء قوية، ومن البديهي أن تكون الأخطاء من الطبيعة البشرية، ومن الطبيعي أن يقع فيها الجميع بلا استثناء. لكن من الغريب ألا يقع بها أحد وهو يلقي بثقلها على الآخرين محملا إياهم وزرها وكأنه معصوم دون غيره في حين أن ما من أحد بريئا منها، وعليه فليس جديدا القول أن القاعدة تعترف بأخطائها أو أن نصيحة بن لادن وجهت لعامة المجاهدين وخاصة للقاعدة سواء في العراق أو غير العراق لاسيما وأنه لم يختص القاعدة في بلاد الرافدين، ولو أن القراءة تحتمل أكثر من وجه.
لكن الجديد هو التأكيد على أن الأخطاء تبقى أخطاء، فلماذا التضخيم من المسألة إلى حد التشويه وإعلان الحرب من بعض القوى؟ بينما واقع الحال يؤكد على أن الكبائر، وليس الأخطاء فقط، ارتكبت في خير القرون، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم لينكر خالد أو أسامة بقدر ما أنكر فعلهما. فضلا عن أن الأخطاء، حتى لو كانت من الكبائر، فلم تكن لتقع على خلفيات سياسية أو أيديولوجية ولا على التوحيد ولا على الجهاد ولا على أهدافه وطموحاته ولا على الغاية منه ولا على مصير الأمة في مقابل أعدائها، فهي أخطاء نتجت عنها كوارث وبلغت من الغلو مبلغا مؤلما إلا أنها كانت تقع دائما تحت سقف التوحيد وليس عليه ولا بسببه، فهل هي ذات الأخطاء التي تحدث في الساحة الجهادية في العراق؟
والملفت للانتباه حقا أن بن لادن وهو يتحدث عن الأخطاء أثار إشكالية الفهم النظري والتطبيق التي تعاني منها الجماعات الجهادية في كل مكان بما فيها القاعدة ودولة العراق الإسلامية مقدما سلسلة من الضوابط والتوصيات، فمن المفترض ألا يؤدي الفهم النظري للنص إلى واقع مغلوط في العلاقة مع القوى الأخرى ومع الناس، وإذا ما حصل ذلك فهو بلا شك من العصبية، ولأن مثل هذه العصبية وقع بها بعض المجاهدين فلا بد من "إزالة التضخم الذي نشأ عند بعضهم وذلك بتعظيم أوامر الجماعة وأوامر قادتها فيتوهم الواحد منهم أنها بالضرورة لا تكون إلا حقاً. فيتعامل معها في واقعه العملي كأنما هي نصوص معصومة وإن كان يعتقد نظرياً أن العصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فيتعصب لأمر جماعته وقادتها ولا ينقاد لآية من كتاب الله أو لحديث"، لذا:
· فليعلم هؤلاء أن: "من قتل تحت راية عمية ينصر للعصبية ويغضب للعصبية فقتلته جاهلية ... فإياكم ثم إياكم أن يكون حظكم من هذه المسألة الفهم النظري فقط ثم تخالفوه في واقعكم العملي".
· وليعلموا أن: "أخوة الإيمان هي الرابطة بين المسلمين وليس الانتساب إلى القبيلة أو إلى الوطن أو إلى التنظيم فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد. ومصلحة الدولة المسلمة مقدمة على مصلحة الجماعة. ومصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الدولة. فيجب أن تكون هذه المعاني واقعاً عملياً في حياتنا".
· وليعلموا أن العلاقة مع الآخرين ينبغي أن تُرَدّ إلى كتاب الله: "{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وسنة نبيه: ( أكرم الناس أتقاهم لله )، فهذا هو ميزاننا ... فازدياد الثقة بالناس لتحمل أمانة الدعوة، والجهاد بقدر ازدياد التقوى لا بقدر قرابة أو نسب أو من إلى التنظيم انتسب".
· أما بالنسبة لعلماء المسلمين وقادة المجاهدين وزعماء الجماعات الصادقة فيدعوهم إلى الالتزام بما التزم به الصحابي أبو بكر الصديق: (أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، "فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان" حتى لو كان أبو بكر الصديق.
هذا هو السياق الذي يتحدث به عن الأخطاء ويدعو فيه "العلماء وقادة المجاهدين وشيوخ العشائر أن يبذلوا جهدهم بين كل طائفتين تختلفان ويقضوا بينهم بشرع الله، وعلى الطائفتين المختلفتين أن تستجيبا لدعاة الإصلاح ... ". لكنه في المقابل، لأسباب أشار إلى بعضها، يأبى ويحذر من:
1) التقاضي عند من وصفهم بـ "علماء السوء".
2) أو عندأعداء المجاهدين " ولاسيما المنافقين الذين يخترقون صفوفكم لإثارة الفتن بين الجماعات المجاهدة"، وحتى هذا الصنف يتوجب معاملته وفقا للشرع لا للهوى ولا للاجتهاد الشخصي أو للجماعة أو للقائد: "أحيلوه إلى القضاء وعليكم بالتثبت وادرؤوا الحدود بالشبهات".
ثانيا: وحدة الجماعات الصادقة!
في كلمته التاريخية يخاطب بن لادن المجاهدين بالقول: "إن استمراركم في هذا الجهاد المبارك له ما بعده، فوراء الأكمة ما وراءها، فالدنيا بأسرها تتابع انتصاراتكم العظيمة. وهي تعلم أن تاريخها قد بدأ صفحة جديدة وبتغيرات كبيرة. وسيعاد رسم خريطة المنطقة بأيدي المجاهدين بإذن الله وتمحى الحدود المصطنعة بأيدي الصليبيون لتقوم دولة الحق والعدل، دولة الإسلام الكبرى من المحيط إلى المحيط بإذن الله. وهذا المطلب عزيز جداً. فالكفر بجميع مستوياته الدولية والإقليمية والمحلية تتضافر جهوده للحيلولة دون قيام دولة الإسلام.
هذه لغة سلفية جهادية صرفة ليس فيها استقلال ولا تحرير ولا مفاوضات ولا مشاركة سياسية ولا انتخابات ولا ضمانات ولا تأمين للمصالح الأمريكية وغيرها، وقد يكون بن لادن أعرض عن مخاطبة القوم بما يكرهون ولم يذكر دولة العراق الإسلامية بصريح العبارة لكنه بلا أدنى شك لم يدنها ولم يهاجمها ولم يسئ إليها ولم يجرمها لا من قريب ولا من بعيد بل أثنى ثناء عارما على إعلانها مستعيدا لغة البغدادي ولكن برقة متناهية وهو يتحدث عن الاعتصام بحبل الله ومذكرا بذات المبررات التي قدمتها دولة العراق الإسلامية عن إعلانها من الخشية على قطف ثمرة الجهاد، فلنستمع لما يقوله بن لادن:
"وقد مر إخوانكم بعدة تجارب لا تخفى عليكم ورأينا ذلك رأي العين. فقد حال العدو دون قيام دولة للمسلمين بعد انهزام الروس في أفغانستان ثم لما أقامت حركة طالبان دولتها ... وعندما أعلنت السودان أنها ستبدأ بتطبيق الشريعة الإسلامية ... أقول هذه الأحداث لأذكركم بمدى حجم وثقل المسئولية الملقاة على عاتقكم ومدى عظم المؤامرات التي تحاك لكم".
ويخاطب أمراء الجماعات الجهادية بالقول: "إن المسلمين ينتظرونكم أن تجتمعوا جميعاً تحت راية واحدة لإحقاق الحق، وعند قيامكم بهذه الطاعة ستنعم الأمة بعام الجماعة". فهل يتحدث بن لادن عن غير راية التوحيد؟ أوعن غير دولة الإسلام باعتبارها "دولة الحق والعدل"؟ وهل تضمن حديثه كلمة واحدة يمجد فيها التحرير والوطن؟ وأي الجماعات يقصد وهو يحث المجاهدين وأمرائهم على التوحد كي تنعم الأمة بعام الجماعة؟ وهل يقصد بالأمة أمة العراق!؟
في الحقيقة فإن خطابه موجه للجميع بلا أدنى شك. ولكنه في المقابل وضع ضوابط شرعية للجماعة حتى لو أفضى الأمر أن يكون الفرد بذاته جماعة، أما أن يكون من بين المقصودين في الوحدة من يشرع من بينها لـ"دخول البرلمانات التشريعية الشركية وانتخاب أعضائها" فهذه مسألة من "الموبقات العظام". فالسلفية لا تعترف قطبالنظام الدولي ولا بعلاقاته ولا بتشريعاته ولا حتى بنظام الدولة الحديث القائم عليه فكيف ستعترف بجماعات جهادية تؤمن بمصطلحات الديمقراطية والانتخابات والوطن والتحرير وغيرها؟
في سياق ردود الفعل يمكن توقع أثر بالغ لخطاب بن لادن على المجاهدين إذا ما رأوا أنه من الواجب التوحد فعلا خاصة بعد توجيهاته وتقديمه لضمانات شرعية لكيفية التعامل مع الأخطاء ومواجهتها، أما على مستوى الجماعات فالمسألة مقيدة بتوجهاتها السياسية والأيديولوجية وإلا فما من معنى يذكر للمصطلح الجديد الذي صكه الخطاب وهو يتحدث عن "جماعات صادقة" للمرة الأولى مما يوحي بوجود جماعات غير واضحة في توجهاتها وليست مقبولة على حالها في إطار الجماعة. وإذا كانت بعض الجماعات كجيش محمد الفاتح أو جيش الفرقان قد باركت أو رحبت في الخطاب الجديد فهي معنية بالتوحد أكثر مما هي دولة العراق الإسلامية معنية بالرد على دعوة الناطق الرسمي باسم المجلس السياسي للمقاومة طالما أن بيانه السياسي من "الموبقات العظام" عند السلفية. فما من قواسم مشتركة تذكر بين من يدعو إلى التوحيد والانتصار على قوى "الكفر والردة والنفاق والعملاء" ومن يدعو إلى التحرر والاستقلال الوطني.





ثالثا: معاتبة للعشائر
في حديثه عن العشائر العراقية يضع الخطاب في الاعتبار:
· الدور الذي تلعبه العشائر في إمداد المجاهدين في الرجال والمال ونصرة الجهاد والمجاهدين.
· والدور التخريبي الذي تعرضت له العشائر بحيث انقلب بعضها أو من يحسبون عليها إلى درع للقوات الأمريكية الغازية ولحكومة المالكي، واستعمالها كرأس حربة في ضرب المشروع الجهادي برمته.
وينطلق في مخاطبتها من الثناء عليها لما تتمتع به (1) من القيم الأصيلة التي تتسم بها العشائر وما أسبغه الدين عليها من نعم تممت أخلاقها، ومذكرا إياها (2) بنصرة الجهاد والمجاهدين وإيوائهم و (3) بتاريخها الجهادي في نصرة الأمة والدين في معارك الفتوحات الإسلامية، و(4) مستنصرا بها على الغزاة الجدد. ولو تحرينا الدقة في الخطاب لوجدنا أنه يستعمل عبارات سامية ينادي بها العشائر من نوع "المجاهدة"، "الأبية"، "الحرة"، "الحبيبة"، "المهيبة"، "قومي وأهلي"، ثم يدعوها إلى الثباتخاصة في ديالى: "إن الوقوف تحت ظلال السيوف رغم ما فيه من حتوف ذخر عظيم اليوم ينفعكم يوم الحساب غداً وذلك مقتضى التقوى والورع وشرف الدنيا لذلك تبع فاعملوا لذلك اليوم ومن صبر ظفر وإن الحذر لا يدفع القدر، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في النحر أكرم من الطعن في الظهر"، ويذكرها بالدور الحقيقي الذي يجب أن تؤديه: "إنكم تصولون وتقاتلون للمحافظة على الملة والأمة فاحفظوا الأمانة ومن ادخر بأساً ليوم شدة فهذا أوانه ولن يسلم الحر أمانه. إذا نادى المنادي "حي على الجهاد" استقبلتم المنايا بالعتاد فودع بعضكم بعضا توديع ألا تلاقيا ... وكنتم أناساً تتقون المخازياً". ولكنه يعاتبها بشدة على ما بدر من بعضها، ويبدو أنه يوجه لوما شديدا لكبرائها خاصة وأنهم المسؤولون اليوم عن انتشار ظاهرة الصحوات العشائرية قائلا لهم دون مواربة: "اثبتوا يرحمكم الله ... فلا تفضحوا المسلمين اليوم، فلا تفضحوا المسلمين اليوم".





أخيرا
فإن ما ينبغي فهمه من الخطاب على حقيقته وجوهره أن قيمة الخطاب:
(أولا): تكمن في أنه جاء من رأس الهرم في تنظيم القاعدة العالمي، وهو مطلب الكثير من القوى والشخصيات التي طالما طالبته بالتدخل للفصل في المنازعات والخلافات رافضة ما يدلي به د. أيمن الظواهري من تصريحات فإذا بها تسمع ما كان الظواهري قد أسمعها إياه.
(ثانيا): وفي أنه الأول في تاريخ القاعدة الذي يتحدث عن أخطاء سواء في صفوف المجاهدين عامة أو في صفوف القاعدة حيث كانت، وهذه هي فرادة الخطاب وقوته.
(ثالثا): وأنه يؤصل شرعيا وعلنا، للمرة الأولى أيضا، لكيفية التعامل مع الأخطاء في كل الساحات كوقائع من طبيعة البشر، وبالتالي فليس المقصود من الحديث عن الأخطاء مجرد الاعتراف بها وكأنها كانت منكرة من قبل بقدر ما أن الحث على التأصيل الشرعي في التعامل معها من شأنه أن يردع مرتكبيها.
(رابعا): فالخطاب، وهو يحسم مسألة التعامل مع الأخطاء، إنما يمهد لانطلاقة جديدة للمشروع الجهادي ليكون من أراد أن يكون على بينة من أن الخطأ يبقى خطأ ولكنه ليس خطيئة بحيث يستحق المشروع الجهادي إعلان الحرب عليه كما لو أنه العدو بدلا من العدو ذاته، وبعد ذلك لا عذر لمخالف.
(خامسا): فهو المصطلح الجديد الذي أتى به الخطاب عن "الجماعات الصادقة"، وهو تعبير يبدو أنه رد حاسم وصريح على من روجوا لتعبير "المقاومة الشريفة والمقاومة غير الشريفة"، فالشريعة فيها تقرير بأن "المؤمن لايكذب"، وفيها تمييز بين الصادق والكاذب والمؤمن والكافر والمسلم وغير المسلم والموحد والمشرك وليس بين الشريف وغير الشريف. وهذا مثال فيه حجة كبيرة على ضرورة تحليل الخطاب السلفي الجهادي انطلاقا من الدين وليس من الواقع السياسي.
(سادسا): يتعلق بتصريحات الشيخ حارث الضاري قبل أيام وهو يتحدث عن أن 90% من القاعدة في العراق هم من العراقيين وبالتالي فهم منا ونحن منهم ولا يجوز مقاتلتهم بحجة ما ارتكبوه من أخطاء. والحقيقة أن هذا الرقم كنا قد أشرنا إليه في 8/4/2007 في مقالة لنا بعنوان: "هل حققت "راند" اختراقا جديدا في الساحة العراقية؟" قلنا فيها أن القاعدة في العراق باتت تنظيما محليا، لكن أحدا لم يعقب عليه بينما ثارت زوبعة لم تهدأ بعدْ بما أن التصريح جاء للمرة الأولى من قبل جهة عراقية مما يعني أن الزعم بمحاربة القاعدة على أساس أنها تنظيم وافد قد سقط وإلى غير رجعة، فهل يعني هذا مقدمة لصعود مصطلح "الجماعات الصادقة" وصولا إلى "عام الجماعة" مقابل سقوط مصطلحات الحرب الأخرى من نوع "المقاومة الشريفة وغير الشريفة"؟ أو "أخطاء القاعدة" أو "مجالس الصحوات" خاصة بعد ضرب العديد من رموزها؟
(سابعا): حين بدأ الشيخ أسامة خطابه عن الجهاد والاستشهاد أثنى على الشهداء وأهاب بالمجاهدين الحذر وحرضهم على إتقان العمل، لكن في آخر الخطاب نراه يلح على المدد: "لنصرة إخوانكم وإغاثتهم في بلاد الرافدين" خاصا بالذكر الذين: "يؤثرون الدين على حياة الأنفس والبنين"، ومتسائلا عن: "أهل التوحيد ... ومنكسي راية الكفر والتنديد؟ ... الذين يستعذبون العذاب ولا يهابون الضراب ... ويستسهلون الوعر، ويستحلون المر، لأنهم أيقنوا أن نار جهنم أشد حراً ... النافرون لقتال الروم كيوم تبوك ... المبايعون على الموت كيوم اليرموك ... أجناد الشام ... أمداد اليمن ... فرسان الكنانة ... وأسد الحجاز واليمامة؟".
إن لم يكن هذا خطاب نفير؛ فهل يعقل أن يُقَدَّم وكأنه خطاب الاعتراف على الطريقة البابوية؟ وإذا كنا قد عرفنا المذنب؛ فمن هو البابا؟





كتبها د. أكرم حجازي في 05:16 صباحاً ::

مقاوم
11-01-2007, 05:24 AM
شكرا لك على هذا النقل الرائع أختي حفصة.

وأنا بدوري أقول:
إن لم تورد الإبل هكذا فلا إبل ولا ورود.

حفصة
11-01-2007, 11:21 AM
شكرا لك على هذا النقل الرائع أختي حفصة.

وأنا بدوري أقول:
إن لم تورد الإبل هكذا فلا إبل ولا ورود.

شكر الله لك المرور أخي الكريم مقاوم

هنا الحقيقه
11-01-2007, 03:34 PM
نعم


قد اتقن صنعته
وبرع بتحليله لخطاب الشيخ اسامة


بارك الله بك اخت حفصة