تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من (باب الحارة) إلي (الملك فاروق): دراما الاستفتاء علي قيم الماضي وهجاء مرارة الحاضر!



مقاوم
10-25-2007, 11:49 AM
من (باب الحارة) إلي (الملك فاروق): دراما الاستفتاء علي قيم الماضي وهجاء مرارة الحاضر!

محمد منصور


25/10/2007



http://www.alquds.co.uk/images/empty.gif
بقصد أو من دون قصد، ولأهداف فكرية حيناً أو غايات تجارية أحياناً... تبرز في موسم رمضان التلفزيوني كل عام، موجة معينة أو ظاهرة تشترك فيها العديد من الأعمال... في السنة السابقة وما قبلها، كان ثمة حضور واضح لموجة الإرهاب في الدراما... وبموازاة ذلك شكلت دراما السيرة الذاتية التي تتناول قصص مشاهير الفن والأدب والتاريخ والسياسة حضوراً ملموساً في موسم رمضان في الأعوام الثلاثة الماضية... وعلي هامش هذه الظواهر الفنية والفكرية أو سواها، شهدت دراما رمضان العام الماضي موجة دراما المحجبات، من خلال عدد من المسلسلات التي قامت ببطولتها الممثلاث المعتزلات (سهير البابلي- سهير رمزي- صابرين- عفاف شعيب) ضمن شروط شملت طبيعة الموضوعات وشكل معالجة العلاقات الدرامية، وليس الظهور بالحجاب وحسب!

وإذا تأملنا موسم رمضان المنصرم هذا العام، سنجد أن كل هذه الموجات والظواهر قد اختفت فجأة، وأن منتجي وكتاب الدراما التلفزيونية العربية لم يكن لديهم نموذج ناجح يحاولون تقليده واستثماره تجارياً، وهو ما كان يفرز تلك الظواهر أساساً، لكن رغم ذلك كان ثمة ظاهرة لافتة للانتباه فرضت نفسها في موسم هذا العام، عن طريق شكل التلقي والتفاعل الجماهيري الذي أبداه الجمهور مع بعض المسلسلات... وكيفية تعاطيه مع موضوعاتها، ومع ما سعت للتعبير عنه من مقولات وأفكار!
ويمكن تلخيص هذه الظاهرة باختصار، أنها ظاهرة الشغف بإعادة اكتشاف الماضي... هذا الشغف الذي تجاوز مسألة متابعة العمل، والاستمتاع به، وتقييم جوانب القوة والضعف في نصه أو أداء مخرجه وممثليه ... باتجاه فتح حوارات وسجالات لا تنتهي حول صورة الماضي في تلك المسلسلات، والمقارنة بين الوضع الراهن بكل قيمه ومنجزاته وتطور مجالات الحياة فيه... وبين قيم ذلك الماضي كما تبدت في بعض الأعمال.

حدث هذا في مسلسل الكاتب محمد مروان قاووق والمخرج بسام الملا (باب الحارة) الذي حطم الأرقام القياسية في نسب المشاهدة والمتابعة... فقد رأي ملايين المشاهدين العرب في هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في حارة دمشقية في ثلاثينيات القرن العشرين، صورة ناصعة من ماض جميل كان يحمل قيم المروءة والشهامة، ويفيض بقيم التكافل الاجتماعي في زمن يفيض اليوم بالتشرذم والتفرقة والاقتتال الأخوي، وتضيع فيه معاني الهوية والأصالة!

وحتي النساء اللواتي يفترض أن المسلسل ـ حسب بعض الصحافيات التقدميات ـ قد أهانهن وأساء إليهن... حين صور المرأة خانعة لسلطة ذكورية لا تقبل المراجعة، ولا تفتح أي هامش لحضور اجتماعي فاعل خارج شؤون تدبير المنزل وتربية الأولاد وإرضاء الرجل... أقول حتي النساء قد أبدين شغفاً بذلك الماضي... ورأين في صورة الرجل القاسي الصارم، صورة ذات بعد رومانسي مفتقد اليوم، فتحول الشاب (معتز) الذي لم يخض أي علاقة غرامية ضمن دراما (باب الحارة) إلي فتي أحلام الفتيات والمراهقات، ليس بسبب قوة أداء الممثل وائل شرف للشخصية وحسب... بل لأن الشخصية التي أداها ، كانت تجسد شاباً (قبضاي) شجاعاً ومقداماً في الدفاع عن شرف الحارة وفي خوض الشجارات الحامية ضد من يحاول انتهاك حرمتها وضرب الأنذال... فتحول في نظر الكثيرات إلي شاب يمثل نموذجا مختلفا لميوعة شباب هذه الأيام، وافتقارهم لقيم الرجولة الحقة!

صورة أخري للشغف بالماضي نجدها في مسلسل (الملك فاروق) للكاتبة لميس جابر والمخرج حاتم علي... فقد ثارت النقاشات الحادة في الصحافة والإعلام المصري أثناء وبعيد عرضه، حول صورة العهد الملكي في مصر... وقد تابعت علي قناة (دريم) المصرية جلسة حوار بعنوان (هل أيقظ مسلسل الملك فاروق الحنين إلي الملكية؟) تحولت إلي مشادة بين صحافيين وكتاب من اتجاهات متعددة، تخللتها بعض الاتصالات الهاتفية... وقد وصل الأمر إلي حد القول بأن مصر في عهد الملكية كانت أفضل حالاً... فالشوارع كانت نظيفة... والحياة السياسية كانت تنطوي علي قدر كبير من الحراك الديمقراطي... والحياة العلمية والأدبية والفكرية كانت حافلة بالنوابغ والأعلام الكبار... والفساد علي كل ما فيه لم يكن يقاس أبداً بما يحدث اليوم في عصر الجمهورية وحكم أبناء الشعب... لا حكم الخواجات والباشاوات!

وبغض النظر عن مدي صوابية تلك المقارنات التي تحتاج إلي قراءة للظرف الموضوعي والتاريخي بعيداً عن ردة الفعل الانفعالية، أو عن الصورة البراقة التي ظهر بها العهد الملكي... فإن الشغف بذلك الماضي لم يقتصر علي من عاشوه من مجايلي العصر الملكي في آخر عهوده... بل شمل أجيالاً أخري نشأت ونمت وترعرعت في ظل ثورة يوليو، ثم وصلت اليوم أمام آفاق البطالة والعجز والفساد إلي الكفر بكل القيم النبيلة التي رافقت انطلاقة الثورة!

وقصاري القول... فإن ظاهرة الشغف بإعادة اكتشاف الماضي في موسم رمضان التلفزيوني هذا العام، لا تنطلق من حالة الحنين الرومانسي إلي ذلك الماضي من قبل من عاشوه... بل هي تعبير حقيقي عن حالة نكوص وارتداد بفعل الخيبات والهزائم وانهيار آمال وتطلعات وأحلام الشباب من كل المشاريع والاتجاهات التي تدعي أنها تعبر عن الحاضر وتمثل ثقافة المستقبل والتقدم والتطور. إنها تعبير عن هزيمة الحاضر وتهاوي أحلامه، أمام ماض يتم بعثه هادئا مطمئناً في تلك الأعمال!

لو أن واقع (شعارات الصمود والتصدي) يؤتي ثماره الحقيقية في رد الكرامة، و(التعليم) علي العدو المتغطرس اليوم... لما رأي الشباب في عنتريات عكيد حارة دمشقية ينقل بعض البنادق لثوار فلسطين في الثلاثينيات تعبيراً رمزياً عن الكرامة والبطولة التي تستحق كل هذا الاحتفاء المحموم... ولو أن واقع حكم العمال والفلاحين ومصر للمصريين، قد استمر في تحقيق الاكتفاء الاقتصادي والمشاريع الإنمائية الطموحة، والكرامة والمساواة أمام القانون... لما رأي كثير من المصريين اليوم في صورة عهد ملكي عاني الكثير من الاضطراب، وتحكم فيه رجال السياسة بمصير ملك مراهق لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر فتلاعبوا بخياراته في كثير من المراحل... صورة حكم فاضل، هو بكل عيوبه أكثر ازدهاراً وبهاء مما جاء بعده!

أعتقد أن هناك مغزي آخر لهذا الشغف بإعادة اكتشاف الماضي... وهو أن الشعوب العربية ملت فعلاً من إعلام الصوت الواحد، من إعلام التزوير، ومن إعلام الأبواق، ومن إعلام الحديث عن المنجزات والتاريخ الذي ولد من جديد بوصول القائد التاريخي إلي سدة الحكم... فصاروا علي استعداد لأن يحبوا صورة من عصر آخر مهما تعرضت للتجميل الذي يتجاوز حقيقتها... كي يقاوموا ثقافة الكذب والتزوير!
أخيراً وللإنصاف لا بد أن نشير إلي أن هناك قدراً من الإتقان الفني الذي لعب دوراً في تسويق صورة الماضي في هذه الأعمال... بدليل أن عملا يمجد قيم الماضي في الحارة الشامية هو (جرن الشاويش) لم يحظ بكثير من الاهتمام أو الاحترام... ومر مرور الكومبارس في خلفية مشهد درامي صاخب، لأنه لم يكن بالسوية ذاتها من الإتقان الفني في الكتابة والتمثيل والإخراج في الإطار العام!

رجل الانقلابات تهجين التاريخ السياسي السوري!

حول مسلسل (رجل الانقلابات) الذي كتبه محمود الجعفوري وأخرجه سامي الجنادي، تاريخ الانقلابات السياسية في سورية، إلي كوميديا سمجة... يتقمص فيها الممثلون شخصيات كاريكاتورية، لا تجيد سوي لغة التهريج للتعبير عن تقلبات مرحلة عاصفة من تاريخ سورية وعن طموحات رجالاتها... بغض النظر عن المآل الذي انتهت إليه تلك الطموحات في هذا العهد أو ذاك!

وفي هذا المسلسل الذي اصطبغ بالضعف والهزال، صارت اللعبة السياسية التي كانت تتركز في المدن الكبري، وتخوض فيها عائلات معروفة كالقوتلي والأتاسي والعظم والخوري والبرازي... لعبة ريفية يقودها مختار قرية مهزوز... ومدير مخفر أبله... فيما تنطلق التنظيرات السياسية علي ألسن شخصيات بسيطة ومرتبكة، لتقول كلاماً لا علاقة له لا بمستوي وعي الشخصيات ولا بيئتها، ولا المنطق الدرامي الذي تحتمله هذه الشخصية أو لا تحتمله.

وعمل أيمن زيدان علي تزويق الطبخة الفاسدة لهذا المسلسل، حين أوكل أدواراً رئيسية في المسلسل لشقيقيه (شادي ووائل) اللذين ما إن يظهرا في أي عمل، حتي نعرف علي الفور أن هذا العمل هو من إنتاج شركة يديرها أيمن زيدان... أو شركة أخري يعمل منتجاً منفذاً لصالحها!

والمشكلة الأساسية ليست في توريث أيمن زيدان للمناصب والمواهب لأشقائه الذين لا علاقة لهم بالفن لا من قريب ولا من بعيد كما أثبتت الفرص التي حصلوا عليها في أعمال سابقة... ولا في فهم أيمن زيدان للكوميديا السياسية علي أنها مزيج من الخطابية المضجرة والتهريج المقزز... المشكلة في ذوق زيدان في قراءة وتبني إنتاج النص، وفي ذوق المخرج تالياً في تحمل تصوير كل هذا الكم من السماجة الريفية المهجّنة التي تشكل هويته السياسية والفنية!