تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أحزان المثقف في العالم المتخلف



مقاوم
10-22-2007, 09:52 AM
أحزان المثقف في العالم المتخلف

د. محمد الأحمري

أحرف الجر والكلام العجين


من بروق الشاعر الشجاع ـ أحيانا ـ نزار قباني، نقرأ هذا النص:

علمينا الأفعالَ قد ذبحتنا

أحرفُ الجر و الكلامُ العجين

علمينا قراءة البرق و الرعد

فنصف اللغات وحل و طين

علمينا التفكير ...لا نصر يرجى

حينما الشعب كله سردين

إن أقصى ما يغضب الله ..فكر

دجّنوه...وكاتب عنين.

أما الشاعر الأشجع ـ غالباً ـ أحمد مطر، فقد قال كثيراً جداً، قال الكلام الذي يجعل أصابع الكاتب ترتعد على "لوحة الحروف"، هل ينقل له أم لا، وخير لنا وله أن نجعل القراء يذهبون له ولدواوينه وقصائده حيث هي، فهو شاعر هرب ليعيش خارج السيطرة على لسانه وعقله وكتابته وضميره، إلا أمرا كبيرا واحدا، وهو عيشه بين ظهراني مغتالي أهله وبلاده،

وأَكبِر بهذا من غم ومعاناة، فهل عليه أن يعود ليموت في بلاده، أم ليشارك في تدميرها؟ بل عذره أقوم قيلا، ولدى كل قارئ جواب يقنعه. وقد سمعت أو قرأت للشيخ علي الطنطاوي أنه قال: "أشعر شعراء العرب الأحامدة الثلاثة" أحمد بن الحسين المتنبي، والمعري وأحمد شوقي، ويبدو أنه لو أصغى لأحمد مطر لقال: "الأحامدة الأربعة". وهو في الشعر السياسي يغطي على السابقين ولا نقول على اللاحقين، لأننا لا ندري هل سنمر الأمة بأزمة كهذه مستقبلا تصنع أشعر منه.

ولكن ماذا أيضا عن نزار؟! لقد كانت نهايته في لندن المكان نفسه الذي فيه يكتب مطر؛ غير أن علاقات نزار ونسائياته شفعت له ليسكن في وسط لندن، أما أحمد مطر فهرب إلى ضاحية ويمبلي، فقد كان شجاعا إلى درجة قللت من الجريئين والمتطفلين والمؤيدين فضلا عن منفقين عليه.

حين تختفي الحرية ـ حرية الكتابة والحديث ـ تهترئ الأفكار، ويسود الأقزام، والجبناء والمردّدون والمتملّقون، وتصبح الثقافة عفنة مريضة، تهرب منها، وتتمنى أنك ما عشت زمن هوان العقل وتردي الكرامة؛ ولهذا يأبى كثير من المثقفين العرب المعاصرين معايشة مثقفي زمانهم، ويصدون عن القراءة لهم، لأنهم يعلمون أنهم يسيرون ـ إلا نادرا ـ ضد الحقيقة وبجانب الحق، ويترنح الأفاضل منهم على هوامش الصواب ولا يقارفونه، ويتمنون الفضيلة، ولا يستطيعون طرق بابها.

ولهذا يمتهنون الهوان ودنايا الثقافة والفكر وحشد أكبر، يصبح النفاق لهم ديدنا لا يملونه، وسنة يمارسونها بكراهية ومرارة في أول الأمر ثم تصبح سلوكا عاديا، وكلما مرن الكاتب على المنافقة وقلة الحياء، واستشرى قلمه، وكرر نفسه غارقا في بحر النفاق القذر، سيأتي يوما وهو لا يعرف أنه أصبح مجرما محترفا، بل وأبشع من مجرد خائن منافق؛ لأن النفاق هو الأصل.

ولهذا فلما نجد عددا من الحاقدين المأجورين والمأفونين يكرهون الأمة التي ولدوا فيها، والدين الذي نشأ عليه أجدادهم وآباؤهم، ونراهم يغدرون بقومهم وأرضهم وقيمهم ثم يلجّون في الخصومة لكل حق، فلأنهم فعلا أصبحوا في درجة من النفاق لا تقبل الرجعة من قريب، وكلما أغربوا، ظهرت لمن يراهم حالتهم المرضية، وانحطاطهم الخلقي وغربتهم النفسية، وابتعدوا جدا حتى يرون حقد الحاقدين على أمتهم حقا مبررا، ويرون حسنات الأمة المسلمة عيوبا، ويجردونها من كل فضيلة، ويصمونها بكل دنية.

إنهم حالة مرضية شديدة القسوة، وغربة مغرقة لا تقبل القرب ولا العودة. وإليك هذا النص العجيب عن تحول الفتنة إلى ثقافة وقناعة وسلوك، ونشأة حواجز دون الحق لا يسهل اختراقها:

"تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأيما قلب قبلها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى تكون القلوب على قلبين: قلب أبيض كالصفا لا تضره فتنة أبدا، وقلب أسود مربادّ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه."

يهرب المثقف العربي المعاصر إلى ثقافتين بعيدتين زمنا وموضوعا؛ الزمن الأول زمن السلف، فيتعلق بكتبهم وتراثهم، ويبالغ في البحث عما عندهم ـ وليس كل بحثه بسبب البحث عن الدين أو التاريخ أو اللغة ـ وتلك الكتب لا تعالج ما هو فيه ولا علاقة لتلك الثقافة بزمنه، فهي كتب فيها غرابة في اللفظ والأسلوب، وأحيانا في الموضوعات نفسها، وتعاني من مشكلات قرون نائية، وقضايا مجتمع سحيق البعد عنا.

ولكنها مخرج، ومأوى للغريب الذي يأبى ثقافة الكذب والتزوير، بل ربما قبل كذب زمان غير زمانه؛ لأنه بعيد ويصعب التحقق منه، ويجد سلامة القلب والروح في قبوله.

أو الهروب للثقافة الغربية، ترجمة، أو أخبارا، أو أفلاما، وهي غريبة وفيها كذب أيضا كأي ثقافة، ولكن كذب البعداء لا يحس أنه يمسه مباشرة، فليكن كذبا، وليكن تزويرا، وليكن ما شاء له كتّابه ومنتجوه أن يكون، ولكننا نجد فيه أحيانا روحا من صدق ولو في جانب واحد، ولو عندما يتحدثون عنا فقط.

ولكن للأسف حتى ذاك قد كان، ثم غاب، فاليوم دوامة الكذب تبتلع العالم، بسبب غزو الغرب لنا، أو بسبب غزونا للغرب، سيان؛ فالكذب ضروري للحروب، كما هي طبيعة الحروب، ولكنه في هذا الزمن أكبر، وآلة الكذب تطورت أكثر من بقية الآلات التي عرفها الناس، وزادت والمبالغة والهيلمة والصورة والتقنية من رواج الكذب والضجة المفتعلة.

ولا تلوموني فإني مدمن مثلكم للهروب، وقد نظرت لطاولتي عند كتابة هذا الكلام فإذا عليها: "البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب عن الإعلام لتشومسكي، وتحقيق جديد لموافقات الشاطبي ومقال ـ بل كتاب ـ للسكران" يتيم بين متباعدين.

وإذا كان الهروب لكتب السلف لا ينجي، فهل أصبح الهرب للثقافة الغربية ملجأ آمنا من الكذب العربي؟! لا ليس كذلك؛ لأنك عندما تقرأ لمن تتوقعهم صادقين من الغربيين، فإننا نقرف من تلك الحقائق ومن تلك الثقافة التي يتحدثون عنها؛ ولأنهم يتحدثون بمرارة بالغة عن شعوبهم، وكيف أغرقها المبتزون باسم الدين وباسم الحرب وباسم الاقتصاد والشركات الخاصة وباسم المصالح الوطنية، حتى أصبحت الحقيقة وهما، وأصبحت الأوهام أقرب للحقيقة، ويتكلمون كثيرا عن كيفية اختطاف هؤلاء للكارثة والكوارث، وكيف زيفوا المشاهد العيانية، وكيف زيفوا المسيحية، وكيف يجهدون في تزييف الإسلام.

عندما يبيع الخونة بلادهم وثقافتهم، تصبح المروءة شبهة، ويصبح الخائن معصوما، والبريء الصادق يرى الجنون الذي لا يحتمل، والكذب الذي يفوق استعداده العقلي والمعرفي والواقعي فيرد على الخيانة بجنون، وبعنف، غير متدبر، ولا مستوعب، خذ مثلا ما يحدث في باكستان، وفي المسجد الأحمر، شباب من البنين والبنات، في مرحلة الدراسة الوسطى، يطلبون بما لا نعلم حقيقته، وتحمّلهم الحكومة ما لا نعلم صوابه، فقد يكونوا هم العلة وهم الخاطئون، وقد تكون الحكومة هي السبب؛ فما يرونه مما يعدونه خيانة حاكمهم لبلاده ولدينه، أو ما يرونه خيانة لأفغانستان، وتوجهه المؤيد من الأعداء لأن يكون ديكتاتورا مستبدا غائلا للأمة وللشريعة، فاهتدوا لغير هداية، وفعلوا ما رأيتموه، وذبح منهم المئات. وهكذا يصاب الصادق البريء بالجنون فيرد على الخيانة بالجنون ويفعل ما لا يعقل، وتخسر الضحية مرتين.

فكم نرى من عجب، وهل الرد على الخيانة بالخبل صواب؟

بيئتنا وما حولنا تنادينا بنداء واحد، يكرره زمن البؤس دائما يقول: "خل جنبيك لرامي... وامض عنه بسلام... مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام..

ذاك خيرٌ مخرجا من أحرف الجر والكلام العجين.

ثم يقع الحافر على الحافر، ويقول لنا أحمد مطر الكلام نفسه الذي قاله نزار، ويؤكد على أهمية الحيلة والحمحمة والبعد عن الحقيقة لتكون كاتبا محترما في العالم المغلوب على أمره:

هل إذا بئس كما

قد عسى لا إنما

من إلى في ربما

هكذا سلمك الله قل الشعر لتبقى سالما

هكذا لن تشهق الأرض

ولن تهوي السما

هكذا لن تصبح الأوراق أكفانا

ولا الحبر دما

هكذا وضح معانيك

دواليك دواليك

لكي يعطيك واليك فما

وطني يا أيها الأرمد

ترعاك السما

أصبح الوالي هو الكحال

فابشر بالعمى.

ذلك أن المستعمرين يرعبهم الصمت، كما يرعبهم النطق بالحقيقة، فلا يسمحون بالصمت، ويفتحون مجلات وجرائد وتلفزيونات ليمارس المغلوبون حرية "البربرة" ـ أي الكلام بلا معنى ـ، فكشف المستور خير ضمان للمستبد.
بل قد يلزمونهم بممارسة حرية العبيد، وينفق المستعمرون والسادة دائما على مرح الطبقة الدنيا التابعة وتسليتها كثيرا، فليرقصوا وليسكروا وليحتفلوا ثم ليرجعوا إلى الحظيرة. وتجد قصة حرص السادة على أن يمرح العبيد ويسكروا في كتاب: "قصة عبد أمريكي"، لعبد حرر نفسه اسمه: "دوجلاس".

فـاروق
10-22-2007, 10:15 AM
طيب ما العمل؟

مقاوم
10-22-2007, 10:25 AM
شو قالولك عني المسؤول عن العمل؟ :)

استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك!!

من هناك
10-22-2007, 02:25 PM
العمل هو الخروج والثورة التي تبدأ دوماً بالأقلام والحبر ثم ترتقي كي تدبج بالدم وبعدها تبدأ الأيادي المضرجة بالرمي