تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تمخضت آلة الدعاية الصهيونية فولدت مفاعلا نوويا سوريا



صلاح الدين يوسف
09-24-2007, 10:15 PM
تمخضت آلة الدعاية الصهيونية فولدت مفاعلا نوويا سوريا السادس من سبتمبر 2007، ثمان قاذفات إسرائيلية من طراز إف 18 جدار الصوت ومعه حرمة الأجواء السورية من جهة الساحل، عابرة مناطق واسعة في شمال شرق البلاد، مرورا ببادية دير الزور إلى تخوم المثلث السوري ـ العراقي ـ التركي، محلقة فوق مطارين عسكريين على الأقل. عادت المقاتلات إلى قواعدها سالمة، مخلفة وراءها احتفاظ سوري بحق الرد في المكان والزمان المناسبين. صمت إسرائيلي مطبق وكشف سوري عن نصف الحقيقة، كانا كفيلين بإطلاق وسائل الإعلام الغربي العنان لخيالها اجتهادا في تفسير أسباب الغارة وحقيقة الموقع المستهدف. فمن قائل بأن الهدف كان شحنة من الأسلحة متجهة إلى حزب الله، إلى قائل بأن المستهدف كان مركز تدريب فلسطيني، إلى آخر يقول بأنها عمليه تستهدف اختبار الدفاعات الجوية السورية. أما المقولة الأخطر فهي أن المقاتلات استهدفت موقعا نوويا سوريا أنشأ بالتعاون مع كوريا الشمالية. كان وصول سفينة كورية شمالية إلى ميناء طرطوس السوري محملة بالاسمنت حسب ما تقوله سورية، وبأجهزة نووية حسب ما تدعيه المصادر الإسرائيلية، قبل الغارة بثلاثة أيام، أي في الثالث من سبتمبر، سببا كافيا لترجيح كفة المقولة الأخطر، بما أن سوريا هي وريثة العراق في محور الشر الجديد وكوريا الشمالية عضو أساسي فيه إلى جانب إيران. جاء أول اتهام رسمي صريح بعد الغارة، على لسان "أندرو سيميل" نائب مساعد وزيرة الخارجية لسياسة منع انتشار الأسلحة النووية عندما قال بأن بلاده قلقة إزاء انخراط سورية في نشاط نووي غير قانوني بمساعدة كوريا الشمالية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الأمر بصحيفة الواشنطن بوست أن زعمت أن الطائرات قصفت مركزا للبحث الزراعي هو في واقع الأمر موقع لاستخراج اليورانيوم من الفوسفات. كما قالت إن الاستخبارات الإسرائيلية أعطت الإدارة الأمريكية صورا ملفتة التقطتها عبر الأقمار الصناعية، مما دفع بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى الاعتقاد بأن هذا الموقع قد يستخدم لتطوير أسلحة نووية. صحيفة الديلي تليغراف تناولت نفس الموضوع ولكن برواية مختلفة، إذ قالت إن التقارير الإسرائيلية تقول بأن السوريين يمتلكون مجمعا نوويا سريا في محافظة دير الزور الواقعة شرق البلاد لا يُعرف ما إذا كان يُستخدم كمركز للأبحاث أو كمخزن للصواريخ الباليستية. وأضافت أن كل شي كان في هذا المجمع وتسبب في قلق الإسرائيليين تم تدميره تماما، حيث أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية الأمريكية كومة من الأنقاض والركام بعد العملية. وبالمناسبة فإن لنا ذكرى لا تنسى مع صور الأقمار الصناعية، إذ لم تتدحرج بنا عجلة الزمن بعيدا حتى ننسى عبارة «ما نقدمه لكم هو حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخباراتية قاطعة» التي لازال صداها يتردد في مبنى الأمم المتحدة منذ عام 2003 إلى يومنا هذا، كشاهد على الأكذوبة الأمريكية التي سوقتها لتبرير غزوها للعراق، معتمده على صور لأقمار صناعية قيل إنها لشاحنات متحركة، تحمل أسلحة دمار شامل، وقدمها كولن باول كأدلة دامغة على تطوير العراق لأسلحة الدمار الشامل. لقد كانت تلك العبارة الشهيرة آخر ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق في خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة، الذي جاء كمتوج لحملة دعائية طويلة شنتها وسائل الإعلام الصهيونية والغربية ضد العراق لتبرير احتلاله وتدميره فيما بعد. مما دفع باول بعد ذلك إلى الاعتذار للعالم أجمع عن ذلك الخطأ الشنيع. وفي حقيقة الأمر فإن لدى سوريا مفاعل أبحاث نووي صغير جهزه الصينيون في قرية دير الحجار بضواحي دمشق وظلت عاجزة عن الحصول على مفاعلات أكبر بسبب الضغط الذي مارسته أمريكا على البائعين المحتملين. كما أنه يخضع لمراقبة دائمة من قبل مفتشي الأمم المتحدة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك التكلفة المادية الباهظة لمثل هذه المفاعلات التي لا تستطيع أن تفي بها دولة كسوريا لا يتجاوز إنتاجها النفطي 600 ألف برميل يوميا، فإن ذلك يجعل من امتلاكها لسلاح نووي أمر صعب المنال. لقد اعترفت إسرائيل من قبل بكل العمليات التي قامت بها ضد سوريا كعملية عين الصاحب حتى قبل أن تعود الطائرات إلى قواعدها. ولا يعني التعتيم المفروض من قبل الجيش على هذه العملية أنها خطيرة أو إستراتيجية كما اعتقد الكثير، فمهما بلغت أهميتها وإستراتيجيتها فلن تكون كعملية قصف مفاعل تموز العراقي عام 1981، والتي اعترفت بها إسرائيل في حينها. نفس السيناريو الذي مر به العراق قبل غزوه، تمُر به سوريا حاليا مع بعض التغييرات الطفيفة التي رآها المخرج ضرورية كي لا يُتهم باستغباء المشاهد عن طريق تكرار نفس المسلسل في مدة زمنية وجيزة. فهاهي آلة الدعاية الصهيونية الغربية مرئيها ومسموعها ومطبوعها تشن حملة واسعة ضد دمشق محملة إياها مالا تحتمله دول عظمى، فتارة تُفخم قوتها العسكرية لدرجة تحسب معها أن المقصود هو روسيا أو الصين وليس سوريا التي نعرفها جيدا، وتارة تهول دورها الإقليمي فتحملها مسؤولية أحداث لا يمكنها منطقيا أن تكون مسؤولة عنها. وهذا بالضبط ما حدث للعراق قبل غزوة. ومن أعجب ما قرأت في هذا الصدد ما نشرته صحيفة الديلي تليغراف من أن أجهزة استخبارات ووكالات حكومية غربية تعتقد أن سورية تملك أضخم ترسانة من الأسلحة الكيماوية وأكثرها تقدما في الشرق الأوسط. وأضافت أن لدى سوريا حوالي 120 صاروخا من طراز سكود سي، و200 صاروخ من طراز سكود بي، مجهزة برؤوس كيمائية، يصل مداها إلى 500 كم، أي أنها قادرة على ضرب المدن الكبرى في فلسطين المحتلة. كما ذكرت مصادر عسكرية بريطانية أن منظومة الدفاع الجوي السورية هي الأكثر كثافة في العالم. وقالت أن لدى سوريا أكثر من 200 بطارية مضادة للطائرات من أنواع مختلفة من ضمنها أحدث ما أنتجته المصانع العسكرية الروسية. وأفادت بأن لديها منظومات صواريخ ستريلتس إس إى 24، ومنظومة بانتسير إس 1. ومن غير المؤكد ما إذا كانت قد حصلت على صواريخ إس 300 الروسية، والتي تعني عمليا إنهاء السيطرة الجوية المطلقة للطيران الأمريكي والإسرائيلي. ومن الجدير ذكره أن صواريخ إس 300 تتفوق تكنولوجيا على صواريخ الباتريوت الأمريكية. بالطبع لا يستطيع عقلي تقبل هذا، ولا تفسيره إلا على أنه تضخيم مبالغ فيه لحاجة في نفس يعقوب، فلو كان ذلك صحيحا لما تجرأت الطائرات الإسرائيلية، على التحليق على مقربة من قصر الرئيس بشار الأسد في مدينة اللاذقية في 28 يونيو 2006، ولما تجرأ كذلك على التحليق هذه المرة فوق كل هذه الأراضي الشاسعة بدون أن تُسقط كل هذه المنظومات المتطورة من الصواريخ طائرة واحدة، إلا أن يكون لدى سوريا هواية جمع الصواريخ، على غرار هواية جمع الطوابع لدى الأشخاص. وإذا ما نظرنا إلى كل هذا وأضفنا إليه قرار مجلس الأمن رقم 1757 الخاص بتشكيل محكمة قتلة الحريري تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية، والموجه بالدرجة الأولى ضد سوريا، والتهم الأخرى المعروفة الموجهة إليها كدعم الجماعات الإرهابية حسب وجهة النظر الصهيونية والإخلال بالأمن في العراق، فإنا نجد أنفسنا أمام حالة عراقية جديدة. أما ما يسمى بجبهة الخلاص الوطني السورية المعارضة في الخارج، والتي اجتمعت في برلين قبل عدة أيام، وتضم كلا من عبد الحليم خدام، الشريك السابق لحافظ الأسد في أفراحه وأتراحه ما يقارب 29 عاما، الذي تحول فجأة من دكتاتور إلى مطالب بالديمقراطية والشفافية، وعلي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، وعدد من التنظيمات العربية والكردية، فإنها تذكرنا بالمعارضة العراقية في الخارج واجتماعاتها والتي كانت أول الوافدين على ظهر أول دبابة أمريكية تدخل بغداد. لا أزعم بأن ضرب سوريا بات وشيكا، ولكني أقول بأنه خيار ليس بمستبعد. والهدف الحالي هو "تطويع سوريا"، وجعلها تشعر أنها في أجواء حرب حقيقية حتى تتخلى عن تحالفها الذي تعتبره إستراتيجي مع إيران وبالتالي قطع طرق الإمداد عن حزب الله، ولإرغامها على التخلي عن دعم المقاومة الفلسطينية بطرد جميع الفصائل المتواجدة على أرضها، ولإجبارها أيضا على توقيع معاهدة سلام مجاني مع إسرائيل لا يكون إرجاع الجولان كاملا شرطا أساسيا فيها، ومنع المتسللين الراغبين بالانضمام إلى المقاومة العراقية عبر حدودها مع العراق. خطأ كبير تقع فيه الدول العربية في تعاملها مع حملة "تطويع سوريا" إذ يُنظر إلى هذه الحملة وكأن سوريا هي المستهدفة فيها دون غيرها من دول المنطقة لمجرد أن رأس الحربة موجه إليها. وهذا مخالف للحقيقة، حيث أن حملة التطويع هذه ما هي إلا جزء من هجمة الهيمنة الجديدة عسكريا على المنطقة العربية والإسلامية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. إن على سوريا أن تدرك خطورة الوضع الذي تعيشه حاليا، وأن تمضي قدما في إزالة ما عكر صفو سماء علاقاتها مع دول عربية كبرى لها ثقل سياسي لا يستهان به كالسعودية ومصر بسبب تصريحات لا مسؤولة صدرت عن بعض مسؤوليها. كذلك عليها ألا تذهب بعيدا في اعتمادها على تحالفها الذي تعتبره إستراتيجي مع إيران. فإن كان لدى إيران ما يكفي من الاستعداد للدفاع عن نفسها، فلا أعتقد أن لديها أدنى استعداد للدخول في مواجهة مع أي طرف كان من أجل سوريا، لأسباب كثيرة ليس أقلها مدى الفائدة التي ستجنيها من مواجهة كهذه. http://www.alasr.ws/index.cfm?method...contentID=9449