تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاخلاص عنوان الصوم



صلاح الدين يوسف
09-21-2007, 04:32 AM
الاخلاص عنوان الصوم



أحلى اُعطيات الصوم وأغلى معانيه : الإخلاص ، والإخلاصُ لله خَلاصٌ وتجرّد بعيداً عن أوحال الأرض.
والصومُ هو العبادة الوحيدة التي خُصت بالنسبة إلى الله " إلا الصيام فإنه لي "
قال الإمام أحمد : لا رياء في الصوم. فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كدّر كدّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفي في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفي في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال.
والجنة لا تطلب إلا قلباً خالصاً لله { معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} يوسف: 79
والصوم يُعلّم الناس الإخلاص ، فما صام مُنافق مرائي .
والغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص وهي محور دعوات الرُسل قال تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبدالله مخلصاً له الدين ..}الزمر: 2 { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} الزمر: 11 { قل الله أعبدُ مُخلصاً له ديني..} الزمر: 14 {وادعوه مُخلصين له الدين..} الأعراف: 29. { فادعوه مخلصين له الدين..} غافر:14.
والإخلاصُ : التعرّي عما دون الله ونسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق .. أن يكون سكونُ العبد وحركاته لله تعالى خاصة وإخراج الخلق عن مُعاملة الرب .
والاخلاص أشد شيء على النفس لأنه ليس لها فيه نصيب كما سهل.
والصدق في الإخلاص من أشد الأمور على النفوس ، يقول سفيان الثوري : " ما عالجتُ شيئاً عليّ أشد من نيتي ، إنها تتقلب عليّ " .
والاخلاص هو الحرية في أكمل مراتبها، لا لا يا قيود الارض.

تفيضُ نفوسٌ بأوصابها * * * وتكتُم عُوادها ما بها
وما أنصفت مُهجةً تشتكي *** جواها إلى غير أحبابها

"شجرةُ الإخلاص أصلُها ثابت ، لا يضرها زعزع ( أين شركائي ) ، وأما شجرة الرياء فاجتُثت عند نسمة ( وقفوهم ).. لريح المخلصين عطرية القبول، وللمرائي سموم النسيم، نفاقُ المنافقين صيّر المسجد زُبالة ( لا تقم فيه أبداً ) وإخلاصُ المُخلصين رفع قدر الوسخ ( رُبَّ أشعث أغبر ) .
فيا أسفا ذهب أهل الاخلاص والتحقيق وبقيت بنيات الطريق، رحل والله السادة وبقي قرناء الرياء والوسادة.

ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأقوام
يا اخوتاه الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، تنبه ريحه.. العمل صورة والإخلاص روح.
الإخلاص اليسير كثير ، وخليجٌ صَافٍ أَنفَعُ من بَحرٍ كَدِر .
أتحدو وما لك بعير؟! أتد القوس وما لها وتر؟! أتتجشأ من غير شبع؟!
كم بذل نفسه مُراءٍ لتمدَحَهُ الخلائق فذهبت والمدح ، ولو بذلها للحق لبقيت والذِكر ، المُرائي يحشو جراب العمل رملاً فيُثقلُه ولا ينفعه ..
ريح الرياء جيفة تتحاماها مسا القلوب.
لما أخذ دُود القزّ ينسُجُ أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت : لك نسجٌ ولي نسج ، فقالت دُودةُ القز : ولكن نسجي أرديَةُ بناتِ المُلوك ونسجُكِ شبكة الذباب ، وعند مسّ النسيجين يبين الفرق .
إذا اشتبكت دُموعٌ في خُدود تبيّن من بكى ممن تباكا
والأمةُ أحوجُ ما تكونُ إلى إخلاص ابنائها ، قال صلى الله عليه وسلم : " إنما ينصرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " . وفيه خلاص الأمة ورفعتها، عن أُبيّ بن كعب – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " بشّر هذه الأمة بالسناء والدين ، والرفعة والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عملَ الآخرة للدُنيا لم يكن له في الآخرة نصيب " . وفي رواية للبيهقي قال رسول الله هذه الأمة بالتيسير والسناء والرفعة بالدين والتمكين في البلاد والنصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا، فليس له في الآخرة نصيب"
ما أحوجنا إلى الصيام والاخلاص، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يعث الناس على نياتهم" وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يحشرالناس على نياتهم"
ما أحوجنا إلى الفرار من الرياء والصيام خير عون، عن عبد الله بن عمرو ( رضي الله عنهما) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه وصغره وحقره "
وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثٌ لا يُغل عليهن قلبُ امريء مُؤمن : إخلاص العمل لله ، والمُناصحة لأئمة المُسلمين ، ولُزوم جماعتهم ، فإن دُعاءهم يُحيط من ورائهم " .
ولو لم يكُن في الإخلاص إلاّ طردُ الخيانة والحقد من القلب لكفاه شرفاً ، فكيف والأعمال ميّتةً بدُونه ، وقِشرُ خالٍ من اللُباب سواه .
ومن هُنا تأتي أهمية الصوم ومعناه الكبير ! إذ كُل عبادةٍ سواه قد يدخلها الرياء حتى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء .
عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكرُ المسيح الدجال ، فقال : " ألا أُخبركُم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال " ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ! فقال : " الشركُ الخفيّ : أن يقوم الرجل فيُصلي ، فيُزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل " .
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس ! إياكم وشرك السرائر " قالوا : يا رسول الله ! وما شركُ السرائر ! قال : " يقومُ الرجل فيُصلي فيُزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر " .
والجهاد والصدقة و قراءة القرآن قد يدخلُها الرياء ، فدلَّ ذلك على خطره وفظاعته وشناعته ، وإليك هذا الحديث لترى خوف الصحابة من الرياء ، وعلى ضوء ذلك ترى المعنى الجليل الذي يُورثه الصيام لأصحابه وهو الإخلاص .
عن عُقبة بن مسلم أن شُفيّاَ الأصبحيّ حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال من هذا ؟ قالوا : أبو هريرة ، قال : فدنوتُ منه ، حتى قعدتُ بين يديه ، وهو يُحدّث الناس ، فلمّا سكت وخلا ، قلتُ له : أسالُك بحقِّ وبحقِّ ، لمّا حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَقِلتَهُ ، فقال أبو هريرة : أفعل ، لأُحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقِلتُهُ وعلِمْتُهُ ، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً فمكثنا قليلاً ثم أفاق ، ( أي : شهق حتى كاد يُغشى عليه أسفاً أو خوفاً ) ، فقال لأُحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحدٌ غير وغيره ، ثم نشغ أبوهريرة اُخرى ثم أفاق ، ومسَحَ عن وجهه فقال : لأُحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في البيت ما معنا أحد غيري وغيره ، ثم نشغ أبو هريرة نشغةً شديدة ثم مال خارّاً على وجهه فأسندتُهُ طويلاً ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل على العباد ليقضي بينهم ، وكل أُمةٍ جاثية ، فأول من يُدعى به رجلٌ جمعَ القرآن ، ورجل قُتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله عزوجل للقاريء : ألم أُعلّمك ما أنزلتُ على رسولي ؟ قال : بلى يارب ، قال : فما عمِلت فيما علمت ؟ قال : كُنتُ أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقولُ الله عزوجل : كذبت ،وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله تبارك وتعالى : بل أردتَ أن يُقال فلان قاريء وقد قيل ذلك ، ويُؤتى بصاحب المال فيقول الله عزوجل : ألم أُوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ، قال : بلى يارب قال : فماذا عملت فيما أتيتك ؟ قال : كنتُ أصلُ الرحم ، وأتصدق فيقول الله له : كذبت ، وتقولُ الملائكة : كذبتَ ، ويقول الله تبارك وتعالى : بل أردتَ أن يُقال فلانٌ جواد وقد قيل ذلك ، ويُؤتى بالذي قُتل في سبيل الله فيقولُ الله له : فيم قُتلت : فيقولُ : أي ربّ أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلتُ حتى قُتلت ،فيقول الله له : كذبتَ ، وتقولُ الملائكة : كذبت ويقول الله : بل أردتَ أن يُقال : فلانُ جريئ فقد قيل ذلك ، ثم ضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رُكبتي ، فقال : " يا أبا هريرة أُولئك الثلاثة أولُ خلقِ الله تُسعّرُ بهم النار يوم القيامة " ، قال الوليد أبو عُثمان المديني : وأخبرني عُقبة أن شُفيّاً هو الذي دخل على مُعاوية فأخبره بهذا ، قال أبو عُثمان : وحدثني العلاء بن أبي حاتم أنه كان سيّافاً لمُعاوية : قال : فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هُريرة ، فقال مُعاوية : قد فُعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ؟!! ثم بكَى مُعاوية بُكاءً شديداً حتى ظننا أنه هالك ، وقُلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر ، ثم أفاق مُعاوية ومسح عن وجهه ، وقال : صدق اللهُ ورسوله : " من كان يُريدُ الحياةَ الدُنيا وزِينَتَهَا نُوَّفِّ إليهم أَعمالَهُم فيها وهُم فيها لا يُبخَسُون * أُولئك الذين ليس لهم في الآخرةِ إلاّ النار وحبِطَ ما صَنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون } .
فكيف بمن بقي من الناس .. لا نجاة إلا بالإخلاص .
فياللصوم من عبادةٍ أُسُها ولُحمتُها وسداها الإخلاص وفيه من النيران الخلاص .

تبقل الله صيام الجميع

منقول