تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موضة المتاجرة بالاسلام والشعارات ونبذ العمل الصالح لاجل المصالح



ابن خلدون
09-16-2007, 01:58 PM
د. حسن حنفيالعلاقة بين الدين والنشاط الاقتصادي عامة والتجارة خاصة معروفة عند علماء الاجتماع كما فعل ماكس فيبر في دراسته الرائدة منذ حوالي قرن من الزمان "البروتستانتية وروح الرأسمالية" مؤكداً على وجود علاقة بين القيم والأخلاق البروتستانتية من ناحية وازدهار النشاط التجاري في البلدان والمناطق البروتستانتية في ألمانيا وفرنسا من ناحية أخرى، الصلة بين القدر والرزق، بين الإيمان والنجاح، بين التقوى والكسب.
ولا يحتاج العربي إلى هذا التنظير وهو يلاحظ هذه العلاقة في الحياة اليومية في مجتمعه. وقد ضربت النماذج من قبل بشركات توظيف الأموال واستعمال آيات مثل (وأحل الله البيع وحرم الربا) من أجل تجميع أموال الناس، أغنياء لمزيد من الكسب، وفقراء من أجل عائد سنوي أو شهري صغير بدافع الإيمان وبدعوى المشاركة في الربح والخسارة وليس في الربح فقط كما هو الحال في البنوك الربوية، وللاطمئنان على دخل شهري حلال ثابت ضد البطالة والجوع. وتضارب هذه الشركات وتستثمر رؤوس أموال المسلمين في البنوك الربوية للحصول على ربح سريع، وفي الغالب دون زيادة في الإنتاج أو إتاحة فرص للعمل ضد البطالة أو تنمية اقتصادية أو بشرية في مشاريع كبرى.
وازداد الأمر في العقود الأخيرة باستعمال الإسلام كوسيلة ناجحة للربح والنجاح التجاري باستعمال اسم الإسلام أو مشتقاته العقائدية أو التشريعية كأسماء لمحلات تجارية كبرى مثل "التوحيد والنور"، "الإيمان" أو "الإخلاص". ولما كان الهدف هو التجارة الداخلية والخارجية للاستفادة من العولمة يصبح اسم الشركة "إسلامكو". وتنتشر محلات الملابس الأنيقة بأزيائها وألوانها وجواهرها البراقة باسم "الحجاب" أو الزي الإسلامي أو "المايوه" الشرعي الذي يبرز قسمات الجسم مثل باقي "المايوهات" غير الإسلامية التي تبرز مفاتنه. وتكثر إذاعة الشرائط الدينية في المحلات العامة إما القرآن الكريم أو الحديث أو شرائط الوعظ والإرشاد من مشايخ الفضاء أو الدعاة الجدد لإضفاء جو إسلامي على الأسعار ومحو الشك في غلوها والمغالاة فيها. فالمسلم لا يغش ولا يحتكر ولا يستغل. ونافست شركات المحمول في وضع أغانٍ إسلامية والأذان كألحان مميزة مثل أغاني وألحان مشاهير المطربين والمطربات، قدماء ومحدثين. كما تخصص قاعات للصلاة للنساء والرجال في أحد الأدوار. فالحفاظ على الشريعة يرضي الله الذي يرزق من يشاء بغير حساب. ويخصص أصحاب العمارات الشامخة "البدروم" كمصلى حتى يعفى من العوائد، ويشرع بيع الشقة بالمليون أو أكثر. ويلبس معظم الباعة، اقتداءً بصاحب المتجر، اللبس الإسلامي، الجلباب الأبيض. ويتبع السنة العادية بإطالة الذقن وقص الشارب. وتأخذ بعض المنتجات أسماء إسلامية مثل بلح مكة، وعطر الرسول، والتين والزيتون ورمان الجنة. وتخصص محلات العطارة قسماً للعلاج بالأعشاب طبقاً لتعاليم الطب النبوي. والعسل (فيه شفاء للناس) وتوضع بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية كيافطات للمحلات لجذب الزبائن باستعمال الوازع الديني. وتوضع المصاحف بالقطيفة الحمراء في السيارات، وتعلق "المصاحف" الذهبية الصفراء لتزيين نحور النساء البيضاء. وتحمل المصاحف بين أيدي الأطفال بالملابس الأفرنجية السوداء و"البَابِّيُّون" حول العنق أمام الزفة مع الشمعدان وتُرش عليه الورود وحبات الملح، والرقص الشرقي في المقدمة. فيتحول المظهر الديني إلى "وثن" و"ديكور". وتذكر أسماء الله الحسنى في بداية حفل الزفاف وعزاء الموتى وعيد ميلاد الأطفال كوصلة غنائية حتى تحل البركة على الجميع. ويختلط ذلك كله بالأمثال العامية على ظهور عربات النقل مع الصلاة على النبي مثل "العين صابتني ورب العرش نجَّاني" والبسملة والحوقلة والسائق يسير مخدراً ليلاً، وسائق الأجرة يغالي في الأسعار بعد أن توقف العمل بالعدَّاد. وفي أوقات الصلاة توضع على أبواب المحلات بما في ذلك الصيدليات والمكتبات العامة "مغلق لأداء الصلاة". ويضع المرتشون من الموظفين العموميين فوق رؤوسهم يافطات يختلط فيها الديني بالشعبي مثل "القناعة كنز لا يفنى"، "الرزق على الله". ويوضع لفظ "إسلامي" لوصف كل شيء يُراد ترويجه وتسويقه مثل الزراعة الإسلامية، التجارة الإسلامية، الصناعة الإسلامية، التعليم الإسلامي في المدارس الخاصة، المواصلات الإسلامية لفصل الرجال عن النساء بصرف النظر عن أسعارها ومستوى خدمتها. ويخرج الحاج من منزله محرماً ويعود محرماً بعد الحج، ويأخذ لقب "حاج" ينادى به في الأسواق. وعلى متجره "حج مبرور وذنب مغفور" فتكون له الأولوية في المعاملات التجارية، وتقوى ثقة العملاء به.

وتمتلئ القنوات الإعلامية بمشايخ الفضاء بأرديتهم البيضاء وذقونهم السوداء للحديث عن الإسلام الشرعي والعبادات وضرورة التمسك بحرفيتها دون التعرض لمصالح الأمة ومآسيها في العدوان الأميركي على العراق وأفغانستان، والاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين أو حتى القدس برؤية إسلامية. لا فرق بين بعض مشايخ الفضاء وأساطين الغناء وفتيات الإعلانات وراقصات "الفيديو كليب"، والتكسب بالدين والوعظ والإرشاد تخديراً للناس وإبعاداً لهم عن قضاياهم الاجتماعية والسياسية. وتُطعم إعلانات التهنئة ببعض الآيات والأحاديث حتى تلقى الحظوة لدى الرئيس أو الوزير أو المدير. فالتهنئة من القلب. ومعها اسما المهنـِّئ والمهنـَّأ وأسماء شركاتهما ومناصبهما وكيفية الاتصال بهما وما تقدمه من منافع وفرص عظيمة. وتتوالى التهنئة بقدوم الشهر الكريم واسم المهنـِّئ وشركته وبضاعته، ونصب موائد الرحمن على أبواب المتاجر فيطعم الجائع والفقير من ناحية وتكثر الزبائن من ناحية أخرى.
في الظاهر التدين، وفي الباطن الربح والتجارة والمكسب دون الخسارة. ولا فرق في هذه الممارسات بين الطبقات الاجتماعية الدنيا والمتوسطة والعليا. الدنيا لأن الدين غذاؤها، عزاؤها وأملها. والوسطى لأن الدين هو القانون والنظام وهو ما ترعاه الطبقة الوسطى باعتبارها القائمة على الأمن والاستقرار. والعليا كغطاء شرعي للثروة والفساد والاحتكار والاستغلال، والأرزاق مقدرة من قبل. وليست من كسب الفقراء بالحلال أو من احتكار رجال الأعمال وفسادهم بالحرام.
والعجيب أنه في مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي يزدهر القطاع الخاص على حساب القطاع العام بدعوى العولمة وفي نفس الوقت تزداد الحمية الدينية والتمسك بالمحافظة الإسلامية. كل منهما يغذي الآخر ويدعمه. الدين كغطاء شرعي للربح، والربح كغطاء شرعي للدين. كلاهما من عند الله. فالله هو الهادي والموفق. وهو الرازق والعاطي. وما من مولود يُولد إلا ورزقه معه. وفي الأمثال العامية "المتعوس متعوس ولو علقوا على راسه فانوس"، "يا متعوس غير رزقك ما تحوش".
وفي مصر أيضاً عديد من الأمثال العامية التي تدحض هذا التداخل بين الدين والتجارة "اللي عايزَه البيت يحرم على الجامع". فالحياة لها الأولوية المطلقة على الدين، "خذ من كلام الشيخ ولا تأخذ من أفعاله" لأن كلامه مجرد غطاء شرعي لأفعال مناقضة للأقوال. الدين والمصلحة الشخصية متداخلان فإذا بال الكلب على حائط الجار عليه أن يهدمه ويبنيه سبع مرات. وإذا كان الحائط هو حائط الشيخ فقليل من الماء يطهره