تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وجه ممزّق......



nawwar
09-15-2007, 10:31 AM
تلفّت يمنةً ويسرة , حوله بعض من عشيرته الذين ينافحونه الولاء والعداء , قلبه كان مفعماً بالأمل فتّش حوله في الأمكنة والمطارح ثم تعدّى إلى البلدان المجاورة فالأبعد والأبعد، لم يجد لها أثراً لقد لبست ثوب الجفاء والفرار وخلّفته وراءها غير آبهة بالكلاب التي تنبح عليه ولا بلظى النيران الذي وضعته في خضمّه، ترى هل لثمته على الجبين قبل أن تغادر هل ذرفت أي من الدموع ولو كانت دموع التماسيح حتى ، ما الّذي يجعلها الحبيب وهي من تركه للضياع، والضباع تنهش فيه من كل جانب.
يا لها من ناكرةٍ للجميل بعد أن بثّها حبه ولواعج خلجاته وطرق باب قلبها وواساها بحبه صبحا وعشية وكال لها كلمات الحب والحنان ومد يده لها باحثاً عنها وهي بجانبه ليتلمس منها شعورا بالأمان، كيف لامرأةٍ تترك وراءها عباءة الحنان!؟...
فتّش الصور القديمة قدم مجيئه على هذا الكون فلم يجد إلا صورة يتيمة لها لوجهها البائس الملفّع بغبار النسيان،فبثّها شوقه وحادثها كما لو كانت شمساً يرنو إليها بعد صقيع ليلٍ مدلّهم طويل، ثم مزّقها حتى تمزيقه لها لا يخلو من بادرة عطف وشوق وحنين ،مزّقها من المنتصف وكأني به يحدّث ضميره اليقظ أنه سيعود إليها بعد حين، وفعلا عاد وألصقها وحملها معه في حلّه وترحاله ، كم سخر منه الزملاء عند رؤيتها وكم دمعت عيون لرؤيتها وكم بكت قلوب متحجرة لمعرفتها بقصته، وهو هو ذاك الطفل الصغير الّذي لم يكبر أبداً في داخله ما زال يحبو ويرنو إلى نظرةٍ ترمقه بها ويدٍ مبسوطةٍ إليه تربّت بحنان على راسه الصغير المليء بالهموم والمشاكل والنوائب ، ما زال ينتظر تلك اليد تمسح عنه هموم دنياه بلمسة رقيقة حانية وبسمة ُمطمِْئنٍة إياه بأن الفجر آت مهما عقُمَت آذان الليل.......
ولكن شمسه لم تنير يوما مسالك الدروب الضيقة ولا وعورة أيامه الحالكة وما أنارت يوماً قلبه الموشّح بلفيف الأنين......
وهمُ من همُ أقربائه أم ألدّ أعدائه ، لماذا يلجمون فمه بجلمود ويدهسون قلبه بأغصان الورود، لماذا يرددون دوما اسمها ويصفون رسمها , لماذا ولماذا ولماذا وضعوا على رأسه طاقية الرشاد وجعلوا منه لصيق الأذكياء كي يسكبوه_ فيما بعد _من عَلٍ ويدوسون على كرامته بالاهمال ، كي يسحقون دماغه بنثرات من ضجيج الأغبياء، ولماذا أصروا جميعاً على أنه يجب أن لا يكون لديه كبرياء.......
وهي من هي كيف تبيع ثوان من وجوده معها بعمر مديد ولو كان عمرا سعيدا، كيف تخطط ليوم ليس هو فيه، وتعدّ طعاما لا يأكله، وكيف تتجرّع الماء بلا غصّة ،وتنثر الابتسامات بلا دمعة، كيف تجري الدماء في عروقها بلا تلوّث وينبض قلبها برتابة، بل قل لي كيف تتنفّس بلا توقف.......

nawwar
09-15-2007, 11:00 AM
ثم ّ وفجأةٍ يعلو الصرخ والعويل وتُشقّ _ نعوذ بالله_ جيوب ، لطم ٌمن كلّ جانب ٍوبكاء . تُرى علام ينتحب هذا الجمع ، هو نفسه ذاك الشاب الّذي كان يضجّ رأسه بنسمات ٍمن حنانَيها ، ترك لها الدنيا بمشارقها ومغاربها ، قيل بأنها يوم رحيله أدمعت دونما معرفة منها بواقع الحال،لقد حملت النسمات حفيف روحه إليها ولم تدرك ،وغطّى رحيله نقطة سوداء في قلبها ولم تشعر، يا لها من مهزلة .
قبل هنيهة كان يتلفّت ويجد وجه الفراق يمدّ يده ويقتطف منه ما بقي له من ماء وجه ويغرّر به ليتمنى الموت على موته ، وبجانبه كان أولئك القوم الّذين ساعدوه في ساعة العثرة ليتجرّع سموم الحياة بان قدموا له السموم تباعا، وكانت يد غريبة تمتد من بين الأيادي لتكيل له صفعات من معانٍ شتّى لحياةٍ ليست بالحياة ، هي نفس اليد حفرت له قبراً ونقشت عليه اسماً يحاكي مراتب المهانة بين دروب الوحدة والفناء.
وآهٍ آه كيف جفّ التراب في مقلتيها ساعة زُفّ إليها نبأ الوفاة.
كيف نزلت تشريحاً وتجريحاً ولو استطاعت لقلعت مُقلتيها كي تبرهن عن مدى الوفاء،تينك اليدين هما نفسهما من سلكتا طريق الأشقياء.
أما تلك التي مزّق منها الوجه في لحظة كبرياء ما زالت حتى اليوم تدّعي أنها من الأمومة في منزلة الأبرياء.

nawwar
09-15-2007, 11:01 AM
....................