تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : صوموا لرؤيته وأَفطروا لرؤيته ومسائل أخرى



ابو شجاع
09-08-2007, 03:03 PM
صوموا لرؤيته وأَفطروا لرؤيته :

قال الترمذي [ والعمل على هذا الحديث – حديث ابن عباس وسيأتي – عند أكثر أهل العلم ، قالوا : تُقبل شهادة واحد في الصيام ، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد . وقال إسحق : لا يُصام إلا بشهادة رجلين . ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين ] وقال الخطَّابي : لا أعلم اختلافاً في أن شهادة الرجلين العدلين مقبولة في رواية هلال شوال ، وإنما اختلفوا في شهادة رجل واحد ، فقال أكثر العلماء لا يقبل فيه أقل من شاهدين عدلين .

وقد ذهب الجمهور إلى القول بشهادة شاهد واحد عدلٍ في رؤية هلال رمضان ، أي في بدء الصوم ، وعندهم أنه إن شهد مسلم واحد عدل أنه رأى هلال رمضان فقد وجب الصيام على جميع المسلمين ، قال أحمد : ولو كان عبداً أو امرأة ، وهو قولٌ للشافعية . ومعتمد مذهب الشافعية أنه لا بد من أن يكون الشاهد حراً ذكراً وأجاز الأحناف شهادة العدل ولو كان عبداً أو أنثى إذا كان بالسماء غيم . وخالف الجمهورَ المالكيةُ وإسحقُ بن راهُويه ، فأوجبوا لثبوت هلال رمضان شهادةَ شاهدين عدلين ذكرين حرَّين بالغين أو جماعةٍ كثيرةٍ وعندئذ لا يشترط أن يكونوا كلهم ذكوراً أحراراً عدولاً .
أما بخصوص ثبوت رؤية هلال شوال أي بدء الإفطار فذهب الجمهور والأئمة الأربعة إلى أنه لا بد من شهادة شاهدَيْن في ثبوت رؤية هلال شوال . وقال الأحناف بوجوب أن يكون الشاهدان عدلين حريَّن ، أو حراً وحرَّتين بلفظ الشهادة . وخالفهم أبو ثور وابن المنذر من الشافعية ، وابن رُشْد من المالكية والشوكاني ، فأجازوا شهادة شاهد واحد عدل في إثبات رؤية هلال شوال أي بدء الإفطار .
ونحن ننظر في النصوص التالية لنرى الرأي في هذه المسألة بحول الله تعالى :
أولاً : النصوص المتعلقة برؤية هلال رمضان :
1- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال { جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبصرتُ الليلةَ الهلالَ فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ؟ قال : نعم قال : قم يا فلان فأذِّن بالناس فلْيصوموا غداً } رواه ابن خُزيمة ( 1923 ) وابن حِبَّان . ورواه أبو داود ( 2340 ) بلفظ { ... إني رأيت الهلال – قال الحسن في حديثه : يعني رمضان ... } وروى الحديثَ أيضاً النَّسائي والترمذي وابن أبي شيبة ، وصححه الحاكم والذهبي .
2- عن حسين بن الحارث الجدلي ، من جديلةِ قيس ، أن أمير مكة خطب ، ثم قال { عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَنْسُك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشهادتهما ... ثم قال الأمير : إنَّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني ، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأومأ بيده إلى رجل ، قال الحسين : فقلت لشيخ إلى جنبي : من هذا الذي أومأ إليه الأمير ؟ قال : هذا عبد الله بن عمر ، وصدق ، كان أعلم بالله منه ، فقال : بذلك أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أبو داود ( 2338 ) والدارَقُطني وصححه . ورواه البيهقي . قوله ننْسُك : أي نعبد ، وهنا معناه نحجُّ . وقوله ننْسُك للرؤية : الرؤية هنا رؤية هلال ذي الحجة .
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال { تراءى الناسُ الهلال ، فأخبرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَني رأيته ، فصامه وأمر الناس بصيامه } رواه أبو داود ( 2342 ) والدارمي والبيهقي . ورواه ابن حِبَّان والحاكم وابن حزم وصححوه .
الحديث الثاني ، حديث أمير مكة ، ليس هو في باب الصوم ، وإنما هو في باب الحج فيبقى فيه ، ونَدَعه هناك . فيبقى حديثا ابن عباس وابن عمر : الأول يذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أثبت رؤية هلال رمضان وأمر بالصيام لشهادة أعرابيٍّ واحدٍ . والحديث الثاني يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أثبت رؤية هلال رمضان ، وأمر بالصيام لشهادة ابن عمر نفسه . وهذان حديثان صالحان للاحتجاج ، ويدلان دلالة لا تقبل التأويل على أن ثبوت هلال رمضان وبدء الصوم يثبتان بشهادة شاهد واحد ، وهذا ردٌّ على من أوجب شهادة شاهدَيْن اثنين ، وهم المالكية وإسحق ابن راهُويه . والأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى وِقفة أطول .
ثانياً : النصوص المتعلقة برؤية هلال شوال :
1- عن ربعي ، عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً لتمام الثلاثين من رمضان ، فجاء أعرابيان فشهدا أن لا إله إلا الله وأنهما أَهَلاَّه بالأمس ، فأمرهم فأفطروا } رواه الدارَقُطني ( 2/168 ) وقال [ هذا صحيح ] ورواه أبو داود والنَّسائي وأحمد .
2- عن الحسين بن الحارث قال : سمعت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب يقول { إنَّا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلمنا منهم ، وإِنهم حدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن أُغمي عليكم فعُدُّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأَفطروا وانْسُكوا } رواه الدارَقُطني ( 2/167 ) وأحمد والنَّسائي . ولفظ أحمد ( 19101 ) { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وأنْ انسكوا لها فإن غُمَّ عليكم فأتموا ثلاثين وإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا }
3- عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه قال { إذا شهد رجلان ذوا عدلٍ على رؤية الهلال فأفطروا } رواه ابن أبي شيبة ( 2/482 ) .
4- عن أبي عُمَير بن أنس بن مالك قال : حدثني عمومتي من الأنصار ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا { أُغمي علينا هلالُ شوال فأصبحنا صياماً فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغَد } رواه ابن ماجة ( 1653 ) وأحمد والنَّسائي وابن حِبَّان والطحاوي . وقال الدارَقُطني [ إسناده حسن ] وكذا قال البيهقي ، وقال [ والصحابة كلهم عُدول سُمُّوا ، أو لم يُسَمَّوْا ] .
5- عن أنس رضي الله تعالى عنه { أن قوماً شهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال ، هلالِ شوال ، فأمرهم أن يفطروا ، وأن يغدوا على عيدهم } رواه البزَّار ( 972 ) وأبو بكر القُطَيعي على مسند الإمام أحمد . قال الهيثمي [ رجاله رجال الصحيح ] .
الحديث الثاني عند الدارَقُطني وأحمد رواه الحجَّاج وهو ضعيف ، فيُترك سنداً . أما من حيث المتن فإن الزيادة ( فإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا ) غير محفوظة ، وذلك أن صدر الحديث رُوي من عدة طرق في الصحاح ، ليست فيها هذه الزيادة ، فيُرَدُّ متناً . أما رواية النَّسائي فليس فيها الحجاج وإنما فيها إبراهيم بن يعقوب قال عنه الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال [ متَّهم بالكذب تالف ] فيُرَدُّ هذا الحديث أيضاً من رواية النَّسائي . أما الحديث الثالث فهو من رواية الحارث الأعور ، وهو متَّهم بالكذب ، فيُرَد الحديث . فتبقى عندنا الأحاديث ذوات الأرقام 1 ، 4 ، 5 .
الحديث الأول يقول ( فجاء أعرابيان فشهدا أن لا إله إلا الله ، وأنهما أهَلاَّه بالأمس ، فأمرهم فأفطروا ) والرابع يقول ( فجاء ركب من آخر النهار ، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا ) والخامس يقول ( أن قوماً شهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال ، هلالِ شوال ، فأمرهم أن يفطروا ) بالنظر في هذه الألفاظ الثلاثة نجدها ذات نسق واحد ، هو أن الذي حصل كان وقائع أعيَانٍ ، أي وقائع حصلت مصادفةً لم تتضمَّن شرطاً أو شروطاً ، فليس في أيٍّ منها ذِكرٌ لأي اشتراط بأن يكون الشهود اثنين أو ركباً أو قوماً ، وإنما حصل أن جاء أعرابيان ، وحصل أن جاء ركْبٌ ، وحصل أن جاء قومٌ ، فلا تفيد هذه النصوص لا لغةً ولا شرعاً أن أقل من ذلك لا يُقبل ، فمن أدَّعى غير ذلك فليأتنا بالدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ شهادة شخص واحد في رؤية هلال شوال . والمعلوم أن وقائع الأعيان لا مفهوم لها ولا يقاس عليها ، ولا تدل على اشتراط أو تقييد ، وأَن كون الشهود أكثر من رجل واحد في هذه النصوص لا يعني أن شخصاً واحداً لا تكفي شهادته . فالقائل بكفاية شخص واحد إن جاءه اثنان أو خمسة أو عشرة أو مائة فإنه بلا شك سيقبلهم ، وزيادة الخير خير كما يقال ، وإنَّ الشخص الواحد الكافي ليدخل في الجموع ويتحقق المطلوب . وعليه فليس في هذه النصوص ما يدل على تقييدٍ أو اشتراطِ اثنين أو أكثر لرؤية هلال شوال .
وأقول لمن يرى في هذه النصوص أنها دالة على تقييدٍ أو اشتراطٍ : إنَّ الأخذَ بالحديث الرابع والحديث الخامس ، حسب فهمهم ، يعني أنه لا يصح قبول الشاهدَيْن فقط كما ورد في الحديث الأول ، فالقائلون بأن هذه النصوص توجب التقيد بالعدد يصبحون في حيرةٍ ، مالهم منها من خلاصٍ ، فهم إما أن يُعمِلوا النصوصَ الثلاثة ، وبذلك ينفون جواز الاثنين لأنهما أقل من الرَّكب ومن القوم ، وإما أن يعتبروها متعارضة فيأخذ من شاء منهم بالاثنين ويرُدُّ الرَّكب والقوم ، ويأخذ من شاء منهم بالرَّكب والقوم ويرد الاثنين !!
إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) فاشترطَ الرؤيةَ عمومَ الرؤيةِ ، لرؤية هلال رمضان ولرؤية هلال شوال ، ولم يفرِّق هذا النص البالغ الصحة بين الصوم والإفطار ، فوجب القول بالتساوي بينهما نصوم للرؤية على عمومها ، ونفطر للرؤية على عمومها ، دون أن نجد مخصِّصاً واحداً لهذه الرؤية ، وإنما وجدنا نصوصاً تذكر قبول الشاهد الواحد على الصيام ، فنعمِّمُ القولَ بالشاهد الواحد كإثباتٍ على حصول الرؤية ، وحيث أن الرؤية لهلال الصوم كالرؤية لهلال الإفطار فإن شاهداً واحداً قد ثبت قبولُه في أحدهما يجب أن يُقبَل في الآخر إلا أن تأتي نصوصٌ تستثني الآخَر من العموم ، ولا نصوصَ مطلقاً .
وثمةَ نقطةٌ مهمة أذكرها هنا هي أن القول بقبول رؤية الشاهد الواحد لهلال رمضان يستلزم الإفطارَ عند تمام الشهر استناداً إلى قوله ، وهذه الحالة تعني قبولَ رؤيةِ هذا الشاهد الواحد في ثبوت شهر شوال . وبذلك يظهر أنَّ الأئمة الأربعة أخطأوا في اشتراط الشاهدَيْن للإِفطار ، ويظهر صواب رأي أبي ثور وابن المنذر وابن رشد والشوكاني القائلين بالمساواة بين رؤية هلال رمضان ورؤية هلال شوال .
وأما التفريعات المذكورة في ثنايا صدر البحث من حيث الحُرُّ والعبدُ والذكرُ والأنثى والغيومُ فلا محل لها هنا ولا دليل عليها . أما العبد فلم يعد له وجود فلا نُشغِلُ أنفسَنا به ، وأما الذَّكَر والأنثى فإن العَدْل منهما تُقبل شهادته ، فالعدالة في الإسلام لم تُعطَ للذكر فقط ولا للأنثى فقط ، وإنما هما مشتركان فيها ، وما جاء في النصوص من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فإنما يُقصَر على الموضوعات الواردة فيه ، ولا يُعمَّم .

عن كتاب الجامع لاحكام الصيام للشيخ أبو إياس محمود بن عبد اللطيف بن محمود ( عويضة )

يتبع

ابو شجاع
09-09-2007, 02:23 PM
مسألة:

المعلوم أن الدولة ، أو الخليفة ، أو من يُوكَّل ، يستقبلون الذين يرون الأهلَّة ، فيعمِّمون الأمر بالصيام أو بالإفطار على الناس ، بعد التثبت من أقوالهم ومشاهداتهم ، والسؤال هنا هو : إذا رأى هلالَ رمضان أو رأى هلالَ شوال شخصٌ ، فشهد أمام الخليفة ، أو من وُكِّل أنه رأى هلال رمضان ، أو رأى هلال شوال ، فلم يُقبَل قولُه ، ورُدَّت شهادته ، فهل يلزمه هو العملُ بما رآه فيصوم وحده ويفطر وحده ، أم يلتزم بقرار الخليفة ؟ وثمة حالة ثانية ، هي أن يكون الرَّائي بعيداً عن الخليفة ، أو عمَّن وُكِّل بالأمر ، بحيث لا يتمكن من أداء الشهادة ، فهل يلزمه العملُ برؤيته هو أم يلتزم بقرار الخليفة ؟
فذهب الأئمة الأربعة إلى وجوب الصوم على المنفرد برؤية هلال رمضان . واختلفوا في الإفطار برؤية هلال شوال وحده ، فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى استمرار الصيام وعدم الإفطار برؤية هلال شوال وحده . وقالت الشافعية – وهو قولٌ للمالكية – : يلزمه الفِطرُ عملاً بقول الحديث ( ولا تفطروا حتى تروه ) ولكن يخفيه لئلا يُتَّهم . فأقول ما يلي ، والله هو الموفق للصواب :
إن ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من وجوب الصوم على المنفرد هو الصواب ، وهو ما يتعين القول به فصوم يوم من آخر شعبان جائز شرعاً ، وما رُوي من أحاديث تنهى عن التقدُّمِ قبل شهر رمضان فإنها تُحمل كلها على الكراهة كما سيأتي لاحقاً ، في حين أن صيام من شاهد هلال رمضان واجب عليه لا شك فيه ، والواجب مقدَّم على ترك المكروه ، فوجب على من رأى هلال رمضان – وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته – أن يصوم ، لأن الرؤية قد حصلت لديه ، وقد روى عبد الله بن أبي موسى قال { وسألتها – أي عائشة رضي الله عنها – عن اليوم الذي يُختَلَف فيه من رمضان ، فقالت : لأَنْ أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان قال : فخرجت فسألت ابن عمر وأبا هريرة فكل واحد منهما قال : أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بذاك منا } رواه أحمد ( 25458 ) وسعيد بن منصور والبيهقي . قال الهيثمي [ رجال أحمد رجال الصحيح ] .
أما إفطار المنفرد برؤية هلال شوال فلا يجوز ، وهو ما ذلك إليه أبو حنيفة ومالك وأحمد ، لأن الإفطار يعني بدء شوال ، وبدء شوال يعني يوم عيد الفطر ، وهذا التحديد هو من عمل دولة الخلافةِ ، وليس من حق الأفراد ، وذلك أن كل شعيرة من شعائر الدين تتعلق بالجماعة كجماعة يجب على الخلافة وحدها أن تأمر بها وتنظِّمها ، وتحدِّد وقتها ، ولا حق لفرد ولا لمجموعة أفراد أن يتولَّوْا ذلك بأنفسهم ، وإلا اضطرب أمر الجماعة ، وهو حرام لا يجوز . فالفرد لا يحق له أن يعيِّد إلا في العيد الذي تعلنه دولة الخلافة ، ومن ثم لا يحق له منفرداً أن يعلن الإفطار ، ولا أن يحدِّد متى يوم العيد ، فوجب عليه الإمساك عن الإفطار والاستمرار بالصوم مع جماعة المسلمين . وقد جاء في الحديث المار قبل قليل والذي رواه ربعي ( فجاء أعرابيان فشهدا أن لا إله إلا الله ، وأنهما أهلاَّه بالأمس ، فأمرهم فأفطروا ) كما جاء في الحديث المار قبل قليل ، والذي رواه أبو عمير بن أنس ( فجاء ركب من آخر النهار ، فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا ) ومثلهما حديث أنس الذي تلاهما . فالأعرابيان رغم أنهما رأيا هلال شوال – أي هلال العيد – بالأمس ، إلا أنهما صاما ذلك اليوم حتى أتاهما أمرُ الرسول صلى الله عليه وسلم بالإفطار ، والركبُ في الحديث الثاني بقُوا صائمين ، رغم أنهم رأوا هلال شوال – أي هلال العيد – إلى آخر النهار حتى أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالإفطار ، وقل مثل ذلك بخصوص حديث أنس ، وهذا يدل على أن إعلان وقت الإفطار هو من عمل الدولة وأنه لا يحق لأحد أن يفطر قبل ذلك الإعلان . وعلى هذا فإن رأي الأئمة الثلاثة هو الصواب ، ورأي الإمام الشافعي خطأ . والنتيجة هي أن المنفرد يصوم بشهادة نفسه ولكنه لا يفطر إلا بأمر الدولة فحسب .

ابو شجاع
09-09-2007, 02:26 PM
هل يصح العمل بالحساب الفلكي ؟




ذهب الجمهور إلى عدم جواز الأخذ بالحساب الفلكي ، قائلين : إن الناس لو كُلِّفوا به لضاق عليهم ، لأنه لا يعرفه إلا أفراد ، والشرع إنما يعرِّف الناس بما يعرفه جماهيرهم . ونُقل عن ابن سُرَيج القول بجواز العمل بالحساب لمن خصَّه الله بهذا العلم ، معلِّلاً ذلك بأن قول الحديث ( فاقدروا له ) هو خطاب لمن خصه الله بهذا العلم ، وقول الحديث ( فأكملوا العدة ) هو خطاب للعامة . وقد نُسِبَ هذا القول أيضاً إلى مطرف بن عبد الله وابن قتيبة .

وبالنظر في النصوص نجد أن كلمة ( فاقدروا له ) وردت في الحديث على غير المعنى الذي ادَّعاه ابن سُرَيج ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له } رواه البخاري ( 1906 ) ومسلم والدارمي وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة . فالحديث كله جاء خطاباً للأمة الإسلامية كلها لأن الصيام هو للجميع والرؤية هي للجميع والإفطار هو للجميع ، وجاءت كلمة فاقدروا له للجميع أيضاً ، وليس لمن خصَّه الله بهذا العلم ، وهذا واضح وضوح المس ، فتخصيص هذه الكلمة بمن خصه الله بهذا العلم هو خطأٌ محضٌ .

ثم إن الأحاديث يفسِّر بعضُها بعضاً ، وقد جاءت أحاديث تفسر هذه الكلمة بغير ما فسَّرها به ابن سُريج ، منها ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم – أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم – { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُبِّيَ عليكم فأَكْمِلوا عدة شعبان ثلاثين } رواه البخاري ( 1909 ) ومسلم والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان . ووقع عند مسلم أيضاً ( 2514 ) لفظ { إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأَفطروا فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً } فتفسير كلمة ( اقدروا له ) جاء في الحديث هكذا ( أكملوا عدة شعبان ثلاثين ) ( صوموا ثلاثين يوماً ) وهذا التفسير يقطع بخطأ تفسير ابن سُرَيْج ، لأن إكمال عدة شعبان ثلاثين لا يحتاج لعلم الحساب والفلك حتى تُحصَر الكلمة بأربابه ، وإنما هو خطاب لعموم المسلمين كما لا يخفى .

بل إن ما هو أقطعُ في الحجة وأَبينُ في الاستدلال هو ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ( 1906 ) من طريق ابن عمر المار قبل عدة أسطر بلفظ { لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ... } فهو لم يكتف بالأمر بالصوم عند الرؤية وإنما جاء النهي هنا عن الصيام دون الرؤية ، والصيام بالحساب الفلكي لا شك في أنه صيام دون رؤية .

إلا هذا كله لا يعني أن الاستفادة من الحساب الفلكي غير جائزة ، ولا يُحتاج إليها ، وإنما أردنا أن نبين فقط أن هذا الحساب ليس هو صاحب القرار في تعيين بدء الصوم أو بدء الإفطار ، وإنما الرؤية العينية في الصيام وفي الإفطار هي ما أوجبها الشرع ولم يوجِب غيرها ، فوجب القول بها وبها وحدها .

أما وجه الإفادة من الحساب الفلكي ، فأَن يأتي علماء الفلك ، ويرشدونا إلى الساعات والدقائق المناسبة للخروج لرؤية الأهلَّة ومواقع الأهلة عند رصدها فهذا يسهِّل على النظارة والمشاهدين عملهم ، ولا بأس أيضاً بالاستعانة بأدوات هؤلاء العلماء في الرصد والمشاهدة ، أي الاستعانة بالعدسات المكبِّرة والمقرِّبة عند الرصد ، فمثل هذه المساعدات جائزة ولا شيء فيها ، وهي تقدِّم عوناً للمشاهدين والنظارة .

ومن جانب آخر فإن قوله ( فاقدروا له ) قد فسَّرته الأحاديث تفسيراً كان ينبغي أن يقطع على الناس تفسيرهم له بغير ما ورد ، وقد أخذت الحنفية والمالكية والشافعية بهذا التفسير ، وكذلك جمهور السلف والخلف ، وأن معناه هو تمام العدد ثلاثين يوماً أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام ثلاثين يوماً ، وهذا كله هو خطاب لعامة المسلمين . ومع هذا الوضوح في التفسير فقد ذهب آخرون إلى أن معناه : ضيِّقوا له وقدِّروه تحت السحاب . والقول بهذا التفسير يوجب الصيام من الغد ، ليلة الثلاثين من شعبان ، إذا كان في محل الهلال ما يمنع رؤيةً من غيم وغيره ، وهذا مرويٌّ عن ابن عمر رضي الله عنه ، وبه يقول أحمد بن حنبل في المشهور عنه وطاووس . والذي أوقع هؤلاء في الخطأ هو عدم النظر في كلِّ النصوص والاقتصار في النظر على روايتهم فقط: ( فاقدروا له ) ، ولو أنهم استحضروا جميع النصوص في هذه المسألة لربما رجعوا عن رأيهم هذا .

نعم إن من معاني ( اقدروا ) لغةً ضيِّقوا ، وقد جاء ذلك في قوله تعالى { لِيُنْفِقْ ذو سَعَةٍ من سَعَتِه ومَنْ قُدِرَ عليه رزقُهُ فلْيُنفِقْ مما آتاهُ اللهُ لا يكلِّفُ الله نفساً إلا ما آتاها سيجعلُ اللهُ بعد عُسْرٍ يُسْراً } الآية 7 من سورة الطلاق . وفي قوله سبحانه { وأَمَّا إِذا ما ابتلاه فَقَدَرَ عليه رزقَه فيقول ربِّي أَهانَنِ } الآية 16 من سورة الفجر . ولكن هذا المعنى ليس هو وحده ما قالت به اللغة ولا ما قال به كتاب الله سبحانه ، فالله سبحانه يقول :{ وما قَدَروا الله حقَّ قَدْرِهِ ... } من الآية 91 من سورة الأنعام . ويقول تعالى { ضربَ اللهُ مَثَلاً عبداً مملوكاً لا يَقْدِر على شيءٍ ... } من الآية 75 من سورة النحل ويقول سبحانه { ... لا يقْدِرون على شيءٍ مما كَسَبوا ... } من الآية 264 من سورة البقرة . وكلها لا تفسَّر بالتضييق . فتفسير هذه الكلمة الواردة في الحديث بالتضييق هو أخذٌ بأحد معانيها ، مقطوعٌ عن القرائن والبيان الواردة في النصوص الأخرى ، فكان تفسيرهم لها بالتضييق خطأً محضاً .

ابو شجاع
09-09-2007, 02:29 PM
دعوى اختلاف المطالع :



اختلف الفقهاء قديماً وقلًّ اختلافُهم حديثاً بخصوص المطالع ، فذهب عكرمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وإسحق بن راهُويه إلى عدم وجوب صيام أهل بلد برؤية أهل بلد آخر للهلال . وقد حكاه الترمذي عن أهل العلم ، ولم يحكِ سواه ، وحكاه الماوَرْدي وجهاً في مذهب الشافعي . وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والليث بن سعد إلى أن الهلال إذا رُؤي ببلد لزم أهل جميع البلاد الصومُ ، وحكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء ، وبه قال بعض الشافعية . واختلف الشافعية فيما ذهبوا إليه : فإنهم قالوا : إذا تقارب البَلَدان فحكمُهما حكمُ البلدِ الواحد ، وإن تباعدا فوجهان : أصحُّهما عند الشيخ أبي حامد والشيخ أبي إسحق والغزالي والأكثرين : أنه لا يجب الصوم على أهل البلد الآخر والثاني الوجوب وإليه ذهب القاضي أبو الطيب والروياني - قال محمد بن المنذر : إنه ظاهر المذهب ، واختاره جميع أصحابنا ، وحكاه البغوي عن الشافعي نفسه – . وهؤلاء اختلفوا في التقارب ، والتباعد على آراء : فمنهم من فرض التباعد أن تختلف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان ، والتقارب أن لا تختلف المطالع كبغداد والكوفة والري وقزوين ، ومنهم من قال : اعتباره باتحاد الأقاليم واختلافها . وقال آخرون أقوالاً أخرى لا حاجة لإيرادها .



أما الفريق القائلون إن الهلال إذا رُؤي ببلد لزم أهل جميع البلاد الصوم ، فقد استدلوا على قولهم هذا بالأحاديث الكثيرة الآمرة بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته وحجة هؤلاء أن رؤية الهلال هي سبب إيجاد الصوم ، وأن رؤية الهلال هي سبب إيجاد الفطر ، وأنه إذا وجد السبب وُجد المسبَّب ، وهو الصوم والفطر ، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لرؤيته ) هو اسم جنس مضاف ، فهو إذن من ألفاظ العموم ، وقوله عليه الصلاة والسلام ( حتى تروا ) ( إذا رأيتم ) فيه ضميرٌ لجماعة يعود على اسم ، وهذا الاسم جمعٌ ، فهو يعود على جميع ، والجمع من ألفاظ العموم ، فضمير ( تروا ) وضمير ( رأيتم ) من ألفاظ العموم ، فتكون رؤية الهلال عامة أي يكون السبب عاماً فأية رؤية من أي مسلم تعمُّ جميع المسلمين ، فيجب عليهم الصوم عندئذٍ . وهذا القول من هؤلاء ، على تعقيدٍ في استنباطه مألوفٍ ، هو القول الصحيح .


وأما الآخَرون القائلون باختلاف المطالع ، وبعدم صيام أهل بلد برؤية أهل بلد آخر للهلال فإنهم استدلوا على ذلك بما رُوي عن كُريب { أن أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمتُ الشام فقضيت حاجتها ، واستُهِلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشام فرأيت الهلالَ ليلة الجمعة ، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ثم ذَكَر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة فقال : أنت رأيتَه ؟ فقلت : نعم ورآه الناس ، وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنَّا رأيناه ليلةَ السبت فلا نزال نصوم حتى نكمِّل ثلاثين أو نراه فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه مسلم ( 2528 ) وأبو داود والترمذي وأحمد .

فهؤلاء قالوا : إنَّ التزام ابن عباس رضي الله عنهما بعدم الاكتفاء برؤية أهل الشام هو التزامٌ آتٍ من الأمر النبوي الكريم ، وبمعنى آخر فإنهم فهموا من قول ابن عباس رداً على القول ( أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ ) ، ( لا ، هكذا أَمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ) أن ذلك يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر المسلمين بأن لا يأخذوا برؤية من كانوا في غير بلدهم ولم يفهموا القول هذا على أنه فهمٌ من ابن عباس للأمر النبوي الكريم ، فالتبس عليهم الأمر النبوي بفهم ابن عباس وحيث أن فهم ابن عباس نراه خطأً فإِنَّا نرى أنَّ الآخذين بهذا الفهم قد أخطأوا هم أيضاً .
إن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قد سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ففهم منه أن كل جماعة من المسلمين ينبغي أن ترى الهلال فتصوم وتراه فتفطر وأن رؤية غيرها من الجماعات لا تغني عن رؤيتها هي فقال ما قال ، كما ورد في حديث كُريب ، أي أنه لم يعمِّم هذا النص على جميع المسلمين ، وإنما جعله يتناول كل جماعة من المسلمين على حدة ، وهذا فهم خاطئ . وعليه فإن من قالوا باختلاف المطالع إنما أخذوا حجتهم من فهم ابن عباس للحديث ، وليس من الحديث النبوي نفسه . ولست أريد أن أناقش هذا الخطأ بأكثر مما أوردْتُه من حجة القائلين بوحدة المطالع .



وقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة عام 1966م ما يلي [ لا عِبْرة باختلاف المطالع ولو تباعدت الأقاليم بشرط أن تكون مشتركة في ليلة واحدة ، وهذا ينطبق على البلاد العربية كلها ] كما أصدر مجلس الفتوى الأعلى في الديار الفلسطينية قراراً يؤكد فيه على تبني رأي وحدة المطالع . وهنا أقف وقفة ، فأقول ما يلي :



أولاً : لقد بدأتُ هذا البحث بقولي [ اختلف الفقهاء قديماً ، وقلَّ اختلافُهم حديثاً بخصوص اختلاف المطالع ] وهذا القول فيه إشارة واضحة إلى أن جمهرة العلماء في عصرنا الراهن قد تركوا القول باختلاف المطالع ، وأنهم قد التزموا ، أو كادوا بما أصدرته مجامع البحوث في القاهرة وغيرها من بلدان المسلمين فلم نعدْ نسمع عالماً يقول باختلاف المطالع إلا نادراً . ومع هذا الاتحاد في الرأي عند العلماء ، فإننا لا زلنا نرى حال دول المسلمين ، وكأن العلماء لم يتفقوا على رأي ، ولم تُصْدِر مجامعُ البحوث ومجالسُ الفتاوى قراراتهم بوحدة المطالع . فصار العلماء – وهم في الأصل أصحاب الشأن في هذه المسألة – معزولين عن القرارات الصادرة عن الحكام ، ولا يخفى على أي مسلم واعٍ أن السبب في ذلك هو فصل الدين عن الدولة لدى جميع دول المسلمين ، فصارت الدول تتخذ قراراتها بعيداً عن الاحتكام لأحكام الشرع وفتاوى العلماء ، وإذا رأينا هذه الدول تُصدر أحكاماً تبدو شرعية أو متوافقة مع الشرع ، أو رأيناها تأخذ بفتاوى صادرةٍ عن العلماء ، فإن المدقق فيها يجد أن هذه الدول هي التي بادرت إلى تشريع هذه الأحكام لمصالحها ولغاياتها الخاصة ، ثم هي أمرت العلماء المتعاملين معها باستحضار النصوص التي تجيز هذه التشريعات ، وليس العكس . فالحكام يأمرون ويشرِّعون ، والعلماء يوافقون ويفتون بما يرضي هؤلاء الحكام ، وإذا تعارض الموقفان فالنافذ هو رأي الحكام .



ثانياً : إن المشكلة في العالم الإسلامي اليوم هي أن كل دولة من دول المسلمين تعتبر نفسها كلاً وليس جزءاً من الأُمة الإسلامية ، وإن نصت بعض الدساتير فيها على غير ذلك ، فصارت كل دولة تتخذ قراراتها السياسية وحتى الدينية دون مراعاةٍ لسائر المسلمين ، لأنها تعتبر نفسها كياناً مستقلاً عن سائر المسلمين لا حق للمسلمين خارج كيانها بالتدخل فيه ، ومن ذلك إعلان الصيام وإعلان الإفطار ، فترى كلَّ دولة تعلن الصيام وتعلن الإفطار ، وكأنه لا يوجد مسلمون في غيرها ، وهذا هو السبب في بقاء الاختلاف بين الدول في العالم الإسلامي بخصوص بدء الصوم وبدء الإفطار ولو أن هذه الدول تعتبر نفسها أجزاءً من كلٍّ لربما توحَّدت المواقف في كثير من المسائل والقضايا .

ثالثاً : فإذا أضيف إلى ما سبق أن دولاً في شمالي إفريقيا تأخذ بالحساب الفلكي وأن هذا الحساب قد يتطابق مع الرؤية وقد لا يتطابق ، أدركنا السبب في بقاء اختلاف المسلمين في ديارهم حول بدء الصيام وبدء الإفطار ، وهذه الدول في شمالي إفريقيا مستمرة في الأخذ بالحساب الفلكي لا تلتفت إلى آراء العلماء الذين يعارضون العمل بهذا الحساب .



رابعاً : وبناء عليه أقول : إن المسلم في أي مكان من بلاد المسلمين – وهي مشتركة كلها في الليلة الواحدة – يجب أن يصوم إن هو سمع إعلان أية دولة من دول المسلمين عن بدء الصوم ، ويجب أن يفطر إن هو سمع إعلان أية دولة من دول المسلمين عن بدء الإفطار ، باستثناء الدول التي تأخذ بالحساب الفلكي ، فلا يصح له أن يَلْتَزِم بما تعلنه هذه الدول من حيث الصوم والإفطار .



خامساً : إن المسلمين عبر تاريخهم الطويل لم تكن تُعرَف فيهم مجالسُ إفتاء ، ولا مجامعُ بحوثٍ إسلاميةٍ إلا في وقت متأخر ، يوم أن ضعف فهمهم للإسلام ، وقلَّ أو تلاشى وجود المجتهدين عقب إغلاق باب الاجتهاد ، فصار من يطلقون على أنفسهم أنهم علماء ، يتجمَّعون في مجلس أو مجمع ، أو تقوم الدول بجمعهم ، ويصدرون فتاوى جماعية دون أن يعرف المسلمون أن صاحب هذه الفتوى هو فلان ، أو علاَّن من هؤلاء العلماء ، فيَحمل المسلمُ هذه الفتوى ، ويعمل بها تقليداً أو اتباعاً ، دون أن يعرف من صدرت عنه وهذا مخالف لطريقة الإسلام في التقليد والاتباع ، فالمسلم يصح له أن يقلِّد فلاناً من الفقهاء ، أو يتَّبع علاَّناً من العلماء ، أما أن يتبع مجلسَ إفتاءٍ ، أو يقلِّد مَجْمَعَ بحوثٍ فهذا لا يصح شرعاً ولا قيمة لما تصدره هذه المجالس والمجامع من فتاوى شرعية .


ومثل هؤلاء ، أن يقوم عدد من المؤلفين في عصرنا الراهن بتأليف كتاب في الأحكام الشرعية يصدر باسمهم مجتمعين ، فهذا الكتاب لا يصح تقليد ما جاء فيه ولا اتِّباعه مطلقاً ، وهو لا يعدو كونه مجرد معلوماتٍ يتعلمها القاريء لا أكثر ، وهذا من المصائب الكبرى التي طغت وفشت في العالم الإسلامي كله ، فصار القراء وتلاميذ الجامعات والمعاهد والمدارس يحملون أحكاماً في الشرع غير مَعزوَّةٍ لأصحابها ، ويَدْعُون الناس إليها ويعملون بموجبها ، وهذا لا يحلُّ شرعاً . فليتنبه المسلمون إلى هذه البدعة التي فشت في الناس ، وخفيت حتى على كثير من العلماء والمتعلمين .

ابو شجاع
09-11-2007, 01:26 PM
موضوع له علاقة

اختلاف المطالع: حقيقته وأثره


إذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً عند ثلاثة من الأئمة (الحنفية والمالكية والحنابلة)؛ أما الشافعية فقالوا: إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا الثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً (120كلم)، أما أهل الجهة البعيدة فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع.
من كتاب: الفقه على المذاهب الأربعة ج/ ص


حين قدّر السادة الشافعية اتحاد المطلع في دائرة جغرافية مركزها الرؤية ونصف قطرها 120 كلم لم يستندوا إلى نص بل قاسوا ذلك على مسافة قصر الصلاة في السفر.
إن المدقق يجد أن رأي الأئمة الثلاثة أصح من رأي الشافعية. والمسألة تعتمد على تحقيق المناط. وتحقيق المناط يحتاج إلى علم بالواقع وليس فقط بالنصوص.
وإذا عدنا إلى الواقع نجد أن علم الفلك قد قدم لنا معرفة واسعة هذه الأيام لم تكن متوفرة في أيام الأئمة رضوان الله عليهم. نحن نعرف اليوم مثلاً أن ولادة الهلال تحصل في وقت واحد بالنسبة لجميع مناطق الأرض، أما رؤيته فتختلف حسب المواقع. ولادة هلال رجب لهذا العام (1410 هـ) كانت يوم الجمعة 26 كانون الثاني حوالي الساعة 19 بتوقيت غرينش (21 بتوقيت بيروت)، إذ في ذلك الوقت حصل كسوف للشمس. وكسوف الشمس يحصل في الوقت الذي يولد فيه الهلال، لأن القمر يقع في تلك اللحظات على خط مستقيم بين الأرض والشمس فيحجب جانباً من الشمس عن الأرض ويحصل كسوف الشمس. قبل هذه اللحظات كنا ما زلنا في شهر جمادى الآخرة، وفي لحظات الكسوف كنا في بين جمادى الآخرة ورجب، وبعد نهاية الكسوف كان ولد هلال شهر رجب.

فإذا كنا على يقين بأن ولادة هلال رجب كانت (بالنسبة لأي مكان على الأرض) حوالي الساعة 19 من يوم 26 كانون الثاني، وإذا كنا نعلم أن شهر رجب يساوي حوالي 29 يوماً ونصف واليوم وأنّ شهر شعبان يساوي حوالي 29 يوماً ونصف اليوم نتوصل إلى أنّ ولادة هلال رمضان لهذا العام (1410 هـ) هي حوالي الساعة 19 من يوم الاثنين 26 آذار 1990م.
ونحن نعلم من النصوص الشرعية أن بداية الشهر القمري لا تحتسب من لحظة ولادة هلاله بل من وقت رؤية هلاله. ورؤية الهلال غير ممكنة إلا بعد مرور عدة ساعات على ولادته. لأن الهلال عند ولادته يكون صغيراً وقريباً من الشمس فيغلب نور الشمس على نوره ويمنع رؤيته.
ونحن نعلم أن الهلال يتأخر عن الشمس كل يوم بحوالي 48 دقيقة، أي إذا غاب بعد غياب الشمس بساعة فإنه في اليوم التالي يغيب بعد غيابها بحوالي ساعة و48 دقيقة. وهذا يعني أن القمر يتخلف عن الشمس دقيقتين كل ساعة.
فإذا ولد هلال رمضان الساعة 19 من يوم 26 آذار فإن رؤيته ممكنة حوالي الساعة 24 من اليوم نفسه لأن الهلال يكون قد تخلف عن الشمس بحوالي 11 دقيقة أي يغيب بعد غياب الشمس بحوالي 11 دقيقة أي يغيب بعد غياب الشمس بـ 11 دقيقة. أي تمكن رؤيته في كثير من بقاع الأرض مثل المغرب مثلاً.
فإذا رآه بعض المسلمين وأعلموا غيرهم بتلك الرؤية صار الجميع ملزمين بتلك الرؤية. ولا يوجد في الواقع أثر لاختلاف المطالع، لأن ولادة الهلال تحصل في مكان واحد وفي لحظة واحدة بالنسبة لجميع بقاع الأرض، والاختلاف هو في الرؤية، ورؤية بعضهم ملزمة للباقين.
ونصوص الأحاديث ألزمت المسلمين برؤية بعضهم، وصار الآن من الواجب على اتباع المذهب الشافي أن يغيّروا في هذه المسألة ولا تبرأ ذمة المجتهد في المذهب ولا ذمة المقلد المتفقه إذا انتبها إلى مناط المسألة.
والشبهة التي استند إليها السادة الشافعية في اختلاف المطالع هي الحديث الذي رواه مسلم: «عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدِمتُ الشام فقضيت حاجتها واستهلّ عليّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزل نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
والواقع أن ابن عباس اجتهد رأيه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». فهو حين قال: «هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» كان يشير إلى هذا الحديث ولم يستند إلى نصٍ بأن لكل بلد رؤيته الخاصة به وله يوم خاص به للصوم أو للعيد. وهذا الاجتهاد من ابن عباس فيه خطأ في فهم المناط وتبعه السادة الشافعية في ذلك.
وإذا فسرنا عبارة اتحاد المطلع بأنها المناطق التي ترى الهلال في وقت واحد فهذه تشبه اتحاد مطلع الشمس. فالمناطق التي تشرق عليها الشمس في وقت واحد تكون غالباً امتداداً من الجنوب إلى الشمال (أي تقع على خط عرضٍ واحد أو خطوط عرض متقاربة حسب فصول السنة). أما المناطق التي تقع على امتداد خطوط طول متقاربة حسب فصول السنة) فهي التي تختلف في المطلع. هذا هو الواقع بالنسبة لشروق الشمس وهو أيضاً بالنسبة لطلوع القمر. فاختلاف المطالع يعتمد على امتداد المسافة من الشرق إلى الغرب وليس من الجنوب إلى الشمال. ولا قيمة لبعد المسافة إذا كانت المناطق واقعة على امتداد بين الشمال والجنوب. وهذا يُري خطأ اعتماد مسافة القصر الكبرى (120 كلم) إذا سار المسافر من الجنوب إلى الشمال أو من الشمال إلى الجنوب لأنه يبقى في المطلع نفسه تقريباً. أما إذا سار المسافر من الشرق إلى الغرب أو من الغرب إلى الشرق فإن وقت طلوع الشمس يختلف وكذلك وقت طلوع القمر يختلف. وتقدير فرق الوقت إلى فرق المسافة يزيد قليلاً عن أربع دقائق مقابل مسافة (120 كلم). وبشكل أدق: إذا كانت الشمس تشرق على مكان الساعة السادسة و4 دقائق و18 ثانية تقريباً إذا كان المكانان على مستوى واحد (أي في صحراء أو سطح بحر مثلاً). وكذلك إذا كان القمر يطلع في مكان الساعة السادسة واعتبرنا مكاناً يبعد عنه مسافة 120 كلم إلى الغرب فإن القمر يطلع عليه الساعة السادسة و4 دقائق و22 ثانية تقريباً، لأن القمر أبطأ في حركته من الشمس (نعتبر الحركة الظاهرية).
وهذه الدقائق الأربعة لا تكاد تذكر فكيف نرتّب عليها اختلاف بدء الصوم واختلاف بدء العيد عند المسلمين؟
إذا عرفنا أن محيط الكرة الأرضية هو 40,000 كلم تقريباً فتكون أبعد مسافة بين نقطتين على سطح الأرض لا تزيد عن 20,000 كلم، ويكون أطول وقت كفرق في مطلع الهلال لا يزيد عن 12 ساعة و24 دقيقة. فحين يرى الهلال بعض المسلمين على سطح الأرض ويعلنون رؤيتهم بالوجه الشرعي، فإن المسلمين الواقعين إلى شرقهم يأخذون برؤيتهم ويصومون إذا كان الليل ما زال موجوداً عندهم، ويمسكون ويقضون يوماً إذا كان النهار طلع عندهم. والمسلمون الواقعون إلى غربهم يمكنهم رؤية الهلال بشكل أوضح إذا كانت السماء عندهم صافية.
ويمكن الاستفادة من الحسابات الفلكية. الشرع لم يمنع الاستفادة من الحسابات بل ربط مسألة الصوم والفطر والحج بالرؤية. والحسابات هذه الأيام وصلت إلى درجة من الدقة يمكن الاعتماد عليها والاستفادة منها. وبناء على الحسابات يستطيع جميع المسلمين أن يعرفوا وقت ولادة الهلال ووقت رؤيته، وبذلك يكونون مستعدين للصوم أو للعيد. وحين يرى بعضهم الهلال يعلن الرؤية ويسير المسلمون جميعاً مع بعضهم في صومهم وفطرهم وعيدهم.
ومن المناسب أن نذكر هنا أن الذين يقولون بالاعتماد على الحسابات والاكتفاء بها دون رؤية الهلال، هؤلاء رأيهم رأي إسلامي لأن دليلاً فهموه مما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نحن أمة أمّة لا نكتب ولا نحسب، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». هؤلاء فهموا أن علة الأمر بالاعتماد على الرؤية هو كوننا لا نحسن الحساب. فإذا صرنا نتقن الحساب فلا لزوم للرؤية. هذا رأي إسلامي ولا يجوز تسفيه أصحابه إذا كانوا قد بنوه على هذا الاجتهاد.
ولكن الفهم الأدق وحسب فهمنا للنصوص هو اعتبار الرؤية ولا مانع من الاستفادة من الحسابات.
في مطلع البحث ذكرنا أن الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا بوجوب الصوم في جميع الأقطار إذا رأى المسلمون الهلال في أي قطر، وتكون رؤية بعض المسلمين رؤية للباقين. والشافعية وحدهم قالوا باختلاف المطالع. ولكن ما يجري اليوم في البلاد الإسلامية ليس تقليداً للمذهب الشافعي، بل هو عمل بلا دليل لأنهم يجعلون المصري تابعاً لحدود مصر السياسية في صومه وعيده، وكذلك المغربي والإيراني والسوري والتركي. هؤلاء لم يعتبروا مسافة الـ (24) فرسخاً أي (120 كلم) التي قال بها الشافعي، بل يقولون باتباع حاكم قطرهم، وكأن هذه الأقطار صارت لها حدود دينية يقام عليها الصوم والفطر.
المسلمون أمة واحدة، وملزمون بأحكام شريعة واحدة، وإن رأى بعض المسلمين الهلال فإن رؤيتهم هي رؤية لجميع إخوانهم على سطح المعمورة، ولا قيمة في الدين لهذه الحدود.
الصيام جُنَّة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عملِ ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيامُ جُنَّة فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرُؤٌ صائمٌ. والذي نفسُ محمدٍ بيده لُخُلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه».
ليلة القدر
روى أبو ذر قال: قلت يا رسول الله ليلة القدر رفعت مع الأنبياء، أو هي باقية إلى يوم القيامة، قال: «باقية إلى يوم القيامة»، قلت: في رمضان أو في غيره؟ قال: «في رمضان» فقلت: في العشر الأول أو الثاني أو الآخر؟ فقال: «في العشر الآخر».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر».
وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشدّ المئزر.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن وافقتها بِمَ أدعو قال: «قولي اللهم إنك عَفوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عني».
تعجيل الفطر
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر».
--------------
منقول من مجلة الوعي عدد 36