تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقال الذي تسبب في منع توزيع جريدة الحياة في السعودية أمس



مقاوم
08-28-2007, 11:08 AM
«الحياة» تستعيد بعضاً من تراكمات الخلاف السعودي - السوري بين خطاب 15 آب 2006 وتصريحات 15 آب 2007

مصالحة الرياض رافقتها وعود سوريّة لم تنفّذ بعد انتقال السعودية الى «الديبلوماسية الهجومية» وإلحاح دمشق على قمة ثلاثية يواجهه طلب ضمانات لتطبيق ما يتفق عليه .

بيروت – وليد شقير الحياة - 27/08/07//
تقول مصادر سياسية لبنانية تتابع من قرب ما آلت اليه العلاقات السعودية – السورية، من زاوية الأزمة القائمة في لبنان، خصوصاً أن الرياض تبذل جهوداً متواصلة منذ أشهر عدة لإيجاد مخارج للمأزق الذي وصلت اليه هذه الأزمة، ان تراكمات كثيرة أدت الى عودة التأزم الى علاقة الرياض بدمشق، واضطرت الجانب السعودي أن يرد عبر «مصدر مسؤول في الحكومة السعودية» على تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع.
وتوضح هذه المصادر ان تراكمات الأشهر الماضية هي التي تفسر خروج الخلاف عن المألوف، الى العلن. فمن العادة أن تتعاطى المملكة العربية السعودية مع الخلافات العربية – العربية بحذر وتؤثر المعالجات الهادئة للإبقاء على هذه الخلافات في حدودها الدنيا فتعتمد لغة ديبلوماسية متحفظة في التطرق اليها بحيث تترك مجالاً للمعالجات اللاحقة. -->
وتلاحظ المصادر السياسية اللبنانية نفسها ان هناك مصادفة لها مغزى، تتعلق بتوقيت انفجار الخلاف بين الجانبين على الشكل الذي حصل قبل زهاء 10 أيام، «ففي 15 آب (أغسطس) العام 2006 ألقى الرئيس السوري بشار الأسد خطابه الشهير عن الحرب الاسرائيلية على لبنان والذي قال فيه عبارته الشهيرة عن بعض القادة العرب بأنهم «أنصاف الرجال»، ما تسبب بأزمة عميقة بينه وبين عدد من كبار المسؤولين العرب وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري حسني مبارك. وفي 15 آب 2007، أدلى نائبه الشرع بتصريحاته عن الشلل في سياسة المملكة العربية السعودية وانتقد ما اعتبره رفضها التنسيق الثلاثي بين سورية والسعودية ومصر، فردت الرياض معتبرة ان المشكلة في «التنكر لوحدة الصف ونشر الفوضى والقلاقل في المنطقة»، متهمة الشرع بأنه «أحد المسؤولين» عن الخلل في العلاقات.
ومع ان خطاب الأسد العام الماضي لم يسبب رد فعل علنياً كالذي حصل على تصريحات الشرع، فإن 15 آب 2006 كان محطة سببت شبه قطيعة بين الجانبين، اقتصرت بفعلها اللقاءات على «الجانبية» على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب، او وزراء خارجية الدول الإسلامية... بين الوزير السعودي سعود الفيصل ونظيره السوري وليد المعلم... فإن المراقبين في لبنان وبعض الأوساط العربية لا يستبعدون ان يؤدي التأزم الأخير الى قطيعة شبيهة تطرح أسئلة عما اذا كانت ستمتد الى موعد عقد القمة العربية المقبلة في آذار (مارس) المقبل في دمشق، ومصير هذه القمة ربما... نظراً الى أنها قد تتحول الى قمة خلافات لا قمة توافق وتضامن.
وتقول مصادر ديبلوماسية عربية معنية بالمتابعة الدقيقة للعلاقة السعودية – السورية، إن السبب الرئيس للتأزم هو القناعة السعودية بأن دمشق تصرفت في شكل نقيض لقمة الرياض العربية التي عقدت في آذار الماضي، ولما اتفق عليه خلالها بالنسبة الى عدد من الملفات العربية المهمة التي كانت على جدول أعمالها، خصوصاً العراق وفلسطين ولبنان.
«الديبلوماسية الهجومية» والرسائل السورية
--> وتعتقد المصادر نفسها بأن الجانب السوري لم يأخذ في الاعتبار ان الرياض، وخصوصاً الملك عبدالله، قررت اعتماد الديبلوماسية الهجومية في معالجة الملفات العربية، بدل الديبلوماسية المتحفظة التي تتسم بها عادة السياسة السعودية، وأنها مارست دوراً نشطاً استثنائياً خلال السنة الماضية في التطرق الى الملفات العربية نظراً الى خطورة الوضع في المنطقة بسببها، وأن هذا التغيير في السياسة السعودية هو الذي أطلق على قمة الرياض العربية قمة استرداد القرار العربي في هذه الملفات.
وتشير المصادر الديبلوماسية العربية الى أن ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين في القمة، عن وصفه الاحتلال الأميركي للعراق بأنه «احتلال أجنبي غير مشروع»، وعن ضرورة «إنهاء الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني في اقرب فرصة» بعد إشارته الى نجاح المملكة في تحقيق اتفاق مكة برعايته بين «فتح» و «حماس» على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل عقد القمة، وعن الوضع في لبنان وتحذيره من الفتنة و «الخنادق في شوارعه»... عبّر عن تلك «الديبلوماسية الهجومية». فقد سبق القمة اعتماد الرياض سياسة انتقادية للسياسة الأميركية في العراق تجلت في أكثر من مناسبة. وهي رفضت سياسة الحصار على الفلسطينيين بعد نجاح «حماس» في الانتخابات وظلت تقدم المساعدات لهم خلافاً للإصرار الاميركي على قطعها، وسعت الى ملء الفراغ العربي الذي أتاح للسياسة الإيرانية ان تحتله في العراق وفلسطين ولبنان بتحرك نشط ودؤوب على هذه الملفات، فضلاً عن إصرارها على تفعيل مبادرة السلام العربية القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام مع إسرائيل.
وترى المصادر الديبلوماسية العربية ان الجانب السوري لم يأخذ «هجومية» الديبلوماسية السعودية بجدية. فبعد القمة وجّه حلفاء دمشق انتقادات لقرارات القمة، وفي حزيران (يونيو) حصل انقلاب غزة على اتفاق مكة من جانب «حماس». وظلت الرياض تحاول البقاء على مسافة واحدة من «فتح» و «حماس»، مقابل الانحياز السوري الضمني للثانية على رغم ان ما آلت اليه الأوضاع هو ضربة لاتفاق مكة، الذي دعمته قمة الرياض.
ويتفق مراقبون في بيروت مع تقويم المصادر العربية هذه، بالقول ان انتقادات الشرع للسياسة السعودية جاءت، بعد هجوم نفذه سياسيون لبنانيون من الصف الثاني والثالث، من المعروف انهم أصدقاء مباشرون لمسؤولين سوريين، على تحرك السفير السعودي في بيروت الدكتور عبدالعزيز خوجة وسياسة المملكة في لبنان، فوضعوه في الخانة نفسها للتحرك الأميركي. ويلاحظ المراقبون ان من عادة السياسة السورية، وفق أسلوب قديم تتبعه، توجيه الرسائل الى دول أو جهات عبر بعض السياسيين اللبنانيين كما كان يحصل إبان الإدارة السورية المباشرة للوضع اللبناني. وآثرت السعودية عدم الرد على هذه الرسائل واختارت الرد المباشر على دمشق والشرع نفسه وبقوة. وهو ما لم يكن الجانب السوري يتوقعه. فيما يمكن تفسير الرد السعودي بأنه إشارة الى ان الأسلوب القديم في توجيه الرسائل، لم يعد مقبولاً ولن يجعل الرياض تتعاطى بتحفظ مع حالات كهذه.
وفي تفسيرها لخيبة الرياض من التزامات دمشق خلال قمة الرياض، تقول المصادر السياسية اللبنانية المتابعة للعلاقة بين الدولتين، ان خادم الحرمين الشريفين حين قرر استضافة القمة لم يغب عن باله انه سينهي القطيعة التي كانت قائمة مع الجانب السوري بسبب خطاب الأسد في 15 آب العام الماضي، فوجه الدعوة اليه فحضر وعقد جلسة مع الملك كانت «اعتذارية» عما تضمنه خطابه الشهير، في حضور عدد من المسؤولين السعوديين. وفي جو المصالحة التي حصلت وفي ضوء خطاب هادئ ألقاه الأسد في القمة وموافقته على تبني المبادرة العربية للسلام، أمل الجانب السعودي بفتح صفحة جديدة، خصوصاً ان الجانب السوري كان يلحّ على المصالحة قبل القمة.
واعتمد الجانب السعودي سياسة مرنة هدف من ورائها الى اختبار النيات الإيجابية بعد القمة، لكن التطورات لم تكن بمقدار آماله. وتضيف المصادر السياسية اللبنانية ان المرحلة الفاصلة بين مصالحة القمة وبين انفجار الخلاف أخيراً، تكرّس التعارض بين الجانبين تدريجاً في شأن الملفات الإقليمية: العراق، فلسطين، لبنان ومطلب سورية الملحّ بالتنسيق الثلاثي مع مصر والمملكة مقابل تريث القاهرة والرياض في عقد لقاءات ثلاثية.
وفي اعتقاد المصادر نفسها ان الكثير من العوامل تداخلت بين الملفات هذه، وأنتجت المزيد من الحذر في علاقة الدولتين.
العراق وفلسطين
--> ففي العراق، تكرّس التعارض في سياستيهما حول سبل التعاطي مع الاحتلال الأميركي والعملية السياسية في العراق. وفي وقت آثرت دمشق إعطاء الأولوية للتنسيق مع إيران، فإن اختلافها مع السياسة السعودية شمل أيضاً عناوين أخرى. وفيما بدا ان الرياض أخذت بملاحظات قوى عراقية رئيسة ضمن السنّة على موقف وتوجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في العملية السياسية الهادفة الى إشراك القوى الرئيسة كلها في العراق، فإن دمشق اعتمدت سياسة قريبة من السياسة الإيرانية بالتعاون مع المالكي، على رغم استمرارها في دعم عدد من القوى التي تمارس المقاومة.
ومقابل استمرار التعارض بين السياسة السعودية والسياسة الأميركية في العراق والذي ظهر الى العلن في الأشهر الماضية حيث وجه مسؤولون أميركيون انتقادات واضحة للرياض، قررت دمشق الانفتاح على واشنطن من البوابة العراقية انطلاقاً من الاجتماعات الإقليمية – الدولية الهادفة الى البحث في أمن العراق وتحت عنوان اجتماعات دول الجوار العراقي، بدلاً من التلاقي مع الموقف السعودي. وزار وزير الخارجية السوري وليد المعلم بغداد، فيما ما زالت الرياض تتريث في فتح سفارتها هناك. وتكرّس التعارض مجدداً خلال اجتماع التنسيق الأمني حول الوضع في العراق الذي عقد في دمشق، وتغيبت عنه المملكة وحضرته الولايات المتحدة الأميركية، فاعتبرت القيادة السورية ان حضور واشنطن يعوض عن الغياب السعودي ويسجل نقطة لمصلحتها مقابل التحفظ السعودي على السياسة السورية من جهة والسياسة الأميركية من جهة ثانية حيال العراق. وكان الغياب السعودي عن اجتماع دمشق أحد بنود الانتقادات التي وجهها الشرع الى السياسة السعودية.
وفي شأن فلسطين، بدأ التعارض قبل القمة. فدمشق اعتمدت سياسة ضمنية لا تعترض على مصالحة مكة بين «فتح» و «حماس» التي حصلت قبل قرابة شهر من قمة الرياض (أوائل شهر شباط/ فبراير) لأنها كانت تطمح إلى المصالحة السورية – السعودية في القمة، فيما كانت المملكة تسعى الى إنجاز المصالحة في أول خطوة من نوعها تهدف الى إنهاء الخلافات الفلسطينية في شكل يحرج السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين ويعطل استمرار الإمساك الإيراني بالملف الفلسطيني بفعل الغياب العربي عنه. وهو سعي جاء متوازياً مع جهود الرياض على الصعيد الدولي لقيام مناخ ضاغط من أجل استئناف عملية السلام على أساس المبادرة العربية، بدلاً من إبقاء يد إسرائيل طليقة في التعاطي مع الفلسطينيين بالقوة والحصار والاغتيالات.
وتشير المصادر السياسية نفسها الى ان دمشق أوحت بأنها سهّلت اتفاق مكة بتشجيع حليفها والمقيم فيها رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل على الذهاب الى المملكة، وهو ما دفع الشرع الى القول ان اتفاق مكة تم التوصل إليه في دمشق، ما أغضب الرياض، لأن الجانب السوري اتبع تجاه الاتفاق سياسة مزدوجة. فهو في المقابل اتّكل على حليفه الإيراني لإرسال إشارات تعاكس اجتماع مكة، من دون ان يخفي ذلك، فاعتبر ان «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» التي يتزعمها رمضان شلّح هي الاحتياطي الاستراتيجي في فلسطين. وواكب اجتماع مكة زيارة قام بها شلّح الى طهران حيث التقى مرشد الثورة السيد علي خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد. وأثناء الاجتماع في مكة أطلقت «الجهاد» صواريخ على إسرائيل. وكان لسان حال بعض المسؤولين السوريين: إذا كانوا يعتقدون بأن في إمكانهم تحقيق المصالحة، فيلجربوا.
وفيما ظل الجانب السوري يردد انه سهّل قيام اتفاق مكة، قوبلت سيطرة «حماس» على غزة - وانقلابها على «فتح» والرئيس محمود عباس – بمواصلة السعودية سعيها الى الوقوف على مسافة متساوية من الجانبين لأن همها إنقاذ الاتفاق والعمل على إعادة توحيد الموقف. إلا ان الجانب السوري كشف عن موقف مغاير إذ ربط أي تحرك عربي في اتجاه استئناف التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين على قاعدة مبادرة السلام العربية، بتوحيد الموقف الفلسطيني والأخذ في الاعتبار موقف «حماس»، وهو ما حصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير آخر شهر آب حين انسحب المندوب السوري احتجاجاً على الترحيب بمبادرة بوش الدعوة الى مؤتمر دولي للسلام في الخريف المقبل، وهو ترحيب اقترن بالإصرار على الاستناد الى مبادرة السلام العربية. وعلى رغم ان هذا الإصرار يعني ضمناً ان عقد المؤتمر يجب ان يشمل سورية لأن المبادرة تشملها، فقد روّج حلفاء سورية في لبنان أنباء بأن المملكة، من خلال تأييدها صدور الترحيب بمبادرة بوش عن وزراء الخارجية، تسعى الى استبعاد دمشق عن مساعي السلام، في وقت كانت الرياض غير مرتاحة الى الأنباء عن عمق الاتصالات غير الرسمية الجارية بين إسرائيل وسورية والتي ظهرت الى العلن حول استئناف التفاوض على الجولان. فالرياض ترى أن من الأفضل لسورية أن تذهب الى التفاوض من خلال المبادرة العربية بدلاً من الاتصالات المنفردة.
وما زاد من حفيظة الرياض حيال موقف دمشق من إفشال اتفاق مكة بعدما حصل في غزة منتصف حزيران (يونيو) حين سيطرت «حماس» على القطاع، ان أحد كبار المسؤولين السوريين أبلغ أحد المسؤولين العرب في معرض الحديث عن وجوب تنسيق دمشق مع السعودية رسالة مفادها: «ألا يرون ماذا جرى في غزة وما يحصل في المنطقة من تطورات...؟»، وهو ما اعتُبر إشارة سورية الى ان دمشق باتت تمسك بأوراق كثيرة توجب الأخذ برأيها، ما يعني ان ما حصل في غزة يعزز موقعها... ولعل هذا ما يعنيه المصدر السعودي بإشارته الى ان الجانب السوري يساهم في «نشر القلاقل والفوضى في المنطقة، في الرد على الشرع» والى «خداع الأمة» والى «التنكر لوحدة الصف...».
لبنان والمحكمة والوعود
--> لكن التفاصيل التي تتناول العلاقة السعودية – السورية في ما يتعلق بالملف اللبناني، قياساً الى ما اتفق عليه في قمة الرياض، لا تحصى وفق المصادر السياسية نفسها. فبعد مصالحة الأسد مع الملك عبدالله ثم لقاء الأسد الرئيس حسني مبارك، لخصت الأوساط العربية المناخ الذي ساد القمة في حينها كالآتي:
الرئيس الأسد سيقدم الى الجانب السعودي: ملاحظاته (أو ملاحظات حلفائه) على مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي كان إقرارها تأخر بسبب اعتراض المعارضة الحليفة لدمشق على بعض بنودها؛ – السعي الى تهدئة الأوضاع في لبنان تمهيداً للبحث في حلول للأزمة؛ – استكمال الاتصالات بين الجانبين في هذا السياق بتبادل إرسال الموفدين بالتناوب الى كل من البلدين.
وهذه العناوين كانت النتيجة العملية للقاء الأسد مع الملك عبدالله ثم مع الأمير سعود الفيصل. وهما لقاءان تناولا (إضافة الى اللقاء مع الرئيس مبارك) العديد من التفاصيل اللبنانية.
ونفت دمشق بعد يومين على انتهاء القمة ان تكون وعدت بإرسال ملاحظات على المحكمة، فيما كانت المداولات بدأت في بعض العواصم الكبرى حول إمكان صدور قرار دولي بإنشاء المحكمة طالما يتعذر اجتماع مجلس النواب بفعل الأزمة السياسية في لبنان التي يشكل قيام المحكمة أحد أسبابها. واتفق بين بعض العواصم الكبرى والحكومة اللبنانية والرياض على انتظار المسعى السعودي خلال قمة الرياض لعله ينجح في إحداث اختراق يسمح بإقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية بدلاً من مجلس الأمن وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة... وتأخر وصول ملاحظات دمشق على المحكمة حتى اواخر شهر نيسان (ابريل) الى أن بعث الجانب السوري بمجموعة من الدراسات الى الرياض حول المحكمة قام بها حقوقيون عرب، نشر بعضها في الصحف، وجاء إرسال دمشق هذه الدراسات بعدما تدخلت دول عدة على وقع استمرار المشاورات الدولية حول إمكان إقرارها في مجلس الأمن، منها تركيا وإيران، اللتان تبلغتا ان الرياض تنتظر ملاحظات سورية على المحكمة.
وتضيف المصادر السياسية اللبنانية كمية من التفاصيل حول مسألة إرسال الملاحظات هذه: ان الجانب السوري كان في ذلك الوقت يعتبر ان الرئيس الأسد حقق ما يريده من قمة الرياض، أي المصالحة مع السعودية، وان على الأخيرة ان تقابله بعدها بالإيجابية فيزور الأمير سعود الفيصل العاصمة السورية لمواصلة التنسيق، فيما أعلن الأسد في خطاب ألقاه بعد إرساله الدراسات على المحكمة ان سورية غير معنية بالمحكمة وأن ليس لديها ملاحظات، «بل سئلنا رأينا فأرسلنا دراسات من قانونيين عرب حول نظام المحكمة». وهو ما أثار حفيظة الجانب السعودي مرتين: حين تأخر إرسال الملاحظات وحين اعتبر الأسد أنها ليست ملاحظاته، فضلاً عن أنها حين أرسلت، لم تحمل أي توقيع سوري او تاريخ الإرسال... كوثائق بين دولتين.
وتعاطت المملكة بجدية مع هذه الدراسات وشكلت لجنة في الخارجية لدراستها ووضعت نصوصاً في شأنها، كانت نتيجتها ان نصوص إنشاء المحكمة قانونية وتؤمن الحياد والمهنية في المحاكمة. لكن حلفاء دمشق أصروا على رفض إقرارها ما أدى بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى إرسال رسالة الى مجلس الأمن تقول إن عدم إقرار المحكمة يهدد الاستقرار، بعد جهود لم تنجح، روسية وتركية، واتصالات إيرانية – سعودية، ومن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومساعده نيكولا ميشال لحض سورية وحلفائها على القبول بإقرار المحكمة في المجلس النيابي اللبناني. وصوت مجلس الأمن على المحكمة في آخر أيار (مايو) وأعطى فرصة حتى 10 حزيران (يونيو) للبرلمان كي يقرها اذا توافق اللبنانيون عليها. وهو ما لم يحصل... واعتبرت دمشق (وحلفاؤها في لبنان) أنها تعرضت لخديعة بعدما كانت تلقت وعوداً من دول في مجلس الأمن بأن المحكمة لن تقر فيه، وأن عدم زيارة سعود الفيصل سورية بين آذار (مارس) وآخر أيار دليل الى انها كانت تبيّت إقرار المحكمة في مجلس الأمن، فيما اعتبرت الرياض ان عدم إرسال الملاحظات إليها قبل إقرار المحكمة ثم القول إنها ليست ملاحظات سورية بعد إرسالها لا يدل الى رغبة في تغيير أسلوب التعامل معها.
وإذا كان نيسان (أبريل) وأيار شكلا فسحة زمنية لاختبار النيات فإن شهر حزيران، رفع درجة الريبة لدى الجانب السعودي، فعنفت اشتباكات مخيم نهر البارد بين الجيش ومسلحي «فتح الإسلام» التي كانت بدأت في 20 أيار. وفيما اتهم قادة الأكثرية سورية بالوقوف وراء التنظيم اتهم بعض حلفاء سورية السعودية بتمويل هؤلاء خصوصاً ان بينهم سعوديين، فيما صبت المملكة جهدها على تقديم مساعدات مالية للحكومة اللبنانية من أجل تسليح الجيش في مواجهة التنظيم ولإيواء النازحين من المخيم... ثم تعرضت بيروت ومناطق أخرى لتفجيرات واغتيل النائب وليد عيدو ونجله وعُقد مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة وشكل وفداً عربياً الى بيروت ضم ممثلين للسعودية ومصر وتونس وقطر، الى الأمين العام عمرو موسى، لم ينجح في نزع فتيل الأزمة.
القمة الثلاثية وضمانات التنفيذ
--> وبين شهر حزيران ومنتصف آب، حفلت العلاقة بالرسائل الضمنية المتبادلة عبر أطراف ثالثة، أو عبر أصدقاء مشتركين حياديين. انزعجت دمشق من نتائج مهمة موسى والوفد العربي الى بيروت، خصوصاً انها استندت الى قرار الجامعة العربية الذي نص على مساعدة لبنان على إنجاز انتخابات الرئاسة وعلى ضبط تهريب السلاح على الحدود مع سورية... وانتهت الى ما يشبه تحميل حلفاء دمشق مسؤولية إفشال اقتراحات موسى بتحقيق تزامن أو توازن بين قيام حكومة وحدة وطنية وبين التوافق على إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية تجنباً للفراغ الرئاسي. وفيما وافقت الأكثرية، بدا ان هناك تعارضاً بين فريقي المعارضة الرئيسيين، الرئيس نبيه بري و «حزب الله» على الحل المقترح وخرج الوفد العربي في بيروت بانطباع أن لا بد من زيارة دمشق لحلحلة العقد.
ومن الرسائل التي بعث بها مسؤولون سوريون الى الرياض حملة على الأمير سعود الفيصل ورفضه زيارة دمــــشق، وقولهم قبل مهمة موسى وبعدها: «يريدون منا تنفيذ طلباتهم في العلاقة مع حلفائنا اللبنانيين والفلسطينيين في وقت يساهمون في لف الحبل حول عنقنا عبر المحكمة. نحن سندافع عن أنفسنا...».
وردت دمشق على طلب موسى زيارتها باقتراح أن يزور الرياض أولاً، وسربت إليه مطلباً ملحاً هو ان يحصل اجتماع تنسيقي سوري – سعودي – مصري. وهو الأمر الذي كانت أصرت عليه دمشق أثناء قمة الرياض واستعيض عنه بلقاءين ثنائيين. وتكرر بعدها ولم يحصل. إلا أن مصر والسعودية كانتا حذرتين إزاء المطلب وكان جوابهما التساؤل عن ضمانات التنفيذ، وهما استندتا في ذلك الى فشل طهران في تسويق ما اتفق عليه أثناء الاجتماعات الإيرانية – السعودية التي توصلت الى مشروع اتفاق حول حل الأزمة في لبنان، لدى دمشق التي رفضته منذ بداية السنة الحالية... واستناداً الى خيبة الرياض والقاهرة من عدم تنفيذ ما اتفق عليه في قمة الرياض، حول لبنان والقضايا الأخرى.
اعتبرت دمشق أن اشتراط ضمانات التنفيذ للقرارات التي تخرج عن أي اجتماع ثلاثي، لا يأخذ في الاعتبار تحسن مواقع سورية الإقليمية وامتلاكها المزيد من الأوراق، خصوصاً على الصعيد اللبناني. و
ردت الرياض على الرسائل التي واكبت تحرك موسى بالإعلان في القاهرة، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، نهاية تموز الماضي عن تشكيل لجنة تنسيق عليا، سعودية – مصرية مشتركة تجتمع مناوبة في كل من البلدين وهي خطوة أولى من نوعها بينهما على رغم التنسيق الدائم والمتواصل. ورد الشرع (الذي استدعى تصريحه الموقف السعودي غير المسبوق) في معرض إشارته الى أن أي مسؤول سوري «لم يتحدث في شكل سلبي عن العلاقات مع السعودية في حين أن وسائل الإعلام السعودية تحدثت مراراً بسلبية»، فقال: «لم يجرؤوا على عقد قمة ثلاثية ونأمل بأن تأتي قمة دمشق (آذار 2008) وهم أكثر قدرة واطمئناناً لعقد قمة ثلاثية وأكثر...». وهو ما سبب قول «المصدر السعودي المسؤول» ان «المشكلة ليست في مواقف المملكة لكن في المواقف التي تنكرت لوحدة الصف...». ثمة أسباب ووقائع كثيرة إضافة الى المذكورة أعلاه، تشرح تراجع علاقات الدولتين، منها ان الرياض تعتبر أساساً أن الشرع كان في السابق يورط سورية في مزالق كثيرة، وأنه بات منذ مدة يعبّر عن السياسة العامة للقيادة السورية وأن الأمر ليس زلات لسان.