تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تركيا..نحو دور تاريخي في المنطقة



Ghiath
08-16-2007, 06:34 PM
تركيا..نحو دور تاريخي في المنطقة

بيروت/علي حسين باكير 3/8/1428
16/08/2007

يرى عدد كبير من الخبراء المهتمين في السياسة التركيّة، أن تركيا تتجه إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، و قد يصل في مرحلة من المراحل إلى درجة استعادة دورها التاريخي، و إن بصورة مختلفة، و أقل قوة و تأثيراً من السابق.
الدافع الأساسي وراء هكذا تحليل يكمن في التغييرات الجذرية التي تطرأ على السياسة التركية في الداخل، و إن كانت تجري بوتيرة بطيئة، و على التطورات المتسارعة في الخارج خاصة في محيط تركيا الإقليمي.

كردستان العراق مدخلاً لتركيا
تشكّل العقدة الكرديّة الهاجس الأساس لتركيا على الصعيد الإقليمي، و قد زاد من هذا الهاجس ضعف الوضع العراقي و تفكّكه، الأمر الذي أعطى لأكراد العراق ورقة قويّة في فرض أنفسهم كلاعب أساسي على الصعيد المحلي و الإقليمي. فالولايات المتّحدة على سبيل المثال استعانت بالورقة الكردية، في الوقت الذي تخلّت فيه تركيا عنها عند اجتياح العراق، و قد عمل الأكراد حينها على توسيع الهوّة بين تركيا و الولايات المتّحدة، فوجدت الأخيرة نفسها مضطرة إلى مجاراتهم و تنفيذ رغباتهم مقابل خدماتهم، و هو الأمر الذي أزعج تركيا على أساس أن نتيجة كل ذلك كانت مزيداً من النفوذ الكردي، مع مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى السيطرة على كركوك، و بالتالي إيجاد القاعدة الاقتصادية لأي استقلال مستقبلي تعلنه كردستان العراق، الأمر الذي ستكون تركيا أوّل المتضررين من جرّائه.
ضمن هذا التعقيد في العلاقات الثلاثية التركية-الأمريكية-الكردية، يأتي حزب العمال الكردستاني ليكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" و ليدفع تركيا إلى استعراض قوتها العسكرية، عبر الحشود التي تقوم بها على الحدود مع العراق، و المقدّرة بحوالي (140) ألف جندي، استعداداً لصدور الأوامر بدخول الشمال العراقي، و القضاء على حزب العمّال الكردستاني الذي اتّخذ من المنطقة منطلقاً لعملياته العسكرية ضد تركيا.
الولايات المتّحدة إلى الآن نصحت الأتراك بعدم الدخول إلى شمال العراق، لكن الجميع يعلم أنّ المسألة الكردية بالنسبة للأتراك تقع في رأس قائمة الأمن القومي للبلاد، و هذه مسألة لا يمكن التساهل أو التسامح بها حتى لو كان هذا المطلب من الطرف الأمريكي.
في هذا الموقف الصعب، فإن آخر ما تريده الولايات المتّحدة هو خوض مواجهة مع الأتراك حول شمال العراق، لكنها من جهة أخرى لا تملك حلولاً للمشكلة التركية-الكردية.
لقد نجح أردوغان مؤخراً في الحصول على اتفاقية أمنية من الجانب العراقي بموافقة رئيس الوزراء نوري المالكي، تتضمن مكافحة تواجد حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية، و تحديداً مواقعه الموجودة في الشمال. لكن التقدير يذهب إلى أن هذه الاتفاقية لن ترى النور عملياً على أرض الواقع، وذلك لأنّها أثارت سخط "حكومة إقليم كردستان العراق" على أساس أنها جاءت دون استشارتهم و موافقتهم، خاصة وأن نطاق تنفيذها يقع في الإقليم المذكور.

الاقتصاد التركي كرافعة لنفوذها إقليمياً
إذا ما قارنّا النفوذ التركي في المنطقة و موقعها السياسي و العسكري و الاقتصادي الإقليمي الحالي، سنجد أنّه لا يتناسب بتاتاً مع قدرات تركيا و دورها التاريخي التي لطالما كان لها حصّة كبيرة فيه إلى حين انهيار الإمبراطورية العثمانية. فقد حال تطور النفوذ الإنكليزي و الفرنسي في المنطقة في ذلك الوقت دون عودة النفوذ التركي، إضافة إلى المشاكل الداخلية التي كانت تواجهها الجمهورية التركية و رغبتها بالانفصال عن محيطها العربي، وخصوصاً لما رأى مصطفى كمال أتاتورك ذلك سبباً في تخلفها و تراجعها. ثمّ جاء النفوذ الأمريكي مع حرب باردة بين الأمريكيين و السوفييت، فوجدت تركيا نفسها محاصرة و في مجال التابع في محيطها، و ظلّت عالقة في نفس الإطار.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و تغيّر الوضع، طرأت العديد من المستجدات الهامة خلال السنوات اللاحقة خاصّة بعد وصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكم في تركيا، وذلك من شأنه أن يمهّد للدور الكبير المنتظر لتركيا في المنطقة.
وفقاً لأحد التقارير التي يصدرها مركز (ستراتفورد)، فإنّ الاقتصاد هو أحد أهم العوامل التي ستسمح لتركيا باستعادة دورها الإقليمي الذي كان سائداً قبل (90) سنة. ففي عام 2006، حققت تركيا المركز الـثامن عشر من بين الدول الأعلى نمواً في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، و قد حققت نمواً مستمراً بين 5 و 8% في السنّة لأكثر من خمس سنوات حتى الآن، لتحل خلف بلجيكا و السويد مباشرة.
و يشكّل الاقتصاد التركي بحسب التقرير أكبر اقتصاد إسلامي على الإطلاق، متفوقاً بذلك حتى على حجم الاقتصاد السعودي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا حقّقت ذلك دون انضمامها إلى الاتحّاد الأوروبي، و لنا أن نتخيّل قدرتها إذا ما تمّ قبولها فيه.
تركيا ليس الصين من الناحية الاقتصادية، و لكنها بالتأكيد تشكّل أكبر اقتصاد في شرق المتوسط، وجنوب شرق أوروبا، والشرق الأوسط و منطقة القوقاز. صحيح أن هذا النمو لا يزال هشّا و قد يتم عرقلته، لكن الصحيح أيضاً أننا نرى تقدّماً نحو الأمام و ليس الخلف، كما أن الاقتصاد التركي بات يشكّل الاقتصاد الإقليمي الأكثر ديناميكية و قيادية. و إذا ما أضفنا إلى كل هذا موقع تركيا الجغرافي و دورها في أن تضم أكبر شبكة نقل و مرور للطاقة في العالم، فإن التحليل يقودنا إلى أن دور تركيا في تعاظم مستمر، و يتجه نحو استعادة حالته التاريخية و إن بشكل بطيء.
المشكلة التي تحد من اتساع النفوذ الاقتصادي التركي إقليمياً تكمن في العقبات التي تواجهه عسكرياً و سياسياً، و التي تشكّل سداً يحول دول توسعه. فتأثير الاقتصاد التركي في البلقان يحدّه الاحتكاك و النزاع مع اليونان، و التأثير أيضاً في القوقاز يحد منه إلى درجة ما الاحتكاك و النزاع مع أرمينيا، و الوضع المتأزم مع العراق و المتوتر بين الحين و الآخر مع سوريا يحول دون النفاذ جنوباً، أما شرقاً فإيران تسعى إلى منع امتداد نفوذ أنقرة لأنه سيكون بديلاً لنفوذها في حال حصول ذلك.
إذا ما استمر الصعود التركي على هذا النحو، فإن ذلك سيفرض على جيرانها أن يكونوا أقل عداوة تجاهها، لأن القوة الاقتصادية و الديناميكية التبادلية تفرض ذلك على الجميع. و فيما ينمو الاقتصاد التركي و يتطور الدور السياسي لتركيا، فإن القوة العسكرية ستكون مجرد تحصيل حاصل، فالاقتصاد القوي يدفع نحو جيش قوي، و مع الوقت فإنّ النفوذ التركي في المنطقة سيكون مساوياً لحجم التطور الاقتصادي و السياسي و العسكري الذي تشهده حالياً.

من هناك
08-17-2007, 07:16 PM
اخي غياث،
لا تركيا ولا غيرها ستلعبان دوراً تاريخياً في المنطقة لأن القوة الحالية في عالم اليوم هي للمادة الأمريكية وللعولمة وكل من سار بعكسها يحاولون تدميره.

إن الأكراد هم حليف مهم جداً للعرب وللترك على حد سواء لو تقيد كل هؤلاء بالإسلام الحنيف ولكن بما انهم تركوا الدين الذي اعاطهم المنعة والقوة وتعاملوا مع بعضهم البعض بعنصرية بغيضة، فكلهم سيكونون حطباً للنار الكبرى التي ستشتعل قريباً جداً.

Ghiath
08-27-2007, 12:31 AM
اخي غياث،
لا تركيا ولا غيرها ستلعبان دوراً تاريخياً في المنطقة لأن القوة الحالية في عالم اليوم هي للمادة الأمريكية وللعولمة وكل من سار بعكسها يحاولون تدميره.

إن الأكراد هم حليف مهم جداً للعرب وللترك على حد سواء لو تقيد كل هؤلاء بالإسلام الحنيف ولكن بما انهم تركوا الدين الذي اعاطهم المنعة والقوة وتعاملوا مع بعضهم البعض بعنصرية بغيضة، فكلهم سيكونون حطباً للنار الكبرى التي ستشتعل قريباً جداً.


اخي انا على العكس متفائل بخصوص الموضوع التركي لاني اعتبر تركيا ثاني بلد اسلامي يخرج من عنق الزجاجة بعد ماليزيا وان شاء الله ستتبعه دول اخرى على الطريق...

واما بخصوص الاكراد فبصراحة انا ارى حلمهم باقامة دولة كردستان على اساس عرقي ولو كان هذا على حساب وحدة واستقرار وانتعاش البلدان المجاورة مطلب غير محق وان كنت اتفهم مطالبهم العادلة باحترام قوميتهم ولغتهم و حقوقهم بعد كل الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد البعثيين في سوريا والعراق..

مع العلم بان بين الاكراد من لا يجد مشكلة اذا جئته من باب الوحدة والتسامح الاسلامي ولكن هؤلاء لا وجود سياسي لهم امام البرزاني والطالباني ولا يجب ان ينسينا هؤلاء ان الاكراد شعب مسلم اعطى الامة القائد صلاح الدين الايوبي

حكومة أردوغان .. الاقتصاد هو السر

مصطفى عياط 30/7/1428
13/08/2007

عندما يَجْمع حزب ما بين كونه الخيار الأول للأقليات، والأكثر دعمًا لقطاع الأعمال والاقتصاد الحرّ، بينما قاعدته الشعبية الصلبة ترتكز على الطبقتين الوسطى والفقيرة، كما أنه الأكثر قبولاً لدى الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وفي الوقت ذاته ينظر إليه بصفته نموذجًا يستحق أن يُقْتدي به من جانب الأحزاب والحركات الإسلامية الأخرى. وإذا ما أضفنا إلى ما سبق كون هذا الحزب حقق نجاحًا اقتصاديًا فاق كلّ التوقعات خلال أربع سنوات قضاها في الحكم - فإن الأمر يحتاج، بلا شك، إلى "وقفة تأمل" لفك طلاسم كيفية جمع هذا الحزب بين تلك الثنائيات المتناقضة، بل وصنع منها "وصفة ناجحة" قادته للحصول على تفويض شعبي للحكم بمفرده لأربع سنوات قادمة، مدعومًا بنحو نصف أصوات الناخبين..
باختصار هذه هي المعادلة المعقدة التي أجاد حزب العدالة والتنمية التركي ضبط عناصرها، والتي تبدو أشبه ما تكون بـ " الرقص على حبل مشدود".
وإذا ما كانت هناك "كلمة سر" وراء هذا النجاح، فإن هذه الكلمة ستكون هي: "الاقتصاد"، فما حققه حزب العدالة والتنمية على الصعيد الاقتصادي منذ تسلمه الحكم عام 2002 يُعَدّ - في نظر الكثير من المراقبين - طفرة غير مسبوقة، وبلغة الأرقام فإن معدل التضخم تراجع من 29.7% عندما تسلم الحزب الحكم عام 2002 إلى 9.6 %، فيما ارتفع حجم الناتج المحلي من (181) مليار دولار إلى (400) مليار دولار، وهو ما رفع نصيب الفرد من الناتج القومي من 2500 دولار إلى 5400 دولار، ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الناتج الإجمالي إلى (432.5) مليار دولار بنهاية العام الحالي، ليصعد إلى (455.5) مليار دولار عام 2008.
وحققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تم ضخّها في شرايين الاقتصاد التركي طفرة ملحوظة خلال السنوات الأربع الماضية؛ إذ ارتفعت من (1.14) مليار دولار عام 2002 لتسجل (20.2) مليار دولار عام 2006، وخلال الأشهر الأربع الأولى من العام الحالي استقبلت تركيا نحو (14) مليار دولار كاستثمارات خارجية مباشرة، وتتوقع الحكومة ارتفاعها إلى (30) مليار دولار في نهاية العام. وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه المؤشرات على معدل النمو القومي، والذي ارتفع من نمو سلبي معدله 9.5 % في عام 2001 ليسجل متوسط نمو 6% خلال السنوات الأربع الماضية، وبلغ معدل النمو ذروته عام 2005 مسجلاً 7.2%. وهذا المعدل المرتفع للنمو كان مدفوعًا بقفزات كبيرة في الصادرات التركية؛ إذ ارتفعت قيمتها من (36) مليار دولار عام 2002 إلى (86) مليار دولار خلال العام الماضي، ويُتوقّع أن تتجاوز المائة مليار دولار العام الحالي، ولعب قطاع السياحة دورًا مهمًّا في تحقيق هذه النجاحات؛ إذ ارتفعت عائداته من (8.48) مليار دولار عام 2002 إلى (16.85) مليار دولار في العام الماضي.
وبالإضافة إلى هذه المؤشرات، فإن حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي طبّقها حزب العدالة خلال السنوات الأربع الماضية أعطت دفعة قوية لسوق الأوراق المالية؛ فقد ارتفعت القيمة السوقية لمؤشر بورصة اسطنبول بأكثر من 400%، وامتد هذا التأثير الإيجابي إلى الليرة التركية، والتي شهدت استقرارًا ملحوظًا عزّز من ثقة المستثمرين الأجانب في شراء السندات الحكومية المقومة بالعملة المحلية.
وذهب تقرير أصدرته - مؤخرًا - منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا، لاعتبار التقدم الذي شهده الاقتصاد التركي في ظل حكومة العدالة والتنمية "مذهلاً"، فقد شكّل أعلى معدل نمو اقتصادي بين الدول الثلاثين التي تنتمي للمنظمة، كما انخفض معدل التضخم لأول مرة منذ نحو ثلاثة عقود إلى خانة واحدة بدلاً من اثنتين أو ثلاث. ويقف عجز الموازنة التركية حاليًا عند حدود 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من السقف الذي حدده الاتحاد الأوروبي والبالغ 3%، بينما تراجعت المديونية العامة للحكومة إلى نحو 61 %، وهي تزيد بشكل طفيف عن السقف الأوروبي الذي يبلغ 60 %.
وفي ظل افتقاد تركيا لموارد طبيعية تمنحها المليارات على حين غِرّة، فإن المراقبين يرجعون الفضل فيما حققه الاقتصاد التركي من طفرات غير مسبوقة إلى حزمة الإصلاحات التي طبقتها حكومة "رجب طيب أردوغان"، والتي اعتمدت بشكل أساسي على رفع القدرات التنافسية للاقتصاد التركي في جميع القطاعات، مع إعطاء الأولوية للقطاع الصناعي، والذي حظي بتسهيلات ائتمانية كبيرة، كما عمدت حكومة أردوغان لشن حرب قاسية على الفساد، وهو الآفة التي نخرت في عظام الاقتصاد التركي لعقود طويلة، وحوّلته لبؤرة طاردة للاستثمارات الأجنبية، مما حرم البلاد مليارات الدولارات وآلاف فرص العمل المتوقعة.
وانعكست سياسة الانفتاح التي اتبعتها حكومة حزب العدالة في علاقاتها مع العالم الخارجي على الاقتصاد التركي؛ فقد عمدت الحكومة لتوظيف تلك العلاقات لفتح أسواق جديدة أمام الصادرات التركية، كما ساعدت تلك السياسة في جذب استثمارات أجنبية ضخمة، مُشَجَّعة بوجود حالة من الاستقرار السياسي ووضوح الرؤية الاقتصادية لدى أردوغان ورفاقه، وحصلت تركيا على حصة لا بأس بها من "محفظة الاستثمارات الخليجية" الضخمة عقب الطفرة الكبيرة التي حدثت في العائدات النفطية خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من اندفاع حكومة أردوغان في تطبيق سياسة الخصخصة وبوتيرة غير مسبوقة، فإن الحكومة كانت منتبهة للتداعيات الاجتماعية السلبية لهذه السياسة، وما يتبعها من تسريح للعمالة، وارتفاع في أسعار الخدمات والسلع الأساسية. وحاولت الحكومة التخفيف من ذلك عبر توفير برامج اجتماعية فعالة لحماية ودعم الفئات الأكثر تهميشًا وفقرًا، والعمل على إعادة إدماجها من جديد في الدورة الاقتصادية بعد إعادة تأهيلها وتدريبها. كما ساعد الدعم، الذي وفّرته الحكومة لقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في توزيع مكاسب النمو الاقتصادي على أكبر شريحة ممكنة من المواطنين، بل والخروج بها من المراكز الاقتصادية والمالية التقليدية في أنقرة واسطنبول إلى مناطق ومدن نائية وسط هضبة الأناضول، وهو ما ساعد – من جهة أخرى – على تشكيل نخبة اقتصادية جديدة، وقفت بقوة وراء حزب العدالة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
والحديث عن بروز نخبة اقتصادية جديدة في تركيا، يقودنا إلى ما يمكن اعتباره "العمق الاجتماعي" لسياسة حزب العدالة الاقتصادية، فالنخبة الاقتصادية التقليدية في أنقرة واسطنبول كانت دومًا لصيقة الصلة بالنخبة العلمانية السياسية والعسكرية، فضلاً عن علاقاتها العضوية بالقوى الاقتصادية العالمية والشركات العابرة للقارات، كما شكّل رجال الأعمال الأتراك اليهود ومن يُسمّون بـ " يهود الدونمة" جزءًا مهمًا من هذه النخبة، والتي تنطوي بشكل أساسي داخل جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد).
وجمعية (توسياد) هذه يبلغ عدد أعضائها حاليًا (545) شخصًا، هم الأكثر ثراء على الإطلاق في تركيا، ويمتلكون (1300) شركة يعمل فيها نحو (500) ألف شخص، وحجم تعاملها أو نشاطها يصل إلى (70) مليار دولار، وتتحكم في 47% من القيمة الاقتصادية التي تنتجها تركيا. وما زالت هذه الجمعية أبرز قوة اقتصادية علمانية مؤثرة، ولها تأثير قوي على القرار السياسي والتوجه الاقتصادي لتركيا.
وفي مقابل هذه النخبة، المتمركزة في اسطنبول وأنقرة، بدأت منذ الثمانينيات نخبة اقتصادية مقابلة في الظهور بمنطقة وسط الأناضول، مستفيدة من التحويلات المالية الضخمة للأتراك في أوروبا والولايات المتحدة، وكان طبيعيًا أن تعكس هذه النخبة سلوكيات وقيم من محيطها الاجتماعي المتدين والمحافظ؛ إذ تميزت أنشطتها بالتركيز على المشاريع التنموية، كما أنها ابتعدت في تعاملاتها عن النظام المصرفي الربوي، وهو ما ساهم في اجتذاب استثمارات إسلامية خاصة من دول الخليج.
وحظيت هذه النخبة بدفعة قوية مع الصعود القوي للأب الروحي لإسلاميي تركيا "نجم الدين أربكان"؛ إذ تبنى الأخير برنامجًا طموحًا لتصنيع تركيا وتحويلها إلى قاعدة صناعية، بدلاً من اعتماد اقتصادها على قطاعات هَشَّة مثل السياحة والخدمات، وبالفعل نمت أنشطة هذه النخبة بشكل كبير خلال حقبة الثمانينيات، ممّا استدعى البحث عن إطار مؤسسي ينسق عملها، ويشكل كيانًا مقابلاً لـ (توسياد)، وهو ما تحوّل لحقيقة عام 1990 مع ظهور جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين (موصياد).
وبمجرد تأسيسها حققت (موصياد) نموًا سريعًا في الأوساط الاقتصادية المحافظة في تركيا، ووصل عدد أعضائها إلى أكثر من (2600) شخص يملكون (800) شركة يعمل فيها نحو مليوني شخص، وزادت فروعها إلى (28) فرعًا فيما زاد عدد مكاتبها حول العالم إلى (25) مكتبًا. وأصبحت الجمعية لاعبًا مهمًا، على الرغم مما تعرضت له من هجمات شرسة من قِبل الأوساط العلمانية، لكن قوّتها الاقتصادية والسياسية ما زالت لا تُقارن بقوة (توسياد)، على الرغم من تأثيرها الشعبي الكبير.
وعلى الرغم من أن (موصياد) تعرّضت لحملة قمع وتضييق واسعة طالت أعضاءها بعد سقوط حكومة "أربكان" في انقلاب صامت نفذه الجيش في فبراير 1997، إلاّ أن عودة تلاميذ "أربكان" للحكم من خلال حزب العدالة أعطى الجمعية دفعة جديدة، مدعومة هذه المرة بحزمة من الإجراءات الاقتصادية الإصلاحية؛ إذ وعى "أردوغان" ورفاقه الدرس مما تعرّض له "أربكان"، ولذا فإنهم حرصوا على رفع لافتات اقتصادية لا يمكن للنخبة العلمانية معارضتها أو التربص بها، على غرار تطبيق معايير الاتحاد الأوروبي والالتزام بقواعد الاقتصاد الحرّ والتعاون مع صندوق النقد الدولي.
وإذا كان البعض يرى في (موصياد) ذراعًا اقتصاديًا داعمًا لحكومة حزب العدالة في مقابل (توسياد) المتحالفة مع النخبة العلمانية، فإن المراقبين يعتبرون أن أردوغان تصرف بذكاء تفتقده الكثير من الحركات الإسلامية في العالم، ففي ظل الفشل المحتوم لأي مواجهة على قاعدة سياسية مع النخبة العلمانية، انتقل أردوغان ورفاقه لملعب يعرفون تضاريسه جيدًا – أي ملعب الاقتصاد – من خلال خبرتهم السابقة في إدارة العديد من البلديات الكبرى.
والملف الاقتصادي يُعدّ نقطة قوية لا تدرك العديد من القوى الإسلامية أهميته، فهذه الملف يُعدّ واحدًا من نقاط التلاقي القليلة بين الإسلاميين والغرب؛ فالطرفان يتحركان على قاعدة الاقتصاد الحرّ مع فروق بسيطة تتعلق بحماية الفئات الفقيرة والاقتصاد الوطني، كما أن قواعد الاقتصاد العالمي تبدو أكثر احترامًا وشفافية عالميًا من قواعد اللعبة السياسية والديموقراطية ذات المعايير المزدوجة والتفسيرات المطاطة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الإسلاميين يعدّون الأقل فسادًا مقارنة بالنُّخَب العلمانية الأخرى، وهذا يُعدّ أمرًا فارقًا في نجاح أي برنامج اقتصادي، كما أن النجاحات الاقتصادية وما تحققه من مردود مباشر يتَلَمَّسه المواطن يجعل من هذا القاعدة الشعبية "خط دفاع أول" لحماية هذه النجاحات وصانعيها، وذلك ما لا يحدث كثيرًا عندما يخوض الإسلاميون معارك ذات خلفية سياسية وفكرية، فالتعاطف الشعبي في هذه الحالة نادرًا ما يتحول إلى سلوك ملموس. وأخيرًا ، فإن هذا "الخط الدفاعي" يتحول بمرور الوقت وعبر تفاعلات اجتماعية واقتصادية مركبة إلى "مجتمع مدني" فاعل ومؤثر، يراقب ويساند ويُقَوّم أي انحراف أو خطأ من السلطة الحاكمة، وهذا المجتمع النشط والواعي يمثل أقصى طموحات الحركات الإسلامية.

من هناك
08-28-2007, 04:59 AM
انا متفائل مثلك ايضاً ولكنني افضل ان ارى بعض الأعمال قبل ان احكم

إن شاء الله يفوزون غداً ونفرح لهم ايضاً