تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تيار المستقبل بين واقع ومرتجى الطائفة السنية



14_Azar
08-14-2007, 09:43 AM
تيار المستقبل بين واقع ومرتجى الطائفة السنية




الشيخ هشام خليفة(*)

قبل وجود تيار المستقبل بسنوات قليلة كان الواقع السياسي للمسلمين السنة يتأرجح بين مزاجية الفرد وأنانيته وبين سعي البعض وراء مصالحه، بين ما يخططه البعض وما يريدون فرضه داخلياً، وبين هيمنة مراكز النفوذ السياسي خارجياً... وكل ذلك للأسف كان يصب خارج اطار مصلحة السنة.
فكانت المحصلة الاجمالية لهذه السياسة وما رافقها من أعمال وممارسات، كانت محصلتها مشاعر الاحباط العام، وشكوى واسعة، كان يتردد صداها في كل بيت وعند كل اجتماع وفي كل ناد أو لقاء، وكانت تطرح مجموعة من التساؤلات عن الهدف من ذلك وخاصة عن الغرض من تهميش دور القيادات السنية واغتيال بعضها ونفي البعض الآخر، والضغط على من تبقى، وتركيب قيادات جديدة لا تمثل تطلعات المسلمين السنة، وكان السؤال ايضاً عن الهدف من اختلال الموازين في السياسة والادارات والمؤسسات وفي كثير من مواقع القرار في الدولة.
وكأن هناك من يريد ان يذكر أهل السنة وبيروت بالذات بسنة 58 وثورتها، وكأن هناك من يريد أن يذكر هذه الطائفة بيوم زحفها سنة 60 لمناصرة وتأييد الوحدة العربية بين مصر وسوريا، وكأنه تذكير بموقف المسلمين السنة من حلف بغداد ورفضهم له وهي تذكير لبيروت الناصرية التي من حبها لعبد الناصر رأته في القمر ليلة البدر، وهناك من يريد ان يذكر هذه الطائفية باحتضانها وتأييدها للثورة الفلسطينية، وأخيراً مناصرتها للمقاومة الاسلامية واللبنانية.
فهل قدر هذه الطائفة ان تدفع ضريبة خياراتها الوطنية والعربية والايمانية، ودورها الفاعل والمؤثر في محيطها اللبناني والعربي والعالمي.
وفي خضم هذا الواقع والاحباط جاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله وتطلعت الأنظار اليه وإلى ما يمثل من ثقل سياسي واجتماعي ومالي، وإلى ما يتحلى به من طاقة وقوة ونشاط وهمة، وما يجسده من بعد سياسي محلي واقليمي وعالمي، ليعود شعاع الأمل الى الجميع وخاصة للطائفة السنية باعادة التوازن السياسي والاجتماعي، ووضع الأمور في نصابها، ولكن سرعان ما تلاشى الأمل وعاد الاحباط بشكل أكبر وأعمق حيث لم يترك للشهيد مجال في تصحيح الأوضاع وضبط الحركة السياسية ومنع الافتئات والتجاوزات، بل لقد وصل الأمر الى أبعد من ذلك حيث تم وضع العقبات في طريقه، وتمت محاربته بكل قوة، وعملت بعض القوى المحلية والاقليمية على تحجيم دوره وتصغير حجمه، واخضاعه لمنطق الحسابات القديمة السابقة التي لا تتوافق مع تطلعاته ونظرته المستقبلية، ورغم كل ذلك الضغط الكبير تحلى الرئيس الشهيد بالحكمة والدراية وسعة الأفق، وتميز بقدرته على الاستيعاب والتحمل، وشهد له الجميع بقيادته الجامعة ويده التي كان يمدها الى كل من حوله وحتى لمعارضيه في سبيل مصلحة الوطن ضمن محورية أسس العيش المشترك وعلى أرضيه الاتفاقات اللبنانية وعلى رأسها اتفاق الطائف.
كل ذلك كان يمارسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله بنفسه الوطني الجامع ليحقق نجاحات متعددة هنا وهناك وليصب ذلك كله في عمق مصلحة الطائفة السنية التي هي طائفة وطنية بامتياز ومنذ لحظة انشاء دولة لبنان، وكل مصلحة لهذه الطائفة تعود تلقائياً بالنفع والخير على المصلحة الوطنية اللبنانية العامة، كما حدث في الانتخابات النيابية والبلدية وفي المساعدات وفي قراره دعم وحماية المقاومة محلياً وعالمياً، وكذلك في كل القرارت الأخرى.
وبعد سنوات طويلة من الجهد والعرق والسهر والصبر، وبعد معارك سياسية ومعنوية كانت تتجاوز احياناً الحد السياسي المعقول لتصل الى حملة من التشهير والاساءات لشخص الرئيس الشهيد، مع ما حشد لهذه المعارك من امكانيات اعلامية وزعامية وسياسية. ورغم ذلك كعادته خرج الشهيد ثابتاً ومنتصراً عاضاً على الآلام النفسية التي سببتها له هذه المعارك الجانبية المؤلمة، ليؤكد للجميع انه أكبر من هذه المؤامرات لأنه بحجم طائفة كبيرة أساسية، ولأنه بحجم الوطن كله، ولأنه قد حدد هدفه وهو حرية لبنان وسيادته وازدهاره، ورخائه، وكل ما دون ذلك يهون، لأنه قدر الكبار والزعماء والقادة...
ولما تأكد لأعدائه انهم يواجهون جبلاً راسخاً ووتداً راسياً وسداً منيعاً يحول دون تحقيق مآربهم، قرروا تنحيته وابعاده لتخلو لهم الساحة ولتستمر المؤامرة على لبنان وشعبه وعلى الطائفة السنية بالذات، وبعد أن عجزوا عن ابعاده بالمكائد والمؤامرات والضغوط والتهديد له ولأتباعه... قرروا اغتياله ظانين انهم بهذا الاسلوب الدنيء المجرم يزيلون عقبة كبيرة تقف امام ما يخططون له وللمنطقة من تغييرات وتبديلات جغرافية وسياسية وديموغرافية.
ولكن قد غاب عن بال هؤلاء المجرمين القتلة ان الرئيس الشهيد قد أسس تياراً سياسياً متماسكاً مترابطاً، وبنى أرضية اجتماعية واسعة، وارسى منهجاً لمفهوم الوطنية والحرية ولمفهوم العمل اللبناني الحقيقي الجامع الشامل الذي يمتد أفقياً وعمودياً عبر كل طائفة ومذهب في لبنان، فاجتمعت حوله ومعه الكثير من القوى السياسية والاجتماعية من جميع الطوائف وجميع الفئات...
وبعد الاستشهاد التاريخي لرجل تاريخي... لم يطل انتظار كوادر وأطر تيار المستقبل التي عايشت ولازمت قائدها الشهيد، لتقدم الولاء ولتسلم القيادة لرجل يعيش فكر وروح وعقل ومنهج الرئيس والقائد والأب رفيق الحريري... ولتضع بين يديه مسؤوليات جسام ومهام ضخمة، فكان الالتفاف وكانت المبايعة للقائد الجديد لتيار المستقبل والشيخ سعد الدين رفيق الحريري ولتحمله الأمانة وتضعه أمام المسؤوليات التالية:
1 ـ مسؤولية المحاسبة والاقتصاص القانوني والشرعي من كل مجرم شارك وخطط ودبر ونفذ عملية اغتيال رجل بأمة، وأمة برجل. وانشاء المحاكم المختصة الكفيلة بالوصول الى الحقيقة وكشف المجرمين ومعاقبتهم.
2 ـ ضبط واستيعاب مشاعر الغضب التي ترافقت مع مشاعر الإحباط وتلازمت مع مشاعر الافتئات لدى الطائفة السنية بالذات، وجعلها مشاعر ايجابية، ودفعها لتكون مشاعر مشاركة فاعلة وواعية في القرارات الوطنية وتحديد مصير لبنان المستقبل، مع العمل على تخفيف حدة الألم لطعنة كانت في صميم القلب.
3 ـ انقاذ لبنان وأخراجه من النتائج المدمرة لعملية الاغتيال، والتي ترمي من ضمن ما ترمي إليه تفريغ لبنان من كل صنود وقوة وممانعة، وإلى مصادرة حرية واستقلال وأمن وطن وشعب، وربطه بمحاور واحلاف داخلية واقليمية وخارجية.
4 ـ حسن القيادة والسياسة والادارة لطائفة اساسية وكبيرة تجتمع لأول مرة في تاريخ لبنان تحت لواء قيادة واحدة، وتسلم أمرها طوعاً لزعامة واحدة... من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن عمق البقاع إلى أطراف الساحل، مما يوجب التصرف مع جميع أبناء الطائفة على أساس جامع يحتوي الجميع، وتتسع أمكنته للكل.
5 ـ مسؤولية التناغم والترابط مع النسيج الوطني بتعدده وتنوعه المذهبي والطائفي والحزبي والاجتماعي، وعدم الوقوع في فخ الصدام أو الصراع مع أي شريحة من شرائح العمل السياسي اللبناني.
6 ـ إعادة تنظيم وبرمجة وهيكلة التيار بما يتلائم ومتطلبات المرحلة الحالية والقادمة وعلى أساس الحاجة المشتركة والمصلحة المتبادلة، مصلحة التيار وحاجته لكل الناس، ومصلحة الناس وحاجتهم للتيار، وكذلك على أساس ايجاد قضية فكرية محورية تكون هي القضية الفكرية والعقدية التي يجتمع عليها السنة وبما يتلائم مع الثوابت الايمانية والوطنية والعربية.
حقيقة انها مسؤولية كبيرة وتاريخية ومصيرية يتعلق عليها ويرتبط بها مصير الطائفة السنية أولاً ومصير لبنان ثانياً، حيث انه لم يعد يخفى على أحد أن مصير ومستقبل هذه الطائفة الأم والعظيمة هي اليوم في يد تيار المستقبل عامة، وفي يد آل الحريري وبالذات الشيخ سعد والسيدة بهية، مما يفرض على جميع المخلصين أن يبذلوا أقصى جهودهم في النصح الصادق، والعمل الدؤوب والتصرف على مستوى هذه الأمانة التاريخية وقبول النقد البناء لبناء سليم، وحساب كل خطوة بشكل دقيق وحساس وجدي، لأن المرحلة لا تحتمل التجربة عوضاً عن الخطأ، وأن يكون التيار كما نريده حقيقة تياراً وطنياً عربياً مؤمناً يسع الجميع ويتسع للجميع، يقوم على مبدأ اللقاء لا الإلقاء، والوسعية لا الشمولية، والاتساعية لا الالغائية، والأفقية مع العمودية، لأن المصير يفرض ذلك، ولأن قيادة أمة توجب ذلك، ولأن مستقبل الطائفة ومستقبل لبنان يحتم ذلك، ولأن مستقبل الطائفة ومستقبل لبنان يحتم ذلك إن كان الأمر كذلك... وإلا فالخطر كبير جداً هنا وهنالك.

(*) رئيس جمعية نشر علوم القرآن الكريم