تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حزب التحرير في ميزان الشرع ... مجموعة وثائق وفتاوى



أبو عبد
02-14-2004, 11:37 AM
إلى هؤلاء الذين ضلُّوا الطريقَ، وتاهت بهم الدروب.. ثم يحسبون أنفسَهم على شيء!


إلى هؤلاء الذين ضيعوا الطاقات والأوقات - في طُرقٍ ملتوية خاطئة - من غير طائلٍ أو فائدة!


إلى هؤلاء الذين يُفسدون ولا يُصلحون.. ثم يحسبون أنَّهم يُحسِنون صُنعاً، أو أنَّهم على ثغرةٍ من ثغُورِ الإسلام!


إلى شباب حزب التحرير المُضَلَّل، الذين ينشدون الحقَّ بعيداً عن التعصب للحزب، وأرباب الحزب!


إلى طلاّب الحقِّ والدليل - أيَّاً كان انتماؤهم - بعيداً عن التعصب للأهواء والرجال والأحزاب!


إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب، راجياً أن يكون لهم سبب هدايةٍ ورشاد.. والله تعالى يهدي من يشاء.


المؤلف

أبو عبد
02-14-2004, 11:39 AM
ألمقدّمة
_________إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون} آل عمران: 102. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن اللهَ كان عليكم رقيباً} النساء: 1. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يُصلح لكم أعمالَكم ويغفر لكم ذنوبَكم ومن يُطعِ اللهَ ورسولَهُ فقد فاز فوزاً عظيماً} الأحزاب: 70-71.

أما بعد:

فإن أصدَقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثَةٍ بدعة، وكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

اللهمَّ ربَّ جبريل وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تهدي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مستقيم.

ظلت أمة الإسلام حصينة آمنة، منيعة مستعصية أمام أطماع أمم الكفر والطغيان طيلة الفترة الزمنية التي كان يعلوها خليفة مسلم، يسوسها بالدين، ويحكمها بشرع رب العالمين، ويذود بقوة السلطان عن حرمات وحقوق المسلمين، ويرهب أعداءهم بالجهاد من أن تتجاسر نفوسهم على الاعتداء..

كان المسلمون إلى ذلك الوقت بخير وعزة وكرامة وهيبة، يحسب لهم الأعداء ألف حساب قبل أن يفكروا بأدنى اعتداء، إلى أن سقطت آخر معالم الخلافة العثمانية في أوائل هذا القرن المنصرم؛ بفعلٍ وتقصير من المسلمين أنفسهم، وبمكر رهيب اجتمعت على تدبيره وإحاكته جميع قوى الكفر والطغيان والظلم في العالم..

ومن حينها - أي منذ سقوط الخلافة العثمانية - سقط الجدار المنيع الذي كان يحيل بين الأعداء وبين أطماعهم ومآربهم في الأمة؛ وبالفعل فقد أصبح الطريق أمامهم ممهداً وسالكاً إلى أي اعتداء يريدونه.. فغزوا بلاد المسلمين بعد أن تقاسموها فيما بينهم - من دون مزيد عناء أو نصَب - وانتهكوا الحرمات، ونهبوا الخيرات، واستطاعوا أن يُقصوا الإسلام عن واقع حياة الناس، على جميع المستويات؛ مستوى الحاكم والمحكوم.. وفرضوا أحكامهم وقوانينهم الوضعية الكافرة كبديل عن شريعة رب العالمين!

وهذا كان هدفهم الأكبر من الغزو والاحتلال؛ وهو كيف يُقصون هذا الدين عن واقع الحياة، وكيف يمنعون المسلمين من أن يعيشوا إسلامهم على الوجه الذي يرضي ربهم عز وجل ، ويحقق سعادتهم وسؤددهم في الدنيا والآخرة، لأنهم أدركوا أن سر قوة المسلمين يكمن بتمسكهم بتعاليم هذا الدين الحنيف، وأن المسلمين يمكن أن يعيدوا مجدهم ودورهم في قيادة الأمم والشعوب في الوقت الذي يعودون فيه إلى دينهم بحق، ويأخذونه بجد وقوة..

لذا لما أرادوا الخروج - لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا - من بلاد المسلمين، استخلفوا مكانهم طواغيت من أبناء جلدتنا وأوطاننا، يتكلمون بألسنتنا، ليسهروا على تنفيذ مصالحهم وتحقيق أهدافهم ومآربهم القريبة والبعيدة - التي جاءوا لأجلها - في بلاد المسلمين!

زرعوا طواغيتاً هم أشد كفراً وظلماً للأمة من الكافر المستعمر الدخيل، وأكثر حرصاً - من أسيادهم - على تنفيذ سياساتهم وأهدافهم، وقوانينهم [2]!

خرج الكافر المستعمر من بلاد المسلمين بجسده، وبقي في الأمة بثقافته، وعاداته، وقوانينه، بقي في الأمة بصورة الجلادين الظالمين الحاكمين الذين استخلفهم على رعاية مصالحهم وأهدافهم!

لذا فإن خروجهم كان صورياً لا حقيقةً، وأن الأمة لا تزال إلى يومنا هذا مستعمرة ومملوكة لقوى الكفر بأسماء إسلامية وعربية محلية، هم أشد ضراوة وعداوة للإسلام والمسلمين من أعدائهم الأصليين!

طواغيت الحكم هؤلاء إلى الساعة لا يزالون يُحظون بالدعم والرعاية والحماية، والتغطية على جرائمهم بحق شعوبهم من أسيادهم وأولياء نعمتهم في الغرب الصليبي، على القدر والجهد الذي يبذلونه في خدمتهم، وخدمة أهدافهم وسياساتهم في المنطقة؛ لذا نرى طواغيت الكفر يتسابقون فيما بينهم على خدمة أسيادهم وتحقيق أهدافهم بكل همة ونشاط، فإذا خطى أحدهم خطوة نحو هذا الطريق، خطى الآخر عشر خطوات خشية أن يسبقه أحد غيره إلى مرضاتهم وكسب ودهم، وحتى لا يسخطوا عليه فيقيلوه عن كرسي الحكم ويستبدلونه بشخص آخر أكثر خدمة لهم منه!

منذ ذلك الحين كان هم الدعاة العاملين للإسلام منصباً إلى السبيل والطريق الذي من خلاله يتمكنون أن يستأنفوا للأمة حياتها الإسلامية، ويعيدوا لها سلطانها وخلافتها الراشدة بعد أن أُقصيت عن الوجود..

والأمة من ذلك الوقت إلى هذه الساعة لا تزال تقدم الشهيد تلو الشهيد من أبنائها - في سبيل الله - من أجل قيام خلافة راشدة تحتضن جميع المسلمين في جميع أصقاع الأرض، على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم وأجناسهم، تعيش آلامهم وأحلامهم، يجدون فيها الكنف الذي يلوذون به من أخطار الأعداء المحيطة بهم من كل حدب وصوب..

ولما لا يكون البذل والعطاء والجهاد، والسلعة هي " الخلافة الراشدة " التي لا قيام للدين وأحكامه على الوجه الأكمل إلا بها، ولا أمن ولا أمان للمسلمين ولديارهم من أعدائهم إلا بها، ولا رادع للظالمين وقاطعي الطريق إلا بها، لذا فقد أُثر عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: إن الله ليزع - أي ليردع - بالسلطان مالا يزع بالقرآن. فالقرآن الكريم لا بد له من قوة وسلطان يحميه ويفرضه على الناس، ويرعاه ويتعاهد أحكامه وشرائعه.. فالقرآن وسيف السلطان يسيران جنباً إلى جنب يؤيد بعضهما البعض، وأيهما يقصر عن الآخر فإن مسيرة الإسلام - لا محالة - سيعتريها الضعف والنكبات والانتكاسات.

قال صلى الله عليه وسلم: " إنما الإمام جُنَّةً يُقاتَلُ من ورائه، ويُتقى به " متفق عليه.

وعن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " السلطان ظل الله في الأرض فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه أهانه الله " [3].

السلطان المسلم العادل ظل الله في الأرض؛ لأنه يسهر على تطبيق أحكامه وشرائعه في الأرض، وبه تُحفظ حرمات الدين، وتعلو راياته.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا إمارة، ولا إمارة بلا سمع وطاعة.

وهذه أمور متلازمة ومترابطة أحدها يستلزم ويشد الآخر ويؤدي إليه، لا قيام لها إلا بها.

لذا لا نجانب الحق والصواب إن قلنا أن العمل من أجل قيام خلافة راشدة هو من أعظم غايات هذا الدين وأجلِّها، وأنه لا يعلو قيام الخلافة الراشدة غاية ينهض إليها المسلمون إلا غاية التوحيد الذي لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وفي سبيلها ترخص جميع المقاصد، وكل غالٍ ونفيس.

فالخلافة، والسلطان، والدولة وغير ذلك من معاني الشوكة والقوة كلها تدخل كوسائل مباشرة وهامة من أجل تحقيق التوحيد في الأرض؛ من أجل أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وسجنها إلى سعة الآخرة وجنانها.

من هنا تأتي ضرورة وأهمية إعداد هذا البحث الذي أسميته " الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة، على ضوء الكتاب والسُّنَّة "، وبخاصة أن كثيراً من العاملين في مجال الدعوة لهذا الدين قد أخطأوا وضلوا الطريق الشرعي الصحيح!

وقولي" على ضوء الكتابِ والسُّنَّة "؛ أي أنني ملتزم بأدلة الكتاب والسنة - التي بها تقوم الحجة - في كل ما أثبته وأقرره في هذا البحث، وهذا ما سيلاحظه القارئ بوضوح إن شاء الله تعالى.

نسأل الله تعالى السداد والتوفيق، والقبول.. إنه تعالى سميع قريب.

وصلى الله على سيدنا ونبينا ومعلمنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلَّم.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] أصل هذا البحث عبارة عن محاضرة أُلقيت في جامعة كنزكتن بلندن، بعنوان:" الطريق إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة على ضوء الكتاب والسنة ". وكان ذلك بتاريخ: 3/5/2000 م.
[2] إضافة إلى ذلك فقد زرعوا دولة يهود في فلسطين في قلب الأمة الإسلامية، كذريعة تبرر لهم التدخل السريع بشؤون الأمة، كلما لاح لهم خطر الإسلام من قريب أو بعيد..!
[3] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، قال الشيخ ناصر في التخريج 1024: حديث حسن.

أبو عبد
02-14-2004, 11:46 AM
حكم العمل من أجل قيام خلافة راشدة وتنصيب إمام عام على المسلمين
___________________________________ _____________________
أجمع المسلمون على وجوب العمل من أجل قيام خلافة راشدة، وتنصيب إمام عام كخليفة على المسلمين. والواجب هنا يطال جميع من يستطيع أن يبذل جهداً من أجل هذا الهدف العام الكبير وبحسب استطاعته، كما أن الإثم يطال جميع من يملك المقدرة على بذل شيء ثم هو يقصر في بذل ما يقدر عليه، والإثم يلحق بصاحبه على قدر ما يبدر منه من تقصير وتفريط، لأن مدار التكليف قائم على المقدرة والاستطاعة.

قال صلى الله عليه وسلم: " من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية " [4].

وقال صلى الله عليه وسلم: " من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " مسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم " مات ميتة جاهلية " أي مات كما يموت الجاهلي في جاهليته من غير إمام ولا سمع ولا طاعة، وهذه سمة عُرفت بها الجاهلية الأولى، وليس المراد - كما يظن البعض - أنه يموت كافراً أو له وصف الكفر كالجاهلي!

قلت: لكن الحديث يفيد وجوب دفع صفة هي من صفات الجاهلية الأولى؛ ألا وهي أن يموت الإنسان وليس في عنقه بيعة لإمام عام يسمع ويطيع له في المعروف والحق.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 12/205: أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة.. اهـ.

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية 56: عقد الإمامة لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع.. اهـ.

وقال الهيثمي في الصواعق المحرقة 17: اعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اهـ.

وفي قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} البقرة: 30. قال القرطبي في التفسير 1/264: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع له ويُطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم - المعتزلي - وهو عن الشريعة أصم.. اهـ.

قال ابن تيمية رحمه الله: يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها.. اهـ.

وقال الإمام أحمد: الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر المسلمين.

قلت: وأي فتنة يعيشها المسلمون - في هذا الزمان - في دينهم ومعاشهم أعظم مما هم عليه من هذا الضياع، والذل، والهوان؟!

وأي ضريبة هذه التي يدفعونها ثمناً باهظاً في دينهم وعرضهم، ومالهم وكرامتهم وعزتهم، وجميع ما يملكون.. بسبب غياب دولة الإسلام التي ترعاهم وترعى شؤونهم؟!

أرخص دم يسفك على وجه الأرض - في هذا الزمان - هو دم المسلم، وأرخص عرض تنتهك حرماته على وجه الأرض هو عرض المسلم، فكل له بواكيه ومن يدافع عنه إلا المسلم فلا بواكي له ولا مدافع عنه في عصبة الأمم.. كلٌّ له دولته التي ينتمي إليها ويركن، إلا المسلم فلا يحق له أن تكون له دولة يركن إليها ويأوي .. كل ذلك بسبب غياب الإمام العام - كما يقول الإمام أحمد - الذي يقوم بأمر المسلمين ويدافع عنهم!

لذلك فالعدو الكافر كان ولا يزال يعمل على تعميق الخلاف والفرقة بين المسلمين ليصدهم عن قيام مشروعهم الإسلامي العام الذي ينهض بهم إلى مستوى الوجود والريادة.

فالموضوع على أهميته ووجوبه - كما تقدم - إلا أنه يوجد في زماننا - من المسلمين - من يرفع شعار الخلافة والخليفة بصورة مشوهة ومنحرفة، تؤدي إلى عكس المراد وما ينشدونه!

رفعوا شعار الخلافة - وما أسهل ذلك - من دون أن يسلكوا السبل الشرعية الصحيحة التي تمكنهم من إنزال هذا الشعار الضخم إلى حيز الواقع والوجود!

فريق منهم - ممثلاً في حزب التحرير - لا حديث لهم إلا عن الخلافة وأهميتها، حتى لا تخلو نشرة من نشراتهم إلا وفيها ذكر للخلافة.. لكنهم بنفس الوقت قد قيدوها بقيود واشترطوا لها شروطاً - ما أنزل الله بها من سلطان - مفادها أنهم لا يريدون للخلافة أن تقوم لها قائمة، وأنهم بشروطهم الفاسدة عقبة حقيقية أمام أي مشروع إسلامي جاد يستهدف قيام دولة إسلامية أو خلافة راشدة على منهاج النبوة [5].

لذلك نجدهم يشككون ويطعنون بأي حركة جهادية جادة تستهدف استئناف حياة إسلامية للأمة وقيام خلافة راشدة، ويخوضون في نوايا صفوة الأمة من المجاهدين، ويرمونهم - حسداً من عند أنفسهم بغير علم ولا دليل - بالخيانة والعمالة لأمريكا وغيرها من دول الغرب.. وأنهم عبارة عن أداة طيعة سهلة في أيدي الأنظمة الطاغية تحركهم لمآربها الخاصة وقت تشاء، وكيف تشاء، وفي الاتجاه الذي تشاء [6]!

وفريق آخر - غرته السعة التي يعيش فيها - غلبته الحماسة والعاطفة، وذهب يستعجل الأشياء قبل أوانها وقبل أن يهيئ لها الحد الأدنى من الأسباب التي تؤدي إليها فأعلن على الملأ أنه سيقيم خلافة الإسلام هنا في بريطانيا، ضارباً عرض الحائط بالنواميس والأسباب والظروف التي لا بد من مراعاتها واعتبارها عند الحركة والعمل من أجل هذا الهدف العظيم.. فأضحك الناس عليه وعلى أسلوبه وطريقته، وأوجد الفرصة السانحة للخائضين أن يخوضوا فيه وفي الخلافة التي يريدها!

وفريق ثالث آخر تجاوز حد الحماسة إلى حد تجرأ فيه على الله تعالى وعلى دينه، وعلى عباده، فتشبع بما لم يُعط، وتظاهر بما ليس فيه ولا عنده، فقال على الملأ - على ما هو عليه من ضعف وجهل وعجز وذل - أنا الخليفة، أنا جماعة المسلمين، وعلى جميع المسلمين في جميع الأمصار أن يبايعوني ويدخلوا في طاعتي وجماعتي، ومن لم يفعل فأحكام التضليل والتفسيق - وربما التكفير - تطاله وتنتظره، وهو ليس له عندهم إلا البراء والعداء [7]!

وهؤلاء كلهم مخطئون، قد ضلوا وأضلوا، وأتوا البيوت من غير أبوابها ومداخلها الصحيحة، وهم يسيئون لمبدأ الخلافة في الإسلام علموا بذلك أم لم يعلموا، وبطروحاتهم الخاطئة الآنفة الذكر يكونون عقبة حقيقية أمام أية محاولة جادة تستهدف استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة.

من هنا يأتي السؤال ويطرح نفسه بقوة:

ما هو الطريق الشرعي الذي يجب أن يسلكه المسلمون لاستئناف حياة إسلامية، وقيام خلافة راشدة؟

وللجواب على هذا السؤال الهام لا بد من الإحاطة بالنصوص الشرعية ذات العلاقة بالموضوع، وبواقع المسألة والظروف التي يعيشها المسلمون في جميع الأصقاع والأقطار.

وعليه فإن الجواب يتلخص بكلمتين نصت عليهما الشريعة وأمرت بهما، وهما: الإعداد ثم الجهاد [8].

أما قولنا بالإعداد فهو لوجوبه، كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون} الأنفال: 60.

عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ؛ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي " مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: " مَن علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى " مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، واحرص على ما ينفعك " مسلم.

وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} المنافقون: 8. وحتى تكون العزة للمؤمنين لا بد أن يكونوا أقوياء، ويملكون القوة التي بها تكون العزة لهم، فإن انتفت العزة عن المؤمنين فإنه لا يكون إلا لسببين: إما لانتفاء الإيمان عنهم فيخرجون بذلك عن كونهم المعنيين من الآية الكريمة، وإما أنهم لم يأخذوا بأسباب العزة - أو حصل لهم التقصير في بعضها - والتي منها القوة بطرفيها المادي والمعنوي.

لذا أرى من السلامة لدين المرء أن يتهم نفسه بالتقصير ويحملها على تقوى الله تعالى والأخذ بأسباب القوة كلما رأى أن العزة ليست له ولا هي في جانبه.

ومن الأدلة على وجوب الإعداد كذلك أن الجهاد لا يمكن أن يمضي إلا إذا تقدمه الإعداد اللازم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

كما قال تعالى: {وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون. ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدةً ولكن كره الله انبعاثهم فثبَّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} التوبة: 46.

أبو عبد
02-14-2004, 11:51 AM
فكما أن عدم الإعداد قرينة صريحة على عدم الرغبة في الخروج للجهاد، كذلك فهو قرينة على النفاق ومرض القلوب والعياذ بالله.

أما حدود الإعداد المطلوب شرعاً هي حدود الاستطاعة والطاقة والقدرة التي يملكها الإنسان ويقدر على بذلها وتقديمها.

يقول سيد - رحمه الله - في الظلال 3/1543: فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها.
وقال: فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها. اهـ.

أما عن القوة المراد إعدادها هي " القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها " كما تقدم من كلام سيد رحمه الله.

أبو عبد
02-14-2004, 11:54 AM
كل ما يدخل في معنى القوة المادي منها والمعنوي:

أما إعداد القوة المادية: فهي معلومة للجميع فهي تبدأ من بناء الإنسان لجسمه بناءً رياضياً يقدر على التكيف والاستجابة لكل أنواع ومراحل القتال، إلى أن تنتهي عند امتلاك آخر نوع من أنواع السلاح الحديث، مع إتقان استخدامه بصورة جيدة.

لكن هناك معنى - يدخل في معنى الإعداد المادي - ينبغي الإشارة إليه، يُكثر المرجفون الجدال عليه، مشككين الأمة بصحته وشرعيته؛ وهو الإعداد الذي يدخل في معنى العمل الجماعي، والتنظيم، والإمارة..

فهذه معانٍ متماسكة، ومتلازمة، بعضها يؤدي إلى بعض، لا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة أو ينجح لهم عمل عام على مستوى الأمة إلا بها، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: " إذا خرج ثلاثة في سفرٍ فليؤمروا أحدهم " [9].

فإذا كان من لوازم نجاح سفر لا يتعدى أصحابه ثلاثة أنفار الإمارة والسمع والطاعة، فمن باب أولى لعمل يستهدف استئناف حياة إسلامية على مستوى الأمة وقيام خلافة راشدة أن يكون بجماعة وإمارة وسمعٍ وطاعة، وهذا معنى أشار إليه بعض أهل العلم:

قال ابن تيمية في الفتاوى 28/390: فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا خرج ثلاثة في سفرٍ فليؤمروا أحدهم ".

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم "، فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات. اهـ.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8/256، بعد أن ذكر أحاديث الإمارة في السفر: فيها دليل على أنه يشرع لكل عددٍ بلغ ثلاثة فصاعداً أن يؤمروا عليه أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة وإذا شُرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من ارض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى. اهـ.

قال علماء نجد رحمهم الله تعالى: وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أن لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة؛ وهذه الثلاثة متلازمة، لا يتم بعضها ولا يستقيم بدون بعض، وبها قوام الدين والإسلام، وبها صلاح العباد في معاشهم ومعادهم، وإذا وقع الإخلال والتقصير فيها أو في بعضها حصل من الشر والفساد بحسب ما وقع من ذلك ولا بد، وهكذا حتى يعظم الفساد، ويتتابع الشر ويتفاقم الأمر، وينحل النظام، وتتخلف أمور الدين [10]. اهـ.

وهذا أمر واضح بيَّن لا خفاء فيه إن شاء الله، ولولا شغب المثبطين للهمم من أهل الإرجاف، ووجود من يسمع إليهم من الشباب لما عنينا المسألة بالذكر هنا.

أما الإعداد المعنوي:

فهو يشمل كل ما يدخل في بناء الإنسان إيمانياً، وثقافةً، وأخلاقاً.. وهنا نود أن نشير إلى أمرين مهمين يدخلان دخولاً أساسياً في معنى الإعداد المعنوي، وهما:

أولاً: العمل الجاد من أجل تكوين وإيجاد الطليعة النخبة التي ترقى إلى مستوى هذا الدين.. ترقى إلى مستوى أخلاق هذا الدين.. ترقى إلى مستوى متطلبات ومهام هذا الدين.. ترقى إلى مستوى الأحداث والواقع الذي يعيشه المسلمون.. الطليعة التي تقدر على تحمل تبعات قيادة الأمة نحو النصر والتمكين.

الطليعة المؤمنة التي لا تعرف الهزيمة والفرار أو الارتداد من أول ضربة تنزل بساحاتها.. الطليعة التي تواظب المسير على درب الجهاد إلى آخر فردٍ منها.. الطليعة التي لا تثنيها عن مهامها وأهدافها عمق الجراح والآلام.. الطليعة التي تثبت إذا اشتدت المحن.. تثبت إذا ارتد الناس وفُتنوا عن دينهم.. الطليعة التي إذا مات منها الأمير خلفه ألف أمير، وكانوا كلهم كفأً لذلك.

فهذه المرحلة من التكوين والبناء لهذه الطليعة أو النخبة من المؤمنين الموحدين لا بد للعصبة المؤمنة العاملة لنصرة هذا الدين من أن تتجاوزها وتستكملها أولاً قبل أن تنزل إلى المواجهة مع الجاهلية، ومع نزولها للمواجهة، وبعد نزولها.. فهذه الطليعة لن تكون طليعةً إلا بعد أن تمر في جميع أدوار ومراحل البناء والتربية في جميع الظروف والأجواء؛ ظروف السعة والضيق، وظروف العسر واليسر، وظروف الترهيب والترغيب، وظروف الخوف والأمن، وظروف الغنى والفقر، وظروف الشدة والرخاء..

وهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية، التي كانت تعتبر خير مرحلة لتكوين وإنشاء تلك النخبة من أصحابه العظام.. هذه النخبة التي لا تعرف الردة يوم أن ارتد الناس.. ولا تعرف النفاق يوم أن نافق الناس.. ولا تعرف الفرار يوم أن كان الناس يفرون عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حمي الوطيس واشتد القتال.. هذه النخبة المؤمنة الفريدة هي التي كانت تستشرف منها الأعناق عند الشدائد ونزول المحن، ويخنسون عند دواعي الطمع وتقسيم الغنائم..

لذلك لا غرابة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجيل الفريد من أصحابه، كما في الصحيح وغيره: " الأئمة من قريش.. ما بقي منهم اثنان "، يقول ذلك صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم من هم أصحابه هؤلاء، وما هي المراحل التربوية التي نشّأهم عليها، ومروا بها والتي أهلتهم لهذا المنصب الرفيع..

هذا الجيل الفريد الذي تحول برمته إلى جيل قيادي للشعوب، والأمصار، والجيوش.. لا يعرف التاريخ لهم مثيلاً أو كفأً في العدل، والقوة، والاستقامة..

نقول ذلك - ونلفت الانتباه لأهمية هذا الجانب من الإعداد المعنوي - لأننا ألفنا وللأسف ظاهرة سقوط الجماعة أو الحركة بسقوط أميرها أو مؤسسها، لعدم وجود الكفء الذي ينوب عنه ويمكن له أن يستمر في قيادة العمل والجماعة نحو أهدافها وغاياتها، وبنفس الوقت يستريح الناس إلى قيادته وإمارته كما أجمعوا على إمارة أميرهم الأول..

إذا كان من الممكن أن نسلم بضرورة وجود الفارق الضئيل بين الأمير ونائبه، إلا أنه لا يمكن أن نسلم بوجود الفارق الكبير المخل بين الأمير ونائبه، ثم نعتبر هذه الظاهرة ظاهرةً صحية أو مقبولة تصلح لعمل إسلامي كبير كالذي نحن في صدد الحديث عنه!

هذه الظاهرة المرضية لو أردنا أن نتحرى أسبابها، نجد منها خوف المؤسس أو الأمير - وللأسف - من الأكفاء أصحاب الطاقات والكفاءات المميزة من أن يزاحموه على منصب الإمارة، لذا يعمل على إقصائهم وإبعادهم وتقريب الضعفاء الذين يؤمن جانبهم من هذا الأمر.. فتكون النتيجة - بعد ذهابه بالوفاة أو غير ذلك - مدمرةً للجماعة والعمل معاً، على قدر ضعف وعجز من ينوب عنه!

ثانياً: من الإعداد المعنوي - الذي نريد أن نشير إليه بقوة - العمل الجاد الدؤوب على تحقيق التوحيد - بكل أصنافه وفروعه المقررة عند أهل السنة والجماعة - في الأمة، وبخاصة في الطائفة التي تستشرف مهمة الدعوة والعمل من أجل نصرة هذا الدين، وإعلاء كلمته في الأرض.. نشير إلى هذا الأمر الهام لثلاثة أسباب:

السبب الأول: أن التوحيد في ديننا يعتبر غاية الغايات التي لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الجهاد والقتال..

كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36. وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء: 25. وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات: 56. وقال تعالى: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة: 5.

فهو - أي التوحيد - غاية لا تعلوها أو توازيها غاية.. ترخص في سبيلها كل الغايات والمقاصد عند وجود الاختيار أو التعارض.. لا يجوز الانشغال عنها بغاية أو شاغل.. لها الأولوية - دائماً - عند تزاحم المهام والأعمال..

فقيام دولة الإسلام، وتنصيب إمام عام على المسلمين.. وغير ذلك من المهام العظيمة كلها تدخل كوسائل ضرورية من أجل تحقيق التوحيد في الأرض.. من أجل إفراد الله تعالى وحده بالعبادة، وهذا أمر لا بد للعاملين للإسلام من أن يعلموه ويعوه جيداً، وينتبهوا له.. وإلا لا يسموا أنفسهم بالدعاة إلى الله، ولا أحزابهم بالأحزاب الإسلامية.. وأي جماعة أو حزب لم يراع التوحيد في مهامه وحركته بين الناس، أو لم يعطه الأولوية من بين المهام، فهو يخرج بذلك عن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، ويكون وجوده وعدمه سواء..

السبب الثاني: أن التمكين والنصر، والاستخلاف، والأمان وغير ذلك من الخير الذي ننشده ونطلبه ونسعى إليه.. كل ذلك مشروط بتحقيق التوحيد في أنفسنا، وجماعاتنا، ومجتمعاتنا كما قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً} النور: 55. فكل هذا الخير والعطاء مقابل {يعبدونني لا يشركون بي شيئاً} فهل - نحن دعاة الخلافة وطلابها - حققنا ذلك في أنفسنا، وأسرنا، وجماعاتنا، وأمتنا ثم بعد ذلك سألنا الله تعالى النصر والتمكين، والاستخلاف؟!

فتحقيق التوحيد من أقوى الأسباب إلى النصر والتمكين والاستخلاف، والعكس كذلك فإن من أكبر أسباب الهزيمة والفشل والذل انتفاء التوحيد، وعدم تحققه في أنفسنا وجماعاتنا وحياتنا..

قال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} محمد: 7.أي إن تنصروا الله بطاعته وعبادته، وتوحيده، ينصركم على أعدائكم بتأييده.

السبب الثالث: رغم استفحال أمر الشرك والإلحاد في الأمة وضعف نور التوحيد فيها إلا أن كثيراً من الدعاة والأحزاب والتجمعات الإسلامية المعاصرة قد غفلت عن التوحيد؛ غفلت عن أصل الأصول الذي لا يصح أصل ولا بناء من دونه، وشُغلت عنه بالدون وبالفروع، وبأمورٍ لا ترقى درجة المباح أو المندوب!

بل كثيراً منها وجدناها تمارس الشرك وتقع بما يضاد التوحيد، بصورة تبني الديمقراطية وإفرازاتها وغيرها من الشعارات الشركية والوثنية التي يترتب عليها مزالق وانحرافات عقدية خطيرة لا تُحمد عقباها [11]!

وجدناها تمارس الشرك من جهة تحاكمها إلى دساتير وشرائع الطاغوت، وتبنيها والدعوة إليها!

وجدناها تمارس الشرك من جهة الركون إلى الطواغيت، والدخول في موالاتهم ونصرتهم على أهل الحق والتوحيد!

وجدناها تمارس الشرك من جهة الإلحاد والتعطيل لأسماء الله تعالى وصفاته!

أضف إلى ذلك الشرك الذي يقع - من طرفهم - من جهة الدعاء، والاستغاثة، والطلب، والرجاء والخوف المنتشر في الأمة.. والذي قد يمارسه بعض الدعاة والشيوخ!

والنماذج الدالة على هذه الشرائح من الناس - من المشايخ والدعاة وللأسف [12] - هي أكثر من أن تحصر في هذا الموضع!

لأجل ذلك كله وجدنا من الضرورة البالغة أن نشير إلى أهمية هذا النوع من الإعداد الذي غفل عنه كثير من الدعاة؛ وأعني به ضرورة تنشئة الأفراد والأمة على التوحيد الخالص الذي لا نصر، ولا عزة ولا تمكين للأمة إلا به، وبعد تحققه واستيفائه، وبخاصة في العصبة المؤمنة التي تنهض لمهمة نصرة وإعزاز هذا الدين.


--------------------------------------------------------------------------------

[4] أخرجه أحمد وابن أبي عاصم في السنة، قال الشيخ ناصر في التخريج إسناده حسن:1057.
[5] من شروطهم الفاسدة إبطال مبدأ الجهاد والقوة كطريق صحيح للتمكين وقيام الخلافة، وقولهم أن الخلافة لا يمكن بل لا يجوز أن تأتي إلا عن طريق طلب النصرة.. ومن يسعى إليها عن غير هذا الطريق فسعيه باطل ومردود، وهو مخالف للحق والمشروع!
وهذا حملهم على القول بشرط باطل آخر وهو قولهم المشهور: لا جهاد إلا بعد وجود الخليفة.. وأي جهاد قبل وجود الخليفة فهو باطل وغير مشروع.. وهذه شبه وشروط واهية سنأتي على الرد عليها بشيء من التفصيل إن شاء الله.
ومما يظهر رفضهم لمبدأ الجهاد في سبيل الله وإعداد القوة وطعنهم بهذا المبدأ الإسلامي العظيم قولهم وتعبيرهم المتكرر في نشراتهم بأنهم حزب سياسي لا يستعملون السلاح ولا العنف.. لا يؤمنون بالعنف.. لا يرون العنف.. ليس من وسائلهم استخدام العنف والقتل.. وغير ذلك من الاطلاقات التي تفيد الطعن بمبدأ الجهاد والتبرؤ منه، لكن لما كان التبرؤ من الجهاد صراحة ولفظاً قد يرتد عليهم بالسوء، ويثير عليهم الناس، ويكشف عوراتهم وخباياهم للآخرين استعاضوا عن ذلك بالتبرؤ من العنف واستخدام القوة والسلاح وما يدخل في معاني ولوازم الجهاد بالضرورة.. فتأمل!
[6] يعرف ذلك عنهم كل من له مساس بهم ولو من بعيد أو قرأ لهم بعض بياناتهم ونشراتهم، والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصر في هذا الموضع، ولكن على سبيل المثال نذكر ما قالوه عن المجاهدين الذين دافعوا عن دين الأمة وشرفها وعرضها في البوسنة والهرسك - جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء - في آخر صفحة من مجلتهم الوعي، عدد (141) : ولكنها - أي كوسوفا - لم تحظ بما حظيت به البوسنة من دعم مالي وعسكري وإعلامي وحشد للمجاهدين العرب المدفوعين من الأنظمة المأمورة بالدعم، وذلك لأن السياسة المبرمجة حينها كانت تقتضي ذلك أما الآن فيبدوا أن الأمور تسير في حدود الجعجعة الإعلامية فقط.. انتهى الاقتباس.
أرأيت كيف يطعنون بنوايا وجهاد المجاهدين، وأنهم عبارة عن أداة دفعتهم الأنظمة العميلة.. فحزب التحرير لم يكتف بالقعود وبدور المتفرج على حرمات المسلمين وهي تُنتهك من أعداء الأمة المجرمين؛ لم يكتف بذلك وزراً.. بل تجاوز ذلك لأن يطعن بالمجاهدين - من دون أي اكتراث أو مبالاة - الذين يدافعون عن حرمات الأمة ونسائها، وأطفالها..!
لا غرابة من ذلك من يعرف عنهم من قبل رميهم للجهاد الأفغاني بأنه جهاد أمريكي، يتحرك وفق الإرادة الأمريكية.. وقالوها لي مشافهة بأن الشيخ عبد الله عزام - رحمه الله - عميل وجاسوس لبعض الأنظمة العربية، في الوقت الذي كان فيه الشيخ يصطلي نار الجهاد في جبهات القتال.. وعندما سألناهم عن الدليل والبرهان لم نجد عندهم سوى الحسد، والكذب وظن السوء..!
[7] من ضلالات وشذوذات هذه الفئة الضالة - إضافة إلى ما تقدم - أن أصولهم وأخلاقهم تقوم على الغلو في الدين وسوء الظن بالمسلمين، والتخلق بأخلاق لم يسبقهم إليها الخوارج من قبل؛ فهم باسم التوحيد والغيرة على الدين يكفرون أهل التوحيد وعلماء التوحيد.. يعرف ذلك منهم من يُبتلى ويشقى بمجالستهم ولو لمرة واحدة!
[8] عندما تنطلق قوافل الجهاد، وتُرفع راياته، ويُشرع القتال فالصواب أن يُقال: الإعداد والجهاد. أما قبل ذلك وقبل أن يتحقق الحد الأدنى والمطلوب للقيام بأعباء الجهاد وتبعاته، فالصواب أن يُقال: الإعداد ثم الجهاد؛ لما يفيده حرف العطف " ثم " من الترتيب وعدم استعجال الأشياء قبل أوانها ونضجها، ومن يتعجل الشيء قبل أوانه يُعاقب بحرمانه.
[9] أخرجه أبو داود وغيره، صحيح الجامع الصغير: 500.
[10] انتهى كلام العلماء، وهم: محمد بن عبد اللطيف، وسعد بن حمد بن عتيق، وصالح بن عبد العزيز، ومحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، رحمهم الله تعالى. انظر الدرر السنية 9/197.
[11] انظر إن شئت كتابنا " حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية ".
[12] على سبيل المثال فتأمل ما صدر عن هذا المغرور الضال الذي غرته شهرته وانتشار اسمه عبر القنوات الفضائية المدعو بالقرضاوي، حيث يقول على الملأ في خطبة جمعة في دولة قطر، بعد أن أثنى خيراً على الديمقراطية في إسرائيل وحياها، وتمنى أن تكون بلاد المسلمين مثلها في الالتزام الديمقراطي، وقارن بين ما يحصل فيها من انتخابات نزيهة وبين ما يحصل في البلاد العربية منكراً على الحكام الذين يحصلون دائماً على 99,99% من نسبة أصوات المنتخبين، ثم يقول بالحرف الواحد وهو على المنبر يخطب الجمعة: " لو أن الله عرض نفسه على الناس ما أخذ هذه النسبة..!"، فتأمل الكفر والاستهانة والاستخفاف بالله تعالى .. الذي وصل إليه هذا الضال، تعالى الله عما يقول علواً كبيراً!
قلت: وهذا من كبراء القوم إن لم يكن كبيرهم.. فكيف بالذين هم دونه؟!

أبو عبد
02-14-2004, 12:02 PM
بعد أن بينا شرعية الإعداد وحكمه، وما يدخل فيه من الإعداد المادي والمعنوي، ننتقل إلى بيان حكم الجهاد وما يدخل فيه، ولماذا الجهاد هو الطريق الشرعي وليس غيره من الطرق.. والله المستعان.

لماذا الجهاد في سبيل الله؟

عندما نقرر أن الجهاد في سبيل الله هو الطريق الصحيح لاستئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة وليس غيره من الطرق، فمرد ذلك كله إلى حكم الكتاب والسنة، وإلى واقع المواجهة القديمة والمستمرة بين الحق وأهله من جهة والباطل وأهله من جهة أخرى، وليس إلى ما تميل إليه أهواؤنا ونزواتنا أو ما تمليه علينا عقولنا ومصالحنا الذاتية الضيقة.

وإليك أهم الأسباب التي تلزم الأمة بتبني طريق الجهاد كطريق وحيد للخلاص وللتغيير، وكطريق وحيد لاستئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة، وهي:

أولاً: لأن الله تعالى أمرنا بالجهاد، وشرعه لنا كطريق للتغير ومواجهة الباطل وفرضه علينا، فهو - أي الجهاد - قدر هذه الأمة لا مناص لها أن تتفلت منه، أو تحيد عنه.

قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة: 216.

عسى أن تكرهوا القتال والجهاد لما يترتب عليه بعض الجراحات والآلام.. لكن فيه خير كثير باعتبار النتائج التي يؤول إليها، وباعتبار المحارم النفيسة التي ستصان حرمتها بسبب ذلك الجهاد والقتال، فالآلام والتضحيات القليلة لا يمكن أن توازي المصالح الكثيرة والعظيمة التي تتحصل بسبب الجهاد لعموم الأمة.

وعسى أن تحبوا شيئاً من الراحة والدعة، والركون إلى الدنيا ومشاغلها التي تشغلكم وتصرفكم عن الجهاد في سبيل الله، ويكون في ذلك شراً كبيراً لكم، باعتبار النتائج الأليمة التي ستصلون إليها، والضرائب الفادحة التي ستقدمونها في الدين والعرض والمال.. والتي ستتحقق من جراء ذلك.. والله يعلم أين يكمن لكم الخير من الشر وأنتم لا تعلمون.

فضريبة الجهاد في سبيل الله مهما تعاظمت وكبرت فهي لا يمكن أن ترقى إلى درجة ضريبة الذل والوهن، والاستكانة إلى الظلم والظالمين؛ فضريبة الجهاد غايتها إما نصر وإما شهادة وكلا النتيجتين في حقيقتهما تعتبران نصراً وفوزاً.

بينما ضريبة الذل والهوان يقدمها الإنسان من دينه، وعرضه، وماله، وأرضه، وعزته وكرامته، والطاغوت يريد منه المزيد من البذل ودفع الضرائب، لا يرضى أو يسكت عنه إلا بعد أن يستنفد منه كل شيء مما ذُكر.. إضافة إلى العذاب والخزي الأكبر الذي ينتظره يوم القيامة، بسبب خذلانه للجهاد والمجاهدين.

ثم لماذا يثار هذا الجدل العقيم، ويكثر التأويل والتحريف عندما نتلو قوله تعالى: {كُتب عليكم القتال} ، لنصرف القول عن دلالاته وظاهره، بينما عندما نتلو قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام}، فالأمة كلها تسلم للحكم ودلالاته، وتنهض لأداء فريضة الصيام من دون أدنى تلكؤ أو تردد أو جدال، علماً أن كلا الآيتين وردتا بنفس الصيغة واللهجة والدلالة والأمر؟!

صدق الله العظيم: {فلما كُتب عليهم القتالُ تولَّوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين} البقرة: 246.

وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدينُ كله لله} الأنفال: 39. أي حتى لا يكون شرك، ولا يكون ظلم وفساد عظيم.. وإن لم تقاتلوهم فسوف تكون الفتنة العظيمة في الدين، والعرض، والمال وكل شيء.

وقال تعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تُكَلَّفُ إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى اللهُ أن يكفَّ بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً} النساء: 84.

من هذه الآية وغيرها استنبط أهل العلم أن الجهاد يمكن أن ينهض به شخص واحد من المسلمين.. وأن تنكُّبَ الأمة عن الجهاد في سبيل الله لا يجوز أن يثني هذا الفرد عن النهوض والمضي في طريق الجهاد.

قال القرطبي في التفسير 5/293: قال الزجاج: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده؛ لأنه قد ضمن له النصرة. قال ابن عطية: هذا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فُرض عليه دون الأمة مدة ما؛ فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ، وهو مثال ما يقال لكل واحدٍ في خاصة نفسه؛ أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له {فقاتل في سبيل الله لا تُكلف إلا نفسك}، ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده [13]؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي [14] ". وقول أبي بكر وقت الردة: ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي. اهـ.

وقال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} النساء: 75.

وهذا سؤال استنكاري يفيد التعجب من قوم لا ينهضون للقتال والجهاد رغم وجود دواعيه وهو وجود المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يستنجدون بهم ويستنصرونهم على أعدائهم الذين يسومونهم سوء العذاب والذل؟!

وكم هي الأمصار في زماننا التي يستنجد فيها المستضعفون من الرجال والنساء والولدان من أبناء المسلمين من ظلم وبطش وعذاب الطواغيت الحال بهم من دون أن يجدوا من ينجدهم أو يغيثهم وينصرهم؟!

يستغيثون ولا حياة لمن تنادي، ولربما تأتي بعض الإجابات والردود - ممن يملكون القوة على النصرة لو أرادوا - عبارة عن بعض التأوهات والتنهدات!

وأسوأ الإجابات وأشدها وطأً على رؤوس المستضعفين في الأرض أن يأتيهم الجواب على ما هم عليه من فتنة وعذاب وظلم [15]: اصبروا على العذاب بكل فنونه وأنواعه؛ اصبروا على فتنة صدكم عن دينكم وإسلامكم، اصبروا على قتلكم وسجنكم وتعذيبكم، اصبروا على انتهاك الأعراض وبقر بطون الأمهات الحوامل.. اصبروا على الذل والعبودية للطواغيت.. فإننا لا نملك لكم شيئاً، ولا نستطيع نصرتكم ولا رفع الظلم عنكم قبل أن يأتي الخليفة المنتظر؛ لأنه لا يجوز أن نجاهد عدوكم إلا مع خليفة، وبعد وجود الخليفة!

وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهُم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتُلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتُم به وذلك هو الفوز العظيم} التوبة: 111.

تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد عظيمة، منها: أن الله تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم - وهي في حقيقتها ملك له عز وجل - زيادة في الفضل والمن والجود، إغراءً لهم على القتال في سبيل الله، فيقتلون ويُقتلون.. وثمن ذلك كله الجنة وما يتخللها من نعيم عظيم أزلي لا ينقطع، أعظم به من ثمن وأكرم.

ومنها: أن هذا الشراء يطال ويشمل جميع المؤمنين - وقد تم الشراء والبيع وانتهى لا مناص للتراجع فيه - لا يتخلف عنه مؤمن صادق الإيمان أو في قلبه ذرة من إيمان، فمن يرفض القتال والجهاد في سبيل الله فهو في حقيقته يرفض البيع ويرفض عرض الشراء من الله تعالى، وبالتالي فهو بذلك يخرج عن المؤمنين - كل المؤمنين - وعن وصفهم وحكمهم، الذين باعوا أنفسهم وأموالهم بنفس طيبة رضية لله تعالى ، المعنيين من الآية الكريمة الآنفة الذكر.

ومنها: أن هذا البيع والشراء يشمل جميع المساحة الزمنية التي يعيشها المؤمنون في حياتهم الدنيا؛ أي أنه لا يتوقف أو يتعطل في زمن دون زمن.

ومن يقول بتوقف الجهاد أو تعطيله - زمن غياب الخليفة - إلى ما بعد وجود الخليفة [16]، لزمه أن يعطل عقد البيع والشراء الوارد في الآية ويبطله طيلة فترة غياب الخليفة الذي قد يستغرق عشرات بل مئات السنين!

فبأي حق يقال لهذه الأجيال التي تعيش - وقد تنقرض - في فترة غياب الخليفة أنتم مستثنون من هذا البيع والشراء الوارد في الآية الكريمة، وأن هذا العقد أو العهد لا يشملكم ولا يطالكم؟!

وفي الحديث، فقد أخرج البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فيما أخذ علينا أن لا ننازع الأمر أهله - أي ولاة الحكم على حكمهم - إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.

وفي رواية عند مسلم: " قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ".

فالحديث دل دلالة صريحة على وجوب الخروج على الإمام العام أو الحاكم ومقاتلته إن ظهر منه الكفر البواح الصريح الذي لا يحتمل صرفاً ولا تأويلاً.

فإن كان وجود الخليفة شرطاً لصحة القتال والجهاد، والخليفة هنا قد ارتد وظهر منه الكفر البواح؛ أي بتلبسه بالكفر البواح سقطت خلافته وإمامته على الأمة، وفقد صفة الحاكم المسلم، وأصبحت الأمة بلا خليفة ولا إمام، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بجهاده وقتاله وإقالته واستبداله بحاكم مسلم عدل آخر.

ففتنة خروج الأمة بالسيف على الحاكم المرتد مهما عظُمت فإنها لا يمكن أن تعلو أو توازي فتنة الاعتراف والإقرار بشرعية الحاكم المرتد أو الكافر على الأمة، أو السكوت عنه وعن كفره وطغيانه.

قال ابن حجر في الفتح 13/7: إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. اهـ.

قلت: إن انتفت القدرة على الخروج عليه تعين الإعداد لكي تتحقق القدرة التي تمكن الأمة من الخروج عليه بقوة السيف، فالمؤمن يتقلب ويتنقل بين الإعداد والجهاد، وليس له محطة أخرى يستريح فيها أو يقف، فهو إما يجاهد، وإما يعد للجهاد عدته.

قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها [17]. اهـ.

ولما وجد حزب التحرير في هذا الحديث الدلالات الصريحة التي تبطل قوله بتقييد الجهاد بوجود الخليفة، وأن قواعده من الشباب المغرر بهم قد تتفلت منه وتذهب إلى ساحات العز والجهاد، لجأ إلى المراوغة والتحريف والتزوير، وقال بقول لم يسبقه إليه أحد من أهل العلم المعتبرين، ولا ندري كيف أوحى إليهم الشيطان بهذا التخريج والتأويل، ومن أين أتاهم به؟!

قالوا: الحديث يفيد الخروج بالقوة على الحاكم المسلم الذي يطرأ عليه الكفر البواح، أما الحاكم الكافر الذي يستتب له الحكم في بلاد المسلمين، ويحكمها بقوانين الكفر والفجور فهذا لا يجوز الخروج عليه بالقوة، وهو غير معني ومراد من الحديث المذكور أعلاه؛ فكمال أتاتورك - مثلاً - قبل أن يستتب له الحكم والنظام بيوم يجوز قتاله أما بعد أن يستتب له الحكم بالكفر بيوم أو أكثر لا يجوز قتاله أو الخروج عليه بالقوة.. ومثل هذا يُغيَّر ويُزال عن طريق طلب النصرة من جديد؛ أي بعد مجيء الخليفة الذي يكون مجيئه عن طريق طلب النصرة لا غير [18]!

وهذا قول باطل نرد عليه من أوجه:

منها: أن هذا القول محدث لم يقله عالم معتبر، وهو فهم غريب - لا تحتمله معاني الحديث ولا دلالاته - لم يُسبقوا إليه من أحد من أهل العلم!

ومنها: أن هذا الفهم الخاطئ للحديث مؤداه أن يجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وأنهم لو حكموا بلاد المسلمين بقوانينهم الكافرة واستتب لهم الحكم لا يجوز للأمة أن تقاتلهم وتزيل فتنتهم عن البلاد والعباد!

والله تعالى يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} النساء: 141. بينما حزب تحرير الأمة من الجهاد يقول للمؤمنين: لا بد لكم من أن تجعلوا للكافرين عليكم سبيلاً، وأن تكفوا عن قتالهم ومناجزتهم، وأن لا تتعرضوا لحكمهم ونظامهم بالقوة إلى أن يأتي الخليفة المنتظر عن طريق طلب النصرة!

ومنها: أن جميع أهل العلم - بلا خلاف - ينصون على وجوب جهاد العدو وقتاله إن غزا شبراً واحداً من أرض الإسلام، وأن حكم الوجوب لا يسقط عن الأمة إلا بعد إخراجه وتحرير أرض الإسلام منه.

وإذا كان هذا هو موقف الإسلام من العدو الكافر الذي يحتل شبراً واحداً من أرض الإسلام، فكيف يكون موقفه من العدو الكافر الذي يغزو دار الإسلام كله ويسقط الخليفة المسلم، ويفرض قوانينه الكافرة على العباد والبلاد.. لا شك أن جهاده وقتاله حينئذٍ يكون أوكد وأولى بحق الأمة والمسلمين!

ومنها: أن الإسلام أوجب على المسلمين بقتال وقتل من ينازع الخليفة الحكم والخلافة من المسلمين إن لم يرتدعوا إلا بالقتال، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " مسلم.

أبو عبد
02-14-2004, 12:04 PM
فإذا كان هذا حكم من يخرج على الإمام من المسلمين، فكيف بمن يخرج عليه من الكافرين ثم يتمكن من خلعه وبسط نفوذه وقوانينه على بلاد المسلمين.. لا شك أنه أولى بالقتل والقتال.

ومنها: أن حزب التحرير يريد من قوله الباطل هذا أن يقول للأمة: أن الحكام المعاصرين في بلاد المسلمين لم يسبق لأحدهم أن كان مسلماً - ولو للحظة واحدة - ثم ارتد عن إسلامه حتى يحمل عليه حديث عبادة بن الصامت الدال على وجوب الخروج على أئمة الكفر، وإنما هم كفار من يوم ولدتهم أمهاتهم إلى أن استلموا الحكم، وبالتالي فحديث عبادة رضي الله عنه لا يشملهم!

وهذا القول الباطل بشيء من التأمل نجد أن حزب التحرير نفسه غير مقتنع به وهو مضطرب فيه، وذلك لسببين:

أولاً: لم يثبت لحزب التحرير في أدبياته ونشراته أن قال بهذا القول صراحة، بل الثابت عنهم خلاف ذلك، وبخاصة عندما يتكلمون ويجادلون عن الجيوش المعاصرة - في بلاد المسلمين - وعن إسلامها وإيمانها، ويردون على من يخوض في تكفيرها!

ثانياً: أن قول حزب التحرير في الإيمان لا يمكِّنه من أن يقول بقوله الآنف الذكر في الحكام المعاصرين، وبيان ذلك أن حزب التحرير يقول: أن الإيمان هو التصديق الجازم فقط، ومن يأتي بالتصديق الجازم فهو مؤمن مسلم ومن أهل الجنة، وهم في ذلك يتابعون مذهب الضال اللعين جهم ابن صفوان في الإيمان، فهم جهميون في الإيمان [19].

وعلى قولهم الباطل هذا يكون إبليس مؤمناً - وليس فقط الحكام - لأن إبليس كان مصدقاً بالله تعالى وبأنبيائه، ولم يكن كفره من جهة التكذيب المضاد للتصديق، وإنما كان كفره من جهة الكبر والعناد كما قال تعالى: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} البقرة: 34. فعلل كفره بالكبر والإعراض لا بالتكذيب المنافي للتصديق.

إذاً ما الذي حمل حزب التحرير على هذا القول والاضطراب؟!

لم يبق سوى جواب واحد: وهو الهروب من تبعات الحديث.. الهروب من تبعات الجهاد الذي يلزمهم بها الحديث!

ومنها: أن قولهم بأن إزالة الحاكم الكافر يكون عن طريق النصرة.. لا ينبغي أن يفهم منه أنهم يطلبون النصرة للقيام بفريضة الجهاد ضد الحاكم الكافر، فهذا المعنى لا يريدونه ولا يسعون له، وإنما يريدون بطلب النصرة، النصرة على إيجاد الخليفة أولاً، ثم الخليفة بعد ذلك يقوم بتعبئة الأمة للجهاد ضد هذا الحاكم الكافر الذي سطا على البلاد والعباد.. فتنبه لذلك، ولا تغرنَّك عباراتهم الملتوية والمبهمة!

ومنها: أن قولهم بطلب النصرة.. هي كلمة حق أريد بها باطل.. أريد بها تعطيل الجهاد، والهروب من تبعاته ولوازمه.. وهذا المعنى سيتضح أكثر للقارئ، عند تناول المسألة في نهاية هذا البحث بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.

نكتفي في هذا الموضع بهذا القدر من الرد على فهمهم الخاطئ للحديث.. وهذه الشبهة - وهي قولهم لا جهاد إلا مع خليفة وإمام عام! - سنأتي على الرد عليها ومناقشتها بشيءٍ من التفصيل في نهاية هذا المبحث إن شاء الله تعالى.

لنعود ثانية إلى ذكر الأدلة والأسباب التي تلزم الأمة بطريق الجهاد من أجل استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة.

أقول: لو أردنا أن نستعرض النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي تأمر بالجهاد وتحض عليه وتفرضه على الأمة، لطال بنا المقام وللزمنا أن نخط في ذلك المجلدات.. وكيف لا وثلثي القرآن الكريم تقريباً يحض على الجهاد ويأمر به، إضافة إلى آلاف الأحاديث النبوية الواردة في كتب السنن والآثار التي تحض على ذلك.

وأرى فيما تقدم من ذكر للأدلة القدر الكافي لمن أراد الحق وطلبه من غير مراء ولا جدال في الباطل، لننتقل إلى السبب الثاني الذي يُلزم الأمة بالشروع في طريق الجهاد، وهو التالي:

ثانياً: من الأسباب التي تحملنا بقوة على أن نقول أن الجهاد هو الطريق الصحيح الذي يجب على الأمة أن تسلكه، أن الباطل - بكل فرقه وتكتلاته - المسلح بجميع أسباب القوة المادية لا ولن يسمح للحق وأهله بالعيش الكريم، ولا حتى بمجرد البقاء والوجود في الحياة - إن أمكنه ذلك - فضلاً عن أن يسمح له أن يستأنف حياته الإسلامية، أو يقيم دولته وخلافته الإسلامية.

فالباطل - منذ أن خلق الله تعالى إبليس وآدم، وإلى يوم القيامة - في قتال مستمر للحق وأهله، وهو يمعن في التنكيل والذبح، والتمثيل، لا يهدأ له بال ولا يقف له قتل وقتال إلا بالقضاء التام على الحق وأهله، أو بإخراجهم عن دينهم وملتهم، وإدخالهم في دين الباطل وملته.. وهو ليس له مع الحق خيار ثالث آخر غير هذين الخيارين.. إما القتل، وإما صدهم وردهم عن دينهم!

بهذا نطقت أدلة الكتاب والسنة، وأدلة الواقع المعايش.

أما أدلة النصوص الشرعية، فقد قال تعالى: {ولا يزالون يُقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} البقرة: 217.

فالآية دلت بما لا يدع مجالاً للشك أو الريب أن الكافرين لا يزالون في قتال وحرب مع المسلمين - ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً - لا يتوقف ولا يهدأ، غايتهم منه صد المسلمين عن دينهم، وردهم إلى الجاهلية الأولى.

هم في قتال مستمر للمسلمين سواء قابلهم المسلمون بالمثل أو لم يفعلوا!

وقال تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة} التوبة: 8.

أفادت الآية الكريمة أن الكافرين إن كانت الغلبة والظهور لهم على المسلمين، فإنهم لا يُراعون فيهم حرمة القرابة، ولا حرمة ما بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق تحرم الاعتداء.. وإنما ظهورهم واستعلاءهم يجرئهم دائماً على الغدر وسفك الدماء وانتهاك الحرمات!

وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة: 120.

لن تفيد النفي التام والمؤكد في الحاضر والمستقبل؛ أي أنهم لن يرضوا عنك - يا مسلم يا موحد - اليوم ولا غداً إلى قيام الساعة مهما حاولت إلى ذلك سبيلاً إلا بشرطٍ واحد وهو أن تتبع ملتهم، وتدخل في دينهم وعاداتهم وطقوسهم.. وإن لم تفعل لا تطمع يوماً في أن يرضوا عنك، أو يُمسكوا عن أذاك وقتالك!

ومنه يُعلم أن رضى ملل الكفر عن المسلم لهو دليل صريح على انحرافه عن جادة الحق والصواب، وهو مدعاة له كذلك أن يُراجع نفسه ويتهمها بالتقصير ليعلم أين هو من الحق المبين، صراط الله المستقيم [20].

وقال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودُنَّ في ملتنا} إبراهيم: 13. أي جميع الذين كفروا على مدار التاريخ - ممثلين في أسيادهم وطواغيتهم - قالوا لرسلهم ولمن تابعهم من المؤمنين الموحدين هذه المقولة الظالمة: {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} ،فهم ليسوا لهم - عند ملل الكفر - إلا هذين الخيارين إما سياسة الطرد والتهجير من الأرض، أو يعودوا ثانية - بعد أن نجاهم الله تعالى بالإيمان - في ملة الكفر والإلحاد!

وقال تعالى عن أصحاب الكهف المؤمنين، الذين فروا بدينهم إلى الكهف هرباً من ظلم الطواغيت وعدوانهم: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} الكهف: 20. إنها سياسة واحدة لا تتخلف ولا تتغير، يتبعها الطواغيت في كل زمان ومكان: إما الرجم والملاحقة حتى الموت، أو الردة عن الحق إلى الباطل.. وحينها يكون الخسران المبين في الدنيا والآخرة {ولن تفلحوا إذاً أبداً} .

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره، لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ورقة بن نوفل خبر ما رأى من الوحي، قال له ورقة: هذا الناموس - أي جبريل عليه السلام - الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً - أي شاباً قوياً -

ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.

هذه أدلة النصوص الشرعية التي تبين موقف أهل الباطل من الحق على مدار التاريخ وفي كل مكان، موقف صريح وواضح لا مواربة فيه ولا زيغ: إما القتل والطرد والملاحقة، وإما الردة عن الدين.. فهل الواقع يثبت ذلك ويصدقه.. فلنلقي نظرة إلى دلالة الواقع المعايش.

أما أدلة الواقع المعايش والملموس فهو لا يخرج قيد أنملة عما قررته الآيات ودلت عليه النصوص الشرعية.

وهنا لا نريد أن نشير إلى موقف ملل الكفر والباطل من الحق وأهله عبر التاريخ البعيد أو القريب، لا نريد أن نشير إلى قتل بني إسرائيل للأنبياء والرسل، لا نريد أن نشير إلى الحروب الصليبية الحديثة والقديمة التي غزت بلاد المسلمين، لا نريد أن نشير ما حصل على يد التتار من إجرام وانتهاكات للحرمات.. لا نريد سرد الأحداث التاريخية القريبة منها أو البعيدة التي تبين سياسة الاستئصال التي نهجها الباطل بكل فرقه وتجمعاته نحو الحق وأهله!

لا نريد ذلك كله.. وإنما نريد أن نشير إلى موقف الباطل المتحضر في زماننا من الحق وأهله، الباطل المتمدن الذي يرفع شعار حقوق الإنسان.. الباطل الحديث الذي يعلن كذباً وزوراً - عبر مجالس الأمم وغيرها - أنه يعيش في زمان لا مكان فيه للحروب والمؤامرات والمكائد، زمان السلام المزعوم الذي يعم جميع الشعوب وبني الإنسان على اختلاف مشاربهم وأديانهم، وأجناسهم!

الباطل الذي يتسابق على التسلح واختراع الأسلحة الفتاكة من وجه.. ويعلن السلام للشعوب المخدرة المستضعفة المستعمرة من وجه آخر!

لنبدأ أولاً من فلسطين المسلمة التي اغتصبتها عصابات الصهاينة اليهود منذ أكثر من نصف قرن، يقتلون أبناءها، ويستحيون نساءها، ويسجنون شبابها.. إضافة إلى سياسة التهجير والتجويع التي اتبعوها بحق أهلها، والتي أدت إلى طرد وتهجير أكثر من مليون مسلم، يتيهون في الأرض من غير قرار ولا استقرار! كل ذلك يحصل على مرأى ومسمع من الباطل المتحضر المتمدن الذي يدعو إلى السلام، بل يزعم السلام!

على مرأى ومسمع من الباطل الذي ترعاه وتقوده أمريكا الحديثة - ربيبة اليهود - التي تتزعم الديمقراطية وحقوق الإنسان!

مروراً بالدمار والحصار الظالم على العراق الذي تقوده الصليبية الحديثة المتحضرة بقيادة أمريكا وحلفائها من المنافقين - الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - والذي أدى إلى قتل ما يزيد عن خمسمائة ألف طفل من أطفال المسلمين [21]، لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون إلى العراق، ويعيشون في العراق!

أرادوا تدمير مستقبل العراق والأمة - على مدار مئات السنين القادمة - من خلال قتلهم لهذه الآلاف المؤلفة من الأطفال التي تمثل الأمل لكل أمة أو شعب!

هم لا يخشون طاغوت العراق - كما يتظاهرون - وإنما يخشون أن يخرج من أطفال العراق من يكون كصلاح، أو سعد، أو خالد.. يعيد للأمة مجدها ومكانتها بين الأمم، يعيد تصفية حساباتها مع هذا الكم الهائل من الباطل المتحضر المتمدن الحديث، الخبيث!

زعموا زوراً وبهتاناً أنهم يريدون من حربهم وحصارهم وقذف صواريخهم العابرة للقارات إسقاط طاغوت العراق.. لكن نجد أن طاغوت العراق يزداد مع الزمن سمنة وعافية، بينما أطفال العراق وأمله هم الذين يسقطون ويموتون؟!

ثم متى كان إسقاط شخص بعينه ذريعةً تبرر استئصال وحصار شعب بكامله.. تبرر تجويع شعب بكامله.. تبرر قتل مئات الآلاف من الأطفال بمنع الغذاء عنهم؟!

قلِّبوا صفحات التاريخ كلها هل تجدوا مثل هذا الإجرام المعاصر الذي يحصل باسم الحضارة والرقي والتقدم، والسلام ومجلس الأمن، ومن أجل حقوق الإنسان كما زعموا؟!

أيعقل ويصدق أن من يفعل ذلك هو صادق في شعاراته التي يرفعها عن السلام، وحقوق الإنسان.. لا، وألف لا.

ثم لماذا إذا قتل واحد من أهل الباطل وجيوشه بالحق.. هو تطرف، وإرهاب وإجرام، وعمل منافٍ لحقوق الإنسان.. وتقوم الدنيا لذلك ولا تقعد؟!

بينما إذا قُتل منا مئات الآلاف من الأطفال بالباطل.. هو تقدم، وتحضر ورقي، وعمل إنساني وقائي من أجل حقوق الإنسان، لا يتحرك له ساكن، ولا يعترض عليه معترض؟!

كل هذا الإجرام بحق الإنسانية يحصل على الملأ وبمسمع من الجميع، بزعامة الطاغوت الأكبر أمريكا وحلفائها من دول الغرب، والمنافقين من أبناء جلدتنا [22]!

لندع العراق وجرحها العميق.. لننظر ماذا حصل ويحصل لمسلمي وأطفال ونساء أفغانستان؛ حيث قتل وشُرد من أهلها بالملاين على أيدي الملحدين الروس.. لا ذنب لهم سوى أنهم يقولون ربنا الله، وينتمون لهذا الدين العظيم.

ولم تنته بعد من آثار الاحتلال الروسي الغاشم إلا وتفاجأ بالحصار العالمي - الذي يمنع عنها كل شيء حتى القمح ولقمة العيش - بقيادة الإنسان الراقي، والمتحضر الأمريكي، المدعوم بمباركة وموافقة الأمم المتحدة!

وكذلك البوسنة والهرسك وما حصل فيها من مئات المجازر الجماعية بحق المسلمين على أيدي نصارى الصرب المجرمين.. المجازر البشعة - التي لم يعرف التاريخ لها من مثيل - التي لم تستثن الأطفال والنساء من الذبح والتشويه، ودفنهم في حفر جماعية وهم أحياء!

يحصل ذلك على مرأى ومسمع من العالم بأكمله.. ولكن ما دام الضحية هم المسلمين، فإن الدم رخيص لا قيمة له ولا حرمة، وهو لا يستدعي - من العالم المتحضر الراقي المحب للسلام ولا الأمم المتحدة! - المساعدة أو الحركة من أجل إنقاذه، أو فعل شيء يُذكر، إلا إذا كانت مصلحة الساسة ومصاصي الدماء تستدعي الحركة فالقوم حينها لا يقصرون!

وكذلك مسلمي كوسوفو الذين تاهوا بالملايين في الغابات لكي يكونوا فريسة سهلة للوحوش الضارية المنتشرة في الغابات وبين الأدغال، بعد أن هربوا من الوحوش الآدمية الصربية الصليبية التي تلاحقهم في كل بيت وشارع!

وهاهي الشيشان المسلمة اليوم تتعرض للإبادة والتصفية الجماعية الشاملة لشعبها المسلم الأبي، جميع شعبها: رجالاً ونساءً، وأطفالاً وشيوخاً، إضافة إلى التدمير الشامل لجميع البنية التي هي تحت التحتية، حيث تحولت الدولة بكاملها إلى كومة من التراب والركام الناتج عن البنيان المتهدم بفعل الآلة الحربية الصليبية.. كل ذلك يحصل على أيدي الروس المجرمين الذين يحنون إلى صليبيتهم من جديد، بمباركة ودعم مادي ومعنوي من المجتمع الغربي الصليبي!

لا ذنب لهذا الشعب المسلم المجاهد الأبي - في كل ما حصل ويحصل لهم - سوى أنهم يريدون أن يعيشوا إسلامهم أحراراً بعيداً عن الهيمنة والرقابة الروسية الصليبية!

وكذلك ما يحصل من تصفية دموية للمسلمين في جنوب الفلبين.. وفي كشمير.. وفي داغستان وأزباكستان.. وفي الصين.. وفي غيرها كثير من الأمصار التي يتعرض فيها المسلمون إلى الاضطهاد والتصفيات، والملاحقات، والمجازر الجماعية من قبل طواغيت الحكم والكفر!

والشاهد من جميع ما تقدم: أن أدلة النصوص الشرعية، وكذلك أدلة الواقع المعايش كلها تدل دلالة قطعية صريحة على أن ملل الكفر بكل طوائفها ونحلها لا تزال تمارس الذبح والقتل والإجرام بحق المسلمين في أبشع صوره وأنواعه، وعبارات السلام والتعايش الآمن التي ترفعها الأمم المتحدة وغيرها من الدول والمنظمات ما هي إلا عبارة عن نثر للرماد في الأعين، وهي لا تغير شيئاً من الحقيقة والواقع الصريح الذي نعايشه ونكابده.

وإذا كان الأمر كذلك أيعقل أن يُقال للمسلمين لا يجوز لكم أن تجاهدوا لترفعوا عن أنفسكم وأطفالكم ونسائكم الذبح والقتل والإجرام؟!

أيعقل أن يقال لهم كفوا أيديكم، ومدوا أعناقكم للذبح والشنق، واصبروا على الذل والظلم والهوان من دون أدنى حراك أو مقاومة، إلى أن يأتيكم الخليفة المنتظر، والذي يكون خلاصكم ونجاتكم على يديه [23]!

أما قبل مجيء الخليفة لا يجوز لكم - مهما تعرضتم للظلم والاضطهاد - أن تبدوا أدنى مقاومة أو اعتراض، ولو فعلتم فأنتم آثمون ومخالفون للشرع [24]!

أبو عبد
02-14-2004, 12:06 PM
كذبوا على الله ورسوله ثم كذبوا، ولو نسبوا قولهم الباطل هذا لأنفسهم المهزومة الخربة لهان الخطب، أما أن ينسبوه لنبينا صلى الله عليه وسلم ولدينه، فحاشى أن يكون ذلك من هدي وشريعة النبي الضحوك القتال.. النبي الذي بُعث بالقرآن والسيف.. النبي الذي جاء بشريعة العين بالعين والسن بالسن.. النبي الذي جاء بالذبح لكل من يعارضه ويعانده.. النبي الذي جُعل رزقه تحت ظل رمحه .. النبي القائل: " واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ".. النبي الماحي للكفر والشرك.. النبي الذي أُحلت له ولأمته الغنائم دون سائر الأنبياء والرسل.. النبي الذي ودَّ أن يُقتل في سبيل الله ثم يُبعث، ثم يُقتل ثم يُبعث، ثم يُقتل ثم يبعث.. تأكيداً منه على عظمة الجهاد في دينه.. وتربيةً لأمته على معاني العزة والتضحية والإباء، وحب الجهاد في سبيل الله..

صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.

ثالثاً: من الأوجه والأسباب التي تستدعي تبني الأمة لطريق الجهاد في سبيل الله.. أن تنكب طريق الجهاد في سبيل الله يعني ويستلزم اختيار طريق العذاب والضياع، طريق الذل والهوان، تبني طريقاً مؤداه إلى دفع الضرائب الباهظة في الدين، والعرض، والأرض..

قال تعالى: {إلاَّ تنفروا يُعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير} التوبة: 39.

أي إلا تخرجوا للجهاد والقتال يعذبكم عذاباً أليماً؛ والعذاب الوارد في الآية يشمل عذاب الدنيا بالذل والهوان ودفع الضرائب الباهظة، وعذاب الآخرة وهو أشد وأنكى..

وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} التوبة: 24.

فإيثار الدنيا - ممثلة في هذه الأصناف الواردة في الآية الكريمة وما أعزها وأحبها على النفس - والركون إليها، والانشغال بها عن الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله مآله إلى العذاب والفسق والعصيان، وضياع جميع المصالح الدينية والدنيوية سواء.

وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " [25].

فالمسلم ليس له خيار إلا أن يكون واحداً من ثلاث: إما الغزو ومباشرة القتال والجهاد، وإما أن يجهز غازياً للغزو ويكفيه تكاليفه المادية، وإما أن يخلف المجاهدين في أهاليهم وذراريهم بالخير؛

فيتعهدهم بالخدمة والرعاية إلى حين عودة المجاهدين إلى أهاليهم، وأفضلهم درجة، وأعلاهم منزلة عند الله تعالى الذي يجمع بين الخيارات الثلاثة الآنفة الذكر..

وليس له وراء هذه الخيارات خيار آخر إلا اختيار العذاب وتوقع نزول القوارع الشداد بساحته عاجلاً أو آجلاً.

فالله تعالى لا يبدأ حتى تبدأ يا عبد الله.. وإن بدأت الحرب على الله فلا تلومنَّ إلا نفسك!

ومن يتأمل القوارع الشداد التي تنزل بساحة الأمة في هذا الزمان - وهي كثيرة ومتنوعة - يُدرك أن سبب ذلك كله يعود إلى تخليها عن الجهاد في سبيل الله، وعن نصرة المجاهدين.

وقال صلى الله عليه وسلم: " ما تركَ قومٌ الجهاد إلا عمَّهم الله بالعذاب " [26]. أي شملهم وظلّلهم بالعذاب؛ عذاب الدنيا بالذل وبما شاء الله، وعذاب الآخرة الذي يكون أشد وأنكى..

وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا تبايعتم بالعينة [27]، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " [28]. أي لا يرفع عنكم هذا

الذل والعذاب حتى ترجعوا إلى الجهاد في سبيل الله، سبب عزتكم وكرامتكم - فسمى دين المسلمين بالجهاد - فلم تنشغلوا عنه بالتجارة - التي يتخللها المعاملات الربوية - ولا بالرعي أو الزراعة أو غير ذلك مما يدخل في زينة ومشاغل الدنيا [29].

وقال صلى الله عليه وسلم: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم - أي تتجمع وتتكالب - كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، فقال: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: " حب الدنيا وكراهية الموت " [30].

أقول: أي تكالب لأمم الكفر على أمة الإسلام - أمة المليار مسلم! - أعظم وأشد من تكالبها عليها في هذا الزمان.. وسبب ذلك كله - كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم - الوهن الذي أصاب الناس والذي مؤداه إلى الإعراض عن الجهاد في سبيل الله.

رابعاً: من الأوجه التي تحملنا كذلك على اختيار طريق الجهاد لا سواه، أن ترك الجهاد - من غير عذر شرعي معتبر - وتنكب طريقه يُعتبر قرينة دالة على النفاق، ومرض القلوب وفسادها والعياذ بالله.

قال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين. إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون} التوبة: 44-45.

فأخبر عز وجل أن تركهم للجهاد وتخلفهم عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم دليل على نفاقهم ومرض قلوبهم، وعدم إيمانهم.

قال ابن تيمية في الفتاوى 28/438: فهذا إخبار من الله بأن المؤمن لا يستأذن الرسول في ترك الجهاد وإنما يستأذنه الذين لا يؤمنون، فكيف بالتارك من غير استئذان؟!. اهـ.

قلت: فكيف بمن يثبط الأمة عن الجهاد، ويؤثم المجاهدين ويجرمهم لجهادهم؟!

كيف بمن يعطل الجهاد كلياً، ويصد عنه الأمة، لتأويلاتٍ باطلة وفاسدة، مبعثها الخور والجبن، والإرجاف؟!

كيف بمن يستبدل الجهاد في سبيل الله بالطرق الباطلة الشركية كالديمقراطية، والانتخابات البرلمانية، وغيرها؟!

كيف بمن يكره الجهاد والمجاهدين - صفوة هذه الأمة - ويعاديهم، ويحرض الناس على أذاهم والنيل منهم ومن جهادهم؟!

كيف بمن يحمله الحسد والإرجاف على أن يرمي المجاهدين بالخيانة والعمالة لدول الكفر والطغيان، وأنهم عبارة عن مأجورين تحركهم دوافع العمالة للأنظمة الخائنة؟!

لا شك أن من يأتي بشيء من هذه الخصال السيئة يكون أولى بالنفاق ممن يترك الجهاد بعد استئذان!

وقال صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يغز، ولم يُحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق " مسلم.

هذا فيمن لم يحدث نفسه بالجهاد بصدق وإخلاص.. فكيف بمن تقدم ذكرهم، وذكر أوصافهم وخصالهم المشينة؟!

أقول: أضعف الإيمان أن يحدث المرء نفسه بالغزو والجهاد ويتمناه، ويدعو الله تعالى أن ييسره له، ويصدق نفسه في ذلك - وهذا أمر مطاق للجميع لا يُعذر أحد في تركه لأنه لا سلطان لأحد عليه يستطيع أن يمنعه من ذلك - فإنه إن صدق في حديث النفس، حملته نفسه على الجهاد في سبيل الله يوماً من الأيام ولا بد.

ثم إذا كان ترك الجهاد قرينة على النفاق ودليلاً عليه، فإن الجهاد في سبيل الله دليل صادق على صدق إيمان صاحبه، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات: 15. أي هم الصادقون في إيمانهم حقاً؛ لأنهم أتوا بالبرهان الصادق الدال على ذلك، وهو الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

فإن الولاية - لمن يسعى إليها ويطلبها - لا تتحقق لصاحبها إلا بالمتابعة لهدي الشريعة، وبالجهاد في سبيل الله، وعلى قدر ما ينتقص من ذلك تنتقص ولاية الله تعالى له ومحبته.

قال ابن تيمية في كتابه العبودية: قد جعل الله لأهل محبته علامتان: اتباع الرسول، والجهاد في سبيل الله؛ وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه من الكفر والفسوق والعصيان. اهـ.

وبعد، هذه بعض الأسباب - وواحد منها يكفي لطالب الحق - التي تحملنا بقوة على أن نقول أن الجهاد في سبيل الله هو الطريق الشرعي الصحيح والوحيد الذي يجب على الأمة أن تتبناه وتسلكه وهي في طريقها ومسعاها إلى استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة.

وإن بدا للأعين - لأول وهلة - أن هذا الطريق شاق وصعب على الأمة أن تخوضه أو تسير عليه، وأنه سيكلفها الكثير..

أقول: رغم وجود بعض المشاق لهذا الطريق المبارك إلا أنه أسهل الطرق وأيسرها وأقربها، وأقلها كلفة وتضحية؛ ولا يوجد طريق أيسر منه ولا أقرب لبلوغ الأهداف والغايات.

وأي محاولة لتحقيق الأهداف والغايات العامة لهذا الدين من غير هذا الطريق، فهي محاولة فاشلة وخاسرة، ليس من ورائها سوى مضيعة الأوقات والطاقات معاً.. فليتق الله الدعاة والعاملون لهذا الدين في أوقات وطاقات الأمة، ولا يجعلوها عرضة لتجاربهم وآرائهم الشخصية التي لا تزيد الأمة إلا تخلفاً وتأخراً عن أهدافها وغاياتها!


--------------------------------------------------------------------------------

[13] الجهاد سواء مضى بفرد أو أكثر لا بد من مراعاة نتائجه وما يؤول إليه من مصالح ومفاسد، فإن رجحت المصالح على المفاسد مضى الجهاد - على بركة الله - ولو بفردٍ واحد، ولا يلتفت حينها إلى أراجيف المبطلين والمرجفين، وإن رجحت مفاسده على مصالحه، فحينها لا بد من الصبر والتريث والتربص، إلى حين أن تزول المفاسد والعوائق من الطريق؛ فالجهاد شُرع لغيره لا لذاته.. والمفاسد والمصالح يجب أن تقدر وفق ضوابط الشرع ومعاييره وليس غير ذلك.
[14] السالفة: صفحة العنق؛ ذُكرت كناية عن الموت.
[15] كما يقول ويفعل حزب التحرير.. تحرير الأمة من الجهاد!
[16] كما يقول ويفعل حزب التحرير.. حزب تحرير الأمة من الجهاد!
[17] شرح صحيح مسلم للنووي:12/229.
[18] إليك قولهم بتمامه: " وجوب إشهار السلاح على الحاكم ومقاتلته إذا أظهر الكفر البواح إنما يكون إذا كانت الدار دار إسلام، وكانت أحكام الإسلام هي المطبقة، ثم ظهر من الحاكم الحكم بالكفر البواح، لأن حديث عبادة بن الصامت يقول:" إلا أن تروا كفراً بواحاً "، ورواية الطبري تقول:" إلا أن تروا كفراً صراحاً " أي إن رأيتم الكفر البواح والكفر الصراح بعد أن لم تكونوا ترونه، أي كان الإسلام مطبقاً ثم أظهر الحاكم الحكم بأحكام الكفر البواح والكفر الصراح. أما إذا كانت الدار دار كفر وكانت أحكام الإسلام غير موضوعة موضع التطبيق فإن إزالة الحاكم الذي يحكم المسلمين بها تكون عن طريق النصرة اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم ..!" انتهى الاقتباس من كتابهم منهج حزب التحرير في التغيير، صفحة 25. وانظر الجهاد والقتال للدكتور هيكل التحريري: 1/137. الذي انتصر في كتابه لآراء وشذوذات حزب التحرير في المسألة..!
[19] يُعرِّف حزب التحرير الإيمان بقولهم: " الإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل.. ولا يكون التصديق جازماً إلا إذا ثبت عن دليل قطعي، لذلك لا بد أن يكون دليل العقيدة قطعياً ولا يجوز أن يكون ظنياً " اهـ. انظر كتابهم حزب التحرير، صفحة 44.
قولهم " لا بد أن يكون دليل العقيدة قطعياً.." يخرجون بذلك أحاديث الآحاد الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كدليل في العقائد، وهذا بخلاف مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة الذين عرَّفوا الإيمان: بأنه اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص.. ولم يفرقوا بين حديث الآحاد الصحيح وبين الحديث المتواتر كدليل في العقائد وغيرها.. وبسط ذلك له موضع آخر.
[20] من علامات ذلك - إن وجدوا منه ما يرضيهم عنه - وصفهم له بأنه مرن، ومتفتح، وغير متشدد ولا متزمت، ولا متعصب، وأنه معتدل، ومتحرر.. وغير ذلك من الاطلاقات والأوسمة التي أصبحنا نسمعها منهم على من يدخل في طاعتهم وموالاتهم! ومن علامات سخطهم على المسلم - الذي لا يجدوا منه ما يرضيهم عنه - وصفهم له بأنه متشدد ومتعصب، وأصولي، وإرهابي.. وغير ذلك من الأوصاف والاطلاقات!
[21] هذه إحصائيات الأمم المتحدة على الإسلام والمسلمين.
[22] التاريخ لن يرحم كل من ساهم، أو رضي، أو وافق، أو كان سبباً في الحصار على شعب وأطفال العراق، أو من يستطيع أن يبذل جهداً في رفع هذا الظلم ثم لا يفعل.. فالتاريخ لن يرحم هؤلاء كلهم، ولن يستحي أن يذكرهم للأجيال القادمة باللعن، وبأوصاف النفاق، والخيانة والعمالة لأعداء الأمة..!
[23] لا أزال أذكر تلك المرأة المسلمة البوسنية - وقد روعت بقتل زوجها وأطفالها، وهي واقفة أمام بيتها المهدم والمسوى بالأرض - وهي تقول: ظللنا نقول: الإسلام دين سلام، دين سلام، دين سلام.. حتى ذبحونا من الوريد إلى الوريد..!
وكذلك حزب التحرير ومن يشايعهم على باطلهم ظلوا يقولون للأمة: لا جهاد إلا مع خليفة.. حتى ذبحونا من الوريد إلى الوريد، واستولى الأعداء على البلاد والعباد..!
[24] كما يقول ويفعل حزب تحرير الأمة من الجهاد..!
وقد تابعهم على هذا القول الباطل بعض دعاة السلفية المشوهة ومشايخها المعاصرين، أمثال الضال إبراهيم شقرة، حيث يقول في كتابه الموسوم " هي السلفية " والسلفية منه ومن بدعه وأهوائه براء، ولو سمى كتابه " هي الشقراوية " لكان خيراً له وأصوب.. يقول هذا الرجل في كتابه المذكور: " ونسأل: لماذا لا تستطيع الأمة القيام بأعباء فريضة الجهاد ؟ ذلك أن الجهاد - وهو فريضة فرضها الله سبحانه - لا يكون إلا بإمام وبإذنٍ منه، وهو في هذا مثل الحدود والعقوبات فهذه لا يوقعها ولا يقيمها إلا إمام العامة.. فإن الجهاد لا يفتح بابه، ولا يرفع رايته، ولا يأذن به ويدعو إليه إلا إمام واحد، رضي من رضي، وكره من كره، صوناً للأمة.. وقانون المدافعة يقضي بأن الجهاد لا بد وأن يكون مأذوناً به من إمام عامة فإن أذن على نحو ما بينا سابقاً، وإلا فهو آبق إلى إثم، غادٍ إلى عذاب، رائش لنفسه سهماً من غضب الله يجأ به صدره.." اهـ. فتأمل هذا الظلم والبغي والعدوان، والجرأة على الله وعلى دينه!
[25] صحيح سنن أبي داود:2185.
[26] أخرجه الطبراني، سلسلة الأحاديث الصحيحة:2663.
[27] التبايع بالعينة: هو نوع من المعاملات الربوية، وصفته أن تبيع شيئاً إلى غيرك بثمن مؤجل، ثم تعيد شراءه منه ثانية بثمنٍ أقل يُدفع نقداً.
[28] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:11.
[29] أقول: كنت قد حضرت محاضرة للقرضاوي بعنوان مشاكل الاقتصاد الإسلامي أو العالم الإسلامي - على ما أذكر - في الجامعة الإسلامية في ماليزيا، وكان الرجل قد استدل بهذا الحديث، فأنزله منزلاً، وفسره تفسيراً غريباً جداً، لا تحتمله لغة الحديث ولا دلالاته، ولم يُسبق إليه من أحد من أهل العلم المتقدمين ولا المتأخرين، بل وحمله من المعاني السقيمة ما هو بخلاف ما دل عليه الحديث، وكان مما قاله: معنى الحديث؛ أي إنـكم إن اشتغلتم بالرعي، والزراعة واكتفيتم بذلك، ولم تهتموا بمصادر الدخل الأخرى كالصناعة وغيرها سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى الصناعة، والأخذ بجميع أسباب الازدهار الاقتصادي..! فتأمل التحريف، والكذب على الله وعلى رسوله..!
والذي منعني من الرد عليه وقتئذٍ أن ظروف إقامتي كانت غير رسمية، فخشيت لو فعلت أن ألفت نظر الظالمين - وكانوا متواجدين بكثرة - وأدلهم علي، فأُتخطف إلى سجونهم وإلى حيث لا يعلم إلا الله تعالى!
[30] أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:958.

أبو عبد
02-14-2004, 12:08 PM
خيار القوة والقتال هو خيار كل الأمم والشعوب - من قبل ومن بعد - في الدفاع عن ثوابتها ومبادئها العامة، عندما يداهمها الخطر أو محاولات التغيير، من أي طرف أو جهة أخرى.

ولبيان ذلك نضرب المثال التالي: لو وجد في المجتمع الأمريكي حفنة من الضباط العسكريين، أحدثوا انقلاباً عسكرياً بالقوة على النظام الديمقراطي المدني المتفق عليه بين جميع فئات الشعب الأمريكي، والذي يُعتبر عندهم من الثوابت المجمع عليها التي لا تقبل التغيير ولا التبديل!

فماذا يُتوقع أن يكون موقف الشعب الأمريكي - ممثلاً في أحزابه وتكتلاته - من هذه الفئة من العسكريين الذين يريدون أن يفرضوا نظامهم الديكتاتوري - المغاير للنظام الديمقراطي المتعارف عليه فيما بينهم - بقوة السلاح؟!

أتراهم سيسالمون هذه الفئة من العسكريين الانقلابيين، ويبدأون معهم الحوار السلمي، أو يرضون بحكمهم وسلوكهم، أم أنهم سيخرجون عليهم بالقوة ويبدأون مقاومتهم بالسلاح إلى أن يقيلوهم ويُعيدوا لأمتهم نظامها الذي تعارفوا عليه وأجمعوا؟!

لا شك أن الجواب هو الخيار الآخر؛ أي استخدام القوة والقتال، وبخاصة إن كانت هذه الفئة من العسكريين ترفض الإقالة بالطرق السلمية.. وقتال الشعب لهذه الفئة يكون حينها قانونياً ومستساغاً للجميع، ينال القبول عند المجتمع الدولي وغيره، ويحظى بكامل الدعم والتأييد، ولا يوسم بأنه عملإرهابي أو تخريبي، أو غير متحضر وغير ذلك [31].

وهكذا شأن كل أمة تتعرض ثوابتها للاغتصاب والتغيير، ثم لا تجد مناصاً لاسترداد ما اغتصب منها إلا بالقوة.

وإذا كان استخدام القوة مشروعاً ومباحاً لكل الأمم من أجل أن تحافظ على الثوابت المتفق عليها فيما بينها، فعلام يكون ذلك محرماً ومحظوراً على الأمة الإسلامية عندما تتعرض هويتها وثوابتها وأنظمتها الربانية - المجمع عليها في الأمة - إلى الاغتصاب والتغيير من قبل حفنة من العسكريين أو غيرهم ممن باعوا ضمائرهم وولاءهم لأعداء الأمة؟!

علام لا يجوز لأمة الإسلام أن تدافع عن ثوابتها وقيمها الكلية بالقوة، في الوقت الذي تمارس فيه هذا الحق كل الأمم والشعوب؟!

علام إذا قامت بهذا الحق - وهو الدفاع عن الثوابت بالقوة - أمة من الأمم، وشعب من الشعوب، وصف بالتحضر والمشروعية، وأنه حق من حقوقه، يحظى بكل دعم وتأييد!

بينما لو قامت بهذا الحق أمة الإسلام.. وصف عملها وجهادها بالتخلف، وأنه عنف وعمل إرهابي، أو أنها طريقة غير متحضرة، وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة؟!

فعلام ما يجوز لكم، لا يجوز لنا؟!

لا تجد جواباً يُذكر على هذا السؤال الهام.. وعلى هذه الازدواجية في الكيل والمعايير.. إلا أنهم لا يريدون للأمة الإسلامية أن تنهض من نومها وثُباتها.. وأن تبقى مكبلة بقيود الذل والقهر والكفر!


--------------------------------------------------------------------------------

[31] في خمسة نوفمبر من كل سنة، توجد مناسبة عامة يحتفل بها الشعب البريطاني، في جميع محافظات ومدن إنكلترا، هذه المناسبة يسمونها " Bonfire night "، يشعلون فيها النيران في الحدائق العامة إلى وقت متأخر من الليل!
وسبب هذه المناسبة أن رجلاً اسمه " Guy Fawkes " فكر - مجرد تفكير - بأن يحرق البرلمان البريطاني، وكان ذلك في سنة 1605ميلادي، في عهد الملك " Games "، فكُشف أمره قبل أن يفعل شيئاً، فقبض عليه وحكم عليه بالإعدام لأنه تجرأ على التفكير بمثل هذا الأمر الذي يمس رمزاً يُعبر عن ثوابت الأمة الإنكليزية، فنُفذ فيه الحكم، وأحرقوه على مرأى من جميع الناس!
ومن ذلك الوقت تحولت مناسبة قتل هذا الرجل وحرقه إلى مناسبة وطنية وشعبية يحتفل بها الشعب البريطاني - في كل سنة - بكل ابتهاج وسرور، يشعلون فيها النيران، ويقذفون الألعاب النارية تعبيراً عن رضاهم بما حصل لذلك الرجل من قتل وحرق، الذي نجى البرلمان من أفكاره الشريرة.. فتأمل!
أقول: في الوقت ذاته يتكلمون بالطعن على مبدأ " النفس بالنفس " الذي يقول به الإسلام، ويصفونه بالتخلف، وأنه منافٍ لحقوق الإنسان!

أبو عبد
02-14-2004, 12:10 PM
مصطلح الجهاد من جملة المفاهيم والمصطلحات العديدة التي شوهت وحُرِّفت عن مدلولاتها ومقاصدها الشرعية، والتي مورست كذلك على أرض الواقع بطريقة خطأ.. لذا حتى لا يُحمل كلامنا على الوجه الذي لا نريد ونقصد، أو يُفسر التفسير الخاطئ، نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نشير إلى بعض التنبيهات الضرورية، وهي:

التنبيه الأول:

نريد من الجهاد الجهاد بشموليته؛ جهاد المال، والنفس، والكلمة.. فرب كلمة حق يكون لها وقع السيوف على الظالمين وأشد، ويكون لها آثارها الحسنة على الصف الإسلامي الشيء الكثير، كما قال صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " [32].

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " [33].

وقال صلى الله عليه وسلم: " جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم - وفي رواية: وبأيديكم - وألسنتكم " [34].

ولكن أفضل الجهاد والمجاهدين كما قال إمام المجاهدين وسيدهم صلى الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد من عُقِرَ جواده وأُهريق دمه " [35].

وقيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال: " مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله " البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يُلقَون في الصف الأول فلا يُلفِتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتلبطون في الغُرَفِ العُلى من الجنة، ينظر إليهم ربُّك، إن ربك إذا ضحكَ إلى قومٍ فلا حسابَ عليهم " [36].

وأفضلهم الذي يجتمع فيه أنواع الجهاد الثلاث: جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد اللسان والكلمة.. نسأل الله تعالى بمنه ورحمته أن يجعلنا جميعاً منهم، إنه تعالى على ما يشاء قدير.

التنبيه الثاني:

قولنا أن الطريق إلى استئناف حياة إسلامية، وقيام خلافة راشدة هو الجهاد في سبيل الله، لا غيره، وأن الأمة لا مناص لها من أن تتنكب هذا الطريق إن أرادت لنفسها العزة والنهوض من جديد لتمارس دورها القيادي كأمة وسط.. قولنا هذا لا ينبغي أن يُفهم منه أننا ندعو أو نوافق على تلك التصرفات الخاطئة واللامسؤولة التي تحصل في بعض الأمصار باسم الجهاد

والمجاهدين، والتي يترتب عليها سفك الدم الحرام بغير وجه حق، أو تؤدي إلى قتل الأطفال والنساء.. فهذا النوع من العمل الطائش لا نوافق عليه، ولا نرضاه، ولا ندعو إليه، ونبرأ إلى الله منه، ونشفق بالمجاهدين أن يقعوا فيه.

فإن المؤمن لا يزال دينه بخير مالم يصب دماً حراماً، كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: " لا يزال العبد في فسحةٍ من دينه مالم يصب دماً حراماً ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " من قتل نفساً معاهدةً بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها "، وفي رواية: " وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً ". وهذه الأحاديث كلها صحيحة ولله الحمد.

وفي إحدى الغزوات شوهد بين قتلى المشركين بعض الأطفال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوامٍ جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟! ألا إن خياركم أبناء المشركين، ألا لا تقتلوا ذرية ً[37]، ألا لا تقتلوا ذرية، كل نسمة تولد على الفطرة فما يزال عليها حتى يُعرِبَ عنها لسانه، فأبواها يهودانها، أو ينصرانها " [38].

الجهاد الذي يكتفي باستئصال الداء من غير إفراطٍ ولا تفريط.. الجهاد الذي يكون مبعثه الانتقام لله تعالى ولحرماته، لا الانتقام للنفس وحظوظها.

الجهاد الذي نقصده ونريده، هو الجهاد الخالص لوجه الله تعالى ، والذي ينضبط بضوابط الشرع وتعاليمه.. الجهاد الذي يكبح جماح الهوى والحماس الزائد، الذي في الغالب يقود صاحبه للوقوع في المحظور والحرام [39].

نريد الجهاد المميز الشهم الرفيع الذي يكون على الطريقة الإسلامية.. لا على الطريقة الأمريكية، أو الروسية، أو الصربية.. أو غيرها من الطرق الهمجية المتخلفة الغير أخلاقية!

لا نريد الطريقة الأمريكية.. الطريقة الدنيئة الساقطة - الخالية من الأخلاق والحياء - التي تحمل أمريكا بكل جبروتها وكبريائها وأسلحتها الفتاكة على منازلة أطفال العراق الجوعى، والحفاة العراة!

التنبيه الثالث: ينبغي أن يُعلم أن الجهاد في الإسلام شُرع لغيره.. شُرع لاستئصال الفتنة من الوجود.. شُرع لاستئصال الظلم والباطل.. شُرع لاستئصال الأمراض الفتاكة والمدمرة، وقبل أن تأخذ طريقها للعباد والبلاد.. شُرع لكسر الأغلال والقيود التي تعبد العبيد للعبيد، وتُحيل بينهم وبين عبادتهم لخالقهم عز وجل، كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكونَ الدين كله لله} الأنفال: 39. والفتنة هنا تشمل جميع ما تقدم من صنوف البغي الظلم، والشر والباطل.

فالجهاد بهذا المعنى فيه حياة ونجاة.. فيه الخير والسلامة من جميع الأمراض المادية والمعنوية، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الأنفال: 24.

قوله تعالى: {لما يحييكم} ؛ أي إلى الجهاد والقتال الذي فيه حياة لكم، حياة حقيقية ملؤها العز والخير والسعادة في الدنيا والآخرة.. وهذا قول أكثر أهل العلم والتفسير.

وفي حديث السفينة الذي أخرجه البخاري وغيره: " فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "؛ أي إن أخذ المجاهدون على أيدي الطواغيت والظالمين ضرباً وزجراً ونهياً، وأحالوا بينهم وبين تنفيذ مخططاتهم الإجرامية التدميرية بحق الشعوب والمجتمعات نجوا ونجوا جميعاً، ونجت معهم جميع الشعوب والمجتمعات، وكتبت لهم الحياة الحقيقية التي ملؤها الخير والسعادة.

فالجهاد من هذا الوجه كالطب تماماً؛ فكما أن الطب وظيفته وقاية الشعوب والمجتمعات من الأمراض المادية الفتاكة، واستئصالها أينما وجدت. كذلك الجهاد فإن وظيفته استئصال الأمراض المعنوية - أينما وجدت - والتي تكون أشد فتكاً وتدميراً للشعوب والمجتمعات من الأمراض المادية العضوية.

وكما أن في مهنة الطب ممكن لآحاد الأطباء أن يخطئ في عملية من عملياته الجراحية، وهذا لا يستدعي ولا يبرر للآخرين أن ينادوا بتوقف عمل الأطباء، وإلغاء مهنة الطب!

كذلك من الممكن لآحاد المجاهدين أن يخطئ في بعض أعماله الجهادية عندما ينزل إلى واقع العمليات والتنفيذ - وهذا وارد بحق البشر المفطور على القصور والوقوع في الخطأ - لكن هذا أيضاً لا يستدعي من الآخرين ولا يبرر لهم أن يرفعوا عقيرتهم وينادوا بتوقف وإلغاء مهنة الجهاد في سبيل الله لمجرد وقوع ذلك الخطأ أو غيره، كما يفعل ذلك كثير من الدعاة والمنظمات!

وعندما تذكرهم بفداحة خطأهم وخطورته، يذكرون لك بعض الممارسات الخاطئة - التي قد يقع بها المجاهد - التي تحصل في بعض الأمصار أحياناً باسم الجهاد والمجاهدين، والمجاهدون الحقيقيون منها براء.. يذكرون هذه الأخطاء - التي يكون كثير منها بتدبير أنظمة الكفر والحكم وأجهزة مخابراتها - ويتذرعون بها كسبب لإلغاء الجهاد من اهتماماتهم وقاموسهم وحياتهم، وحياة جماعاتهم!

وهؤلاء لو تبرؤوا من خطأ المجاهد أو الأخطاء التي تحصل باسم الجهاد والمجاهدين، دون أن يتبرؤوا من الجهاد كمبدأ ودين أو المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله.. كان ذلك حقاً وصواباً، وهذا الذي نصت عليه الشريعة الغراء وألزمت به.

وهذا لا يعني مطلقاً أننا نتساهل مع الأخطاء الناتجة عن أصول الغلاة الخوارج وغيرهم، فهؤلاء لا نرضاهم ولا نرضى جهادهم، بل هم أنفسهم مما يجب على الأمة جهادهم وتطهير الأرض منهم، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهم من قبل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في أحاديث عديدة وصحيحة، وردت في صحيحي البخاري ومسلم، وغيرهما من كتب السنن.


--------------------------------------------------------------------------------

[32] أخرجه الحاكم، السلسلة الصحيحة: 374.
[33] أخرجه أحمد وغيره، صحيح الجامع:1934.
[34] أخرجه النسائي وغيره، صحيح سنن النسائي: 2900.
[35] السلسلة الصحيحة.
[36] أخرجه الطبراني، السلسلة الصحيحة: 2558.
[37] أقول: هذه تعاليم وأخلاق نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تلزم المجاهد في أدغال الفلبين كما تلزم كل مجاهد في كل زمان ومكان.. لا حرية له ولا حق أن يخرج عنها قيد أنملة.
وإن كانت الأمم المتحدة مؤخراً قد خطت بعض القوانين في هذا المجال.. فإن ما يحصل في ميادين القتال والجبهات يكذبه وينقضه.. مما يدل أنها حبر على ورق لا نفوز لها.. وإلا قل لي أين هذه القوانين من طريقة قتال المجرمين الروس الهمجية المتخلفة لشعب الشيشان المسلم، والتي تحظى بمباركة المجتمع الدولي المتحضر كله؟!
فإن قيل أفلا نقاتلهم ونعاملهم بنفس الأسلوب والأخلاق، من قبيل المعاملة بالمثل.. والعمل بمبدأ العين بالعين، والسن بالسن؟!
الجواب: لا، بل نقاتلهم وفق أخلاق وتعاليم هذا الدين الحنيف، فقدوتنا وأسوتنا في القتال والجهاد محمد صلى الله عليه وسلم وليس الجندي الأمريكي، أو الروسي، أو الصربي أو غيرهم من المجرمين.
والعمل بمبدأ العين بالعين، والسن بالسن.. لا يكون في هذا الموضع، وإنما موضعه في ساحات القصاص وتنفيذ الأحكام الشرعية على المخالفين.. وهذا أمر ظاهر لا خلاف فيه عند أهل العلم والفقه.
بينما تأمل أخلاق القتال عند أمريكا والعالم الغربي الصليبي المتحضر.. أخلاق حصاراتهم للشعوب المستضعفة التي مؤداها إلى قتل مئات الآلاف من أطفال المسلمين.. أخلاق اغتصابهم للنساء والفتيات العذارى، وبقر بطون الأمهات الحوامل بخناجرهم المسمومة.. الأخلاق التي مبعثها إشباع نزواتهم وأحقادهم، وتحقيق أطماعهم ومصالحهم المادية الشخصية الأنانية.. فالقتال عند ملل الكفر كلها لا ضابط له ولا أخلاق.. فهم لا يوجد عندهم شيء حرام، أو لا يجوز، أو غير أخلاقي ما دام في القتل إشباعاً لأحقادهم ونزواتهم وشهواتهم ومصالحهم الشخصية!
[38] أخرجه أحمد، والنسائي، وابن حبان وغيرهم، صحيح الجامع:5571.
[39] كل منصف يتابع جهاد وطريقة قتال المجاهدين في الشيشان، يجد نفسه مرغماً على أن يسجل إكباره وإعجابه واحترامه لجهاد هذه العصبة المؤمنة من مجاهدي الشيشان.. نسأل الله تعالى لهم الثبات، والنصر على الأعداء.
فهم رغم الهمجية والوحشية التي عُوملوا بها من قبل مجرمي الروس، ورغم الدمار الشامل لمدنهم وديارهم، ورغم القتل الوحشي المتعمد لأطفالهم ونسائهم.. فإنهم يتعاملون مع أعدائهم وفق تعاليم ومبادئ وأخلاق هذا الدين الحنيف، متمالكين لعواطفهم ومشاعرهم نحو ما نزل بذويهم وأهاليهم ومساكنهم من إجرام.
فهذا الأسير الروسي الذي يكرموه ويطعموه، ويحسنون معاملته - على ما هم عليه من ضيق وحاجة - إنما هم يفعلون ذلك كله انطلاقاً من قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً} الإنسان:8-9. يُعاملونه هذه المعاملة - التي قد لا يجدها عند الجيش الروسي ذاته - وهو نفسه كان قبل لحظات يشارك في جرائم القتل والتدمير والإفساد!
بينما لو وقع المجاهد المسلم أسيراً عند الجيش الروسي - ثاني قوة في العالم كما يزعمون - فإنهم يعرونه من ثيابه تماماً، ويربطونه في مؤخرة دبابتهم الحربية، ثم يسحبونه ويجرونه في الشوارع.. هذا الذي تمكنا من مشاهدته عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، والمخفي أعظم وأنكى!
فإن قيل هذه روسيا وهي معروفة بتخلفها وهمجيتها، وهي لم تدخل بعد مرحلة التحضر الذي يعيشه العالم الغربي في هذه الأيام..وبالتالي لا يمكن أن نسحب ما ذُكر –مثلاً - على أمريكا زعيمة العالم المتحضر، وأقوى دولة في العالم؟!
نقول: هل فاتكم ما تفعله هذه الدولة العظمى المتحضرة - التي هي وراء جرائم اليهود وكل جريمة وإرهاب في العالم - بحق الشيخ العالم الضرير، الأسير عمر بن عبد الرحمن - فك الله أسره وفرج عنه - من ضرب، وإهانة، وإذلال - وبكل رجولة وشجاعة!ـ التي طالعتنا به وسائل الإعلام؟!
أرأيت أيها القارئ الفارق الشاسع بين أخلاق المقاتل المجاهد المسلم، وبين أخلاق المقاتل الكافر، كل كافر؟!