تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة الرحمن على العرش استوى قد قالها من الى سبيبله اهتدى (



منير الليل
05-04-2003, 01:57 AM
الرحمن على العرش استوى قد قالها من الى سبيبله اهتدى

بسم الله الرحمن الرحيم، هذه مختارات من قصيدة ابن القيم الجوزية المسمات بالكافية الشافية في لانتصار للفرقة الناجية، وبعد أن تمّ إخراج هذه القصيدة وجدت أن أنقل تفاسير بعض الأبيات المفيدة التي تقول بأن الله تعالى فوق سمواته على عرشه، والقصيدة موجودة على موقع صيد الفوائد ( www.saaid.net ) وعلى موقع مجاهد مسلم (www.geocities.com/moujahedmouslem)، هذا وسيأخذ منا شرح هذه الأبيات وقت ما، فأسأل الله تعالى أن يوفقنا لتتمة هذه الأبيات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وهذه بعض أقوال الأئمة:
قال الإمام أبو حنيفة: لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه. ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه. [الفقه الأبسط ص56].

قال الإمام أبو حنيفة: ونقر بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة. [شرح الوصية ص10].

عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان. [مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص263، السنة لعبد الله بن أحمد ص11 (الطبعة القديمة)، التمهيد لابن عبد البر ج7 ص138].

عن الشافعي أنه قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن اللهَ تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء. [اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص165، إثبات صفة العلو ص124، مجموع الفتاوى ج4 ص181-183، والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص176].

قال الإمام أحمد: نحن نؤمن بأن الله على العرش، كيف شاء، وكما شاء، بلا حد، ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد؛ فصفات اللهِ منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار. [درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ج2 ص30].

وكتبها أخوكم : منير
ونسأل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد.
وقد تطول الأيام حتى نفرغ منها، فلا تنسونا من دعائكم.

خطبة القصيدة للإمام ابن القيم

فإن الله جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبد بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم وأذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة، فعلم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء، أعظم ما كان اليه فاقة ومنزلة الشفاء أشد ما كان اليه حاجة، وسكن اليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة اليه، وليست حاجة الأرواح قط الى شيء أعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة اليه والزلفى عنده، ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب واليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل واليه أكره ومنه أبعد، والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه، فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضا، وعنها نافرا منفرا، فالله له أشد بغضا، وعنه أعظم اعراضا، وله أكبر مقتا، حتى تعود القلوب الى قلبين: قلب ذكر الأسماء والصفات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه، لو فارقه ذكرها ومحبتها لحظة لاستغاث، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فلسان حاله يقول:
يراد من القلب نسيانكم ××× وتأبى الطباع على الناقل
ويقول:
وإذا تقاضيت الفؤاد تناسيا ××× ألفيت أحشائي بذاك شحاحا
ويقول:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ××× فنترك الذكر أحيانا فننتكس

ومن المحال أن يذكر القلب من هو محارب لصفاته نافر عن سماعها معرض بكليّته عنها زاعم أن السلامة في ذلك. كلا والله ان هو الا الجهالة والخذلان، والاعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قط الى شيء أشوق منه الى معرفة ربه تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ولا افرح بشيء قط كفرحه بذلك وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يضرب على قلبه سرادق الاعراض عنها والنفرة والتنفير والاشتغال بما لو كان حقا لم ينفع الا بعد معرفة الله والايمان به وبصفاته وأسمائه.

والقلب الثاني قلب مضروب بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود، قد قمش شبها من الكلام الباطل وارتوى من ماء آجن غير طائل تعج منه آيات الصفات وأحاديثها الى الله عجيجا، وتضج منه الى منزلها ضجيجا بما يسومها تحريفا وتعطيلا ويؤول معانيها تغييرا وتبديلا، وقد أعد لدفعها أنواعا من العدد وهيأ لردها ضروبا من القوانين وإذا دعي الى تحكيمها أبى واستكبر وقال: تلك أدلة لفظية لا تفيد شيئا من اليقين، قد أعد التأويل جنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن وجعل اثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والايمان، مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء ولكنه مليء بالشكوك والشبه، والجدال والمراء، خلع عليه كلام الباطل خلعه الجهل والتجهيل، فهو يتعثر باذيال التفكير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل، قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها، فانثنى بأخسر المواهب والمطالب، عدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الاحسان، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة الملآنة بالخيبة والحرمان، وقد لبس جلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي الى الحق أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الايمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان 52.

ونقول أن الله فوق سمواته مستو على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأنه تعالى اليه يصعد الكلم الطيب وتعرج الملائكة والروح اليه وإنه يدبّر الأمر من السماء الى الأرض، ثم يعرج اليه، وان المسيح رفع بذاته الى الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج به الى الله حقيقة، وان أرواح المؤمنين تصعد الى الله عند الوفاة فتعرض عليه وتقف بين يديه، وأنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى وانا المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربهم من فوقهم، وأن أيدي السائلين ترفع اليه وحوائجهم تعرض عليه فإنه سبحانه هو العلي الأعلى بكل اعتبار، فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك، ثم أسرّها في نفسه وخلي بشياطينه وبني جنسه وأوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وأصناف المكر والاحتيال.


وكان من قدر الله وقضائه أن جمع مجلس المذاكرة بين مثبت للصفات والعلو وبين معطل لذلك، فاستطعم المعطل المثبت الحديث استطعام غير جائع اليه، ولكن غرضه عرض بضاعته عليه، فقال له ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيها ما قاله ربنا وتعالى وما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم، نصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله كم غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات، اثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، أو ما وصفه به رسوله تشبيها، فالمشبّه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد الها واحد صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما انا نثبت ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك نقول في صفاته أنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا نشبه صفات الله بصفات المخلوقين، ولا نزيل عنه سبحانه صفة من صفاته لأجل تشنيع المشنعين، وتلقيب المفترين، كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الراوفض لنا نواصب، ولا نكذب بقدر الله ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة.
ولانجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية، ورحمة الله على القائل:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× فاني بحمد الله لها مثبت
الى:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× لديكم فاني اليوم عبد مجسم
ورضي الله عن الشافعي حيث يقول:
ان كان رفضا حب آل محمد ××× فليشهد الثقلان إني رافضي
وقدس الله روح القائل وهو شيخ الاسلام ابن تيمية اذ يقول:
ان كان نصبا حب صحب محمد ××× فليشهد الثقلان اني ناصبي


من خطبة القصيدة للإمام ابن القيم.
والكتاب الذي بين يدي من دار الكتب العلمية، وشرح الأستاذ محمد خليل هراس.



والحلقة القادمة إن شاء الله نبدأ مع ما اخترناه من أبيات القصيدة.....
وإخوتي اعذروني إذا قصّرت أو اخطأت.....
ولا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها.

منير الليل
05-04-2003, 02:18 AM
فصل
في الاشارة الى الطرق النقلية الدالة
على أن الله تعالى فوق سمواته على عرشه

ولقد أتانا عشر أنواع من المنقول في فوقية الرحمن
مع مثلها أيضا تزيد بواحد*** ها نحن نسردها بلا كتمان
منها استواء الرب فوق العرش في*** سبع أتت في محكم القرآن
وكذلك اطردت بلا لام ولو*** كانت بمعنى اللام في الأذهان
لأتت بها في موضع كي يحمل الـ*** باقي عليها بالبيان الثاني
ونظير ذا اضمارهم في موضع*** حملا على المذكور في التبيان
لا يضمرون مع اطراد دون ذكره***فاذا هم ألفوه إلف لسان
حذفوه تخفيفا وإيجازا فلا*** يخفى المراد به على الانسان
هذا ومن عشرين وجها يبطل*** التفسير باستولى لذي عرفان
قد أفرد بمصنف لامام هذا*** الشان بحر العلم الرباني

الشرح: شرع المؤلف في إيراد النصوص المثبتة لاستواء الله على عرشه بذاته من الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة رضي الله عنهم، وقد بلغ بها المؤلف واحدا وعشرين نوعا أولها: إخباره سبحانه عن نفسه بأنه استوى على عرشه، وقد جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم: في سورة الأعراف، ويونس، والرعد، وطه، والفرقان، والسجدة، والحديد. وقد عدى فعل الاستواء في هذه المواضع كلها بعلى التي هي نص في الدلالة على العلو والارتفاع، كما اطراد فيها لفظ الاستواء بدون لام، مما يدل على أنه لم يرد به إلا الستواء الحقيقي، إذا لو كان استوى بمعنى استولى كما يزعم الجهمية والمعطلة لوجب أن يذكر هذا اللفظ ولو في موضع واحد كي يحمل لفظ الاستواء في بقية المواضع عليه.

هذا ما يقتضيه الكلام البليغ أن يؤتى في أحد المواضع بلفظ يعين المراد نصا فإذا جاءت بعد ذلك ألفاظ مجملة يحتمل هذا المعنى وغيره حملت عليه، ونظير هذا أنهم يضمرون في بعض المواضع بعد الذكر في بعضها حملا على المذكور في الكلام واعتمادا على فهم المخاطب بهذه الضمائر، ولكنهم لا يضمرون أبدا باطراد دون ذكر سابق للمضمر المحذوف، بل قد يكثرون من ذكر الشيء في مواضع حذفه، حتى إذا ألف وصار مشهورا حذفوه تخفيفا وإيجازا واتكالا على وضوح المراد.

هذا وقد أبطل شيخ الاسلام ابن تيمية تأويل الاستواء بالاستيلاء من عشرين وجها، أفردها في مصنف خاص، وفيها الكفاية كل الكفاية لمن أراد أن يعرف زيغ هؤلاء المؤولة وبعدهم عن جادة الحق، وكفى بمذهبهم شناعة أن الله يقول استوى، وهم يقولون ما استوى ولكن استولى، فهل كان الله عاجزا عن زيادة لام يزيل بها الاشكال ويوضح المراد.

وما أحسن ما قيل أن لام الجهمية كنون اليهودية، فاليهود قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة، وهؤلاء قيل لهم: استوى، فقالوا استولى، تشابهت قلوبهم.

منير الليل
05-04-2003, 08:39 AM
فصل

هذا وثانيها صريح علوه*** وله بحكم صريحة لفظان
لفظ العلى ولفظه الأعلى معر***فة لقصد بيان
ان العلو له بمطلقه على التـ***ـعميم والاطلاق بالبرهان
وله العلو من الوجوه جميعها*** ذاتا وقهرا مع علو الشان
لكن نفاة علوه سلبوه أكـ***مال العلو فصار ذا نقصان
حاشاه من أفك النفاة وسلبهم*** فله الكمال المطلق الرباني

الشرح: هذا هو النوع الثاني من الدلائل النقلية وهو التصريح بالعلو في قوله تعالى:{ وهو العليّ العظيم} [ البقرة: 255] وقوله:{ سبّح اسم ربك الأعلى} [ الأعلى:1] فكل من هذين الاسمين الكريمين صريح في إثبات علوه تعالى، وقد جيء بكل منهما لافادة أن الثابت له سبحانه هو العلو المطلق من كل وجه علو الذات وعلو القدرة والعظمة وعلو القهر والجبروت، ولكن المعطلة بناء على أصلهم الفاسد يحملون العلو في هذه الآيات على المعنيي الأخيرين أعني علو القدرة والقهر فقط وينفون عنه المعنى الأول وهو علو الذات، ولا شك أن العلو المطلق من كل وجه أكمل من العلو الذي يكون مقيدا ببعض الوجود فهم بتقييدهم للعلو سلبوه سبحانه كمال العلو، وسلب الكمال مستلزم للنقص، وحاشاه سبحانه مما يأفك به هؤلاء النفاة من نقصه في علوه بل له الكمال المطلق في علوه وفي سائر صفاته.

منير الليل
05-04-2003, 01:36 PM
**

وعلوه فوق الخليقة كلها*** فطرت عليه الخلق والخلقان
لا يستطيع معطل تبديلها*** أبدا وذلك سنة الرحمن
كل اذا ما نابه أمر يرى*** متوجها بضرورة الانسان
نحو العلو فليس يطلب خلفه***وأمامه أو جانب الانسان
ونهاية الشبهات تشكيك وتخميش وتغبير على الايمان
لا يستطيع تعارض المعلوم والـ*** معقول عند بدائه الانسان
فمن المحال القدح في المعلوم*** بالشبهات هذا بين البطلان
واذا البدائة قابلتها هذه*** الشبهات لم تحتج الى بطلان
شتان بين مقالة أوصى بها*** بعض لبعض أو للثاني
ومقالة فطر الاله عباده*** حقا عليها ما هما عدلان

الشرح: هذا استدلال على علوه تعالى فوق خلقه بدليل الفطرة الذي هو أقوى من دليل العقل عند من أنصف لاستناده الى فطرة الله التي فطر الناس عليها فلا يستطيع أحد تبديلها، وذلك أن الله عز وجل قد فطر عباده على أن يتوجهوا في دعائهم الى جهة الفوق رافعي أكفهم رانين بأبصارهم حتى أن كل من نابه من العباد أمر أو مسه ضر يرى متوجها بفطرته الى جهة العلو وحدها دون الأمام أو الخلف أو اليمين أو الشمال، ولو رجع هؤلاء المعطلة الى أنفسهم لوجدوا هذا المعنى مركوزا في فطرهم، ولكنهم يكابرون ويحاولون إثارة الشبهات حول ما هو معلوم بالنقل والعقل والفطرة، ولكن نهاية شبهاتهم هي إثارة الشكوك والتغيير في وجه الإيمان إذ هي لا تقوى على معارضة أمر ثابت بضرورة العقل ومعلوم بالبدهية فإنه من المحال أن تنال الشبهات من المعلوم وعلى وجه اليقين فإذا حصلت مقابلة بينهما فلا شك أن هذه الشبهات تضمحل وتزول ويبقى الحق ثابتا فإنه شتان بين قضية وهم أوصى بها كل معطل من خلفه وبين قضية فطرة فطر الله العباد عليها وما هما في ميزان العدل سواء؟

**

فصل

هذا وثالثها صريح الفوق مصـ***حوبا بمن وبدونها نوعان
احداهما هو قابل التأويل والأ***صل الحقيقة وحدها ببيان
فإذا ادعى تأويل ذلك مدع*** لم تقبل الدعوى بلا برهان
لكنما المجرور ليس بقابل التأ*** ويل في لغة وعرف لسان
وأضخ لفائدة جليل قدرها***تهديك للتحقيق والعرفان
ان الكلام اذا أتى بسياقة*** يبدي المراد لمن له أذنان
أضحى كنص قاطع لا يقبل التأويل يعرف ذا أولو الأذهان
فسياقة الألفاظ مثل شواهد ال***أحوال انهما لنا صنوان
احداهما للعين مشهود بها*** لكن ذاك لمسمع الانسان

الشرح: هذا هو الوجه الثالث من الوجوه الدالة عى علوه تعالى، وهو التصريح بلفظ الفوق في القرآن الكريم مصحوبا بمن أحيانا،، كما في قوله تعالى في صفة ملائكته:{ يخافون ربهم من فوقهم} [ النحل: 50] وبدونها أخرى، كما في قوله تعالى:{ وهو القادر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} [ الأنعام: 18] ولا شك أن الفوق المجرور بمن نص في معناه لا يقبل التأويل، إذ لا يقال هذا اللفظ إلا في تعيين الجهة التي يكون فيها الشيء بالنسبة لما تحته، كما يقال: السماء من فوقنا، ومنه قوله تعالى:{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} [ الأنعام: 65].

وأما الفوق المجرد عن الاقتران بمن فهو قد يقبل التأويل، ولكن لا يقبله إلا بدليل، لأن الأصل هو الحقيقة، فلا يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلا بقرينة صارفة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، فإذا ادعى الخصم أن قرينة العقل هي التي أوجبت ذلك الصرف لاستحالة الفوقية الحسية، قلنا هذه القرينة معارضة عندنا بضرورة العقل القاضية بأن كل موجودين إذا نسب أحدهما الى الاخ، فأما أن يكون متداخلين أو متباينين، وإذا كانا متباينين فلا بد أن يكون أحدهما في جهة الآخر.

وقد ذكر المؤلف هنا فائدة جليلة ينبغي التنويه بها وهي اعتبار سياق الكلام في تحديد مدلولات الألفاظ، فإذا جاء السياق بدي المراد للمخاطب أصبح كالنص في إفاد القطع وعدم قبول التأويل، فبعض الألفاظ قد يكون محتملا لأكثر من معنى، ولكن سياق الكلام هو الذي يعين المراد باللفظ من هذه المعاني، فسياق الألفاظ مثل شواهد الأحوال وكل منهما قرينة المعنى المقصود إلا أن هذه قرينة مرئية بالعين وهذه قرينة مسموعة بالآذان.

**

فإذا أتى التأويل بعد سياقة*** تبدي المراد أتى على استهجان
وإذا اتى الكتمان بعد شواهد ال***أحوال كان كأقبح الكتمان
فتأمل الألفاظ وانظر ما الذي*** سيقت له ان كنت ذا عرفان
والفوزق وصف ثابت بالذات من*** كل الوجوه لفاطر الأكوان
لكن نفاة الفوق ما وافوا به*** جحدوا كمال الفوق للديان
بل فسروه بأن قدر الله أعـ***لى لا بفوق الذات للرحمن
قالوا وهذا مثل قول الناس في*** ذهب يرى من خالص العقبان
هو فوق جنس الفضة البيضاء لا*** بالذات بل في مقتضى الأثمان
والفوق أنواع ثلاث كلها*** لله ثابتة بلا نكران
هذا الذي قالوا وفوق القهر وال***فوقية العليا على الأكوان

الشرح: يعني إذا دل سياق الكلام وفحواه على المعنى المراد من اللفظ، فإن التأويل عند ذلك يكون قبيحا مستهجنا كقبح الكتمان لما دلت عليه شواهد الأحوال، فالواجب هو تأمل الألفاظ والنظر فيما سيقت له حتى يعرف المراد بها.

ولا شك أن لفظ الفوق في جميع سياقاته في القرآن الكريم يفيد أن الثابت لله عز وجل هو الفوقية المطلقة بجميع معانيها. فإن الفوق وصف ثابت لله، فيجب أن يكون الثابت له هو كمال الفوق لا بعض الفوق، ولكن نفاة الفوق جحدوا كمال هذا الوصف، كما جحدوا كمال علوه من قبل، وفسروا الفوق بأحد المعاني التي يحتملها، وهو فوقية القدر، كما يقال الذهب فوق الفضة، بمعنى أنه أغلى منها ثمنا.

ولا شك أن هذا المعنى الذي ذكروه صحيح ولكن ليس هو كل المراد من لفظ الفوق، فإن للفوقية معاني ثلاثة: هي فوقية الذات، وفوقية الدر والعظمة، وفوقية القهر، وكلها ثابتة لله جل شانه حسبما يقتضيه اطلاق اللفظ.

**

فصل

هذا ورابعها عروج الروح وال***أملاك صاعدة الى الرحمن
ولقد أتى في سورتين كلاهما اشتملا على التقدير بالأزمان
في سورة فيها المعارج قدرت*** خمسين ألفا كامل الحسبان
وبسجدة التنزيل ألفا قدرت*** فلأجل ذا قالوا هما يومان
يوم المعاد بذي المعارج ذكره*** واليوم في تنزيل في ذا الآن
وكلاهما عندي فيوم واحد*** وعروجهم فيه الى الديان
فالألف فيه مسافة لنزولهم*** وصعودهم نحو الرفيع الداني
هذي السماء فإنها قد قدرت*** خمسين في عشر وذا صنفان
لكنما الخمسون ألف مسافة السبع الطباق وبعد ذي الأكوان
من عرش رب العالمين الى الثرى*** عند الحضيض الأسفل التحتاني

الشرح: الوجه الرابع من تلك الوجوه النقلية الدالة على علوه تعالى على خلقه اخباره سبحانه بعروج الملائكة والروح إليه، ورد ذلك في سورتين من كتاب الله، وفي كل منهما قدر العروج بالأزمان، ففي سورة المعارج قدر ذلك بخمسين ألف سنة، قال تعالى:{ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبرا جميلا} [ المعارج: 4 ، 5].

وفي سورة ألم تنزيل السجدة قدر بألف سنة فقط، قال تعالى:{ يدبّر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون} [ السجدة: 5] ومن أجل هذا الاختلاف في مدة العروج ظنّ كثير من المفسرين أنهما يومان متغايران، وليس المراد بهما يوما واحدا، فاليوم المذكور بذي المعارج هو يوم المعاد كما يفيده السياق في قوله تعالى:{ إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا * يوم تكون السماء كالمهل} [ المعارج: 6 _ 8]. الآيات.

وأما اليوم المذكور في ألم تنزيل فهو في الدنيا، واختار المؤلف رحمه الله أن المراد بهما يوم واحد، وأن العروج فيه الى الله عز وجل، وإنما اختلفت المدة في الآيتين، فكانت في إحداهما ألفا وفي الأخرى خمسين ألفا لاختلاف المسافة المقطوعة في كل منهما، فالألف جعلت مدة لنزول الملائكة وصعودهم الى السماء الدنيا، فإن المسافة بين الأرض والسماء الدنيا قدرت في الأحاديث بخمسمائة عام فإذا قدر نزولهم وصعودهم كان المجموع ألف سنة. وأما الخمسون ألفا فهي المدة التي يعرجون فيها من فوق السبع الطباق من عند العرش الى المركز الأسفل الذي هو الحضيض.

**

واختار هذا القول في تفسيره البغوي ذاك العالم الرباني
ومجاهد قد قال هذا القول لكن ابن اسحاق الجليل الشان
قال المسافة بيننا والعرش ذا المقدار في سير من الانسان
والقول الأول قول عكرمة وقو***ل قتادة وهما لنا علمان
واختاره الحسن الرضي ورواه عن*** بحر العلوم مفسر القرآن
ويرجع القول الذي قد قاله*** ساداتنا في فرقهم أمران
أحداهما ما في الصحيح لمانع*** لزكاته من هذه الأعيان
يكوي بها يوم القيامة ظهره*** وجبينه وكذلك الجنبان
خمسون ألفا قد ذاك اليوم في*** هذا الحديث وذاك ذو تبيان

الشرح: هذا القول الذي اختاره المؤلف من أن المراد باليومين يوم واحد وأن الاختلاف في الزمن مبني على اختلاف المسافة المقدرة لكل منهما قد اختاره الإمام البغوي في تفسيره، وهو مروي أيضا عن مجاهد الذي هو أشهر من نقل عن ابن عباس حتى قال فيه القائل ( إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) وأما ابن اسحاق صاحب السيرة فقال: إن الاختلاف يرجع الى كيفية السير فالمسافة التي بيننا وبين العرش تقطع بسير الإنسان في هذا المقدار وهو خمسون ألف سنة.

وأما القول الأول الذي فرق بين اليومين، فجعل أحدهما وهو المذكور بذي المعارج ليوم المعاد، والآخر في هذه الدنيا فقد ذهب اليه جل المفسرين عكرمة وقتادة، واختاره الحسن البصري وأسنده الى ابن عباس رضي الله عنهما، ومما يرجح هذا القول ما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح فتكوى بها جنباه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " الحديث بطوله رواه مسلم.

وقد مال الى هذا الفرق أيضا علامة القصيم الشيخ عبدالرحمن آل سعدي غفر الله له في شرحه على القصيدة النونية فقال ( والظاهر لي أن آية المعارج التقدير فيها ليوم القيامة، وأن معنى الكلام بعظمة ذلك اليوم وطوله العظيم، وأنه في ذلك اليوم يظهر للخلائق من عظمة الرب وعظمة ملكه وكمال تدبيره، وأن أمور الملك وتدابيره تعرج بها الملائكة وتنزل فيها منه، والسياق في الآيات التي في المعارج، يدل على ذلك. وأما تقديره بالألف في سورة السجدة فإنه في الدنيا، لأن السياق أيضا يدل عليه، فإنه في سياق بيانه في الدنيا ليعرفوا عظمة الله وكبرياءه ونفوذ تدبيره).

منير الليل
05-05-2003, 02:54 AM
**

فالظاهر اليومان في الوجهين يو***م واحد ما أن هما يومان
قالوا وإيراد السياق بين المضـ***ـمون منه بأوضح التبيان
فانظر الى الأضمار ضمن يرونه*** ونراه ما تفسيره ببيان
فاليوم بالتفسير أولى من عذا***ب واقع للقرب والجيران
ويكون ذكر عروجهم في هذه الدنيـ** ـا ويوم قيامة الأبدان
فنزولهم أيضا هنالك ثابت*** كنزولهم أيضا هنا للشأن
وعروجهم بعد القضا كعروجهم*** أيضا هنا فلهم اذا˝ شانان
ويزول هذا السقف يوم معادنا*** فعروجهم للعرش والرحمن
هذا وما اتضحت لدي وعلمها المـ***ـوكول بعد لمنزل القرآن
وأعوذ بالرحمن من جزم بلا*** علم وهذا غاية الامكان
والله أعلم بالمراد بقوله*** ورسوله المبعوث بالفرقان

الشرح: يعني أن الظاهر هو كون اليومين المذكورين في آية المعارج وحديث مانع الزكاة يوم واحد لا يومان، وإيراد السياق في كل من السورة الكريمة، والحديث يبين أن المراد به يوم واحد هو يوم الميعاد بأضوح بيان وأجلاه، ونحن إذا تأملنا في الضمير الواقع مفعولا في كل من يرونه ونراه الى مرجعه في الكلام السابق وجدنا أن رجوعه الى اليوم وتفسيره به أولى من رجوعه الى عذاب واقع وذلك لأن اليوم أقرب مذكور، ويكون حينئذ ما في آية السجدة بيانا لعروجهم في هذه الدنيا، وما في آية المعارج بيانا لعروجهم يوم القيامة، ولهم كذلك نزولان نزول يوم القيامة، وهو المشار إليه لقوله تعالى:{ يوم تشقٌق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا} [ الفرقان: 25] ونزولات في الدنيا للقيام بما يكلفهم ربهم من شؤون خلقه، وإليه الإشارة الى قوله تعالى:{ وما نتنزّل إلا بأمر ربك} [ مريم: 64] وقوله:{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام} [ القدر: 4 ، 5] وعروجهم بعد فصل القضاء وفراغ الله عز وجل من محاسبة الخلق، هو كعروجهم في هذه الدنيا هو الى العرش والرحمن، ولكن العروج الأول يكون بعد زوال هذا السقف، يعني السموات السبع، وطيها كطي السجل للكتب، فلا يبقى هناك مراحل للصعود والعروج.

وبعد أن ساق المؤلف رحمه الله كلا من المذهبين، المذهب الذي اختاره هو والمذهب الذي رواه عن جمهرة المفسرين، وبعد أن ساق الأدلة المقوية لهذا المذهب الثاني اعتذر بأن المسألة لم تتضح له تماما، ووكل علمهما الى الله عز وجل، واستعاذ بالله من أن يقطع فيها برأي على غير علم وبينة، وقال أن هذا هو أقسى ما أمكنه من تحقيقها، والله ورسوله أعلم بالمراد من كلامه عز وجل.

**

فصل

هذا وخامسها صعود كلامنا*** بالطيبات اليه والاحسان
وكذا صعود الباقيات الصالحا***ت اليه من أعمال ذي الايمان
وكذا صعود تصدق من طيب*** أيضا اليه عند كل أوان
وكذا عروج ملائك قد وكلوا*** منا بأعمال وهم بدلان
فإليه تعرج بكرة وعشية*** والصبح يجمعهم على القرآن
كي يشهدون ويعرجون اليه بالأعمـ***ـال سبحان العظيم الشان
وكذاك سعي الليل يرفعه الى الـ***ـرحمن من قبل النهار الثاني
وكذاك سعي اليوم يرفعه له*** من قبل ليل حافظ الانسان

الشرح: هذا هو خامس الوجوه النقلية، وهو اخباره سبحانه بصعود الكلم الطيب والأعمال الصالحة إليه، قال تعالى:{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [ فاطر:10] وكذا تصعد إليه الصدقة إذا كانت من كسب طيب، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد الى الله تعالى إلا الطيب، فإن الله عز وجل يقبلها بيمينه فيريبها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل أحد".

وكذلك ورد في الأثر بأن أعمال العباد يعرج بها الى الله الملائكة الموكلون بها فيصعد بها ملائكة النهار بعد صلاة العصر، وملائكة الليل بعد صلاة الفجر، روى الأعوج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" ولهذا كان الأرجح في الصلاة الوسطى أنها صلاة العصر، وقال تعالى في صلاة الفجر:{إن قرآن الفجر كان مشهودا} [ الإسراء: 78] يعني تشهده الملائكة، ثم يعرجون الى الله بالأعمال بعد الفراغ من الصلاة.

وورد كذلك أن عمل الليل يرفع إليه سبحانه قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:" قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال:" إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور أو قال النار لو كشفته لأحرقت سبحات وجهه ما انتى اليه بصره من خلقه".

**

وكذلك معراج الرسول اليه حـ***ـق ثابت ما فيه من نكران
بل جاوز السبع الطباق وقد دنى*** منه الى أن قدرت قوسان
بل عاد من موسى اليه صاعدا*** خمسا عداد الفرض في الحسبان
وكذاك رفع الروح عيسى المرتضى*** حقا اليه جاء في القرآن
وكذاك تصعد روح كل مصدق*** لما تفوز بفرقة الأبدان
حقا اليه كي تفوز بقربه*** وتعود يوم العرض للجثمان
وكذا دعا المظلوم أيضا صاعد*** حقا اليه قاطع الأكوان

الشرح: وكذلك ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء عرج بشخصه يقظة الى السماء فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:" ثم عرج به الى الجبار جل جلاله وتقدست اسماؤه فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى وفرض له خمسين صلاة فرجع حتى مر على موسى فقال: بم أمرت؟ قال: بخمسين صلاة، فقال أن أمتك لا تطيق ذلك ارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فالتفت إليه جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار نعم ان شئت فعلا به جبريل حتى جاء به الى الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه فوضع عنه عشرا، ثم نزل حتى مرّ بموسى فأخبره، فقال ارجع الى ربك فاسأل التخيف فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله تبارك وتعالى حتى جعلها خمسا فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف فقال قد استحييت من ربي ولكن أرضى وأسلم، فلما نفذ نادى مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي".

وكذلك أخبر الله عن عيسى روح الله وكلمته أنه رفعه إليه لما اراد اليهود قتله، قال تعالى:{ وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا} [ آل عمران: 55] وقال:{ بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} [ النساء: 158] وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كيف أنتم إذا نزل ابن مريم من السماء فيكم وأمامكم منكم" والمراد بهذا نزوله من السماء فيكم وامامكم منكم" والمراد بهذا نزوله من السماء بعد رفعه الى الله عز وجل.

وكذلك ثبت أن روح المؤمن حين تفارق جسده عند الموت تصعد بها ملائكة الرحمة حتى تقف بين يدي الله عز وجل، وأنها تنعم هناك بقربه في الجنة حتى تعود الى جسدها يوم القيامة، وكذاك يرفع إليه دعاء المضطرين فيجيب ما دعوه إليه ان شاء كما قال سبحانه:{ أمّن يجيب المضطر إذا دعاه} النمل: 62] ودعاء المظلومين فينتقم ممن ظلمهم، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه الى اليمن:" واتق دعوة المظلوم فانها ليس بينها وبين الله حجاب" وردد أن الله يرفعها فوق الغمام ويقول وعزتي لأجيبنّك ولو بعد حين.

منير الليل
05-05-2003, 08:09 AM
**

فصل

هذا وسادسها وسابعها النزول*** كذلك التنزيل للقرآن
والله أخبرنا بأن كتابه*** تنزيله بالحق والبرهان
أيكون تنزيلا وليس كلام من*** فوق العباد أذاك ذو امكان
أيكون تنزيلا من الرحمن والر*** حمن ليس مباين الأكوان
وكذا نزول الرب جل جلاله*** في النصف من ليل وذاك الثاني
فيقول لست بسائل غيري بأحـ***ـوال العباد أنا العظيم الشأن
من ذاك يسألني فيعطي سؤله*** من ذا يتوب اليّ من عصيان
من ذاك يسألني فأغفر ذنبه*** فأنا الودود الواسع الغفران
من ذا يريد شفاءه من سقمه*** فأنا القريب مجيب من ناداني
ذا شأنه سبحانه وبحمده*** حتى يكون الفجر فجرا ثان
يا قوم ليس نزوله وعلوه*** حقا لديكم بل هما عدمان
وكذا يقول ليس شيئا عندكم*** لا ذا ولا قول سواه ثان
كل مجاز لا حقيقة تحته*** أول وزد وانقص بلا برهان

**

الشرح: هذا بيان للوجهين السادس والسابع من الأدلية النقلية الدالة على علوه تعالى وهما نزوله سبحانه الى السماء الدنيا كل ليلة على ما وردت به الأحاديث الصحيحة المتواترة في المهنى، والثاني تنزيله القرآن من عنده كما نطقت به الآيات في مثل قوله تعالى:{ قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ليثبّت الذين آمنوا وهدى وبشى للمسلمين} [ النحل: 102] وقوله في أول سورة غافر:{ جك * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} وقوله:{حم * تنزيل من الرحمن الرحيم} [ فصلت: 1 ، 2] وفي أول سورة الزمر { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} الخ. وهذا التنزيل يقتضي علو من انزله وكونه فوق عرشه مباينا لخلقه، فإن التنزيل مصدر نزل بمعنى ألقي الشيء من أعلى الى أسفل فيكون الملقي عاليا على من أنزله إليهم وإلا لم يصح تسميته تنزيلا إذا كان المتكلم به ليس فوق عباده ولا مباينا لهم بل يسمى بغير ذلك مما لا يقتضي العلو كالتبليغ والتوصيل.

واما نزوله تبارك وتعالى فقد ورد من طرق متعددة فيها اختلاف في بعض الألفاظ ففي بعضها أنه ينزل حين يبقى ثلث الليل الأخير، وفي بعضها أنه ينزل حين يتعار من الليل شطره الأول ولكنها كلها متفقة على اثبات النزول وأنه الى السماء الدنيا ويقول سبحانه إذا نزل لا أسأل عن عبدي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يدعوني فأستجب له ويظل هكذا سبحانه الى أن يطلع الفجر الثاني الذي يعرف بالصادق.

ولا شك أن معنى النزول معروف لا يمكن جحده ولا المماراة فيه وتأويل ذلك بنزول الملك أو بقرب الرحمة كما يقول المعطلة اخراج الكلام عن معناه المتبادر منه بلا قرينة، فإن ادعوا ان النزول الحسي مستحيل لأنه يقتضي هبوطا وانتقالا من مكان الى آخر وتفريغ محل وشغل آخر وان تكون السماء ظرفا للرب تبارك وتعالى قلنا لهم نحن نثبت النزول على ما أراده الله عز وجل بلا خوض في كيفيته فلا يقتضي نزوله عندنا شيئا من هذه اللوازم الفاسدة التي يقتضيها نزول المخلوق وأما عم فلا يثبتون له نزولا ولا علوا، بل ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله بدعوى أن ذلك من لوازم الجسم، وأنه يقتضي المشابهة، وكذلك ينفون عنه أنه يقول هذه الكلمات التي تضمنها هذا الحديث كما ينفون عنه قول آخر وكل ذلك عندهم محمول على المجاز والتأويل بلا دليل ولا برهان.

**

هذا وثامنها بسورة غافر*** هو رفعة الدرجات للرحمن
درجاته مرفوعة كمعارج*** أيضا له وكلاهما رفعان
وفغيل فيها ليس معنى فاعل*** وسياقها يأباه ذو التبيان
لكنها مرفوعة درجاته*** لكمال رفعته على الأكوان
هذا هو القول الصحيح فلا تحد*** عنه وخذ معناه في القرآن
فنظيرها المبدي لنا تفسيرها*** في ذي المعارج ليس يفترقان
والروح والأملاك تصعد في معا*** رجه اليه جل ذو السلطان
ذا رفعة الدرجات حقا ما هما*** الا سواء أو هما شبهان
فخذ الكتاب ببعضه بعضا كذا*** تفسير أهل العلم للقرآن

الشرح: هذا هو الوجه الثامن، وهو اخباره سبحانه عن نفسه في سورة غافر بأنه رفيع الدرجات، ولا يصح أن يكون رفيع هنا بمعنى رافع. فإن السياق يأباه، فقد وصف الله نفسه قبل هذا بأنه العليّ الكبير، ثم وصف نفسه بعد ذلك بأنه رفيع الدرجات ذو العرش، فالأوصاف كلها راجعة الى رفعته هو وارتفاعه على خلقه لا الى رفعه بعض خلقه على بعض درجات، كما فهمه من لا يحسن تذوق كلام الله عز وجل، ولكن فعيل هنا بمعنى مفعول، والمراد أن درجاته مرفوعة لكمال علوه على خلقه، فهو كقوله تعالى [ المعارج: 3] { من الله ذي المعارج} يعني المصاعد التي تصعد فيها الملائكة اليه جل سلطانه، فهي درجات بعضها فوق بعض، وانتهاؤها اليه سبحانه هذا هو التفسير الذي يجب المصير اليه، فإن الله قد أنزل القرآن يصدق بعضه بعضا، وخير ما يفسر به القرآن هو القرآن.

**

فصل

هذا وتاسعها النصوص بأنه*** فوق السماء وذا بلا حسبان
فاستحضر الوحيين وأنظر ذاك تلقـ***ـاه مبينا واضح التبيان
ولسوف نذكر بعض ذلك عن قر***يب كي تقوم شواهد الايمان
واذا أتتك فلا تكن مستوحشا*** منها ولا تك عندها بجبان
ليست تدل على انحصار الهنا*** عقلا ولا عرفان ولا بلسان
اذ أجمع السلف الكرام بأن معنـ***ـاها كمعنى الفوق بالبرهان
أو أن لفظ سمائه يعني به*** نفس العلو المطلق الحقاني
والرب فيه وليس يحصره من الـ*** ـمخلوق شيء عز ذو السلطان
كل الجهات بأسرها عدمية*** في حقه هو فوقها ببيان
قد بان عنها كلها فهو المحيـ***ـط ولا يحاط بخالق الأكوان
ما ذاك ينقم بعد ذو التعطيل من*** وصف العلو لربنا الرحمن
أيرد ذو عقل سليم قط ذا*** بعد التصور يا أولي الأذهان
والله ما رد امرؤ هذا بغـ***ير الجهل أو بحمية الشيطان

الشرح: هذا هو الوجه التاسع، وهو ما صرّحت به النصوص التي لا تحصى كثرة من الكتاب والسنة بأن الله عز وجل في السماء، ومن يستحضرهما وينظر فيهما يلق ذلك في غاية الوضوح والبيان، فمن الكتاب قوله عز وجل:{ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} [ الملك].

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:" ألا تأمنوني وأنا أمين من السماء" وقوله:" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وقوله في الرقية:" ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك" الخخ الحديث.

وقوله لأبي حصين: كم الها تعبد؟ فقال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، فمن تعد لرغبتك ورهبتك؟ فقال الذي في السماء ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قوله أنه في السماء، ومثل ذلك قوله للجاريه: أين الله؟ فقالت في السماء، فقال لسيدها اعتقها فإنها مؤمنة.

وينبغي لرجل السنة أن لا يستوحش من قراءة هذه الآيات والأحاديث ولا يتهيب الاستدلال بها على علوه تعالى على خلقه لما فيها من إيهام انحصاره تعالى في بعض مخلوقاته على ما "في" من معنى الظرف، لانا نقول أنها لا تدل على الانحصار عقلا ولا عرفا ولا لغة، فقد أجمع السلف على أن " في" هنا ليست على معناها من الظرفية، وإنما هي بمعنى " على" كما في قوله تعالى:{ لأصلبنّكم في جزوع النخل} [ طه:17] فهي هنا بمعنى الفوق للاتفاق على أن الله لا يحصره شيء ولا يحيط به شيء من خلقه، أو يراد من السماء في الآيات والأحاديث جهة العلو، ولا شك أن الله في هذه جهة، فله العلو المطلق على سائر خلقه، بحيث لا يكون شيء منها حاصرا له ولا محيطا به، فهو سبحانه ليس في جهة وجودية من هذه الجهات الواقعة داخل هذا العالم، ولكن الجهات كلها بالنسبة اليه عدمية، فإنه فوق العرش، والعرش هو الجسم الذي تنتهي به كرة العالم، فالله عز شانه هناك حيث انتهت جميع المخلوقات، فهو فوقها مباين لها محيط بها، ولا يحيط به شيء منها.

فإذا فهم علوه تعالى على خلقه بهذا المعنى، فما الذي ينكره المعطل على من أثبت هذا العلو وصفا لله عز وجل ما دام هذا العلو لم يقتض حلولا ولا انحصارا والا اتصال بالمخلوق. وهل يجوز لمن عنده مسكة من العقل السليم والفهم الصحيح أن يرد هذا بعد تصوره على هذا النحو الذي لا يقتضي نقصا ولا محالا، ان رده وانكاره لا يكون إلا على هذا النحو الذي لا يقتضي نقصا ولا محالا، وان رده وانكاره لا يكون إلا عن أحد أمرين لا ثالث لهما: اما جهل بحقيقته وعدم فهم لمعناه، واما تعصب وحمية وطاعة للشيطان الرجيم.

فصل

هذا وعاشرها اختصاص البعض*** من أملاكه بالعند للرحمن
وكذا اختصاص كتاب رحمته بعند الله فوق العرش ذو التبيان
لو لم يكن سبحانه فوق الورى*** كانوا جميعا عند ذي السلطان
ويكون عند الله ابليس وجبريل هما في العند مستويان
وتمام ذاك القول أن محبة الرحمن عين ارادة الأكوان
وكلاهما محبوبه ومراده*** وكلاهما هو عنده سيان

الشرح: هذا هو الوجه العاشر، ويقوم على ما وردت به النصوص من الكتاب والسنة، ومن اختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده سبحانه، فمن الكتاب قوله تعالى في شان الملائكة:{ ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} [ الأنبياء: 19] وقوله في شانهم أيضا:{ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبّحون به بالليل والنهار وهم لا يسأمون} [ فصلت: 38] وقوله تعالى في أهل الجنة:{ إن المتقين في جنّات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [ القمر: 54 ، 55] ومن السنة مثل قوله عليه الصلاة والسلام " ان الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتي سبقت غضبي".

فهذا من أعظم الأدلة على علوه تعالى على خلقه، فتكون بعض مخلوقاته أقرب اليه من بعض، إذ لو لم يكن كذلك لما هناك معنى لاختصاص بعضها بالقرب منه، بل تكون جميعا عنده سواء، بل يكون أقربها وهو جبريل عليه السلام بمنزلة، أبعدها وهو إبليس في تلك العندية، وهذا لازم للجهمية الذين نفوا علهوه تعالى ومنعوا نسبة العباد إليه بالقرب والبعد، وجعلوا نسبتهم اليه نسبة واحدة،، وزعموا أن محبته عين إرادته. وأن كل من اراده الله فقد أحبه، فلزمهم أن يكون كل من جبريل وابليس مرادا له ومحبوبا، وأن يكون كلاهما سواء عنده والحق أن محبته سبحانه فير ارادته للأشياء بالارادة الكونية القدرية، لأن المحبة إنما تتعلق بما يأمر الله به عباده ويريد منهم شرعا، وهذا ليس بلازم أن يقع فقد لا يريده الله كونا وقدرا، وأما الارادة الكونية فتتعلق بكل كائن. سواء كان مما يحبه الله ويرضاه، أو كان مما يبغضه ويسخطه.

**

ان قلتم عندية التكوين فالذاتان عند الله مخلوقان
أو قلتم عندية التقريب تقريب الحبيب وما هما عدلان
فالحب عندكم المشيئة نفسها*** وكلاهما في حكمهما مثلان
لكن منازعكم يقول بأنها*** عندية حقا بلا روغان
جمعت له حب الاله وقربه*** من ذاته وكرامة الاحسان
والحب وصف وهو غير مشيئة*** والعند قرب ظاهر التبيان

الشرح: يعني يقال لهؤلاء الجهمية الذين ينفون العندية الحقيقية المستلزمة لقرب بعض عباده قربا حقيقيا، كما دلت عليه الآيات والأحاديث، بماذا تفسرون تلك العندية؟ فإن قلتم انها عندية تكوين، فقد نفيتم أن يكون لجبريل زيادة اختصاص على عدو الله ابليس في ذلك، إلا لا شك أن ذات كل منهما مخلوقة لله، فهما في تلك العندية سواء.

وإن قلتم انها عندية تقريب ومحبة، وليس جبريل وابليس في حكمهما سواء، فقد نقضتم مذهبكم، فإنكم تقولون إن المشيئة عين المحبة، ولا شك أن جبريل وابليس في حكم المشيئة سواء، فيكونان كذلك في المحبة أيضا، فإن المتماثلين في حكم أحد المتساويين يتماثلان في حكم الاخر.

وإذا بطل تفسير العندية على الوجهين عندكم، فالحق ما ذهب اليه السلف من أن العندية هنا على حقيقتها، فهي تجمع لمن ثبتت له حب الاله عزّ وجل وقربه من ذاتنه وكرامته بإحسانه، وذلك لأن لفظ العند واضح في معنى القرب، وهو قرب ذات ومحبة واحسان، ولا يلزم من قرب المحبة عموم ذلك لكل كائن، لأن الحب غير المشيئة.

**

منير الليل
05-05-2003, 08:10 AM
فصل

هذا وحادي عشر هن اشارة*** نحو العلو بإصبع وبنان
لله جل جلاه لا غيره*** إذ ذاك اشراك من الانسان
ولقد أشار رسوله في مجمع الحج العظيم بموقف الغفران
نحو السماء بأصبع قد كرمت*** مستشهدا للواحد الرحمن
يا رب فأشهد انني بلغتهم*** ويشير نحوهم لقصد بيان
فغدا البنيان مرفعا ومصوبا*** صلى عليك الله ذو الغفران
أديت ثم نصحت اذ بلغتنا*** حق البلاغ الواجب الشكران

الشرح: هذا هو الوجه الحادي عشر، وهو الإشارة بالاصبع الى جهة العلو عند ذكر الله عز وجل أو اشهاده على أمر من الأمور، فلا شك أن تلك الإشارة ينبغي أن لا تكون إلا لله، فإن الإشارة الى غيره في مثل هذا المقام إشراك، ولقد كان صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس يوم المجمع العظيم بعرفة في حجة الوادع يشير بإصبعه الكريمة الى السماء كلما ألقى إليهم أمرا من أمور الدين ووصايا قائلا: ألا هل بلغت اللهم فاشهد ثم يخفضها إليهم وهذا من أقوى الأدلة على علوه تعالى وفوقيته إذ لو كانت كل الأمكنة والجهات غليه متساوية لما كان هناك معنى للاشارة الى جهة العلو بالذات بل لم يكن هناك حاجة الى الاشارة أصلا، فصلوات الله وسلامه على من هو أعلم الخلق بربه وما ينبغي له من التنزيه، لقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح لأمته، فجزاه الله عنها خير ما يجزي به رسولا كريما، وقائدا برا رحيما.

**

فصل

هذا وثاني عشرها وصف الظهو***ر له كما قد جاء في القرآن
والظاهر العالي الذي ما فوقه*** شيء كما قد قال ذو البرهان
حقا رسول الله ذا تفسيره*** ولقد رواه مسلم بضمان
فاقبله لا تقبل سواه من التفا***سير التي قيلت بلا برهان
والشيء حين يتم منه علوه*** فظهوره في غاية التبيان
أو ما ترى هذي السما وعلوها*** وظهورها وكذلك القمران
والعكس أيضا ثابت فسفوله*** وخفاؤه اذ ذاك مصطحبان

الشرح: هذا هو الوجه الثاني عشر وهو ما وصف الله به نفسه في كتابه من الظهور، قال الله تعالى:{ هو الأول والآخر والظاهر والباطن} [ الحديد: 3].

ومعنى الظاهر في الآية هو العالي الذي لا شيء فوقه كما فسر بذلك أعلم الخلق بمعاني أسماء الله وصفاته محمد عبدالله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأى أحدكم أن ينام فليضطجع على شقه الأيمن ثم ليقل: اللهم رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ورب كل شيء، فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" والشاهد هنا في قوله: وأنت الظاهر فليس فوقك شيء. فلا شك أن ما بعد الفاء تفسير لما قبلها ونفي فويقة شيء عليه يستلزم علوه المطلق على كل ما سواه، وهذا التفسير المأثور يتعين المصير اليه وعدم الالتفات الى ما سواه مما يعرف به من لا علم عندهم بمعاني أسمائه سبحانه من المعطلة الذين يؤولون الظهور هنا بأنه ظهور القدرة أو الغلبة، أو بأنه ظهوره في أفعاله ووضوح دلالتها على وجوده، فكلها تفاسير لا دليل عليها، ولا يجوز لمؤمن بعد ورود التفسير عنه عليه السلام لاسم من أسمائه تعالى أن يضع له هو تفسيرا من عنده أو يلتفت الى ما فسره الناس به فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، مما يشهد لصحة هذا التفسير دون ما سواه، اننا نرى في الشاهد أن الشيء كلما تم علوه كان في غاية الظهور فالعلو والظهور متلازمان بحيث يصح أن يقال كل عال ظاهر وبالعكس. ومثال ذلك أن السماء والشمس والقمر لما كانت فوق الأرض كانت ظاهرة لأهلها، ونشاهد كذلك أن السفول والخفاء متلازمان، فالشيء كلما زاد سفوله زاد خفاؤه.

**

فانظر الى علو المحيط وأخذه*** صفة الظهور وذاك ذو تبيان
وانظر خفاء المركز الأدنى ووصف السفل فيه وكونه تحتاني
وظهوره سبحانه بالذات مثل علوه فهما له صفتان
لا تجحدنها جحود الجهم أو*** صاف الكمال تكون ذا بهتان
وظهوره هو مقتض لعلوه*** وعلوه لظهوره ببيان
وكذاك قد دخلت هناك الفاء للتبيب مؤذنة بهذا الشان
فتأملن تفسير أعلم خلقه*** بصفاته من جاء بالقرآن
اذ قال أنت كذا فليس لضده*** أبدا اليك من تطرق الاتيان

الشرح: ومما يدلّ على التلازم بين اظهور والعلو أنا لعرش وهو الجسم المحيط بالمخلوقات لما كان فوقها جميعا كان أشدها ظهورا كما أن المركز الادنى وهو الحضيض التحتاني لما كان أسفلها كان أشدها خفاء، فظهوره سبحانه هو مقتض لعلوّه وكذلك العكس فكل منهما صفة ثابتة له على الحقيقة لا يجوز جحدها، ولا تأويلها بما يصرفها عن حقيقتها بلا دليل، كما هو دأب الجهمية في تفهيم صفات الكمال عنه سبحانه وحملهم إياها على معان بعيدة متكلفة يعلم كل أحد أنها ليست هي المتبادر من اللفظ عند اطلاقه زاعمين أن قرينة العقل كافية في ذلك الصرف، فيا لسخافة العقول، ولما كان الظهور والعلو كما قدمنا كل منهما مقتض للآخر فجاءت فاء السببية في كلامه صلى الله عليه وسلم مؤذنة باستلزام ما قبلها لما بعدها، فكونه ظاهرا على الأشياء جميعا مستلزم أن لا يكون منها شيء فوقه، ونفي فوقية شيء عليه مستلزم لاثبات علوه على كل شيء.


قال ابن القيم: والمقصود أن التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له ربا يقصده. وملجأ يلجأ إليه، وأما تعبده باسمه الباطن فأمر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته، وبكل اللسان عن وصفه، فإنه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل مخلصة من فرث التشبيه، منزهة عن جس الحلول والاتحاد، وعبارة مؤدبة للمعنى، كاشفة عنه، وذوقا صحيحا، سليما من أذواق أهل الانحراف.

وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة عظمة الرب سبحانه، واحاطته بالعالم، وأنا لعوالم كلها في قبضته، وأن السموات السبع والأرضين السبع في يده كخردلة في يد العبد قال تعالى:{ وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} [ الإسراء: 60] وقال:{ والله من ورائهم محيط} [ البروج:20] ولهذا يقرن سبحانه وتعالى بين هذين الإسمين، الدالين على هذين المعنيي، اسم العلو الدال على أنه ( الظاهر) وأنه لا شيء فوقه، واسم العظمة الدال على الاحاطة، وأنه لا شيء دونه كما قال تعالى:{ وهو العليّ العظيم} وقال تعالى:{ وهو العليّ الكبير} وقال:{ ولله المشرق والمغرب، فأينما تولّوا فثمّ وجه الله إن الله واسع عليم} [ البقرة: 115] وهو تبارك وتعالى كما أنه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء، فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء، بل ظهر على كل شيء من نفسه، وهو محيط به، حيث لا يحيط الشيء بنفسه، وكل في قبضته، وليس في قبضة نفسه، فهذا أقرب لاحاطة العامة.

منير الليل
05-06-2003, 05:31 AM
فصل

هذا وثالث عشرها اخباره*** انا نراه بجنة الحيوان
فسل المعطل هل نرى من تحتنا*** أم عن شمائلنا وعن أيمان
أم خلفنا وأمامنا سبحانه*** أم هل نرى من فوقنا ببيان
يا قوم ما في الأمر شيء غير ذا*** أو أن رؤيته بلا امكان
اذ رؤية لا في مقابلة من الرائي محال ليس في الامكان
ومن أدعى شيئا سوى ذا كان دعواه مكابرة على الأذهان

الشرح: هذا هو الوجه الثالث عشر وهو ما وردت به النصوص الصريحة من الكتاب والسنة بأن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة في الجنة قال تعالى:{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [ يونس: 26] وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فسر تلك الزيادة بأنها النظر الى وجه الله تعالى ـ وقال تعالى:{ وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة} [ القيامة: 23] وقال:{ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [ المطففين: 15] فدل حجب الكفار عن رؤيته على ثبوتها للمؤمنين. وأما أحاديث الرؤية فتشبه أن تكون متواترة في المعنى لكثرتها واشتهارها ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" انكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ليس دون سحاب ولا تضامون في رؤيته".

وإذا كانت الرؤية قد صارت قطعية الثبوت بتلك الأدلة فينبغي أن يسأل المعطل لاستوائه تعالى على عرشه على الجهة التي تقع فيها الرؤية، فإن الجهات ست ولا بد من وقوع الرؤية في واحدة منها، فهل نراه من تحتنا ـ حاشاه سبحانه ـ أو عن أيماننا أو عن شمائلنا أو من خلفنا أو أمامنا أو نراه من فوقنا، لا تحتمل القسمة أكثر من هذا، فإذا نفى المعطل عنه سائر الجهات التي تمكن منها الرؤية صارت الرؤية ممتنعة غير ممكنة، لأن المرئي يجب ان يكون في جهة الرائي، ومن ادعى امكان الرؤية بلا وجه فقد كابر العقول ووقع في التناقض لهذا لما رأى المعتزلة إنه لا يمكن اثبات الرؤسة مع نفي الجهة التزموا نفي الرؤية، وأولوا ما فيها من الآيات وردوا الأحاديث بدعوى أنها أحاديث آحاد ولا يؤخذ بها في الاعتقاد.

وأما الأشاعرة فإنه لما لم يستطيعوا انكار الرؤية وكانوا مع المعتزلة في نفي الجهة التزموا اثبات رؤية بلا وجه، بل قال بعضهم جهلا تقع الرؤيا كل جهة ولا يتأتى هذا إلا اذا انقلب الجسم كله عيونا ترى. وما أوقع الأشاعرة في هذا التناقض الشنيع الذي سلم منه المعتزلة إلا تأرجحهم بين المذاهب وأحذهم من كل منها بطرق حتى سموا بالملفقة.

**

ولذاك قال محقق منكم لأهل الاعتوال مقالة بأمان
ما بيننا خلف وبينكم لذي التحقيق في معنى فيا اخواني
شدوا بأجمعنا لنحمل حملة*** نذر المجسم في أذل هوان
اذ قال ان الهنا حقا يرى*** يوم المعاد كما يرى القمران
وتصير أبصار العباد نواظرا*** حقا اليه رؤية بعيان
لا ريب أنهم اذ قالوا بذا*** لزم العلو لفاطر الأكوان
ويكون فوق العرش جل جلاله*** فلذاك نحن وحزبهم خصمان
لكننا سلم وأنتم اذ تسا***عدنا على نفي العلو لربنا الرحمن
فعلوه عين المحال وليس فو***ق العرش من رب ولا ديان
ولا تنصبوا معنا الخلاف فما له*** طعم فنحن وأنتم سلمان
هذا الذي والله مودع كتبهم*** فانظر ترى يا من له عينان

الشرح: لما رأى بعض محققي الأشاعرة كالفخر الرازي وغيره تناقض مذهبهم في مسألة الرؤية. ذهبوا الى أن الرؤية الثابتة للمؤمنين في الآخرة ليست بصرية، وإنما هي زيادة انكشاف الرب لهم وتمام معرفتهم به حتى كأنهم يرونه بأعينهم، قالوا: وعلى هذا يرتفع الخلاف بيننا وبين المعتزلة لأن الرؤية التي نثبتها ليست هي التي تنفيها المعتزلة، فنحن وهم متفقون على نفي الرؤية البصرية التي تقتضي وقوع المرئي في جهة الرائي من جهة الرائي، ولو أن المعتزلة فسروا الرؤية بالمعنى الذي فسرناها به لم ينفوها، وإذا فيجب أن نكون نحن وهم البا واحدا على هؤلاء المجسمة الذين يزعمون أن الله يرى يوم القيامة بالأبصار رؤية حقيقية، كما يرى الشمس والقمر فإن إثبات مثل هذه الرؤيا مستلزم لاثبات جهة العلو له سبحانه، وكونه فوق العرش بذاته وهو أمر قد قطعت عقولنا باستحالته وخاصمنا هؤلاء المجسمة عليه وعاديناهم بسببه.

وأما أنتم معشر المعتزلة فسلم لنا اذ قد توافقنا على نفي الجهة عن الله، وأقمنا نحن وأنتم الأدلة على استحالة علوه واستوائه على العرش بذاته، وإذا فلا معنى للخلاف بيننا وبينكم. ومن تأمل كتب المتأخرين من الأشاعرة مثل الرازي وعضد الدين الأبجي والشريف الجرجاني والسعد التفتازاني والجلال الدواني وغيرهم وجدها مليئة بأمثال هذه المحاولات التي تبذل لرفع الخلاف بين مذهبي الأشاعرة والمعتزلة على حين أنهم لا يذكرون مذهب السلف إلا مقرونا بالاستخفاف والتحقير، ومع ذلك يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة تبججا وغرورا.

**

فصل

هذا ورابع عشرها اقرار سا***ئلة بلفظ الأين للرحمن
ولقد رواه أبو رزين بعدما*** سأل الرسول بلفظه بوزان
ورواه تبليغا له ومقررا*** لما أقر به بلا نكران
هذا وما كان الجواب جواب من*** لكن جواب اللفظ بالميزان
كلا وليس لمن دخول قط في*** هذا السياق لمن له أذنان
دع ذا فقد قال الرسول بنفسه*** اين الاله لعالم بلسان
والله ما قصد المخاطب غير معناها الذي وضعت له الحقاني
والله ما فهم المخاطب غيره*** واللفظ موضوع لقصد بيان

الشرح: هذا هو الوجه الرابع عشر وهو اقراره صلى الله عليه وسلم لمن سأله بلفظ الأين، واجابته على سؤاله ولو كان السؤال فاسدا لنبهه صلى الله عليه وسلم وبين له أن ذلك لا ينبغي في حق الرب جلّ شأنه ولم يجبه على سؤاله، فقد روي عن ابن رزين أنه قال: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض قال صلى الله عليه وسلم:" كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وكان عرشه على الماء".

فقوله كان في العماء الخ دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم فهم أن السائل يسأل عن حقيقة الأين، ولهذا أجابه بالجواب المطابق لسؤاله فمن السخف بعد هذا ان يدّعي أن السائل إنما أراد ( من ربنا) فإنه لا يصح أن يقال في جواب السائل بمن أنه في كذا، وانما يقال هو كذا، فالسياق كله في السؤال والجواب يبعد هذا بل ينفيه. وما لنا نتكلف هذا التأويل، وقد وقع السؤال يلفظ الأين منه هو نفسه صلوات الله عليه وسلامه حين قال للجارية أين الله، فقلت في السماء، فهل كان الرسول عليه السلام يقصد غير المعنى الحقيقي لفظ الأين، وهل فهمت الجارية من اللفظ غير هذا المعنى الذي وضع اللفظ لافادته كلا والله ما قصد الرسول الى غير هذا المعنى، ولا فهم المخاطب من اللفظ سواه.

منير الليل
05-06-2003, 01:58 PM
**

يا قوم لفظ الأين ممتنع على الرحمـ***ـن عندكم وذو بطلان
ويكاد قائلكم يكفرنا به*** بل قد وهذا غاية العدوان
لفظ صريح جاء عن خير الورى*** قولا واقرارا هما نوعان
والله ما كان الرسول بعاجز*** عن لفظ من مع أنها حرفان
والأين أحرفها ثلاث وهي ذو*** لبس ومن غاية التبيان
والله ما الملكان أفصح منه اذ*** في القبر من رب السما يسلان
ويقول أين الله يعني من فلا*** والله ما اللفظان متحدان
كلا ولا معناهما أيضا لذي *** لغة ولا شرع ولا انسان

الشرح: يعني أن الجهمية يمنعون السؤال بلفظ الأين في حق الله عز وجل لأنه إنما يسأل به عن المكان والجهة والله منزه في زعمهم عن الحلول في الأمكنة والجهات ولهذا يكادون يكفرون أهل السنة والجماعة لقولهم أنه فوق العرش بذاته بل قد كفروهم فعلا ظلما منهم وعدوانا فأين لفظ صريح في معناه وأورد عمن هو أعلم الخلق بربه. وقد ورد عنه رمة على جهة السؤال منه لغيره كما في سؤال الجارية، ومرة علاى جهة الإقرار لمن سأل به كما في حديث أبي رزين. فلو كان المقصود بأي في الموضعين أن تكون بمعنى من. فما الحكمة في العدول عن لفظ من ذا الذي هو صريح في معناه الى لفظ الأين الموقع في الاشتباه والحيرة هل كان الرسول عاجزا عن النطق مع أنهما حرفان حتى استعمل بدهل لفظ الاين الذي هوثلاثة أحرف وهل كان الملكان الموكلان بسؤال القبر أفصح منه حين يسألان الميت بقولهما من ربك. ويقول هو أين الله يعني بها مع أنه لا اتحاد أصلا بين اللفظين ولا بين معناهما لا لغة ولا شرعا ولا في عقل عاقل. اللهم أنه التعصب الأعمى الذي يصرف أصحابه عن الحق الواضح الصريح الى أقوال لا حجة عليها ولا دليل.

**

فصل

هذا وخامس عشرها الاجماع من*** رسل الاله الواحد المنان
فالمرسلون جميعهك مع كتبهم*** قد صرحوا بالفوق للرحمن
وحكى لنا أجماعهم شيخ الورى*** والدين عبد القادر الجياني
وأبو الوليد المالكي أيضا حكى*** اجماعهم علم الهدى الحراني
وله اطلاع لم يكن من قبله*** لسواه من متكلم ولسان
هذا ونقطع نحن أيضا أنه *** اجماعهم قطعا على البرهان

الشرح: هذا هو الوجه الخامس عشر وهو اجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام والكتب المنزلة على أن الله عز وجل في السماء وأنه فوق خلقه مستو على عرشه. وقد حكى هذا الاجماع غير واحد من العلماء المعتبرين مثل الشيخ عبدالقادر الجيلاني في كتابه المسمّة ( بالغنية) وأبي الوليد بن رشد الأندلسي المالكي المسمى بابن رشد الحفيد في كتابه ( الكشف عن مناهج الأدلة) يقول ابن رشد:

" القول في الجهة، وام هذه الصفة فما زال أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله. وظواهر الشرع كلها تقتضي باثبات الجهة مثل قوله تعالى:{ ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية} [ الحاقة: 17] ومثل قوله:{ يدبّر الأمر من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون} [ السجدة: 5] ومثل قوله:{ تعرج الملائكة والروح إلي} [ المعارج: 4] ومثل قلوه:{ أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} [ الملك:16]. الى غير ذلك من الآيات التي أن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا، وان قيل أنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي الى النبيين وأن من السماء نزلت الكتب واليها كان الاسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى وجميع الحكماء اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك".

وممن حكى هذا الاجماع كذلك شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبدالحليك بن تيمية الحراني الدمشقي الذي لم يأت الزمان له بنظير في سعة الاطلاع والجمع بين المعقول والمنقول مع قدرة فائقة في الجدل وبراعة في تصريف الحجج وسبر لأغوار المذاهب ووقوف على دقائقها.

وقد قطف المؤلف رحمه الله بهذا الاجماع الذي حكاه عن هؤلاء قطعا مبنيا على البرهان.

وكذاك نقطع انهم جاؤا باثبات الصفات لخالق الأكوان
وكذاك نقطع أنهم جاؤا باثبات الكلام لربنا الرحمن
وكذاك نقطع انهم جاؤوا باثبات المعاد لهذه الأبدان
وكذاك نقطع أنهم جاؤا بتو*** حيد الاله وما له من ثان
وكذاك نقطع أنهم جاؤا باثبـ***ـات القضاء وما له قولان
فالرسل متفقون قطعا في أصو***ل الدين دون شرائع الايمان
كل له شرع ومنهاج وذا*** في الأمر لا التوحيد فافهم ذان
فالدين في التوحيد واحد*** لم يختلف منهم عليه اثنان

الشرح: يعني كما نقطع باتفاق الرسل عليهم الصلاة والسلام واجماعهم على اثبات صفة العلو لله جل شأنه كذلك نقطع بأنهم متفقون على اثبات الصفات كلها لله فليس فيعن حاشاهم من يعطل الله عز وجل عن شيء من نعوت كماله وصفات جلاله كما تفعل الجهمية ومتفقون الى اثبات صفة الكلام لله فإن الشرائع التي نزلت عليهم ليست إلا كلام الله عز وجل قام جبريل الأمين بتبليغه اليهم ومتفقون على اثبات المعاد الجسماني خلافا اانصارى والفلاسفة الذين أنكروه.

ومتفقون أيضا على توحيد الله جلّ شانه وأنه لا اله غيره، ولا رب سواه. ومتفقون أيضا على اثبات القضاء والقدر الذي أنكرته القدرية والمعتزلة وبالجملة فهم متفقون على كل ما هو من أصول الدين مما يتعلق بالله عز وجل وأحوال اليوم الآخر فان دينهم فيها واحد لا اختلاف فيه قال تعالى:{ شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصّينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [ الشورى: 13] وقال تعالى:{ إن الدين عند الله الإسلام} [ آل عمران :19] وانما يختلف الرسل عليهم الصلاة والسلام في الأحكام والشرائع العملية الفرعية التي تتعلق بها الأوامر والنواهي والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان كما قال تعالى:{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}. [ المائدة: 48] أي في الفروع لا في الأصول.

**

دين الاله اختاره لعباده*** ولنفسه هو قيم الأديان
فمن المحال بأن يكون لرسله*** في وصفه خبران مختلفان
وكذاك نقطع أنهم جاؤوا بعد*** لـ الله بين طوائف الانسان
وكذاك نقطع أنهم أيضا دعوا*** للخمس وهي قواعد الايمان
أيماننا بالله ثم برسله*** وبكتبه وقيامة الأبدان
وبجنده وهو أصول الملائكة الآلى*** هم رسله لصالح الأكوان
هذي أصول الدين حقا لا أصو***ل الخمس للقاضي وهو الهمداني

الشرح: يعني أن الدين الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام هو دين الله الذي اختاره لعباده ورضيه لنفسه دينا وهو الدين القيّم الذي لا عوج فيه ولا انحراف فيجب أن يكون واحدا لا اختلاف فيه لأنه يقوم على الأخبار المتعلقة بأسماء الله عز وجل وصفاته وأفعاله والاخبار عن اليوم الآخر وما فيه. ومن المحال أن يقع بين الرسل اختلاف في هذه الأخبار لأن ذلك يستلزم أن يكون بعضها صادقا وهو ما طابق الواقع منها. وما عداه يكون كذبا وحاشا للرسل أن يكذبوا على الله عز وجل ويخبروا عنه بخلاف ما هو عليه الأمر، وأما الشرائع والأحكام الأمرية الطلبية فهذه لا يضر الاختلاف فيها مع القطع بأن شرائعهم كلها عادلة ومستقيمة.

ونقطع كذلك انهم دعوا أممهم الى قواعد الايمان الخمسة التي هي أولا الايمان بالله على الوجه الصحيح القائم على توحيده في الهيته، فلا معبود غيره،، وفي ربوبيته فلا خالق ولا مالك سواه، وفي أسمائه وصفاته، فنثبت له كل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسله من غير تكييف ولا تمثيل، وفي أفعاله فلا شريك له فيها وليس لغيره فعل يشبه فعله الى غير ذلك من شؤونه جل شانه.

وثانيا: الإيمان بارسل الذين جعلهم الله عز وجل وسطاء بينهم وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه وفضلا منه ورحمة، والايمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام يتضمن الايمان بعصمتهم في التبليغ وعدم كتمانهم لشيء مما أمروا بتبليغه وصدقهم في كل ما أخبروا به عن الله عز وجل الخ ما يتعلق بهم.

وثالثا: الإيمان بالكتب المنزلة على هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام نورا وهدى للناس، قال تعالى:{ لقد ارسلنا رسلنا بالبينات، وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [ الحديد: 25] ويجب الايمان تفصيلا بأربعة منها لورودها في القرآن، وهي التوراة التي أنزلت على موسى الكليم، والزبور الذي انزل على داود والانجيل الذي انزل على عيسى والقرآن الذي أنزل على محمد وهو المهيمن عليها جميعا.

ورابعا: الايمان باليوم الآخر على الوجه الصحيح الذي اخبرت عنه الرسل من قيام الأجساد من قبورها وحشرها الى الله عز وجل لفصل القضاء بينها ثم مصيرها الى الجنة أو الى النار الى آخر ما وردت به الأخبار من أحوال ذلك اليوم، كالصراط والميزان، وإيتاء الصحف، والشفاعة التي لنبينا صلى الله عليه وسلم في اهل الموقف وغيرها.

وخامسا: الإيمان بالملائكة الذين جعلهم الله عز وجل رسلا لتدبير مصالح خلقه، فمنهم المتوكل بانزال الوحي على الأنبياء، وهو جبريل عليه السلام، ومنهم الموكل بالأمطار والأرزاق، وهو ميكال، ومنهم الموكل بقبض الأرواح، وهو عزرائيل، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور، وهو اسرافيل، ومنهم الحفظة الكاتبون، ومنهم حملة العرش الخ.

هذه الخمسة هي أصول الدين الحقة التي جاءت بها رسل الله ودعوا اليها، لا تلك الأصول الخمسة التي اتفقت عليها المعتزلة وجعلوها شعارا للاعتزال، وهي التوحيد المتضمن لنفي صفات الله عز وجل وكلامه. والعدل المتضمن التكثيب بقضاء الله وقدره وشمول ارادته ومشيئته، والوعد والوعيد المتضمن لوجوب تنفيذ وعيده سبحانه وخلود أهل الكبائر في النار ونفي الشفاعة، والمنزلة بين المنزلتين المتضمن لنفي اسم الايمان عن عصاة المؤمنين والقول بخلودهم مع الكفار في النار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استغله المعتزلة لفرض مذهبهم على المسلمين بقوة السلطان.

تلك هي أصولهم الباطلة المنافية لما جاءت به الرسل ولما يقضي به العقل السليم فأين هي من تلك الأصول الكبار التي قام عليها دين الله الواحد في كل زمان ومكان؟

منير الليل
05-06-2003, 02:00 PM
**

تلك الاصول للاعتزال وكم لها*** فرع فمنه الخلق للقرآن
وجحود أوصاف الاله ونفيهم*** لعلوه والفوق للرحمن
وكذاك نفيهم لرؤيتنا له*** يوم اللقاء كما يرى القمران
ونفوا قضاء الرب والقدر الذي*** سيبق الكتاب به هما شيئان
من أجل هاتيك الأصول خلدوا*** أهل الكبائر في لظى النيران
ولأجلها نفوا الشفاعة فيهم*** ورموا رواة حديثها بطعان
ولأجلها حكموا على الرحمن*** بالشرع المحال شريعة البهتان
لأجلها هم يوجبون رعاية*** للأصلح الموجود في الامكان
حقا على رب الورى بعقولهم*** سبحانك الله ذي السبحان

الشرح: يعني أن تلك الأصول الخمسة التي اتفق عليها أهل الاعتزال والتي قررها أحد شيوخهم، وهو القاضي عبدالجبار الهمداني، قد تفرعت عنه فروع هي غاية في الفساد والشناعة،، فما تفرّع على توحيدهم الباطل الذي هو الأصل الأول عندهم القول بخلق القرآن، لأنهم لا يثبتون لله صفة الكلام، ويقولون أنه متكلم بمعنى خالق الكلام، والقول بانكار الصفات زعما منهم أن اثباتها ينافي التوحيد، والقول ينفي علوه تعاى على خلقه واستوائه على عرشه والقول بنفي رؤية المؤمنين له في الجنة حقيقة بالأبصار.

ومما تفرع عن أصلهم الثاني وهو العدل نفي القضاء والقدر، ونفي ارادة الله تعالى لفعل العبد، لأن ذلك في زعمهم يبطل مسؤولية العبد عن فعله، وينافي العدل الذي يوجب أن يكون العبد حرا في فعله. وقد غلوا في هذا الباب حتى قالوا أنه لا يقدر على أفعال العباد فلا يقدر على خلق الايمان في الكافر ولا خلق الكفر في المؤمن ولا يقدر أن يعين العبد على ما به بصير فاعلا.

ومنها أيضا قولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله عز وجل بالنسبة للعبد على خلاف بينهم في معنى الأصلح هل هو الأنفع أو الأوفق في الحكمة، ويرد عليهم ذلك القول الفاسد خلقه تعالى للكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر وفي الآخرة بالنار، فأي صلاح له في هذا.

وما تفرع على أصلهم الثالث وهو الوعد والوعيد، يعني وجوب اثابة المطيع وعقاب العاصي القول بخلود مرتكب الكبيرة في النار ان مات ولم يتب منها، والقول ينفي الشفاعة الثابتة لعصاة الموحدين وانكار الأحاديث الواردة فيها والطعن في رواتها.

وهذا قليل من كثير مما ترتب على أصولهم الجائرة ومبادئهم الخاسرة، نسأل الله العافية والعصمة من هذا الضلال، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.

**

فصل

هذا وسادس عشرها اجماع أهـ***ـل العلم أعني حجة الأزمان
من كل صاحب سنة شهدت له*** أهل الحديث وعسكر القرآن
لا عبرة بمخالف لهم ولو*** كانوا عديد الشاء والبعران
ان الذي فوق السموات العلى*** والعرش وهو مباين الأكوان
هو ربنا سبحانه وبحمده*** حقا على العرش استوى الرحمن
فأسمع اذا أقوالهم وأشهد لهم ولو*** كانوا عديد الشاء والبعران
ان الذي فوق السموات العلى*** والعرش وهو مباين الأكوان
هو ربنا سبحانه وبحمده*** حقا على العرش استوى الرحمن
فأسمع اذا أقوالهم وأشهد عليـ***ـهم بعدها بالكفر والايمان
واقرأ تفاسير الأئمة ذاكري الأسـ**ـناد فهي هداية الحيران
وانظر الى قول ابن عباس بتفسـ***ـير استوى ان كنت ذا عرفان
وانظر الى أصحابه من بعده*** كمجاهد ومقاتل حبران

**

الشرح: هذا هو الوجه السادس عشر، وهو إجماع من يعتد باجماعهم من علماء السلف والخلف، الذين كانوا حجة الأعصار والأزمان، والمشهود لهم بالسبق والتحقيق من اهل الحديث والقرآن، ولا اعتبار لمن يخالفهم من أهل الابتداع والتعطيل مهما كان عددهم، فإن الحق ليس مداره على القلة والكثرة، ولكن علامته الوقوف عند حدود الكتاب والسنة وما كان عليه سلف هذه الأمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الفرقة الناجية " هي ما كانت على مثل ما انا عليه وأصحابي".

وقد أجمع هؤلاء الأئمة الأعلام على أن الله سبحانه مستو على عرشه استواءا حقيقيا بمعنى علوه وارتفاعه على العرش بذاته مع المباينة والانفصال، ومن أراد الوقوف على أقوالهم فعليه بكتب التفاسير التي تعنى بذكر الأسانيد وتعزو الأقوال الى أصحابها، ولينظر في قول ابن عباس الذي هو ترجمان القرآن، وفي قول أصحابه من بعده كمجاهد ومقاتل حتى يدرك ان هؤلاء وهم أعلام التأويل لم يخرجوا عما قلناه من تأويل الاستواء بالعلو والارتفاع.

**

وانظر الى الكلبي أيضا والذي*** قد قاله من غير ما نكران
وكذا رفيع التابعي أجلهم*** ذاك الرياحي العظيم الشان
كم صاحب القي اليه علمه*** فلذاك ما اختلفت عليه اثنان
فليهن من قد سبه اذ لم يوا***فق قوله تحريف ذي البهتان
فلهم عبارات عليها أربع*** قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك أر**تقع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع*** وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره*** أدرى من الجهمي بالقرآن
والأشعري يقول تفسير استوى*** بحقيقة استولى من البهتان
هو قول أهل الاعتزال وقول*** اتباع لجهم وهو ذو بطلان
في كتبه قد قال ذا من موجز*** وأبانة ومقالة ببيان
وكذلك البغوي أيضا قد حكا***ه عنهم بمعالم القرآن

الشرح: كذلك يحكي المؤلف عن الكلبي صاحب التفسير المشهور، وعن الحسن البصري سيد التابعين الذي عاصر كثيرا من الصحابة وأخذ عنهم، ولهذا كان موضع ثقة جميع الأئمة والمحدثين ان عباراتهم في تفسير الاستواء لم تخرج عن هذه الألفاظ الأربعة وهي: استقر وعلا وارتفع وصعد، وقد اختار أبو عبيدة صاحب الإمام أحمد بن حنبل في تفسير الاستواء هنا بالمعنى الرابع وهو صعد، ولا شك انه أهدى واعلم من هؤلاء الجهمية بمعاني القرآن.

وهذا الأشعري الذي ينسب اليه أتباع مذهبه أنه من نفاة الاستواء يقول في جميع كتبه المعتبرة مثل الموجز والابانة، ومقالات الاسلاميين أن تفسير الاستواء بالاستيلاء، كذب وافتراء ويعزوه الى المعتزلة والجهمية ويصرح ببطلانه، وكذلك الامام البغوي في تفسيره المسمى بمعالم القرآن قد حكى ذلك التأويل الفاسد على الجهمية والمعتزلة.

**

وانظر كلام امامنا هو مالك*** قد صاح عن قول ذي اتقان
في الاستواء بأنه المعلوم لكن كيفه خاف على الأذهان
وروى ابن نافع الصدوق سماعه*** منه على التحقيق والاتقان
الله حقا في السماء وعلمه*** سبحانه حقا بكل مكان
فانظر الى التفريق بين الذات والـ*** معلوم من ذا العالم الرباني
فالذات خصت بالسماء وانما ال***معلوم عم جميع ذي الأكوان
ذا ثابت عن مالك من رده*** فلسوف يلقى مالكا بهوان
وكذاك قال الترمذي بجامع*** عن بعض أهل العلم والايمان
الله فوق العرش لكن علمه*** مع خلقه تفسير ذي ايمان

الشرح: وأما الامام مالك فإنه قد أتى في هذه المسألة بفصل الخطاب، ولا تزال كلمته المأثورة التي أجاب بها من سأله عن كيفية استوائه تعالى على العرش نورا وهدى لأولي الألباب، فقد قال ونعم ما قال ( الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة) فأصحبت تلك الكلمة دستور يجب تطبيقه في كل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله أن نقول ان ثبوتها لله عز وجل معلوم لا مرية فيه، وأما كيفها فمما اختص الله عز وجل بعلمه.

ومن العجيب أن بعض المارقين من أهل الجحد والتعطيل يحرّف كلمة مالك حتى توافق مذهبه الباطل فيضع كلمة مذكور بدل معلوم، وهذا ليس بنافعه، فإن لفظ الاستواء إذا كان مذكورا فلا بد أن يراد منه معناه إذا لا يعقل أن يكون في القرآن لفظ لا معنى له.

وقد روى ابن نافع عن مالك ثابت عنه رحمه الله، فمن رده وأنكره فسوف يلقى مالكا يوم القيامة وهو مهين ذليل. وينبغي هنا التنبيه على أن ابن نافع لم يلق مالكا ولم يسمع منه فإنه رحل الى المدينة فوجد مالكا قد مات، فأخذ عن تلامذته ابن القاسم وابن وهب وأشهب. فقول المؤلف رحمه الله الصدوق سماعه منه ليس صحيحا، ويجوز أن تكون الرواية عنه لا منه ويكون الخطأ في الطبع ويكون الجار والمجرور متعلق بروى وفصل بينهما بقوله الصدوق سمعه.

وكذلك روى الامام الترمذي في جامعه عن بعض أهل العلم والإيمان مثل الذي رواه ابن نافع عن مالك وهو أن الله فوق العرش بذاته وأنه مع خلقه بعلمه في كل مكان.

منير الليل
05-09-2003, 04:58 AM
**

وكذاك أوزاعيهم أيضا حكى*** عن سائر العلماء في البلدان
من قرنه والتابعين جميعهم*** متوافرين وهم أولو العرفان
أيمانهم بعلوه سبحانه*** فوق العباد وفوق ذي الأكوان
وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي وشيخه الرباني
حقا قضى الله الخلافة ربنا*** فوق السماء لأصدق العبدان
حب الرسول وقائم من بعده*** بالحق لا فشل ولا متوان
فانظر الى المقضي في ذي الأرض لكن في السماء قضاء ذي السلطان
وقضاؤه وصف له لم ينفصل*** عنه وهذا واضح البرهان

**

الشرح: وكذلك الأوزاعي إمام أهل الشام غير منازع يحكي عن جميع علماء عصره في سائر البلدان والتابعون يومئذ متوافرون جميعا يؤمنون بأنه تعالى فوق عرشه وفوق العوالم جميعا. وروى الحافظ البيهقي صاحب التصانيف المشهورة التي منها كتاب ( الأسماء والصفات) و ( دلائل النبوة والسنن).

وكذلك روى شيخه في الحديث الحاكم أبي عبدالله بن البيع عن الامام الشافعي أنه قال ان خلافة أبي بكر قد قضاها الله في السماء فهو حب الرسول كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل من أحب الناس إليك فقال: أبو بكر: وهو القائم بعده بالحق ونصرة دين الله بكل ما أمكنه غير خوار ولا مقصر فحارب المرتدين ومانعي الزكاة.

والشاهد هنا قول الشافعي أن الخلافة قضاها الله في السماء، فهو دليل على أن الله في السماء لأن قضاءه وصف له لا ينفصل عنه بخلاف المقضي به فإنه في الأرض.

**

وكذلك النعمان قال وبعده*** يعقوب والألفاظ للنعمان
من لم يقر بعرشه سبحانه*** فوق السماء***وفوق كل مكان
ويقر أن الله فوق العرش لا*** يخفى عليه هواجس الأذهان
فهو لا شك في تكفيره*** لله درك من امام زمان
هذا الذي في الفقه الأكبر عندهم*** وله شروح عدة ليان
وانظر مقالة أحمد ونصوصه*** في ذاك نلقاها بلا حسبان
فجميعها قد صرحت بعلوه*** وبالاستوى والفوق للرحمن
وله نصوص واردات لم تقع*** لسواه من فرسان هذا الشان
اذ كان ممتحنا بأعداء الحديث وشيعة التعطيل والكفران
واذا أردت نصوصه فانظر الى*** ما قد حكي الخلال ذو الاتقان

الشرح: وكذلك قال الامام أبو حنيفة النعمان في كتابه المشهور المسمى بالفقه الأكبر، وقال صاحبه أبو يوسف القاضي صاحب كتاب الخراج. إن من لم يقر بان الله عز وجل فوق عرشه وأنه مع ذلك لا يخفى عليه شيء من خلقه من خلقه حتى ما تهجس يه ضمائرهم فهو كافر لا شك في كفره. وأما الإمام أحمد رحمه الله تعالى فإن نصوصه في ذلك لا حصر لها وكلها تصريح بعلوه تعالى واستوائه وفوقيته على خلقه. وقد جاء في ذلك بما لم يسبق اليه نظرا لاشتغاله بالرد على أئمة التعطيل والكفر من الجهمية والمعتزلة، ومن أراد الاطلاع على تلك النصوص فعليه بكتاب السنة للخلال وكتاب أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية.

**

**

وكذاك اسحاق الامام فانه*** قد قال ما فيه هدى الحيران
وابن المبارك قال قولا شافيا*** أنكاره علم على البهتان
قالوا له ما ذاك نعرف ربنا*** حقا به لنكون ذا ايمان
فأجاب نعرفه بوصف علوه*** فوق السماء مباين الأكوان
وبأنه سبحانه حقاعلى العرش الرفيع فجل ذو السلطان
وهو الذي قد شجع ابن خزيمة*** اذ سل سيف الحق والعرفان
وقضي بقتل المنكرين علوه*** بعد استتابتهم من الكفران
وبانهم يلقون بعد القتل فو**ق مزابل الميتات والأنتان
فشفى الامام العالم الحبر الذي*** يدعي أمام أئمة الأزمان
وقد حكاه الحاكم العدل الرضي*** في كتبه عنه بلا نكران

الشرح: وكذلك قال الإمام إسحاق بن راهويه الذي يقول فيه الإمام أحمد حنبل ( لم يعبر الجسر الى خراسان مثله) قال في هذا الشان ما فيه هدى لكل حائر ضال، وأما عبدالله بن المبارك المحدث الفقيه الزاهد فقد قال لمن سأله بم نعرف ربنا؟ نعرفه بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه؟ فقيل له بحد أو بغير حد؟ فقال: أي والله بحد. وهذا الذس أجاب به ذلك الإمام الجليل هوالذي شجع امام الأئمة ابن خزيمة على أن يسلّ سيف الحق على المعطلة المارقين فأفتى بان من أنكر أن الله فوق عرشه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدا وقد شفى هذا الامام الحبر بفتواه صدور قوم مؤمنين، وارسلها سيفا مصلتا على رقاب الزنادقة المنحلين، وقد حكى ذلك عنه في كتبه الحاكم محمد بن عبدالله النيسابوري صاحب المستدرك بما لا يدع مجالا لشك ولا انكار.

**

وحكى ابن عبد البر في تمهيده*** وكتاب الاستذكار غير جبان
اجماع أهل العلم أن الله فو***ق العرش بالايضاح والبرهان
وأتى هناك بما شفى أهل الهدى*** لكنه مرض على الهميان
وكذا على الأشعري فانه*** في كتبه قد جاء بالتبيان
من موجز وابانة ومقالة*** ورسائل للثغر ذات بيان
وأتى بتقرير استواء الرب فو***ق العرش بالايضاح والبرهان
وأتى بتقرير العلو بأحسن التقرير فانظر كتبه بعيان
والله ما قال المجسم مثل ما*** قد قاله ذا العالم الرباني
فأرموه ويحكم بما ترموا به*** هذا المجسم يا أولي العدوان
أو لا فقولوا أن ثم حزازة*** وتنفس الصعداء من حران
فسلوا الاله شفاء ذا الداء العضا***ل مجانب الاسلام والايمان

الشرح: وكذلك قد حكى ابن عبدالبر في أهم كتبه، وهما كتاب التمهيد والاستيعاب وكتاب الاستذكار اجمع أهل العلم الذين يعتد بإجماعهم على أن الله فوق عرشه بذاته، موضحا ذلك بالبراهين القاطعة التي فيها شفاء لأهل الهدى، ولكنها مرض لأهل الجهل والعمى.

وكذلك أبو الحسن الأشعري في كتبه المعتبرة، مثل الموحز والإبانة والمقالات وكذلك رفي رسائله لأهل الثغر قد قرر ذلك أحسن تقرير وأهداه، وأثبت علوّه بالأدلة الواضحة، وقال في هذا الباب أكثر مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرميه هؤلاء المتأخرون من الأشاعرة بالتجسيم، فليرموا إذن شيخهم الأشعري بذلك الذي رموا به شيخ الإسلام من التجسيم بل هو أحق، وإلا فليصرحوا بما انطوت عليه نفوسهم من حقد وحزازات على شيخ حران وحجة الزمان، ويسألوا الله شفاء هذا الداء العيان الذي لا يليق بأهل الإسلام والإيمان.

**

وانظر الى حرب واجماع حكى*** لله درك من فتى كرماني
وانظر الى قول ابن وهب أوحد الـ***علماء مثل الشمس في الميزان
وأنظر الى ما قال عبدالله في***تلك الرسالة مفصحا ببيان
من أنه سبحانه وبحمده*** بالذات فوق العرش والأكوان
وانظر الى ما قاله الكرخي في*** شرح لتصنيف امرء رباني
وانظر الى الأصل الذي هو شرحه*** فهما الهدى للمدد حيران
وانظر الى تفسير ذاك الفاضل*** الثبت الرضي المتطلع الرباني
ذاك الامام ابن الامام وشيخه*** وأبوه سفيان فرازياني
وانظر الى النسائي في تفسيره*** هو عندنا سفر جليل معان
واقرأ كتاب العرش للعبسي وهو*** محمد المولود من عثمان
واقرأ لمسند عمه ومصنف*** أتراهما نجمين بل شمسان
واقرأ كتاب الاستقامة للرضي*** ذاك ابن أصرم حافظ رباني

الشرح: لله درّ المؤلف لقد ذكر لنا آنفا وفيما يأتي سجلا حافلا بأسماء بعض أئمة الهدى، وأعلام السنة، وذكر ما لهم من كتب ورسائل وأقوال في إثبات العلو لله تعالى، مما لا يدع مجالا للشك في أن ذلك هو الحق المبين، ومن أجمع الكتب لهذه الأقوال كتاب ( اجتماع الجيوش الاسلامية لغزو المعطلة والجهمية) للمؤلف وقد بدأ المؤلف هنا بذكر الامام حرب وهو من أبرز تلاميذ الإمام أحمد رحمه الله، وابن وهب مشهور، وعبدالله المراد به ابن المبارك، والبقية كلهم من المشهود لهم بسعة العلم وسلامة العقيدة، وصحة الإيمان.

**

واقرأ كتاب الحافظ الثقة الرضي*** في السنة العليا فتى الشيباني
ذاك ابن أحمد أوحد الحفاظ قد*** شهدت له الحفاظ بالاتقان
واقرأ كتاب تأثرم العدل الرضي*** في السنة الأولى امام زمان
وكذا الامام ابن الامام المرتضي*** حقا أبي داود ذي العرفان
تصنيفه نظما ونثرا واضح*** في السنة المثلى هما نجمان
واقرأ كتاب السنة الأولى التي*** أبداه مضطلع من الايمان
ذاك النبيل ابن النبيل وكتابه*** أيضا نبيل واضح البرهان
وانظر الى قول ابن أسباط الرضي*** وانظر الى قول الرضي سفيان
وانظر الى قول ابن زيد ذاك حماد وحماد الامام الثاني

الشرح: بدأ المؤلف هنا بذكر عبدالله بن الامام أحمد بن حنبل وله كتاب ( السنة) وهو كتاب حافل بحجج أهل السنة على النفاة، ثم ذكر جملة من أئمة السنة الى حماد بن زيد وهو مشهور.

**

وانظر الى ما قاله علم الهدى*** عثمان ذاك الدرامي الرباني
في نقضه والرد يا لهما كتا***با سنة وهما لنا علمان
هدمت قواعد فرقة جهمية*** فخرت سقوفهم على الحيطان
وانظر الى ما في صحيح محمد***ذاك البخاري العظيم الشان
من رده ما قاله الجهمي بالنقل الصحيح الواضح البرهان
وانظر الى تلك التراجم ما الذي*** في ضمنها ان كنت ذا عرفان
وانظر الى ما قاله الطبري في الشرح الذي هو عندكم سفران
أعني الفقيه الشافعي اللالكا***ئي المسدد ناصر الايمان
وانظر الى ما قاله علم الهدى التيمي في ايضاحه وبيان
ذاك الذي هو صاحب الترغيب والترهيب ممدوح بكل لسان
وانظر الى ما قاله في السنة الكبرى سليمان هو الطبراني
وانظر الى ما قاله شيخ الهدى*** يدعى بطلمنكيهم ذو شان
وانظر الى قول الطحاوي الرضي*** وأجره من تحريف ذي بهتان
وكذلك القاضي أبو بكر هو ابن الباقلاني قائد الفرسان
قد قال في تمهيده ورسائل*** والشرح ما فيه جلي ببيان
في بعضها حقا على العرش استوى*** لكنه استولى على الأكوان
وأتى بتقرير العلو وأبطل اللام التي زيدت على القرآن
من أوجه شتى وذا في كتبه*** باد لمن كانت له عينان

الشرح: أول من ذكر هنا هو عثمان بن سعيد الدارمي، وكتبه كان لها أثر فعال في زلزلة بناء النفاة عند ظهورها في عالم المطبوعات، والبخاري صاحب الصحيح، وكم في تراجم أبوابه من غصة للنفاة، واللالكاني هو الامام أبو القاسم الطبري أحد أئمة أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى وله كتاب في السنة، وهو من أجل الكتب.

والتيمي هو الامام إسماعيل محمد بن الفضل، كان إماما للشافعية، والطملنكي هو أبو عمر وله كتاب في الأصول، والطحاوي هو أبو جعفر إمام الحنفية في وقته في الحديث والفقه ومعرفة أقوال السلف وله كتاب نفيس ( العقيدة الطحاوية) ولها شروح عدة.

والباقلاني هو القاضي أبو بكر الأشعري له كتاب التمهيد.

**

وانظر الى قول ابن كلاب وما*** يقضي به المعطل الرحمن
اخرج من النقل الصحيح وعقله*** من قال قول الزور والبهتان
أوليس الاله بداخل في خلقه*** أو خارج عن جملة الأكوان
وانظر الى ما قاله الطبري في التـ*** فسير والتهذيب قول معاني
وانظر الى ما قاله في سورة الأعراف مع طه ومع سبحان
وانظر الى ما قاله البغوي في*** تفسيره والشرح بالاحسان
في سورة الأعراف عند الاستوى*** فيها وفي الاولى من القرآن
وانظر الى ما قاله ذو سنة*** وقراءة ذاك الامام الداني
وكذاك سنة الأصبهاني أبي الشيخ الرضي المستل من حبان
وانظر الى ما قاله ابن سريج البحر الخضم الشافعي الثاني
وانظر الى ما قاله علم الهدى*** أعني أبا الخير الرضي النعمان

الشرح: أول من ذكر هنا ابن كلاب وهو من أئمة المتكلمين وإمام الطائفة الكلابية، والطبري هو الإمام محمد بن جرير امام أهل التفسير، والبغوي هو الحسين بن مسعود محيي السنة وقد اجتمعت على تلقي تفسره بالقبول.

وختم المؤلف هذا السجل الحافل بابن سريج وهو أبو العباس امام الشافعية في وقته، ونحن نحيل القارئ الى الكتب التي سردها المؤلف إذا أراد الاطلاع على ما فيها ليرى بنفسه إجماع سلف الأمة وأئمتها على هذه المقالة دون نكير حتى لا يغتر بتلبيسات أهل التعطيل وشبههم الفاسدة وتأويلاتهم الباردة، فليسع كل مؤمن ناصح لنفسه ما وسع هؤلاء الأئمة الأعلام الذين هم أكمل هذه الأمة علما وعملا وأرضاها دينا، نسأل الله أن يوفقنا لاتباع سبيلهم بمنه وكرمه.

منير الليل
05-10-2003, 09:03 AM
**

وكتابه في الفقه وهو بيانه*** يبدي مكانته من الايمان
وانظر الى السنن التي قد صنف العلماء بالآثار والقرآن
زادت على المائتين منها مفردا*** أوفى من الخمسين في الحسبان
منها لأحمد عدة موجودة*** فينا رسائله الى الاخوان
واللاء في ضمن التصانيف التي*** شهرا ولم تحتج الى حسبان
فكثيرة جدا فمن يك راغبا*** فيها يجد فيها هدى الحيران
وهم النجوم لكل عبد سائر*** يبغى الاله وجنة الحيوان
أصحابها هم حافظوا الاسلام لا*** أصحاب جهم حافظو الكفران
وسواهم والله قطاع الطريق أئمة تدعو الى النيران
ما في الذين حكيت عنهم آنفا*** من حنبلي واحد بضمان
بل كلهم والله شيعة أحمد*** فأصوله وأصولهم سيان
وبذاك في كتب لهم قد صرحوا*** وأخو العماية ما له عينان
أتظنهم لفظية جهلية*** مثل الحمير تقاد بالارسان
حاشاهم من ذاك بل والله هم*** أهل العقول وصحة الأذهان

الشرح: بعد أن سرد المؤلف هذه المصنفات الكثيرة في السنن والآثار وتفسير القرآن وبين تضافرها على إثبات صفة العلو له سبحانه على ما تقتضيه النصوص الصريحة القطعية من الكتاب والسنة، قال ان أصحاب هذه المصنفات هم بحق حملة الإسلام الحافظون له والذين ورد فيهم الأثر القائل ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وهم رضي الله عنهم نجوم الهدى يهتدي بهم كل سائر الى الله يبغي رضوانه وجنته. وأما سواهم من أتباع جهم وشيعته من أهل التعطيل، فهم قطاع طريق يصدون عن سبيل الله الحقة ويبغونها عوجا، وهم أئمة تدعو الى النيران، يعني الى الأسباب الموجبة لها من المروق والتعطيل والإلحاد.

ويقول المؤلف رحمه الله تعالى ردا على خصوم الحنابلة الذين يتهمونهم بالحشو والتجسيم أنه ليس في الذين حكى أقوالهم وسرد مصنفاتهم آنفا حنبلي واحد ولكنهم مع ذلك هم شيعة أحمد المتفقون في الأصول، فإن الأصول لا يسع أحد الخلاف فيها وكلمة أهل الحق فيها متفقة كما صرّحوا جميعا بذلك في كتبهم. وينكر المؤلف على هؤلاء الجهمية رميهم هؤلاء الأئمة الكبار بالألقاب الشنيعة مثل قولهم أنهم لفظية يعنون بذلك أنهم يقفون عند ظواهر الألفاظ ولا يتعمقون في فهم ما تحتمله من تأويلات، وقولهم أنهم جهلية نسبة الى الجهل وحشوية يعنون أنهم من طغام الناس وحاشاهم رضي الله عنهم من مقالة السفهاء ولمز الأغبياء، بل هم أهل العقول الراجحة والأذهان الصحيحة والفطرة السليمة المستقيمة.

**

فانظر الى تقريرهم لعلوه*** بالنقل والمعقول والبرهان
عقلان عقل بالنصوص مؤيد*** ومؤيد بالمنطق اليوناني
والله ما استويا ولن يتلاقيا*** حتى تشيب مفارق الغربان
افتقذفون أولاء بل أضعافهم*** من سادة العلماء كل زمان
بالجهل والتشبيه والتجسيم والتبديع والتضليل والبهتان
يا قومنا اعتبرا بمصرع من خلا*** من قبلكم في هذه الأزمان
لم يغن عنهم كذبهم ومحالهم*** وقتالهم بالزور والبهتان
كلا ولا التدليس والتلبيس عند الناس والحكام والسلطان

الشرح: فانظر إن شئت دليلا على سمو علوهم وجودة اذهانهم الى تقريرهم لعلوه سبحانه وتعالى ببراهين النقل والعقل. ولكن العقل الذي يستعملونه هو العقل السليم المؤيد بالنصوص الصريحة لا عقل الجهمية المؤيد بقضايا المنطق اليوناني الفاسدة. ثم يلتفت المؤلف الى هؤلاء المجترئين على أئمة السلف بقالة السوء لهم أفترمون هؤلاء ممن ذكرنا وأضعافهم من سادة العلماء في كل زمان بما هم منه براء من الجهل والتشبيه وغيرهما ولا تتقون الله في اسلامكم الذي أفسدتموه بعوامل الهوى والعصبية وحمية الشيطان كأنكم لم تعتبروا بمصارع من قبلكم من المارقين الكاذبين الذين لم يغن عنهم كذبهم وزورهم ولا ترويجهم لبدعهم بالتدليس والتلبيس عند العامة وعند الحكام والسلاطين وكأن الشيخ يشير بذلك الى مصرع المعتزلة في عهد الخليفة المتوكل بعد ما كان لهم من صولة في عهد الى مصرع المعتزلة في عهد الخليفة المتوكل بعد ما كان لهم من صولة في عهد المأمون والمعتصم من قبله؟

**

وبدا لهم عند انكشاف غطائهم*** ما لم يكن للقوم في حسبان
وبدا لهم عند انكشاف حقائق الـ***إيمان أنهم على البطلان
ما عندهم والله غير شكاية*** فاءتوا بعلم وانطقوا ببيان
ما يشتكي الا الذي هو عاجز*** فاشكوا لنعذركم الى القرآن
ثم اسمعوا ماذا الذي يقضي لكم*** وعليكم فالحق في الفرقان
لبستم معنى النصوص وقولنا*** فغدا لكم للحق تلبيسان
من حرف النص الصريح فكيف لا*** يأتي بتحريف على إنسان

الشرح: يعني أنه قد ظهر لهؤلاء الماضين من أهل التعطيل والكفر عندما انكشف عنهم الغطاء بالموت ما لم يكونوا يحتسبون فعرفوا زيف ما كانوا عليه من باطل وبهتان، وأن الحق كان مع خصومهم من أهل العلم والإيمان. فليعتبر بهم هؤلاء الذين يجرون وراءهم ويقلدونهم في باطلهم، فإنه يوشك أن ينزل بهم ما نزل بأسلافهم لا سيما وليس عندهم على ما يقولون اشارة من علم ولا بيان صريح وإنما هي شكاية العاجز الذي لا حيلة له. وإلى من يشتكون؟! إلى هذا المنطق السقيم والجدال العقيم كلا انهم إذا أرادوا أن تسمع شكواهم، وأن يعذروا فيها، فليشتكوا الى من يملك الفصل فيها وهو القرآن الذي هو الحكم العدل، ثم ليسمعوا ما الذي يقضي به، هل يقضي لهم أم عليهم؟ ولكنهم ما ارتضوا حكم القرآن، فقد لبسوا معاني نصوصه حين عمدوا الى تأويلها بما يخرجها عن مواضعها، كما لبسوا على الناس معاني ما قال السلف حين أرادوا أن يخرجوا أقوالهم عما دلت عليه من الاثبات، وقالوا أن السلف يفوضون في الكيفيات، ولا ريب أن من اجترأ على تحريف النص الصريح من كتاب الله وكلام رسوله وهو على تحريف غيرهما أشد اجتراء.

**

يا قوم والله العظيم أسأتم *** بأئمة الاسلام ظن الشاني
ما ذنبهم ونبيهم قد قال ما*** قالوا كذاك منزل الفرقان
ما الذنب الا النصوص لديكم*** اذ جسمت بل شبهت صنفان
ما ذنب من قد قال ما نطقت له*** من غير تحريف ولا عدوان
هذا كما قال الخبيث لصحبه*** كلب الروافض أخبث الحيوان
لما أفاضوا في حديث الرفض عند القبر لا تخشون من انسان
يا قوم أصل بلائكم ومصابكم*** من صاحب القبر الذي تريان
كم قدم ابن أبي قحافة بل غدا*** يثنى عليه ثناء ذي شكران
ويقول في مرض الوفاء يؤمكم*** عني أبو بكر بلا روغان
ويظل يمنع من امامة غيره*** حتى يرى في صورة ميلان

الشرح: ينكر المؤلف على هؤلاء المعطلة أنهم أساؤا الظن بأئمة الإسلام حين رموهم ظلما بالتجسيم والتشبيه، وما نقموا منهم إلا أنهم قالوا ما قاله الله ورسوله بلا زيادة ولا نقص، ولا تحريف ولا تبديل، ووقفوا عند ما جاءت به النصوص الصريحة في الإثبات بلا كيف ولا تمثيل قليتهموا النصوص إذا وليرموها هي بالتجسيم والتشبيه، وليفعلوا ما فعله ذلك الرافضي الخبيث حين أشار الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه مقالة المغيظ المحنق، أن أصل بلائكم وسر شقائكم هو ما صرح به صاحب هذا القبر من تقديم أبي بكر على جميع أصحابه، وثنائه عليه ثناء الشاكر له سالفته في الإسلام حيث يقول:" إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبي بكر" وقوله في مرضه الذي توفي فيه، حين عجز عن الخروج للصلاة:" مروا أبا بكر فليصل بالناس" ولما قالت له عائشة أن أبا بكر رجل أسيف لا يملك نفسه ان هو قام مقامك من البكاء غضب وقال: انكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس.

منير الليل
05-13-2003, 04:08 AM
ويقول لو كنت الخليل لواحد*** في الناس كان هو الخليل الداني
لكنه الأخ والرفيق وصاحبي*** وله علينا منه الاحسان
ويقول للصديق يوم الغار لا*** تحزن فنحن ثلاثة الا اثنان
الله ثالثنا وتلك فضيلة*** ما حازها الا فتى عثمان
يا قوم ما ذنب النواصب بعد ذا*** لم يدهكم الا كبير الشان
فتفرقت تلك الروافض كلهم*** قد أطبقت أسنانه الشفتان
وكذلك الجهمي ذاك رضيعهم*** فيما رضيعا كفرهم بلبان
ثوبان قد نسجا على المنوال يا*** عريان لا تلبس فما ثوبان
والله شر منهما فهما على*** أهل الضلالة والشقا علمان

الشرح: ويقول صلوات الله وسلامه عليه " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، فإن صاحبكم خليل الرحمن" وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر مختفين من قريش نظر أبو بكر الى فم الغار فوجد القوم مجتمعين عليه فبكى وقال:" والله يا رسول الله لو نظر أحدهم الى موضع قدمه لأبصرنا، فقال له صلى الله عليه وسلم:{ لا تحزن إن الله معنا} [ التوبة: 40] وروي أنه قال له:" ما ظنك بإثنين الله ثالثهما" وهو منقبة عظيمة لأبي بكر ما حازها أحد من هذه الأمة غيره، وإذا فلا ذنب للنواصب يا قوم في تقديمهم أبا بكر وعمر، وإنما الذنب على من قدمهما ودل على فضلهما، فلما سمع الورافض مقالة ذلك الخبيث تفرقوا وكلهم يعض بأسنانه على شفتيه من الغيظ، كذلك الجهمي رضيع الرافضة الذي رضع معهم بلبان الكفر يصب كل غيظه ونقمته على النصوص التي تفسد عليه أمره وتنادي بفساد مذهبه، فالرفض والتجهم ثوبان قد نسجا على منوال واحد، وهما والله شرلا ما عرف الناس من أثواب ما ارتداهما من أحد إلا كانا علامة على شقائه وضلاله.

**

فصل

هذا وسابع عشرها اخباره*** سبحانه في محكم القرآن
عن عبده موسى الكليم وحربه*** فرعون ذي التكذيب والطغيان
تكذيبه موسى الكليم بقوله*** لببه ربي في السماء نباني
ومن المصائب قولهم أن اعتقا***د الفوق من فرعون ذي الكفران
فإذا اعتقدتم ذا أشياع له*** أنتم وذا من أعظم البهتان
فأسمع إذا من ذا الذي أولى بفر***عون المعطل جاحد الرحمن
وانظر الى ما جاء في القصص التي*** تحكي مقال أمامهم ببيان

الشرح: هذا هو الوجه السابع عشر من الوجوه الدالة على علوه تعالى فوق خلقه، وهو ما أخبر به سبحانه في كتابه الكريم عن كليمه موسى عليه السلام وعن عدوه فرعون ذي التكذيب والطغيان، فقد أخبر سبحانه أن فرعون كذب موسى عندما قال له أنه مرسل من الله الذي في السماء. وهذا ما حكاه عنه القرآن:{ يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطلع الى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} [ غافر: 36 -37].

ومن المصائب أن الجهمية يعكسون المسألة ويجعلون اعتقاد الفوق من رأي فرعون ذي الكفرن لم يسمعه من موسى، وان كل من اعتقد الفوق فهو من شيعة فرعون وحزبه، وهذا من أعظم الكذب والبهتان، وذلك يظهر بأدنى تأمل في القصص التي حكى الله فيها مقالة أمام المعطلة فرعون كما سيأتي.

**

والله قد جعل الضلالة قدوة*** بأئمة تدعو الى النيران
فامام كل معطل في نفسه*** فرعون مع نمرود مع هامان
طلب الصعود الى السماء مكذبا*** موسى ورام الصرح بالبنيان
بل قال موسى كاذب في زعمه*** فوق السماء الرب ذو السلطان
فابنوا لي الصرح الرفيع لعلني*** ارقى اليه بحيلة الانسان
وأظن موسى كاذبا في قوله*** اله فوق العرش ذو السلطان
وكذاك كذبه بأن الهه*** ناداه بالتكليم دون عيان
هو أنكر التكليم والفوقية الـ*** ـعليا كقول الجهمي ذي صفوان
فمن الذي أولى بفرعون اذا*** منا ومنكم بعد ذا التبيان

الشرح: يعني ان الله تعالى جعل الضلال في الإقتداء بفرعون وملئه الذين هم أئمة الضلال الداعون الى النار، كما قال تعالى:{ وجعلناهم أئمة يدعون الى النار يوم القيامة لا ينصرون} [ القصص: 41]. وهم انما يدعون الى النار أشياعهم في الجحد والتعطيل فأمام كل معطل في نفسه هم هؤلاء الثلاثة: فرعون. وهو لقب ماك مصر ، ونرود، وهو لقب الكنعانيين، وهامان هو وزير فرعون. فأولهم وهو فرعون إنما طلب الصعود الى السماء وأمر هامان ببناء الصرح تكذيبا منه لموسى عليه السلام حين أخبره أن الرب في السماء، فإن موسى حين أخبره بأنه رسول من الله رب العالمين، سأله عن مكانه وأين هو، فأخبره أنه في السماء، فقال ما قال وكذلك كذبه حين أخبره أن الله ناداه وكلمه من وراء حجاب دون رؤية، وبذلك يكون فرعون قد أنكر تكليم الله لموسى وفوقيته على عرشه كما أنكرهما الجهم وشيعته. فمن إذا أولى بفرعون وأحق بالانتساب إليه منا ومنكم، ولا شك أن أولى الناس به هم من وافقوه على الجحد والتعطيل.
**

يا قومنا والله ان لقولنا*** ألفا تدل عليه بل الفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة الأ***ولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه*** فوق السماء مباين الأكوان
أترون أنا تاركون ذا كله*** لحباجع التعطيل والهذيان
يا قوم ما انتم على شيء الى*** أن ترجعوا للوحي بالاذعان
وتحكموه في الجليل ودقه*** تحكيم تسليم مع الرضوان

الشرح: بعد أن أورد المؤلف هذا الوجه وقرره هذا التقرير الحسن التفت الى هؤلاء النفاة المعاندين مبينا لهم أن الأدلة على ثبوت الفوق لله عز وجل قد بلغت من الكثرة أن صارت ألف دليل بل ألفين وهي أدلة متنوعة، فمنها ما يرجع الى العقل الصريح، ومنها ما يرجع الى الفطرة الأولى التي فطر الله عباده عليها، ومنها ما يفهمه العلماء الراسخون من أساليب القرآن بأذواقهم السليمة، وكل واحد من هذه الأدلة المتكاثرة يكفي وحده لاثبات ذلك المطلوب، وهو أن الله فوق عرشه مباين لخلقه، فهل يعقل بعد ذلك أن يترك أهل الحق هذه الأدلة القاطعة التي هي أوضح من الشمس في رائعة النهار من أجل تشغيب هؤلاء المعطلة وتمويهاتهم الباطلة، وقد حكموا عقولهم الفاسدة في أمور نطق بها صريح الوحي ولم يترك فيها مجالا لرأي، فما هم على شيء من الدبن حتى ينزعوا عن غرورهم ويرجعوا الى وحي ربهم ويذعنوا له ويحكموه في كل دقيق وجليل من أمور الدين، ثم يرضوا بحكمه ويسلموا له تسليما.

**

قد أقسم الله العظيم بنفسه*** قسما يبين حقيقة الايمان
أن ليس يؤمن من يكون محكما*** غير الرسول الوضح البرهان
بل ليس يؤمن غير من قد حكم الـ*** وحيين حسب فذاك ذو ايمان
هذا وما ذاك المحكم مؤمنا*** ان كان ذا حرج وضيق بطان
هذا وليس بمؤمن حتى يسلم للذي يقضي به الوحيان
يا قوم بالله العظيم نشدتكم*** وبحرمة الايمان والقرآن
هل حدثتكم قط أنفسكم بذا*** فسلوا نفوسكم عن الايمان

الشرح: يشير المؤلف بهذه الأبيات الى الآية الكريمة في سورة النساء والتي نزلت في شأن المنافقين الذين احتكموا الى الطاغوت وأعرضوا عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني قوله تعالى:{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما}. [ النساء: 65] فقد أقسم الله في هذه الآية الكريمة بنفسه أن هؤلاء لا يكونون مؤمنين أبدا حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ينشب بينهم من خصومات، ثم لا يقابلوا حكمه بالحرج وضيق الصدر، بل يرضوا به ويذعنوا، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم إنما يكون التحاكم الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يتم إيمان أحد حتى يحكمهما وحدهما ويسلم للذين يحكمان به كما قال تعالى:{ فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا} [ النساء: 59].

فهؤلاء المبتدعة من أرباب المقالات والمذاهب حكموا في دين الله عقولهم وقدموا كلام رؤسائهم وقادتهم في الضلال على حكم الله ورسوله، فأشبهوا هؤلاء المنافقين الذين حكى الله عنهم تحاكمهم الى الطاغوت وصدودهم عن حكم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينشدهم المؤلف بالله العظيم وبحرمة الإيمان والقرآن أن يراجعوا أنفسهم وأن يسألوها هل لا يزال فينا شيء من الإيمان.

**

لكن رب العالمين وجنده** ورسوله المبعوث بالقرآن
هم يشهدون بأنكم أعداء من*** ذا شأنه أبدا بكل زمان
ولأي شيء كان أحمد خصمكم**** اعني ابن خنبل الرضي الشيباني
ولأي شيء كان بعد خصومكم*** أهل الحديث وعسكر القرآن
ولأي شيء كان أيضا خصمكم*** شيخ الوجود العالم الحراني
أعني أبا العباس ناصر سنة المختـ***ـار قامع سنة الشيطان
والله لم يك ذنبه شيئا سوى*** تجريده لحقيقة الايمان
اذ جرد التوحيد عن شرك كذا*** تجريده للوحي عن بهتان
فتجرد المقصود عن قصد له*** فلذاك لم ينصف الى انسان

الشرح: فإذا لم تشهدوا على أنفسكم ببراءتها من الإيمان بسبب معاداتها للوحي من القرآن والسنة، فاعلموا أن الله وجنده من الملائكة ورسوله المبعوث بالقرآن، كلهم يشهدون عليكم بأنكم في كل زمان أعداء لمن شأنه التمسك بالسنة والقرآن، والا فأخبرونا لماذا عاديتم أهل السنة وناصر مذهب السلف وقدوة أهل الحق في الثبات والصبر والجهاد لأعداء الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه. ولماذا كان أعداؤكم دائما هم أهل الحديث وعسكر القرىن. ثم لأي شيء عاديتم شيخ الإسلام وعلم الأعلام غير منازع الذي بعثه الله على رأس المائة الثامنة ليجدد لهذه الأمة ما رث من أمر دينها ويشد ما وهي من عقد إيمانها من نصر الله به السنة وقمع به البدعة وأقام به على المارقين الحجة ( تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني الدمشقي) الذي لم يأت الزمان له بنظير في الجمع بين المعقول والمنقول، وهل كان ذنبه إلا أنه جرد من كل دخيل وأزال ما لصق به من أوضار الشرك وظلمات البدع حتى رده سليما نقيا. وأنه جرد الوحي مما زاده المفترون والكذابون.

هذا واعتذر للقارئ عن شرح البيت الأخير أعني قوله ( فتجرد المقصود عن قصد له..) فإني لم أفهمه والله تعالى أعلم. ويجوز أن يكون الشيخ قد أراد أن المقصود من التوحيد والوحي قد تجرد عما لصق به من زيادات ومحدثات حين قصد شيخ الإسلام الى تجريده، فلهذا عودي رحمة الله عليه ولم ينصفه من الناس أحد.

**

ما منهم أحد دعا لمقالة*** غير الحديث ومقتضى الفرقان
فالقوم لم يدعو الى غير الهدى*** ودعوتم أنتم لرأي فلان
شتان بين الدعوتين فحسبكم*** يا قوم ما بكم من الخذلان
قالوا لنا لما دعوناهم الى*** هذا مقالة ذي هوى ملآن
ذهبت مقادير الشيوخ وحـ***ـمة العلماء بل عبرتهم العينان
وتركتم أقوالهم هدرا وما*** أصغت اليها منكم أذنان
لكن حفظنا نحن حرمتهم ولم*** نعد الذي قالوه قدر بنان

الشرح: يعني أن هؤلاء الذين عاديتموهم من أهل الحديث وأئمة الهدى مثل أحمد وابن تيمية، وأضرابها لم يدع أحد منهم الى مقالة مبتدعة ولا تزيد في دين الله ما ليس منه، وإنما دعوا الى الأخذ بالحديث وما يفهم من صريح الكتاب. وأما أنتم فتعرضون عن السنة والكتاب جانبا وتدعون لرأي فلان وفلان ممن يجوز عليهم الخطأ وليسوا بمعصومين فشتان ما بين الدعوتين دعوة الى هدى، ودعوة الى ضلال، وكفاكم هذا خذلانا.

والعجيب من أمركم انكم كلما دعاكم داع الى الرجوع للأصل الأول، وهو كتاب الله وسنة رسوله نفرتم منه نفار الوحش وقلتم له مقالة المغيظ الومحنق، لقد أزريت بأقدار الشيوخ وانتهكت حرمة العلماء حيث تدعونا الى ترك أقوالهم ولم نعد آراءهم مقدار بنان أي طرف اصبع، وهذا الذي أشار إليه المؤلف هو دأب هؤلاء المقلدين الجامدين في كل زمان يعادون كل من يدعو الى الكتاب والسنة وأخذ الدين منهما متهجما على الأئمة مزريا بمذاهبهم التي يجب في نظرهم اتباعها وأخذ الأحكام منها دون مناقشة فبئس ما رضوا لأنفسهم أن يحرموها ميزة الفهم والإدراك التي جعلها الله خاصة الإنسان.

**

منير الليل
05-13-2003, 04:12 AM
يا قوم والله العظيم كذبتم*** وأتيتم بالزور وبالهتان
ونسبتم العلماء للأمير الذي*** هم منه أهل براءة وأمان
والله ما أوصاكم أن تتركوا*** قول الرسول لقولهم بلسان
كلا ولا في كتبهم هذا بلى*** بالعكس أوصاكم بلا كتمان
اذ قد أحاط العلم منهم أنهم*** ليسوا بمعصومين بالبرهان
كلا وما منهم أحاط بكل ما*** قد قاله المبعوث بالقرآن
فلذاك أوصاكم بأن لا تجعلوا*** اقوالهم كالنص في الميزان
لكن زنوها بالنصوص فإن توا***فقها فتلك صحيحة الأوزان

الشرح: يقسم المؤلف بالله العظيم أن هؤلاء المقلدة المتباكين على حرمة الأئمة ومذاهبهم قد كذبوا على هؤلاء الأئمة ونسبوهم الى ما هم منه براء من دعوة الناس الى الأخذ بمذاهبهم دون نظر في أدلتها من الكتاب والسنة. والله سبحانه ما أمرنا في كتابه أن نترك قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس، بل قال سبحانه:{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [ الحشر: 7]. وقال:{فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول} [ النساء: 59] وكذلك الأئمة رحمهم الله لم يدع أحد منهم أن مذهبه هو الحق الذي يجب اتباعه بل صحّ عنهم جميعا أنهم يبرأون الى الله من كل قول لهم يخالف الحديث وقد صحّ عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ( إذا جاء الحديث يخالف ما قلناه فخذوا به ودعوا ما قلناه).

وورد عن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر) وأشار الى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وصح عن أحمد أنه قال ( لا يحل لأحد أن يأخذ بشيء من أقوالنا حتى يعلم من أين قلناه).

وهذا من اللائق بهم رحمهم الله، فإنهم يعلمون أنهم ليسوا بمعصومين، بل هم مجتهدون يصيبون ويخطئون، ويعلمون كذلك أن أحدا منهم لم يحط علما بكل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، فلذلك جاءت وصيتهم جميعا بأن لا تجعل أقوالهم مساوية للنص في الميزان، بل يجب أن توزن بالنصوص فإن وافقتها فهي صحيحة وإلا وجب اتباع النص.

**

لكنكم قدمتم أقوالهم*** أبدا على النص العظيم الشان
والله لا لوصية العلماء نفـ***ـذتم ولا لوصية الرحمن
وركبتهم الجهلين ثم تركتم النصـ***ـين مع ظلم ومع عدوان
قلنا لكم فتعلموا قلتم أما*** نحن الأئمة فاضلوا الأزمان
من أين والعلماء أنتم فاستحوا*** اين النجوم من ثرى التحتاني
لم يشبه العلماء الا أنتم*** أشبهتم العلماء في الأذقان
والله لا علم ولا دين ولا*** عقل ولا بمروءة الانسان
عاملتم العلماء حين دعوكم*** للحق بل بالبغي والعدوان

الشرح: لكنكم بالرغمن من أمر الله لكم أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ومن وصية الأئمة لكم أن لا تقدموا آراءهم ومذاهبهم على قول الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالفتم هذا كله وقدمتم أقوالهم على النصوص الصريحة من الكتاب والسنة، فلا أنتم امتثلتم أمر بكم بالوقوف عندما جاء به الرسول عليه السلام، ولا أنتم نفذتم وصية العلماء بترك أقوالهم إذا ظهر مخالفتها لصريح النص وركبتم الجهلين، جهلكم بالحق الذي يجب اتباعه والإيمان به، وجهلكم أنكم تجهلونه، وهذا هو الجهل المركب، ثم تركتم النصين من الكتاب والسنة ظلما وعدوانا، وإذا نصح لكم ناصح أن تتعلموا لأنكم لستم على شيء غضبتم من رميه لكم بالجهل، وقلتم تبجا وغرورا: ألسنا نحن الأئمة الفضلاء والعلماء الأذكياء، كذبتم فأين أنتم من هؤلاء أو هؤلاء؟ ألم يبق في وجوهكم قطرة من حياء؟ فأين الثرى من الثريا؟ أم أين الأرض من السماء؟ ألم يبق مما يشبه العلماء إلا أنتم، صدقتم، ولكنكم أشبهتموهم في طول اللحى والأذقان أما ما وراء ذلك فأنتم لا علم ولا دين ولا عقل ولا حتى مروءة إنسانية، فقد كنتم لئاما حين عاملتم من يدعوكم من العلماء الى الحق بالبغي والكيد الدنيء والاعتداء الأثيم، وكأنه يشير بذلك رحمه الله الى ما وقع عليه وعلى شيخ الإسلام ابن تيمية من علماء عصرهم من الجهلة المتعصين للمذاهب من إيذاء واعتداء على حين لا ذنب لهما إلا الذب عن دين الله ونصر السنة المطهرة والرجوع بالأمة الى نا كان عليه سلفها الصالح قبل نجوم الخلاف، وظهور البدع والمقالات.

**

ان أنتم الا الذباب اذا رأى*** طعما فيا لمساقط الدبان
واذا رأى فزعا تطاير قلبه*** مثل البغاث يساق بالعقبان
واذا دعوناكم الى البرهان كا***ن جوابكم جهلا بلا برهان
نحن المقلدة الألى ألفو كذا*** آباءهم في سالف الأزمان
قلنا فكيف تكفرون وما لكم*** علم بتكفير ولا ايمان
اذ أجمع العلماء أن مقلدا*** للناس والأعمى هما أخوان
والعلم معرفة الهدى بدليله*** ما ذاك والتقليد مستويان
حرما بكم والله لا أنتم مع العلمـ***ـاء تنفادون للبرهان
كلا ولا متعلمون فمن ترى*** تدعون نحسبكم من الثيران
لكنها والله أنفع منك*** للأرض في حرث وفي دوران
نالت بهم خيرا ونالت منكم المعهـ***ـود من بغي ومن عدوان
فمن الذي هير وأنفع للورى*** أنتم أم الثيران بالبرهان

الشرح: يشبّه المؤلف هؤلاء الأدعياء من اهل التعصب والتقليد الأعمى في دناءتهم وتهافتهم على حطام الدنيا بالذباب إذا رأى طعما ، أي شيئا حلوا العسل كثر تساقطه فيه، وهم من ذلك جبناء رغاديد إذا رأوا هيعة طارت نفوسهم شعاعا وانخلعت قلوبهم، كأنهم رخم تسوقه الصقور والعقبان، وإذا ناظرهم العلماء طالبوهم بالبرهان لم يقدروا على إقامته، وكان جوابهم هو جواب اهل التقليد في كل زمان:{ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} فقيل لهم كيف تكفرون إذا من خالفكم وأنتم لا علم عندكم بمواضع التكفير والإيمان، وهل التقليد إلا عمى العقل والبصيرة ، يحمل المقلد على الانقياد لمن يقلده، كانقياد الأعمى لمن يقوده ، فأين هو من العلم الصحيح الذي يكون قائما على الدليل والبرهان، فشتان ما بينهما ثن شتان، ولقد تركتمونا في حيرة من أمركم فلا ندري الى أي قبيل ننسبكم، فلا أنتم مع العلماء في طلب الدليل والبرهان ولا أنتم ترضون أن تتعلموا لتزيلوا عن أنفسكم غشاوة الجهل والتقليد، فلا نظنكم إلا أمة من الثيران التي لا تفقه ولا تعي، على أن الثيران كذلك خير منكم وأنفع، فإنها تحرث الأرض وتسقي الزرع، وأما أنتم فما نالت بكم الأرض إلا شرا، فقد أكثرتم فيها البغي والعدوان، فأصبحتم أخف وزنا حتى من الثيران.