تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الخنساء



بشرى
05-03-2003, 10:08 AM
الخنسـاء بنت عمـــرو: شاعرة الرثاء في العصر الجاهلي

هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد السلمية، ولدت سنة 575 للميلاد، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلا معه؛ لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله، لكنها أنجبت منه ولدا، ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي، وأنجبت منه أربعة أولاد، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة. وتعد الخنساء من المخضرمين؛ لأنها عاشت في عصرين: عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها. ويقال: إنها توفيت سنة 664 ميلادية.

مقتل أخويها معاوية وصخر:
قيل للخنساء: صفي لنا أخويك صخراً ومعاوية، فقالت: كان صخر جنة الزمان الأغبر، وزعاف الخميس الأحمر، وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها فأيهما أوجع وأفجع؟ قالت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد.

إن أكثر شعر الخنساء قالته في أخويها صخر ومعاوية، وكان معاوية أخاها لأبيها، وكان صخر أخاها لأبيها وكان أحبهما إليها واستحق صخر ذلك لأمور منها: إنه كان موصوفاً بالحلم مشهوراً الجود والكرم معروفاً بالشجاعة محظوظاً في العشيرة، وأجمل رجل في العرب، فلما قتل جلست الخنساء على قبره زمناً طويلاً تبكيه وترثيه، وفيه جل مراثيها، وكانت في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قتل أخواها معاوية وصخر. وكان مقتل معاوية يوم حورة الأول سنة 612م.
أما صخر فكان هلاكه بجرح واسع كبير أصابه في حرب الكلاب أو ذات الأثل وهو يوم بين سليم وأسد، فمرض من ذلك مرضاً شديداً حتى ملته زوجته سلمى، وعاده قومه.. فكانوا إذا سألوا امرأته سلمى قالت: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فينسى، وصخر يسمع كلامها، فشق عليه، وإذا قالوا لأمه: كيف صخر اليوم؟ قالت: أصبح صالحاً بنعمة الله.

فلما أفاق من علته بعض الإفاقة عمد إلى امرأته سلمى فعلقها بعمود الفسطاط حتى ماتت. ثم نكس بعد ذلك من طعنته فمات سنة 615م، فكانت الخنساء ترثيه ولم تزل تبكيه حتى عميت.

استشهاد أولادها الأربعة:
قتل معاوية على يد هاشم ودريد ابنا حرملة يوم حوزة الأول سنة 612 م، فحرضت الخنساء أخاها صخر بالأخذ بثأر أخيه، ثم قام صخر بقتل دريد قاتل أخيه. ولكن صخر أصيب بطعنة دام أثرها حولا كاملا، وكان ذلك في يوم كلاب سنة 615 م. فبكت الخنساء على أخيها صخر قبل الإسلام وبعده حتى عميت .

حرضت الخنساء أبناءها الأربعة على الجهاد في الإسلام وقد رافقتهم مع الجيش زمن عمر بن الخطاب، وهي تقول لهم : (يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فأعدوا على قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام حميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة).

وأصغى أبناؤها إلى كلامها، فذهبوا إلى القتال واستشهدوا جميعا، في موقعة القادسية. وعندما بلغ الخنساء خبر مقتل أبنائها الأربعة، لم تجزع ولم تبك، ولكنها صبرت، وقالت قولتها المشهورة:
((الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته)).

ولم تحزن عليهم كحزنها على أخيها صخر، وهذا من أثر الإسلام في النفوس المؤمنة، فاستشهاد المسلم في الجهاد لا يعني انقطاعه وخسارته، بل يعني انتقاله إلى عالم آخر هو خير له من عالم الدنيا؛ لما فيه من النعيم والتكريم والفرح ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم ربهم".

شعرهـــا وخصائصه:
تعـد الخنساء من الشعراء المخضرمين، تفجر شعرها بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية، وخصوصا أخوها صخر، فقد كانت تحبه حبا لا يوصف، ورثته رثاء حزينا وبالغت فيه حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح والتكرار؛ لأنها سارت على وتيرة واحدة، ألا وهي وتيرة الحزن والأسى وذرف الدموع، وعاطفتها صادقة نابعة من أحاسيسها الصادقة ونلاحظ ذلك من خلال أشعارها. وهناك بعض الأقوال والآراء التي وردت عن أشعار الخنساء ومنها:
يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال تلك التي غلبت الرجال.

قال نابغة الذبياني: (الخنساء أشعر الجن والإنس). فإن كان كذلك فلم لم تكن من أصحاب المعلقات. وكان الرسول يعجبه شعرها وينشدها بقوله لها: ((هيه يا خناس ويوميء بيده)).

أتى عدي عند رسول الله فقال له:- يا رسول الله إن فينا أشعـر الناس، وأسخى الناس وأفرس الناس. فقال له النبي: سمِّهم فقال: فأما عن أشعر الناس فهو امرؤ القيس بن حجر، وأسخى الناس فهو حاتم بن عدي(أباه)، وأما عن أفرس الناس فهو عمرو بن معد يكرب.فقال له الرسول: (ليس كما قلت يا عدي، أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأما أسخى الناس فمحمد يعني نفسه وأما أفرس الناس فعلي بن أبي طالب) رضي الله عنه وأرضاه.