تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موسم الهجرة إلى إسرائيل



فتحي قاسم
07-15-2007, 10:07 AM
موسم الهجرة إلى إسرائيل

للأديب السوداني الطيب صالح رواية مشهورة بعنوان " موسم الهجرة إلى الشمال " تناول فيها ي سياق أدبي مسألة من أهم المسائل الفكرية المعاصرة هي قضية العلاقة مع الآخر في وقت كان يدور فيه الكلام عن الشرق والغرب كما عن الشمال والجنوب وقد اختار الأديب السوداني العلاقة الأخيرة أي ما يكون بين الشمال والجنوب محورا لروايته المذكورة . واليوم وبعد مرور سنوات على صدور هذه الرواية اتخذت الهجرة للشمال أبعادا جديدة منها ما هو ذي صبغة مأساوية فصار الشمال حلما يهيمن على عقول لكثيرين ن أهل الجنوب في يقظتهم قبل منامهم وتعددت الطرق المسلوكة نحو هذا الحلم فركب الناس الصعب والذلول نحوه أو هم لم يجدوا لركوبهم سهلا ذلولا فركبوا من الصعب أصعبه حيث لم يجدوا لهم مركبا سواه وصار البحر على موعد متكرر مع الأجساد السمراء يلفظها جثثا باتجاه الشاطيء أو يترك البعض منها طعاما لأسماكه . وهل توقفت أرتال الهجرة بعد كل ما ظهر من مآسي الموت والغرق ؟ أم ظل الحلم يرفرف في سماء الجنوب ويداعب مخيلة أهله ويدعوهم لركوب بحر كان لغيرهم قبرا ؟ لقد تكفلت وسائل الإعلام الحديثة بالإجابة عن هذا السؤال لا بالكلمة المكتوبة فقط بل بالصوت والصورة أيضا وما كان لأحد بعد أن يسمع ويرى أن يشك ولو بمثقال ذرة في صحة الإجابة التي لغرابتها كان لابد أن تثير سؤالا ينقب عن سبب ذلك إذ كيف يمكن لإنسان أن يلقي بنفسه في بين براثن مجهول قد يكون في أحوال كثيرة هو الموت وهو لو بقي بأرضه فعلى أقل تقدير لن يموت بإذن الله فمن بقي دائما أكثر ممن هاجر . ولعلنا نقترب من حقيقة المسألة لو حاولنا تحديد السبب الكامن وراء هذه الهجرة القاتلة وأعلم أن أول ما يخطر على البال بهذا الخصوص هو الفقر وسوء الأحوال افقتصادية ولكني أرى أن ذلك لا يعطي مبررا فعليا وكافيا لمسألتنا فإن ما هو أسوأ في باب الفقر هو حال المجاعة التي يعاني منها الكثير من أهل الجنوب لكن هؤلاء الذين طحنتهم رحى المجاعة ليسوا هم الذين يهاجرون ولعل العين التي ترى صور هؤلاء المهاجرين وصور آولئك الذين صيرهم الجوع أجساما تكاد تضيق عن أرواحها لعلها تدرك أن الجوع ليس هو الدافع ثم لو كان الأمر يتعلق بضيق حال المعيشة فقط لانتهت الهجرة إلى دول ذات وفرة مالية وأقرب مسافة كما يحدث فعلا للملايين الذين يغادرون بلدانهم طلبا للرزق دون لجوء إلى ركوب مخاطر قد تجعل الخاتمة هي الموت أو في أحوال أخرى مكابدة مشاق تنتهي في مراكز إيواء تشبه السجون ثم ترحيل كل إلى بلده بعد أن يكون قد أنفق على رحلته البائسة كل ما يملك .
ولو قلبنا الأمر على أسبابه المختلفة سينتهي بنا الحال إلى الإقرار بأن كل سببب منها يعجز بمفرده عن أن يكون دافعا فعليا لهذه الاندفاعات المميتة مما يجعلنا نتصور الأمر اندفاعة نحو الحلم الحلم الذي تمثله أوربا أوربا الحلم لا أوربا الواقع . وكل حلم هو حصيلة التفاعل بين طرفين الواقع المعاش والمراد المبتغى ففي حالتنا يكون هذا الحلم ناتجا عن التفاعل بين عوامل طرد من جهة وعوامل جذب من جهة أخرى وعلى الطرفين قد تكون العوامل المعنوية أكثر حضورا من العوامل المادية مما يجعل الحلم حلما بحياة أفضل حياة ذات طابع سحري لا تعطيك تفاصيلها لكنها تكون كفيلة بإشاعة حالة من الرضى والسرور في التفس وهو ما يعني أن قرار الهجرة تتخذه المخيلة لا العقل .
علينا إذن أن نوجه المظر باتجاه الصورة الكلية للحياة في أوربا ونقارنها مع ذات الصورة على الجانب اآخر حيث تمثل الأولى الصورة الجاذبة في حين تمثل الثانية الصورة الطاردة .
إن ما يبدو أنه إنساني جميل لامع براق هو ما يمثل عامل الجذب في الصورة الأولى وما يبدو أنه غير إنساني قبيح باهت كئيب هو ما يمثل عامل الطرد عاى الجانب الآخر .
وعند هذه النقطة نتبين أن مسألة الهجرة هي في بعض مناحيها مسألة ثقافية تتعلق بقضية الهوية وحال الرضى عن النفس والعلاقة مع الآخر .
وعند هذه النقطة أيضا نتبين أننا نتحمل جزءا كبيرا من مسئولية الهجرة وأننا ندفع بعضنا للإرتماء في أحضان مجهول قاتل بما نرسمه في النفوس من صور قاتمة لواقعنا الحياتي تتقابل مع ما يفلح الغرب في عرضه لنفسه بالألوان الزاهية البراقة .
وقد كان من المفاجيء لنا جميعا أن نسمع عن هجرة أخرى أجزم أنها لم تخطر ببال الطيب صالح أو غيره وأقصد بذلك الهجرة التي أطلت علينا برؤوس اللألاف من أبناء السودان في لكيان الإسرائيلي . فهل انكسر في نفوسنا ما كنا نحسبه جبلا صلدا لا يتزحزح ولا يتأثر ؟ كنا نحسب أن بيننا وبين غسرائيل فياف وقفار لا يقطعها الفارس ولو بشق الأنفس فإذا بالنساء والاطفال يقطعنها قبل الرجال .
ما عاد للهجرة مصب .
صار للهجرة مكب .
وما الذي يكب التاس على وجوههم فيه ؟ ما الذي جعل المسلم تضيق به أرض بلده ثم أرض البلدان الأخرى من حوله والتي هي على الخارطة مصبوغة بصبغة الإسلام ؟ أليس في حرمان الإنسان من كرامة إنسانيته ما يفسر ذلك ؟ كيف آل الحال بهذا الفرد المسلك الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( يسعى بذمتهم أدناهم ) وجعله مع غيره من إخوانه على صعيد واحد وساوى بينهم :اسنان المشط ووصفهم في تزادهم وتراحمهم بالجسد الواحد وفي تراصهم ووحدتهم بالبنيان ؟ كيف آل به الحال إلى ما نراه على شاشات التلفاز ولقد رأيناه في الباكستان عندما خرج يحتج على انقطاع المياه أثناء موجة الحر الأخيرة يضرب بالحذاء بيد الشرطي ولقد رأيناه قبل ذلك يهان في أقسام الشرطة في مصر وتنتك كرامته بأسوأ ما يمكن أن تنتهك به كرامة ورأيناه قبل ذلك يهان هنا وهنا وهناك وفوق ما رأيناه ما سمعناه وفوق ما رأيناه وما سمعناه ما خفي عنا وراء الجدران وفي السراديب المظلمة
أين هذا الحال من حال فرتونة السوداء تلك المرأة الضعيفة التي أرسلت من مصر إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في دمشق تشكو حالها وقصر حائطها مما عرض دجاجها للسرقة فكتب الخليفة العادل إلى واليه على مصر أن يرفع لها سورها ليصون دجاجها . فهل يكون دجاج فرتونة السوداء أكرم وأشرف وأعز من رجال ونساء وأطفال لا يجدون لأنفسهم في أوطانهم كرامة ؟
بين دجاج فرتونة السوداء والمواطن في بلداننا الآن مسافة ليست هي مسافة الزمن فقط بل هي مسافة معنى ووجود وكرامة . اهتم عمر بن عبد العزيز على بعد المسافة بدجاج فرتونة السوداء كي لا يسرقه اللصوص وما وجد المواطن في أوطاننا من يهتم به كي لا تسرقه أوطان أخرى حتى صرنا نخشى أن يأتي أديب آخر ليكتب رواية " موسم الهجرة إلى إسرائيل ؟

nawwar
07-15-2007, 10:49 AM
موسم الهجرة إلى إسرائيل
حتى صرنا نخشى أن يأتي أديب آخر ليكتب رواية " موسم الهجرة إلى إسرائيل ؟

كتبوها عندنا في لبنان ووقع على قضية التطبيع أيضا مع اليهود أكثر من مسؤول لبناني ،وقد أصبحوا اليوم هم حملة لواء هذا الوطن..........

هنا الحقيقه
07-15-2007, 12:33 PM
احسنت اخي فتحي دائما مواضيعك تستحق القراءه والتفكر

من هناك
07-15-2007, 03:31 PM
جزاك الله خيراً اخي فتحي على الموضوع المميز. اظن ان في تلك الهجرة إلى إسرائيل خفايا كثيرة واظن ان الشباب جاؤوا مدفوعين بسبب نجاح بعض عملاء الموساد من اهل الجنوب ومن دارفور وغيرها بجمع الكثير من المال وابتكروا قصصاً غريبة كي يبرروا تعاملهم مع النظام العبري مما اغرى هؤلاء الشباب وظنوا ان قصة العملاء حقيقية فعلاً وانه يمكنهم هم ايضاً ان يتسربوا إلى ذاك النظام ويعملوا هناك.

لكن الحمد لله ان الله ابتلاهم بكشف حقيقة مقصدهم قبل ان يصلوا ويقعوا في حبائل الموساد.

بالنسبة للهجرة إلى الأراضي المحتلة، لا تستغرب لأن الكثير من العربان يقصدون تلك المرابع يومياً وتحت جنح الظلام وسيأتي اليوم الذي ترحل فيه جيوش الإسلام إلى الأرض المقدسة التي بارك الله حولها.