تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أم اليتيم



بشرى
04-30-2003, 03:12 PM
آمنة بنت وهب أم اليتيم:

نُصحت آمنةُ بنت وهبٍ بالصبر على مصابها الجلل، الذي لم يكن ليصدق عندها حتى إنها كانت ترفض العزاء في زوجها، ولبثت مكة وأهلها حوالي شهراً أو أكثر وهي تترقب ماذا سوف يحدث بهذه العروس الأرملة التي استسلمت لأحزانها.
وطال بها التفكير بزوجها الغالي عليها، حتى إنها توصلت للسر العظيم الذي يختفي وراء هذا الجنين اليتيم، فكانت تعلل السبب فتقول أن "عبد الله" لم يفتد من الذبح عبثا! لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين الذي تحسه يتقلب في أحشائها والذي من أجله يجب عليها أن تعيش.

وبذلك أنزل الله عزّ وجلّ الطمأنينة والسكينة في نفس "آمنة"، وأخذت تفكر بالجنين الذي وهبها الله عز وجل لحكمة بديعة، "ألم يجدك يتيما فآوى" (الضحى). فوجدت "آمنة" في هذا الجنين مواساة لها عن وفاة زوجها، ووجدت فيه من يخفف عنها أحزانها العميقة.
فرح أهل مكة بخبر حمل "آمنة" وانهالوا عليها من البشائر لتهنئة "آمنة" بالخبر السعيد. وتتكرر الرؤى عند "آمنة" وسمعت كأن أحد يقول لها: "قولي: أعيذه بالله الواحد من شر كل حاسد، ثم سمّيه محمدا".

وجاءها المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب، وخيل لها أن "مريم ابنة عمران"، "وآسية امرأة فرعون"، و"هاجر أم إسماعيل" كلهن بجانبها، فأحست بالنور الذي انبثق منها، ومن ثم وضعت وليدها، وهكذا كان فقد:
ولــد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثنــــاء
الروح والملأ الملائك حــوله للدين والدنيا به بشـــراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي والمنتهى، والدرة العصمــاء

وهنا اكتملت فرحة "آمنة" فوليدها بجوارها، ولم تعد تشعر بالوحدة التي كانت تشعر بها من قبل. وفرح الناس وفرح الجد "عبد المطلب" بحفيده، وشكر الرب على نعمته العظيمة منشدا يقول:
الحمـــد الله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه من شر ذي شنآن
من حسد مضطرب العنان

وسماه "محمدا"، وسبب تسميته محمدا هو أنه يريده أن يكون محموداً في الأرض وفي السماء، ومن ثم توال القوم ليسموا أبناءهم بهذا الاسم.
وشعرت "آمنة" بأن القسم الأول والأهم قد انتهى بوضع وليدها المبشر، ورسالة أبيه قد انتهت بأن أودعه الله جنينًا في أحشائها، ولكن مهمتها بقت في أن ترعاه وتصحبه إلى يثرب ليزور قبر فقيدهما الغالي "عبد الله". وبعد بضعة أيام جفّ لبن "آمنة" لما أصابها من الحزن والأسى لموت زوجها الغالي عليها فأعطته ل"حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي" حتى ترضعه، فبات عندهم لمدة وأرجعته إلى "آمنة". وفي الفترة التي عاش عند "حليمة" حدثت لرسول حادثة شق الصدر التي أفزعت النفوس بها.