تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : السم في الدسم



فتحي قاسم
07-06-2007, 02:06 PM
السم في الدسم


اود في هذه المقالة أن ألفت أنظار الجميع للبس ينتج عنه سوء فهم لما أعرضه بخصوص مسألة التعايش وأود من الجميع التنبه لما يكون بين الواقع والحال القائم من جهة والفكرة التي تمثل قيمة يدعو إليها من يدعو ويثنى عليها مفهوما كليا للسلوك ذلك أن اعتراضي على مفهوم التعايش ليس اعتراضا على وقائع وحالات يمكن أن يمثل له بها لكنها لا يمكن أن تكون دليلا على اعتبار التعايش قيمة أو مفهوما كليا في النظام المعرفي للإسلام . ولكي أقرب المسألة للأذهان أقول إن المسألة هنا تشبه ما يحدث من خلط أحيانا حين يستدل البعض على اعتناء الإسلام بالرياضة بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سابق أم المؤمنين عائشة ثم يبني على ذلك دفاعا يظنه مشروعا حينئذ عن الرياضة كما نعرفها في عصرنا الحالي غافلا عن أن إتساع الهوة بين المسألتين يجعلل الاستدلال باطلا ومرفوضا . ومثل ذلك أيضا من يستدل في معرض دفاعه عن كل ما تحتويه دائرة الفن في زمننا هذا بضرب بعض النساء الدفوف في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم فيقفز من ذلك مباشرة إلى قذفنا بسؤال يحمل الكثير من الاستهجان : فكيف يقال إذن إن الإسلام لا يحترم الفن ؟
فأرجو أن ينتبه الكل أن رفض مفهوم التعايش لا يعني الدعوة إلى الاعتداء على الناس أو اعتزال الآخرين إذ أن المسألة ليست من هذا الباب على الاطلاق وقد كررت في كلامي القول بأن من صميم الخلق الإسلامي بر الوالدين والإحسان إلى الجار والعفو عن المسيء وإفشاء السلام وأضيف إلى ذلك أيضا الشفاعة في حوائج الناس والسعي في مصالحهم وتفريج الكرب وإنظار المعسر والهدية بين الإخوان فليراجع كلامي فكل هذا أنا أقبله بقبولي للإسلام ووعيي به لكني لا أسمي هذا تعايشا فالإسلام قد سمى الأشياء بأسمائها . فأنا لا أفهم من بري لأمي سوى أنه بر دعانا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ولا أسميه تعايشا ولا أرى للنية تعلقا به إلا بوصفه برا . وأنا القي السلام على من عرفت ومن لم أعرف وأعلم يقينا أن هذا من خلق الإسلام جاءت به النصوص التي لا قول لنا معها إلا القبول والتسليم لكني أيضا لا أسمي هذا تعايشا إنما هو خلق إسلامي يسميه الإسلام إفشاء السلام وبه تتعلق نيتي طلبا لرضون الله تعالى وثوابه . فليصبر من يصبر على أذى الناس فذلك والله خلق من خلق الإسلام وخلق الرسول صلى الله عليه وآل وسلم الذي كان خلقه القرآن والذي ما خطر بباله بأبي هو وأمي يوما مثل هذه المفاهيم – التعايش – وإنما هذا هو الصبر هكذا سماه الل تعالى وهكذا سماه رسوله صلى اله عليه وآله وسلم وهكذا سماه كل علماء سلفنا فلم نأتي اليوم فنسميه تعايشا ؟
لقد ضبط الإسلام مفاهيمه وحدد معانيه وقربها لا من الأذهان فقط بل ومن القلوب أيضا حتى يكون تعلقها به تعلقا مباشرا وجعلها محلا للنية بل وجعل العمل الواحد تتعلق به أكثر من نية حين يحقق أكثر من فضيلة فلينظر من أراد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم إثنتان صلة وصدقة ) النسائي , الترمذي , وصححه الألباني فنظر إلى هذا الذي تزدوج النية في قلبه فيكون ناويا لصلة رحمه كما للصدقة والفعل واحد فأين هذا التعايش الذي يدعونه من مثل هذا التفصيل ؟
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود قالت ( كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الل عليه وآله وسلم فقال : تصدقن ولو من حليكن . وكانت زينب تنفق على عبدالله وعلى أيتام في حجرها . فقالت لعبدالله سل رسول الله صلى الل عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري صدقة ؟ فقال : سلي أنت رسول الله عليه وسلم . فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري وقلنا لا تخبر بنا . فدخل فسأله فقال : من هما ؟ قال : زينب . قال : أي الزيانب ؟ قال امراة عبدالله قال : نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة .)
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا فيما رواه أحمد وغيره وصححه الألباني ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ) فانظر معي كم نية يمكن أن تجتمع هنا : نية الصدقة ونية صلة الرحم ونية العفو عن الإساءة ونية الصبر ونية الإقتداء بسنته صلى الله عليه وآله وسلم لمن تمثل هذا الحديث في قلبه .
فهذه هي أخلاق الإسلام بينة جلية وهذا هو فضل الل عز وجل علينا بمضاعفة الأجر لاجتماع أكثر من نية في عمل واحد . أفمن السلامة بعد ذلك أن نترك كل ذلك جريا وراء هذا التعايش المزعوم ؟ وما علينا لو سمينا الأشياء بأسمائها وكنا خلفا لخير سلف واعتصمنا بالحق الصريح الذي لا شبهة فيه الوارد في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه و آله وسلم فنضيق ما وسعه الله عز وجل علينا برحمته بنا وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ( كل معروف صدقة ) فبين لنا في الأمر سعة أدخلت فيما ذكرناه كل عمل صالح ومصداق ذلك قوله صلى الل عليه وآله وسلم ( بلوا أرحامكم ولو بالسلام ) ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة . ففتح لنا باب الجمع بين صلة الرحم وإفشاء السلام في عمل واحد فقس على ذلك كل عمل صالح اجمله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله ( كل معروف صدقة ) .
ولعلي أطلب من القاريء الكريم أن يعود لحديث امرأة ابن مسعود الذي ذكرته آنفا ولينظر في قولها حين طلبت من زوجها أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري صدقة ؟ ) وليصدق نفسه القول هل يشم رائحة التعايش في مثل قولها هذا ؟ أم هي أخلاق الإسلام وطلب الأجر والثواب بالرجوع إلى أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أما أنا فأصدق نفسي كما أصدق القاريء القول بأني ما وجدت من هذه الرائحة شيئا . وحتى لا يتهم القاريء أنفه أسوق إليه هذا الحديث أيضا ( عن مجاهد قال : كنا عند عبالله بن عمرو وغلام له يسلخ شاة فقال : يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي حتى قالها ثلاث مرار فقال له رجل من القوم : كم تذكر اليهودي ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بالجار حتى ظننا أنه سيورثه ) البيهقي في شعب الإيمان والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني فهل ما زال القاريء في شك من أنفه بعد ؟ فإن كان كذلك فله مني الثالثة : حديث أبي مسعود البدري ( كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب . قال : فلما دنا مني إذ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : إعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود فألقيت السوط من يدي فقال اعلم أبا مسعود ان الله أقدر عليك منك على هذا الغلام . قال : فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا ) مسلم . وفي رواية ( فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله ) .فلينظر القاريء في هذه الأمثلة وما كان على شاكلتها فسيرتد إليه بصره بصورة المسلم الذي يندفع في سلوكه بطلب رضوان الله تعالى بحسن طاعته فعالم الغيب حاضر معه في كل مسلك وأين مفهوم التعايش من هذا المجد وأين التعايش في قوله تعالى { وجعل بينكم مودة ورحمة } . أفنهمل ألفاظا خاطبنا بها الله عز وجل في محكم كتابه العزيز لنعمل ألفاظا ومفاهيما ما أنزل الله بها من سلطان ؟ وقد يستهين البعض بمثل هذا الأمر ويراه لا يخرج عن حد استبدال لفظة بأخرى لكن النظر الثاقب يعلم أن ذلك يؤول إلى طي بساط الإسلام وحجب نوره عن القلوب التي قد تستضيء به .
ومن السذاجة التي تهلك صاحبها ألا ننتبه للمهالك التي تعد لنا في مصائد المصطلحات فمثل هذه المصلحات التي يبالغ في تلميعها وتزويقها إنما قد دس لنا فيها السم في الدسم وأريد اقتيادنا بها إلى حيث يراد لنا من البعد عن الدين الذي هو عماد حقيقة وجودنا حتى لا يبقى لنا من الوجود إلا بقدر ما للسراب إن كان له منه شيء . وعلينا ان نختار لأنفسن اوجودا كمثل وجود الجبال الراسيات او كمثل رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . وعلى الفكر الإسلامي أن يكون له في هذا الشأن جولات وصولات يتسلح فيها بأشد ما لديه من قوة بصر وحدة فكر وعمق نظر وسعة أفق على أن يضاف لذلك شدة حذر وحدة انتباه للمزالق الفكرية وما أكثرها في عالم صار الفكر فيه صنعة والإعلام فيه صناعة .

هنا الحقيقه
07-07-2007, 07:45 PM
طيلة وجودي في هذا المنتدى

اقرأ المواضيع وقلة من هذه المواضيع اعجبني او اثنيت عليها خاصه اذا لم تكن منقوله
فما يسعني الا ان احي صاحب هذا الموضوع

على قوله واذهب الى ما ذهب اليه رغم هناك ملاحظات قليلة ليست رفض ما جاء به لكن ملاحظات لا تفسد للموضوع غايته

بوركت اخي الفاضل
موضوع يستحق ان يرفع

فتحي قاسم
07-12-2007, 10:11 AM
أما الرد فأنت مشكور عليه أخي الفاضل أما الملاحظات فاطرح ما شئت منها مشكورا أيضا