تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يكون دفع الرشوة علنا ..... فما هو يا ترى الثمن ؟



صلاح الدين يوسف
06-24-2007, 08:59 PM
عندما يكون دفع الرشوة علنا ..... فما هو يا ترى الثمن ؟

خرج علينا السيد محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية بخطاب عنتري أرعد فيه وأزبد، وتهدد وتوعد، مطالبا حماس بالاعتذار للشعب الفلسطيني، متهما إياها بالخيانة وبتنفيذ أجندة خارجية، رافضا بحزم إجراء أي حوار معها في نفس الوقت الذي يلهث فيه خلف لقاء مع أولمرت جاعلا من الخضوع ولين القول وسيلته لنيل ذلك.

نفس التهمة وردت على لسان وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط حين اتهم إيران بالتدخل في الشؤون الفلسطينية محملا إياها مسؤولية الانقلاب ـ على حد تعبيره ـ الذي نفذته حركة حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، الأمر الذي اعتبره تهديدا لأمن مصر القومي.

إننا نعيش في زمن غريب تغيرت فيه مفاهيم كل شئ، فحركة حماس الثابتة على المبادئ، الغير مفرطة في الحقوق تُتهم بأنها تتعامل مع أطراف خارجية لتنفيذ أجندتها على حساب الحقوق الفلسطينية، فيجب بناء على ذلك عزلها وعدم التعامل معها، بينما من لا يمتلك أي مبدأ وفرط في أبسط الحقوق هو الوطني الشرعي الذي يعترف به العالم أجمع ويتعامل معه.

حقيقة ما حدث بعيدا عن المزايدات الإعلامية ذات الأغراض المشبوهة، هو أن حماس لم تقم باحتلال المقار الأمنية إلا لضبط الأمن الذي يعتبر أحد أهم مسؤولياتها كحركة منتخبة من قبل الشعب بعد أن عاث أمراء الأمن ـ كما سماهم جبريل الرجوب ـ من عملاء فتح في الأرض فسادا. ولم تكن تقصد بأي حال من الأحوال أن تنقلب على السلطة الفلسطينية التي هي جزء منها أو أن تقيم إمارة إسلامية سماها الإعلام حماسستان. ومن المؤسف أن أول من أطلق هذه التسمية هي الصحافة الإسرائيلية ثم استنسختها صحافتنا العربية.

لقد رأى عملاء فتح وأسيادهم من الصهاينة والأمريكان في هذه العملية ضالتهم المنشودة لتنفيذ أجندتهم الخاصة مع محمود عباس لتحريره تماما من قيود حكومة الوحدة، بعد أن حرروه مبكرا من قيود المجلس التشريعي عن طريق اعتقال عدد كبير من أعضائه فعُطل بذلك تماما عن العمل. فهم يعلمون أن متطلبات السلام حسب المواصفات الإسرائيلية لا يمكن أن توافق عليها إلا شخصيات ذات مواصفات خاصة.

إن كان هناك ثمة ما تعتذر عنه حركة حماس ـ حسب رغبة عباس ـ فهو أنها فكرت يوما في مشاركة عملاء فتح في ابنة السفاح التي استخرجت من رحم خيانات أوسلو فخرجت جيفة متعفنة سُميت زورا وبهتانا سلطة وطنية فلسطينية حررت الاحتلال من مسؤولياته وزادت من أعباء الشعب الفلسطيني. فلا يوجد أرضية مشتركة يمكن أن تجمع بين شرفاء حماس الذين سخّروا أنفسهم لخدمة القضية فقدموا أرواحهم رخيصة لتحرير المقدسات وبين عملاء فتح الذين سخّروا القضية لخدمة مصالحهم الخاصة.

أما تهمة تنفيذ حماس لأجندة إيرانية في غزة والتي وردت على لسان عباس وأبو الغيط وغيرهم من المسؤولين، فما هي إلا تهمة باطلة يدحضها واقع نعيشه. إذ إن العقل يقول بأنه لابد من وجود خط إمداد آمن يُمد من خلاله المُحرض ما ينقص اليد التي تقوم بتنفيذ مخططه من سلاح ومؤن.

ولو طبقنا هذا على حالة حماس وإيران لوجدنا أن الطريق الوحيد للتواصل بينهما والذي لا تسيطر عليه إسرائيل سيطرة تامة يمر عبر أراضي مصر، التي ترفض بالطبع رفضا باتا القيام بمثل هذا الدور. لأنها تحرص على إفشال أي مشروع لحماس في الحكم، حيث أنها تعتبر حماس فرع فلسطين من الإخوان المسلمين، وتعتبر أي نجاح لهم هو نجاح للإخوان في مصر قد يؤدي إلى زيادة شعبيتهم، وهي التي اعتقلت المئات من قياداتهم وأجرت مراجعة شاملة لقوانين الانتخابات كي تحول دون فوزهم.

إننا لا نقول هذا من فراغ، فلحرص مصر الشديد على إفشال حماس دلائل كثيرة تؤيده لا يمكن لمنصف تجاوزها، منها : اعترافها المباشر بشرعية محمود عباس وضربها بشرعية إسماعيل هنية عرض الحائط، قرارها نقل سفارتها إلى الضفة الغربية بدلا من غزة حتى قبل أن تنجلي حقيقة الحدث، إعلانها عدم اعترافها بأي جواز سفر فلسطيني يصدر من غزة رغم ما يعنيه ذلك من معاناة كبيرة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، قيامها وبدعم من الولايات بتدريب عدد كبير من مقاتلي فتح في مصر.

لذا فالقول بأن حماس قد نفذت أجندة إيران يحتاج إلى أدلة قوية تسانده لأن الواقع كما رأينا ينفيه تماما، إلا إذا خلت رؤوس الساسة الحمساويين والإيرانيين من العقل، لأنهم بالتأكيد يعلمون ما يعنيه ذلك جيدا.

ضوء الشمس الذي لا يحجبه غربال، أو الحقيقة الجلية التي لا يمكن إنكارها تقول أن من يتعامل ويتآمر مع الخارج لتنفيذ أجندته ضد شعبه وأرضه هو رئيس السلطة ومن حوله من مستشارين ومساعدين من أمثال محمد دحلان ورشيد أبو شباك الذي أقيل أخيرا من منصبه ككبش فداء.

ذكرت صحيفة "هارتس" العبرية في عددها الصادر يوم الجمعة 15/6/2007م أن كلا من الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطيني محمود عباس قد اتفقا على خطة عمل محددة لإسقاط حكم حماس قبل إعلان أبو مازن عن قراره حل حكومة الوحدة وإعلان حالة الطوارئ، عن طريق إيجاد الظروف التي تدفع الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة للثورة ضد حركة حماس.

وتتضمن الخطة عدة خطوات، أهمها : نزع الشرعية عن حماس بحل حكومة الوحدة، فصل غزة عن الضفة والتعامل معها كمشكلة منفردة، إفراج إسرائيل عن عوائد الضرائب وتحويلها على عباس ليتم صرفها على الضفة، شن هجمات اعتقال ضد نشطاء حماس في الضفة، إحياء المسار التفاوضي بين إسرائيل والحكومة التي سيعينها الرئيس الفلسطيني.

إن أي متابع للأحداث يعلم أن هذا بالضبط هو ما يجري الآن رغم أن هذا العدد من الصحيفة قد صدر صبيحة إعلان رئيس السلطة الفلسطينية إعلان حالة الطوارئ وإقالة حكومة إسماعيل هنية.

كما كشفت نفس الصحيفة في عددها الصادر يوم الثلاثاء 19/6/2007م عن وثيقة سرية هامة جدا بعثها نائب الأمين للأمم المتحدة ومبعوثه إلى الشرق الأوسط إلفيرو دي سوتو إلى الأمين العام بان كي مون، يقول فيها بأن الإدارة الأمريكية عملت منذ البداية وبالتواطؤ مع مقربي عباس على إسقاط الحكومة التي تشكلت بعد الانتخابات التشريعية بأي ثمن حتى لو كان حربا أهلية.

وأضاف قائلا كان من الممكن نجاح حكومة الوحدة لولا أن فرضت الولايات المتحدة على اللجنة الرباعية وضع شروط تعجيزية للاعتراف بها. وأكد أنها دفعت منذ الانتخابات إلى مواجهة بين فتح وحماس. ونقل عن المندوب الأمريكي خلال اجتماع اللجنة الرباعية الذي عقد قبل أسبوع من لقاء مكة، عندما كانت المواجهات بين فتح وحماس على أشدها، أنه قال "أحب هذا العنف، هذا يعني أنه يوجد فلسطينيون يقاومون حماس". وليدلل على تواطؤ عباس ومستشاريه مع المخطط الأمريكي ذكر في وثيقته أن المستشارين المقربين من أبي مازن كشفوا له على نحو خاص أنهم صاغوا مبادرة لحل حكومة حماس.

ولكي لا نسهب كثيرا لتدليل على حقيقة بات يعرفها القاصي والداني رأيت أن أكتفي بهذا القدر من سرد الدلائل على عمالة فتح وتواطؤها مع الأجندة الصهيوأمريكية، والتي كان وجود حماس في الحكومة والمجلس التشريعي عائقا أساسيا أمام إتمام مشروعها المختبئ خلف ستارة ما يسمى بالوضع النهائي. فكان أن أغلق المجلس التشريعي باعتقال عدد كبير من أعضائه ثم إقالة الحكومة وعزلها وحصارها في غزة حتى لو أدى ذلك إلى تجويع حوالي 1.5 مليون إنسان يعيشون فيها.

لقد كانت الرشوة الفورية التي تلقاها عباس حال إعلانه إقالة إسماعيل هنية وتشكيل حكومة طوارئ تحمل المواصفات الصهيو فتح أمريكية، أن أعلن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن رفع الحظر المالي المفروض على السلطة الفلسطينية واستئناف المساعدات فورا. كما اتخذت إسرائيل قرارا بالإفراج عن مليار دولار من عوائد الضرائب الخاصة بالفلسطينيين، شريطة أن تستخدم كل هذه الأموال في مشروع تسمين لأهل الضفة الغربية ليتقبلوا الوضع الجديد وليدركوا حسنات الانبطاح للمشروع الصهيو أمريكي الذي تمثله فتح، وأن يُجوّع أهل قطاع غزة كي يثوروا على حماس.

نستطيع القول بأن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل، فأهل الضفة لن يرضوا لأنفسهم أن يتنعموا في رغد العيش على حساب أهلهم في قطاع غزة، وأهل غزة لن يثوروا على حماس بسبب الحصار لأنهم يعلمون جيدا ما هي أسبابه.

إن عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية مهما كانت أسبابه أو من تسبب فيه، يعتبر منعطف هام وخطير جدا في مسيرة القضية الفلسطينية، وسيكون له آثار لا يستهان بها سواء كانت سيئة أم حسنة. لذا فإني أحذر الدول العربية، من المشاركة في هذا الحصار الظالم والذي سيتدرج في شدته إلى أن يصل حد منع الدواء والحليب عن الأطفال.

ونحذر بالذات مصر لأن مسؤوليتها مضاعفة كونها تحد القطاع وهي متنفسه الوحيد إلى العالم، من مغبة خنق الفلسطينيين لأن النتائج ستكون كارثية إن على المدى القريب أو البعيد. لذا فإن عليها أن تفتح حدودها فورا أمام المساعدات الإنسانية، وأن تسمح للوافدين من غزة بالدخول إلى أراضيها دون قيد أو شرط، فزيادة بضعة آلاف لن يؤثر اقتصاديا أو ديموغرافيا على بلد يقطنه سبعين مليون نسمة. وندعوها في ذات الوقت أن تتخذ من الأردن وسوريا اللذين فتحا حدودهما أمام ما يقارب الثلاثة ملايين لاجئ عراقي ـ أي ضعف سكان غزة جميعا ـ رغم سوء أحوالهما الاقتصادية، مثالا يحتذى في ذلك.

ثمة أمر أخير يجب الإشارة إليه، وهو أن لدى حماس الآن كنز استخباراتي ثمين جدا حصلت عليه أثناء اقتحام مقار الأمن التابعة لفتح. لذا فإن على رجال حماس أن يتعاملوا مع المعلومات والوثائق الخطيرة التي سيجدونها بحساسية عالية جدا، وألا يستخدموا منها إلا ما يدفع سير القضية الفلسطينية إلى الأمام. أما المعلومات والوثائق الفضائحية والتي لا يستفاد منها في شي سوى التشفي من مسؤولي فتح، فإن عليهم الاحتفاظ بسريتها وعدم نشرها، أي أن عليهم أن يفكروا بالاستفادة من هذه المعلومات إستراتيجيا على المدى البعيد لا تكتيكيا على المدى القريب.

ملاحظة هامة : المعلومات المنقولة من صحيفة هارتس الإسرائيلية مستقاة بتصرف من موقع الصحفي الفلسطيني صالح النعامي

http://www.alasr.ws/index.cfm?method...contentid=9043 (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=9043)