تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة ما جرى في غزة بعيدا عن ابواق الصهاينة وادنابهم/منقول



صوت الكرامة
06-22-2007, 09:57 AM
مقدم بواسطة: الصادق

هاني عبد الكريم
أما وقد افتتح فصل جديد من الصراع، وهبت عاصفة القسام على غزة بعد عام ونصف من زلزال حماس الانتخابي، وتسارعت الأحداث بشكل يتطلب من المراقب التوقف عندها وقراءتها بشكل دقيق متأني دون تبسيط مخل، ولا تهويل مقعِد لاستشراف القادم من الأحداث والأيام القادمة حبلى بالكثير منها، ولمحاولة تلمس طريق الخروج من الأزمة بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني ويعزز صموده، ويسدده على طريق العودة والتحرير.
الأحداث الأخيرة:
في أعقاب اتفاق مكة وقد كان من أهم انجازاته وفق القتال الدموي في غزة، برزت تحديات كبرى أمام تحقيق الوفاق الوطني من أهمها ترتيب الملف الأمني، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية على أسس وطنية.
· وبعد أقل من شهرين من إعلان حكومة الوحدة الوطنية استقال وزير الداخلية هاني القواسمي بسبب عدم منحه صلاحياته على الأجهزة الأمنية وبسبب الحيلولة بينه وبين تنفيذ خطته الأمنية التي أقرتها الحكومة ووافق عليها الرئيس، وبعد تحرك الأجهزة الأمنية دون معرفته وانتشارها في الشوارع، ووقوفها في وجه قوى المقاومة بدلا من تصديها للانفلات الأمني.
· وقد شكل هذا الأمر تبرئة لسجل سعيد صيام المتهم من قبل رئاسة السلطة بأنه مصدر الانفلات الأمني بسبب تأسيسه القوة التنفيذية بعد شكواه المريرة بأنه وزير داخلية دون صلاحيات، وأنه يقف على رأس مؤسسة تم سحب الصلاحيات فيها للرئاسة، أو لقادة الأجهزة صنائع الاحتلال، ومن يعملون لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية مع العدو التي تمثل حقيقة وجود السلطة ودورها الوظيفي.
· ومع تحول ملف الداخلية لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، وعقده العزم على حسم ملف ترتيب الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها على أسس وطنية، والمباشرة في تنفيذ الخطة الأمنية عبر تشكيل قوة مشتركة من مختلف الأجهزة بما فيها القوة التنفيذية تحت مسمى القوة المشتركة لتنفيذ الخطة الأمنية، انطلقت موجة جديدة من الفوضى والفلتان الأمني، واستهداف أبناء حماس وأنصارها ، والمجاهدين من كتائب القسام والقوة التنفيذية،وتصاعدت الحملة أبناء وأنصار حماس، وباشرت الأجهزة بتوقيف الناس على الاشتباه بأنهم أنصار حماس كونهم من الملتحين، أو من رواد المساجد، ووصل الأمر لحد إعدام العديد منهم ومن بينهم أئمة مساجد، وحفظة قرآن، ومن أمثلة ذلك إعدام الشيخ محمد الرفاتي أمام أبنائه، وإعدام الشاب الملتحي حسام أبوقينص الذي ألقي من فوق أحد الأبراج السكنية وهو مكبل.
· لقد بدا واضحا من مجريات الأحداث الدموية أنها تطبيق حرفي لخطة إسقاط حكومة الوحدة الوطنية وإقصاء حماس التي سميت بإسم خطة دايتون المنسق الأمريكي، وقد تم حشد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لدعمها ووضعها موضع التنفيذ بتمويل أمريكي، وموافقة ودعم إسرائيلي ودعم لوجستي لتسليح وتدريب قوات حرس الرئاسة من قبل أطراف عربية ودولية. وهي تهدف أيضا لقلب الطاولة أمام الاستحقاقات الواجبة المتعلقة بإصلاح الأجهزة الأمنية، والمباشرة في إصلاح المنظمة وإعادة بنائها، بالإضافة إلى التغطية على انقلاب هذا التيار على اتفاق مكة في وجه الرفض الأمريكي والإسرائيلي له.
· ومع تصاعد الحملة وتتالي البيانات الصادرة عن حماس محذرة من خطورة الأوضاع، وداعية للجم هذه التيار عن الاستمرار في ممارساته، ومحملة الرئيس عباس مسئولية تداعيات الأحداث التي لا يمكن السكوت عنها، وداعية القوى والفصائل الفلسطينية ولجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، والوفد الأمني المصري للعمل على وقف هذه الممارسات ، وتحديد الجهة المسئولة عنها وإدانتها، كما ودعت الحكومة الفلسطينية الدول العربية بعدم دعم طرف في مواجهة طرف آخر في الساحة الفلسطينية، وعدم الدخول في مشاريع وخطط لإسقاط الحكومة الفلسطينية الشرعية. لكن شيئا لم يتغير على الأرض، وتجاهل عباس ما يجري، أعلن تأجيل رحلته إلى القطاع دون مبرر سوى ما بدا أنه عمل منسق ومبرمج لتسخين الأحداث سعيا لإطلاق موجة جديدة من الفوضى "الخلاقة" بغية إنهاء المهمة التي لم تتم بالقضاء على حماس وإقصائها، ولطي صفحة اتفاق مكة وفتح صفحة جديدة من الحوار في القاهرة يتم فيها ابتزاز المواقف والتنازلات من الحركة بما يحقق الشروط الصهيوامريكية تحت ضغط الفلتان الأمني المتصاعد.http://www.akhbaruna.net/ar/DataFiles/Contents/Files/Blogs/8/abas-arafat.jpg
حسم ..طال انتظاره
· في ظل هذا الوضع المتفاقم، وبأخذ العبرة من الجولة السابقة من الفلتان الأمني حيث انكشفت لعبة الوساطة والحوار وتوقيع اتفاقيات التهدئة مع فتح، ثم عودة الوضع ولما يجف حبر ما تم التوقيع عليه ذلك أن رأس الأفعى ما زالت تبث سمومها، وأن قيادة فتح التي يتم الاتفاق معها ليست ذات صلاحية وسلطة على أمراء الحرب من قادة الأجهزة الأمنية، وأن قرار هذا التيار لا يصنع في الأراضي الفلسطينية بل يتخذ من قبل أمريكا و"إسرائيل" ويقوم هذا التيار بوضعه موضع التنفيذ، ذلك أن عشرات الملايين من دولارات الدعم الموجه لأجهزة السلطة الأمنية تفرض عليهم استحقاقات ومواقف لا مناص عنها.
· لقد أعطيت على ما يبدو كتائب القسام الضوء الأخضر سياسيا لمعركة الحسم، ومع تطور الأحداث في اتجاه إشاعة الفلتان الأمني المتمثل بالقتل، والاختطاف، وحرق ومداهمة المنازل، واستهداف المؤسسات من قبل الأجهزة الامنية ، بل ووصل الأمر إلى استهداف مجلس الوزراء، ومنزل رئيس الوزراء بقذيفة أر بي جي اخترقت منزله، تحركت كتائب القسام والقوة التنفيذية بخطة هجومية منسقة واضحة الهدف.
· لقد تم تحديد الهدف بوضوح حيث باشرت كتائب القسام معركة تستهدف مراكز الفساد، وأوكار الأجهزة الأمنية بهدف حسم مسألة الفلتان الأمني بشكل نهائي، وأعلنت أن هذه المعركة ليست ضد فتح، ولا ضد الأجهزة الأمنية، ولكنها اضطرارية فرضتها الحالة على الأرض ضد التيار الانقلابي الذي يقوده مجموعة من قادة الأجهزة الأمنية ومنتسبيها، وفي هذا الصدد تم إطلاق الدعوات، ومنح مهلة لمنتسبي هذه الأجهزة بعدم المشاركة في المعركة، والانسحاب من هذه المواقع، كما وتم التوجه لعائلاتهم وأهلهم لسحبهم من هذه الأجهزة الفاسدة، والمفسدة، والسائرة في ركاب المشروع الصهيوأمريكي.
· مع تحرك القسام بدأت محاولات إطلاق الحوار من فتح ومن أطراف الوساطة المختلفة، وترتيب اللقاءات بين حركتي حماس وفتح بوساطة الفصائل والوفد الأمني المصري كما حدث سابقا وتكرارا في كل جولة من جولات الفلتان الأمني السابقة، لكن المفاجاة كانت رفض حماس للجلوس إلى مائدة حوار مع فتح، وان ما تم الاتفاق عليه سابقا في القاهرة 2005، وفي وثيقة الوفاق الوطني 2006، وفي اتفاق مكة 2007 فيه ما يكفي وان ما ينبغي فعله هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لا الدخول في حوارات عقيمة جديدة لا تفضي إلى شيء في واقع الحال على الأرض، ووصل الأمر وفق تصريح لحسين الشيخ أحد قادة فتح إلى إغلاق قادة حماس لهواتفهم في وجه الاتصالات الباحثة عن مخرج أو غطاء للأزمة المتصاعدة، فأسقط في أيدي قادة هذا التيار ومن وراءهم، وبدأت الاتصالات واللقاءات والاجتماعات المكوكية للتعامل مع الحدث المتفاقم، وفي حين دعت الولايات المتحدة "إسرائيل" للسماح بإمداد أجهزة الأمن بالأسلحة والمعدات ومن بينها أسلحة ذات عيارات ثقيلة، وأكدت على استمرار دعمها المالي الذي وصل لـ 80 مليون دولار، كان لافتا تردد المستوى الاستخباراتي للعدو في دعم هذا التوجه حيث قرئوا أن هذه الأسلحة والتجهيزات ستئول إن عاجلا أو آجلا إلى حماس في حالة الضعف والترهل في الأجهزة، وفي ظل تفاوت نوعية المقاتلين في الجانبين والعقيدة القتالية لكل من الطرفين، وهو ما حدث بالضبط.
· تمكنت كتائب القسام خلال ثلاثة أيام من بسط سيطرتها الكاملة على كافة مواقع الأجهزة الأمنية بدءا من شمال القطاع وجنوبه ومن ثم التوجه للاستيلاء على مراكز القيادة في قلب مدينة غزة، وصولا إلى السرايا حيث قيادة الأجهزة الأمنية، والمنتدى حيث مكتب الرئيس الذي استخدم كمركز لاحتجاز وتعذيب المختطفين، وكمركز قيادة للتيار الانقلابي.
شواهد من الأحداث وتداعياتها
· قرار صعب، خطير، وشديد الحساسية والدقة تم اتخاذه بالحسم مع الأجهزة الأمنية المنفلتة، لم يكن ليتخذ دون غطاء سياسي على أعلى مستوى، ويتطلب درجة ما من التنسيق أو لنقل الإعلام والتوضيح للدول الإقليمية ذات الصلة مثل السعودية ومصر وسوريا وقطر.
· تمثل الغطاء السياسي في احد جوانبه في رفض المستوى السياسي من الحركة الدخول في مسلسل الحوار العقيم مع التيار الانقلابي في الأجهزة الأمنية كما كان يحدث المرة تلو المرة.
· لم تكلف حماس وهي تقود حكومة الوحدة الوطنية نفسها تخريج تدخل كتائب القسام قانونيا، وإضفاء شيء من شرعية القانون عليه، فقد كان من الممكن نظريا طبعا ونحن مازلنا غير محيطين بكافة تفاصيل الحدث أن تقوم بذلك عبر طلب تدخل كتائب القسام وبقية فصائل المقاومة رسميا من قبل رئيس الوزراء وزير الداخلية لإسناد القوة التنفيذية في حماية المواطنين وممتلكاتهم، والذود عنهم من موجات الفوضى والفلتان الأمني المتفشية بشكل لا يمكن احتماله على أيدي عصابات التيار الانقلابي الخارجة عن القانون، وقد ظهر ذلك واضحا في خطاب إسماعيل هنية رئيس الوزراء عشية السيطرة على المقرات الأمنية حين وصف تحرك كتائب القسام للحسم بأنه تحرك الناس في مواجهة جرائم الانقلابيين الدموية.
· بالرغم من آلة التحريض الإعلامي والسياسي للتيار الإنقلابي والتعمية الإعلامية العربية والدولية، نجحت حماس في حصر المواجهة مع عناصر الأجهزة الأمنية ممن وصفتهم بالتيار الخياني الانقلابي وجيش لحد الفلسطيني، وأعلنت أنها لا تستهدف حركة فتح ، ولا تستهدف الأجهزة الأمنية، ولذلك فلا يمكن أن يطلق على ما حدث حربا أهلية، أو اقتتالا أو أعمالا انتقامية على العربدة والفساد والقتل.
· تحركت الآلة الإعلامية محليا وخارجيا لتقلب الحقائق ولتلصق التهم بارتكاب الفظائع وجرائم عصابات التيار الإنقلابي، بكتائب القسام والقوة التنفيذية، وسط صمت مريب بل وتواطؤ مفضوح من أجهزة الإعلام المحلية العربية والدولية تجاه ما يجري على الأرض.http://www.akhbaruna.net/ar/DataFiles/Contents/Files/Blogs/8/abaswarns.jpg
· كانت وسيلة الإعلام الوحيدة التي كانت تنقل ما يجري على الأرض وتوثقه بالصورة، وتنقل رأي حركة حماس بشكل واضح غير مجتزأ ولا مشوه هي فضائية الأقصى حين تحولت إلى "منار" أو "جزيرة" فلسطينية تتابع الحدث ميدانيا ساعة بساعة، وتؤدي دورها كإعلام مقاومة بامتياز إذا ما أخذنا بعين غضاضة عودها وقلة خبرة فريق العمل فيها وهي لم تكمل عامها الأول، كما لا يمكن إغفال حجم المخاطر التي كانت تحدق بها، وقد استهدفت من قبل حرس الرئاسة بهدف إسكاتها كونها وحدها من فضح هذا التيار وكشف جرائمه.
· نجحت حماس كما بدا للمراقب من تحييد الكثير من الأطراف التي حاول التيار الانقلابي جرها للمعركة، ومن بينها الكثير من أفراد أجهزة الأمن وعلى رأسهم أفراد الأمن الوطني، وجل كتائب شهداء الأقصى، وغالبية كوادر فتح، بل إن عددا من الفصائل التحقوا بكتائب القسام في حملة الحسم والتطهير ضد هذا التيار.
· كان للموقف الواضح والحاسم علماء فلسطين مما يجري على الأرض وبيانها بأن ما يجري ليس فتنة وليس قتالا من أجل النفوذ وليس حربا أهلية، ولكنه صراع بين الحق والباطل، وبين أهل الصلاح والمفسدين في الأرض الذين عاثوا فيها الفساد وتسلطوا على البلاد والعباد تجبرا وظلما وتعسفا، وتمادوا في غيهم حتى وصل بهم الأمر إلى التسلط على كل من يحمل سمات المتدينين من لحى وحجاب، وحدث كما تناقلت وسائل الإعلام أن أحد الشباب الملتحين لم ينج بحياته من بين أيديهم إلا بإثباته عدم التدين بشتم الذات الإلهية بناءا على طلبهم. كذلك تجلى هذا الموقف القوي والحاسم في فتوى د.مروان أبوراس رئيس رابطة علماء فلسطين في غزة بإباحة دم سميح الدهون الذي كان يقتل ويعدم أبناء حماس ويدهم ويحرق بيوت أنصارها، وقد جاهر بأفعاله حين قال أنه حرق عشرين بيتا مقابل مهاجمة كتائب القسام لأحد أوكار هذا التيار واحتراقه.
· لوحظ غياب قيادة هذا التيار خارج القطاع، وإدارتهم للمعركة من مصر أو من الضفة الغربية بحسب وسائل الإعلام الصهيونية خصوصا محمد دحلان الذي تناقلت التقارير سابقا سعيه لتبييض صفحته الملطخة بالدماء والفساد عبر الإعلان أنه في رحلة علاج في ألمانيا، وانتقاله بعد ذلك إلى مصر للنقاهة من العملية الجراحية التي أجريت له، وأخراجه عائلته خارج القطاع قبل إشعال فتيل الفوضى فيها.
· لقد أرادها قادة التيار الإنقلابي معركة متدرجة في التصعيد، قائمة على المشاغلة بعيدا عن أضواء الإعلام، حتى تنفجر الأوضاع في وجه حماس ويتم إقصائها وتصفيتها عبر سيناريو حرب أهلية كان يخطط لها أن تجري خلال هذا الصيف.
· ما حدث على الأرض باغت هذه الأجهزة الأمنية من حيث الحسم والسرعة في اجتياح المقرات الأمنية وتطهيرها، وكان بمثابة ضربة استباقية تمت بأقل الخسائر الممكنة، وأجهضت سيناريو الحرب الأهلية الذي كان يتوقع أن يودي بحياة المئات بل الآلاف في ظل انتشار السلاح، وفي ظل المخطط الجاري لتزويد قوات حرس الرئاسة والأجهزة الأمنية بالمزيد من الأسلحة كما ونوعا استعدادا للمواجهة الكبرى.
· يمكن وصف العملية بأنها كانت جراحية بامتياز ضد هذا التيار حيث كانت خطة كتائب القسام تقوم على استهداف المقرات الأمنية السيطرة عليها بعد إعطاء منتسبيها المهلة لمغادرتها، قد سجل في هذا الصدد حوادث إطلاق نار داخل المقرات على من كان ينوي تسليم نفسه من هذه الأجهزة.
· كان من اللافت سرعة حسم المعركة وهذا كان من أهم أسباب نجاح حملة الحسم حيث لم تتمكن الأطراف الداعمة من نجدة هذا التيار ودعمه وكنا آخرها محاولات أمريكا اليائسة لإمداد هذا التيار بالسلاح والمعدات والآليات بالطلب من "إسرائيل" السماح بنقلها إلى غزة من أريحا.
· بالمقارنة بين سجلي الطرفين وشتان بينهما نجد أن التيار الانقلابي استهدف علماء، ورموز، وكوادر وصحفيين، وحتى ملتحين ومصلين، كذلك استهدف هذا التيار مساجد ومقرات ومؤسسات لحماس وبيوتا لأبناء الحركة وأنصارها، وفي المقابل كان استهداف كتائب القسام منحصرا في أفراد هذا التيار ممن أصروا على المواجهة العسكرية مع كتائب القسام، وانحصر الاستهداف في المقرات الأمنية وبعض أوكار هذا التيار ومراكز انطلاقه.
صورتان..وسيناريو واحد
للمفارقة وبعد أن حسم الأمر في غزة بتنا أمام صورتين شديدتي التباين، لكنهما متطابقتان بشكل كامل من حيث دلالتهما:
· فلقد هدأت غزة تحت وقع الصدمة بإنهاء ما كان يؤرق أهلها ويقض مضاجعهم ، وينغص عليهم حياتهم على مدى سنوات أوسلو العجاف وحتى عشية يوم الخميس 14 يونيو ذلك اليوم الذي لن ينساه قطاع غزة وسيظل علامة فارقة مميزة في تاريخه بل تاريخ القضية المعاصر، ولم يبالغ المتحدث بإسم حماس حين وصفه بأنه التحرير الثاني للقطاع، وبنفس الأيدي المتوضئة الشريفة التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب منه قبل عامين وهاهي اليوم تطهره من صنائع الاحتلال، ومن الأجهزة الأمنية المشبوهة والموصومة بالعمالة له، والقائمة وظيفيا على حماية الاحتلال من قوى المقاومة وبحسب الاتفاقيات الموقعة منذ أوسلو.
· وبالرغم من كل المخاطر المحدقة بالقطاع في ظل سيطرة حماس عليه بشكل كامل، إلا أن تباشير الأيام الأولى بعد الحسم شهدت إنجازات غير مسبوقة لا تكاد تسمع عنها في أي وسيلة إعلام عدا تلك المحسوبة على حماس ومن بينها القضاء على أهم وكر لزراعة وتجارة المخدرات في خان يونس، وتحرير المهندس سليم صبرة الذي كان محتجزا على مدى أكثر من عام عند إحدى العائلات المدعومة من قبل الأجهزة الأمنية على خلفية خلاف على الأراضي بين العائلتين، ولم تفلح كل محاولات إطلاق سراحه بالرغم من التدخل لدى رئيس السلطة.
وفي المقابل :
· شهدت الضفة الغربية تكرارا لذات السيناريو الذي لطالما أجج القطاع بالفوضى والفلتان الأمني، فلقد انطلقت عصابات التيار الانقلابي ذاتها لتعيث في مدن الضفة الغربية الفساد فتقتل وتحرق وتدمر وتختطف وتتوعد وتهدد وتمارس الكذب المفضوح أمام وسائل الإعلام الصامتة عما يجري على الأرض تحت التهديد بضربها واستهداف العاملين فيها، أو تلك السائرة في ركاب تنفيذ خطة إقصاء حماس والقضاء عليها.
· لقد مارست هذه الفئة ذات المسلسل الإجرامي لأضرابهم في قطاع غزة، وقاموا خلال سبعة أيام فقط بتنفيذ أكثر من 300 اعتداء موثق على كوادر ونشطاء وأنصار حماس وصلت إلى حد الإعدام الميداني كما حدث لأنس السلعوس في نابلس، وقامت بإحراق وتدمير 120 مؤسسة تتبع لحماس أو لأنصارها شملت مؤسسات خيرية، مراكز تحفيظ قرآن، مؤسسات نفع عام، مدارس، رياض أطفال، نوادي، مكاتب، محلات ومتاجر، وصحف ومكاتب إعلامية... وغيرها.
· وبنفس الطريقة تجاهلت الرئاسة الفلسطينية كل الجرائم التي تجري على الأرض، وقدمت الغطاء والدعم لها باتخاذ هذه المجموعات للمقاطعة مقر الرئاسة كمنطلق لها وكمركز لاحتجاز للمختطفين من أبناء حماس وأنصارها، واجتهدت في التعمية على العالم بما يجري اليوم من فظائع في الضفة، ولم تكلف نفسها حتى التنديد بهذه الجرائم والعمل على وضع حد لها.
· لقد اكتملت الصورة في الضفة الغربية لتفضح ما جرى في غزة منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية، فالضفة ترزح تحت نير الاحتلال المباشر والاستباحة الكاملة للعدو "الإسرائيلي"، وهي مقطعة الأوصال بمئات الحواجز العسكرية "الإسرائيلية"، لكننا وجدنا أنها اليوم تشهد تحركا علنيا لأفراد هذا التيار، مدججين بأسلحتهم، يتلقون كافة أشكال الدعم والتسهيلات من قبل قوات العدو، ويتم السماح لهم بالتنقل بحرية في حملتهم المسعورة ضد أبناء حماس ومؤسساتها.
· كما أثبتت هذه العصابات وقياداتها تبعيتها للاحتلال وعمالتها له حيث شاهدنا قيادات هذا التيار ومنتسبيه يتلقون التسهيلات من العدو، ويسمح لهم بالانتقال عبر الحواجز المغلقة والأراضي المحتلة عام 1948 أو عبر البحر هربا من غزة إلى الضفة حتى في ظل العفو العام المعلن من حماس.
· وكذلك على المستوى السياسي بدت رئاسة السلطة مفضوحة في تحركاتها السياسية وهي ترمي بنفسها في أحضان العدو بتبنيها الكامل للمخطط الصهيوأمريكي، وتحاول أن تستعيد ثقة المجتمع الدولي بها عن طريق الإقرار بكل شروط المجتمع الدولي، والمضي بعيدا في تنفيذ خطة تدمير حماس في الضفة، وصناعة النموذج المطلوب وفق المواصفات الصهيوأمريكية لإثبات أهلية رئاسة السلطة بتلقي المساعدات الأمريكية، واستلام عوائد الضرائب المحتجزة لدى "إسرائيل" وهي تخادع نفسها وتخادع الشعب الفلسطيني بأوهام العيش الرغيد تحت حراب الاحتلال كما فعلت سلطة أوسلو طوال أربعة عشر عاما، وهي في ذات الوقت تمني نفسها أن حماس ستنتحر تحت الحصار والجوع في غزة، أوستسقط عاجزة أمام الإرادة الدولية القاهرة، وسطوة القوة الإسرائيلية "التي لا تقهر".
ماذا بعد؟
وبعد استيعاب الحدث، وتبصر تداعياته لابد لنا أن نستشرف المستقبل وفق السيناريوهات المختلفة والتي تتفاوت في سوداويتها أو إشراقها، بين سيناريو الكارثة، وسيناريو التحرير الثاني على النقيض:
· سيناريو الكارثة قائم فرضية أن حماس أقدمت على خطأ تاريخي بعدم تحليها بالحلم على الفلتان الأمني، وبقيامها بحسم معركة الاستنزاف مع التيار الانقلابي، وأن حماس ستدفع ثمن ذلك غاليا بسبب الحصار الخانق الذي سيعزل غزة ويتم بموجب ذلك قطع المال والكهرباء والوقود والمساعدات عن قطاع غزة حتى تستسلم حركة حماس للإرادة الدولية ويلفظها الشعب الجائع وينفض عنها ويدعو جلاديه من قادة الأجهزة الأمنية للعودة للإطباق على خناقه من جديد... وهيهات.
· ويكتمل هذا السيناريو السوداوي بسيناريو أكثر سوداوية يقوم على الحسم العسكري من قبل "إسرائيل" بتنفيذ ما فشلت فيه الأجهزة الأمنية من إقصاء لحركة حماس وتحطيم لقوتها بقيادة باراك الذي يريد أن يعيد هيبة الجيش الإسرائيلي المهدرة، ويستعيد شخصيا شعبيته التي افتقدها بسبب انتفاضة الأقصى، وفي كلا الحالين إما أن ينتهي الأمر باجتياح كامل للقطاع و باستنزاف الحركة عسكريا وإضعافها حتى تنهار أو تكاد، وفي هذا الصدد تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر رفض أولمرت لطلب من محمود عباس باجتياح غزة والقضاء على حماس من قبل "إسرائيل" بما يدلل على دقة الحسابات لهكذا خطوة، واحتياجهم لتحسب عواقبها.
· سيناريو غزة لحماس والضفة لفتح وهو ما يجري تنفيذه من قبل معسكر التيار الانقلابي الذي التحق بمعسكر الرئاسة في رام الله بعد هروبه من قطاع غزة، وهو يقوم على تكريس الفصل بين القطاع والضفة، وذلك بحل حكومة الوحدة الوطنية، وإعلان حالة الطوارئ، وتكليف حكومة طوارئ تلبي الشروط الدولية، ولا وجود لأي عناصر من حماس في صفوفها، وبالتالي تكسر الحصار، وتضع حماس في مواجهة الإرادة الدولية التي تدفع بالاعتراف بحكومة الطوارئ الجديدة، وتجريم ما أقدمت عليه حماس، والتأكيد على شرعية عباس والتمسك به ودعمه بشكل كامل، وتقف حماس بالتالي امام مفترق طرق فإما أن تستلم وتذعن لهذه الإرادة، وتسلم بالواقع السياسي الجديد، بالتالي تعترف بهزيمتها السياسية ويتم بذلك إجهاض انتصارها العسكري وتبديد آثاره وتداعياته، وإما وهو ما حدث بأن تتمسك حماس بشرعيتها الانتخابية وشرعية الحكومة المقالة ودستوريتها وبالتالي تصبح مسئولة على القطاع بالكامل وعليها أن تقوم على إطعام الناس، والإنفاق عليهم في ظل حصار يتوقع أن يخنق القطاع ويجهز عليه أو يكاد بأن يتركه دائما في الرمق الأخير بين الحياة والموت، وفي المقابل تنعم الضفة تحت ظل حكومة الطوارئ باستئناف المساعدات و"برغد العيش"، وذلك بالتوازي مع "تطهير" الضفة من وجود حماس باستهداف قياداتها، وكوادرها، ومؤسساتها، وإقصائها من الحياة السياسية بالقوة عن طريق تغييبها من المشهد السياسي، والتعامل معها كمنظمة انقلابية خارجة عن الشرعية والإجماع الوطني، مما يعني أن خطة دايتون ستنفذ ضد حماس في الضفة بعد فشل التيار الانقلابي في تنفيذها ضد حماس في غزة وهذا ما يقوم به اليوم التيار الانقلابي كما أسلفنا.
· سيناريو التدخل الدولي وهو ما كان عباس وفريقه يتمنوه، ويدعون له عبر دعوة الأمم المتحدة إلى استقدام قوات دولية داخل غزة أو على حدودها مع مصر على أساس التعامل مع حماس كقوة خارجة عن القانون، ومنعها من "تدمير" أي فرص للسلام في المنطقة بإقامتها كيان إرهابي متمرد على الشرعية. ووفق هذا الخيار فإنه يرسم لنفسه دورا كدور حكومة السنيورة في لبنان بما تلقى من دعم وإسناد دولي في مواجهة المقاومة. إن هذا السيناريو اصطدم برفض حماس له كونه يمثل مشروع وصاية دولية على الشعب، ويحول بينه وبين تحقيق أهدافه العليا بالعودة والتحرير. ولذلك فتم استبعاد هذا الخيار من حيث أن من صالح أمريكا وإسرائيل تكريس الفصل بين الضفة وغزة وفق السيناريو السابق، وسعيا لحصار حماس في غزة واستنزافها هناك حتى يتم إقصائها بالكامل تمهيدا للقضاء عليها. وفي ذات الوقت تدخل أمريكا وإسرائيل على الخط بفك الحصار عن حكومة الطوارئ، واستئناف المساعدات، وحشد الضغط للاعتراف بها دوليا، واعتبارها من قبل "إسرائيل" شريكا في عملية السلام، وتقديم كافة الدعم والتسهيلات لها كي تنجز في الضفة ما عجزت عنه في غزة، وصولا إلى ابتزازها للرضوخ للشروط الإسرائيلية وتقديم التنازلات المطلوبة حتى تطوى صفحة الصراع وإلى الأبد.
· سيناريو الإلحاق وهو نتيجة للتدخل الدولي المشار إليه سابقا، ويقوم على الاعتقاد بأن عباس لا يصلح أن يكون شريكا فعليا في عملية "السلام" لضعفه، وعدم وجود ثقة بتيار دحلان من ورائه وقد ثبت على أرض الواقع أنهم نمور ولكن من ورق، وبالتالي فإن الحل الأنسب للقضية يكون بإلحاق الضفة ضمن كيان كونفديرالي أو حتى فيديرالي مع الأردن بعد اجتثاث حماس منها، وترك تيار دحلان يغرق في أفعاله المشينة بما يدعو الشارع لطلب التخلص منه والانتفاض ضده، ويتم حصار حماس في غزة ، واستنزافها، وعزلها بما يفقد الشارع الثقة بها، ويتم بعد ذلك إعادة غزة للإدارة المصرية.http://www.akhbaruna.net/ar/DataFiles/Contents/Files/Blogs/8/fath-arma.jpg
· سيناريو الحوار في ظل الوساطة العربية، وقد بدا ذلك واضحا في نتائج اجتماعات وزراء الخارجية العرب التي وقفت في منتصف المسافة بين الطرفين بدعوتها لاحترام شرعية الرئاسة، وشرعية المجلس التشريعي، ودعوتها لتشكيل لجنة تقصى حقائق تبحث في الداخل كيفية الخروج من الأزمة واستئناف الحوار على أساس اتفاق مكة، وهو الموقف الذي خيب أمل عباس وفريقه حيث كانوا يتوقعون أن ينحاز العرب إليهم، وينضموا إلى المجموعة الدولية برفع الشرعية عن حماس ومقاطعتها بالكامل، وحصارها باعتبارها خارجة عن القانون، وقد دفع هذا الموقف فريق عباس إلى شن هجوم حاد على أمين عام جامعة الدول العربية، وإزدراء الدول العربية،و مطالبتها ببيان موقفها بشكل واضح لا يحتمل التأويل من حماس، وتعزز هذا الموقف بالدعم ا لذي تلقته الرئاسة وحكومة الطوارئ من أمريكا، ومضوا بعيدا في الانحياز للمعسكر الصهيوأمريكي "تكفيرا" عن فشلهم في غزة، ومحاولة لترميم الثقة بهم وبقدرتهم على المشاركة الفعالة في المخطط المرسوم للقضية .
· سيناريو الصمود والتربص وهو القائم على مراكمة الانجازات على طريق الإصلاح والتغيير، وأن الوقت مهم لاستيعاب الصدمة من قبل الخصوم في الداخل والخارج وامتصاص هجمتهم الشرسة وفضح مؤامرتهم، وكما حدث إبان الزلزال الانتخابي وقد ثبت عدم واقعية التهديد بانهيار حكومة حماس وسقوطها تحت ضغط الحصار الشامل والفلتان الأمني وسحب الصلاحيات والإضرابات والتصعيد العسكري الإسرائيلي وحملات الاعتقال والخطف للوزراء والنواب وغير ذلك من الممارسات التعسفية ضد الحكومة والحركة، وقد صمدت الحكومة العاشرة في وجه كل ذلك، حتى تم توقيع اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وذلك بعد عام كامل من الانتخابات. وفي هذا السيناريو فإن ما جرى على الأرض من حسم عسكري لم يكن سوى فرض لأمر واقع، وتحسين لشروط تطبيق الخطة الأمنية وتسيير أعمال حكومة الوحدة الوطنية، ووأد لللفتنة المتصاعدة يوما بعد يوم، وان هذا الأمر يجب العمل على تثبيته واستيعابه بعد ذلك بفرض الأمن في القطاع وتعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب. أما بالنسبة للرئاسة فهي تقف اليوم مرتبكة أمام موقف حرج واختيارات صعبة أولها التصعيد باتخاذ إجراءات سياسية وفق صلاحيات الرئيس، وبإشعال الأوضاع في الضفة من قبل هذا التيار الانقلابي المسيطر على فتح بهدف اجتثاث حماس سياسيا وعسكريا بل واجتماعيا منها، والقفز إلى القاطرة الإسرائيلية عبر استئناف مفاوضات السلام بالتأهل كشريك مقبول في عملية السلام، وثاني الاختيارات يقوم على محاولة استعادة هيبة الأجهزة الأمنية في الضفة، وإجهاض ما حققته حماس في غزة بتشويهه وموازنته بما يحدث في الضفة، وبالتالي الاستعداد لجولة جديدة من الحوار على فرضية أن أطراف الوساطة ستهب لتطويق الأحداث، ويتم الدعوة للحوار، ولكنه إذا ما حدث فسيتم على أسس أفضل من حيث إحراق ورقة الفلتان الأمني التي لطالما كانت هي أحد أهم أدوات الضغط على حماس وعلى الشارع الفلسطيني.
الخلاصة:
· ما حدث في غزة من حسم طال انتظاره يمثل أمر واقع لا يمكن تجاوزه أو إجهاضه عمليا، ويشكل سابقة خطيرة يخشى الحلف الصهيوأمريكي تكراره في الضفة، وهو بذلك يمثل مع تداعياته نهاية عملية لفتح المهيمنة على القرار الفلسطيني على مدى أكثر من أربعين عاما، وفتح لصفحة جديدة من الصراع وفق معادلة جديدة.
· إن إخفاق التيار الإنقلابي في تنفيذ خطة دايتون وقد تلقى من الدعم المالي والعسكري واللوجستي من أمريكا و"إسرائيل" والمجموعة الدولية ومن دول إقليمية عربية، ليسجل كإخفاق جديد يحل بالسياسة الأمريكية ومشروعها في المنطقة، ويعزز من تيار المقاومة والممانعة في وجه تيار "الاعتدال" الأمريكي.
· انكشاف أكذوبة السلطة والقانون الأساسي، ووهم "الدولة" الذي تحاول الرئاسة الفلسطينية تسويقه بإعلانها حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة للطوارئ، وتجريمها لحماس، وتحريضها العالم وعلى رأسهم أمريكا و"إسرائيل" لحصار حماس في غزة والقضاء عليها واجتثاثها بالكامل من حياة وواقع الشعب الفلسطيني وتوليها هذه المهمة في الضفة بالدعم التنسيق مع "إسرائيل"، أن كل هذا المكر والتخطيط الجهنمي لسيناريو الكارثة كما أسلفنا لا يعدو في الواقع زوبعة في فنجان، فالقانون الأساسي هو أول من سيقف في وجههم بعد شهر واحد من اليوم بعد أن تم تنصيب حكومة الطوارئ، كما أن حالة العجز التي يعيشها فريق عباس، بعد الهزيمة المنكرة لمشروعهم الصهيوأمريكي في غزة جعلهم يقفزون دون تبصر في أحضان هذا الحلف الذي لا يمكنه عمليا أن يقدم شيئا يذكر على مستوى القضايا الأساسية للصراع.
· إن حجم الارتباك البادي في محاولة احتواء الإعصار الذي عصف بغزة وأطاح بالمارد الذي كان يجثم على صدرها من قوى أمنية متواطئة مع العدو، ليدلل على حجم الإنجاز الذي تحقق، والذي بدأت تباشيره بالظهور للعيان بشكل فوري متمثلة في الأمن، والقضاء على بؤر الفساد، وتفكيك الأزمات والمشكلات المزمنة من اختطاف، وبلطجة، ومخدرات، وتبدى واضحا كما يقول أهل غزة في الاختفاء المفاجئ لطائرات الاستطلاع الإسرئيلية من سماء غزة لأول مرة منذ سنين، وقد تبين أنها كانت توجه من داخل المقرات الأمنية المحررة.
· إن ما وقع في أيدي حماس من أسرار استخباراتية دولية مما تم العثور عليه في المقرات الأمنية ليرقى لمستوى الكارثة على الحلف الصهيوأمريكي، والوقوع على "كنز" من المعلومات الاستخباراتية يتعدى الأراضي الفلسطينية على حد وصف العدو وأجهزة الاستخبارات الدولية.
· إن ما تقدمه اليوم أمريكا و"إسرائيل" من دعم للرئاسة الفلسطينية والتيار الإنقلابي، وانهمار المساعدات الدولية عليهم من كل حدب وصوب لهو الإدانة الحقيقية لهذا التيار، والوصمة العملية له بالعمالة، ورصاصة الرحمة التي ستقضي على البقية الباقية من أي مصداقية أو ثقة به وبمشروعه القائم على بيع الأوهام للشعب الفلسطيني، خصوصا وان ما يجري اليوم من أحداث ليثبت كل ما اتهمته به حماس من قبل.
· إن فهم حماس لحقيقة الصراع وأبعاده، وهامش الحركة المتاح أمامها، جعلها تقدم على هذه الخطوة خصوصا أنها كانت ومازالت محاصرة، وغير معترف بها بشكل فعلي من العالم، وأن المجموعة الدولية قد اجتهدت لإيجاد البدائل المتعددة لتوصيل المساعدات للشعب الفلسطيني فالعالم معني في تهدئة هذه المنطقة المتفجرة، وتحقيق امن "إسرائيل"، وأمريكا تريد أن تسكن هذا الصراع للتفرغ لمواجهة إيران، ولمحاولة الخروج من المستنقع العراقي الغارقة فيه، ففي هذا الإطار لن يتغير الكثير من حيث المساعدات الإنسانية.
· إن ما بدا موقفا ضعيفا لحماس في الضفة لا يمكن التعويل عليه كثيرا خصوصا مع دعوات قيادة الحركة وتحذيرات العدو من الاستعدادات الحثيثة والمحمومة لإطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة من الضفة وذلك بالرغم من عملية تقطيع الضفة بالجدار العنصري العازل، ومئات الحواجز العسكرية، وبالرغم من الاستباحة الكاملة للضفة من قبل قوات العدو، والحملة المسعورة التي تتم صباح مساء لاعتقال النشطاء، والمطلوبين من فصائل المقاومة، فانفجار الضفة حتمي بغذن الله والمسألة مسألة توقيت فقط.http://www.akhbaruna.net/ar/DataFiles/Contents/Files/Blogs/8/flag.jpg
وختاما
فإن هذا الفصل الجديد من الصراع ليؤسس لحقيقة تراجع المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة خطوة أخرى للخلف، وأنه يسقِط حلقة من حلقات التآمر على مشروع المقاومة والممانعة، ويثبت حقيقة أن الإصلاح والتغيير ممكن مهما عظمت المؤامرة مادام الإيمان راسخا، والإعداد قائما ومستمرا، كما ويثبت أن مصير كل من يتآمر على شعبه وقضيته ويتاجر بها مع العدو سيكون حتما في النهاية ذات المصير الذي آل إليه جيش لحد في جنوب لبنان، وجيش دحلان في غزة، وها هو يندفع اليوم في الضفة لذات المصير طال الزمان أم قصر.
إن ما جرى ما هو إلا فصل من فصول المعركة المستمرة بين الحق والباطل مصداقا لقول الله تعالى " إن الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون. ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون".
وبانتظار أن تنهض الأمة بتبعات مسئولياتها في موقع الإسناد والدعم والنصرة والحماية لخط الدفاع المتقدم المتمثل في قوى المقاومة وعلى رأسها حماس في وجه الهجمة الصهيوأمريكية والمؤامرة الدولية ، وفي وجه من تآمر معهم من أبناء الشعب الفلسطيني المدعومين من قوى إقليمية ودول عربية وجهات دولية للقضاء على هذا النموذج الفريد الذي يزداد صلابة وقوة في كل يوم ويتقدم بخط ثابتة لقيادة الشعب الفلسطيني ومن ورائه أمة المليار وثلث مسلم على طريق العودة والتحرير لبيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وفي هذا السياق فالمراهنة الحقيقية هي على قوى الأمة الحية المخلصة والشريفة وعلى رأسها الحركة الإسلامية لقيادة هذا الجهد المبارك، وتأكيد مدى العمق الاستراتيجي لمشروع المقاومة.
كذلك فإن هذا الحدث الكبير ليضع شرفاء هذا الشعب من كل الفصائل ومن بينهم شرفاء فتح أما مسئولياتهم التاريخية بإفشال المؤامرة وعزل التيار الإنقلابي، ومحاربته لأنه لا يستهدف حماس وحدها بل هو يقامر اليوم بكل القضية وحقوق الشعب وثوابت القضية، ومقدسات الأمة التي تتعرض لأشد المخاطر بالتهويد والتدمير.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون



http://www.akhbaruna.net/ar/DataFiles/Templates/Akhbaruna/Images/Top_Page.gif تعليقات حول الموضوع

التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط، ولا يتحمل موقع أخبارنا أي مسؤولية عنها ولا يتبناها بالضرورة.
لقراءة شروط نشر التعليق الرجاء الضغط هنا



و ماذا بعد الاسم: ابو عبدالله