تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : " عصبة العشرة " ( نموذج للنخر الماسوني في ولاية بيروت )!



زيت الشوك
06-13-2007, 11:29 AM
فؤاد حبيش مؤسس مجلة ودار المكشوف 1904 ـ 1973
عيسى فتوح



الشيخ فؤاد حبيش أديب وصحفي وناشر لبناني, ومؤسس مجلة "المكشوف" عام 1935.‏
ودار "المكشوف" عام 1936 في بيروت, اللتين لعبتا دوراً بارزاً ومهماً في الحياة الأدبية في لبنان وسورية خاصة, والوطن العربي عامة بين عامي 1935 و1950.‏
ولد فؤاد حبيش في بلدة "غزير" في كسروان بلبنان عام 1904, وتلقى دراسته في مدرسة "الحكمة" الشهيرة التي أسسها المطران يوسف الدبس (1833 ـ 1907) في بيروت, والكلية العلمانية في القاهرة, وفي عام 1923 التحق بالمدرسة الحربية في دمشق وتخرج منها ضابطاً مترجماً عام 1924.‏
حيث عاد إلى بيروت استهوته الصحافة, فحرر في صحف ومجلات: الشمس, والأرز, والشبيبة, والمعرض, وفيرفا والأحرار المصورة, والراية, وبيبلوس والصحافي التائه والنداء, والاتحاد اللبناني, والعهد الجديد, والنهار وغيرها... لكن اسمه ارتبط بمجلة "المعرض" التي أسسها ميشال أبو شهلا (1898 ـ 1956) وميشال زكور (1893 ـ 1937), وفي ظل "المعرض" تأسست "عصبة العشرة" التي ضمّت عدداً من الكتاب والأدباء اللبنانيين الذين شنوا حرباً لا هوادة فيها على القديم البالي من أدبنا المعاصر, وعلى شيوخ الأدب المحنّطين, وعملوا على كسر عالم فكري جامد, وبناء عالم آخر جديد ينبع من الحياة.‏
أنشأ فؤاد حبيش مجلة "المكشوف" أسبوعية, فكانت في بداية تأسيسها "رسولاً للعري1 وداعية له", إلا أنها تحولت بعد سنتين إلى مجلة أدبية ذائعة الصيت, واسعة الانتشار, وقد استمرت في الصدور حتى عام 1950, فحملت لواء الأدب الصحيح, ودعت إلى ثورة تجديدية في الأدب الحديث, وتعد مجموعة المكشوف اليوم مرجعاً هاماً من المراجع الرئيسية لتاريخ الأدب الحديث في النصف الأول من القرن العشرين, ولتياراته الفكرية في لبنان وسورية, وكانت بحق مدرسة أدبية وفكرية نقدية أسهم في تحريرها نخبة من الكتاب والأدباء أمثال: ميخائيل نعيمه, وعمر فاخوري, ورئيف خوري, وعبد الله لحود, ولطفي حيدر, وألياس أبو شبكة, وبطرس البستاني, ورشاد دارغوث, وخليل تقي الدين, ويوسف أسعد داغر, وفؤاد الشايب, وسعيد الجزائري الذي كان له الفضل في إصدار عدد خاص منها عن الأدب في سورية في أواخر الثلاثينات.‏
لم يكتف فؤاد حبيش بإنشاء مجلة المكشوف, بل أنشأ بعدها بعام واحد دار المكشوف التي صدر عنها مجلات: المدرسة, ومجلة الإذاعة, والراديو, والجندي اللبناني, والشرف العسكري, وقرأت لك, ومجلة الحرب الجديدة المصورة التي قامت بتغطية أنباء وأحداث الحرب العالمية الثانية, بالتعاون مع الصحفي المعروف كامل مروة (1915 ـ 1966) مؤسس جريدة الحياة, وعشرات الكتب الجيدة لكل من: مارون عبود, ورئيف خوري وإلياس أبو شبكة, وخليل تقي الدين, ولطفي حيدر, وعمر فاخوري وكرم البستاني, وقدري قلعجي, ومحمود تيمور, ونسيب عازار, وفؤاد الشايب وغيرهم..‏
فؤاد حبيش وعصبة العشرة:‏
تأسست عصبة العشرة في بيروت عام 1930, وكان من أبرز مؤسيسيها رئيسها ميشال أبو شهلا, ورسامها إلياس أبو شبكة (1903 ـ 1947) وقطبها الشيخ خليل تقي الدين (1906 ـ 1987) ولولبها الشيخ فؤاد حبيش وهم أربعة, أما الستة الباقون الذين ظلوا خارج نطاق العصبة فكانوا مجرد أصدقاء ومؤيدين وهم: كرم علي ملحم كرم, ويوسف إبراهيم يزبك, وتقي الدين الصلح, وتوفيق يوسف عواد, وعبد الله لحود, وميشال أسمر.‏
كانت العصبة تجتمع في إدارة تحرير مجلة "المعرض"بين الساعة الثانية عشرة ظهراً والساعة الثالثة بعد الظهر, حيث يتناول أعضاؤها الطعام, ويتناقشون في أمور الأدب والسياسة.‏
يقول إلياس أبو شبكة: "لن تقف عينك على مشهد ألطف وأكمل من مشهد هؤلاء الجنود الروحيين وقد احتدم بينهم الجدل حول فكرة يتخطفونها بأبحاثهم, ولن يُقدّر لك أن تستنشق روحاً أخف من روحهم, وقد رفوا بها في مكتب مجلة "المعرض" وحلقوا في سماء الأدب تحليق النسور في مذاهب الجو".‏
كان أعضاء العصبة ينشرون مقالاتهم في الصحف والمجلات إما بأسمائهم الصريحة, أو بأسمائهم المستعارة, فميشال أبو شهلا يوقع باسم "أبو فريد" وفؤاد حبيش باسم "جوابة" أو "منخّل" وإلياس أبو شبكة باسم "رسام" أو "عصبصب" أو "أبو ناصيف" وخليل تقي الدين باسم "بشار", وقد نظم إلياس أبو شبكة أربعة أبيات من الشعر يشير فيها إلا هؤلاء الأربعة الذين كانوا في الواقع عشرة:‏
أربـعــة لـكـنـهم * * * عند القياس عشرة‏
إذا أهابوا بالدجى * * * أرخى عليهم قمره‏
وإن أهـابوا بكـنو * * * ز الوحي حل صرره‏
صـلـت نـراجـيلـهم * * * على الطِلى والكركره‏
ويضيف قائلاً: "عشرة ترسموا خطا الأدب خطوة خطوة, فإن وقعوا على درن كنسوه, وإن واجهوا معترضاً وجههوه, وإن استووا على أدب صحيح قدسوه, فهم سلم إن شئت, وحرب إن أردت".‏
شنت عصبة العشرة حرباً شعواء على القديم البالي من أدبنا, وعلى شيوخ الأدب ممن تجاوزوا الأربعين, حتى قال أحد أعضائها: "ليس بين شيوخ الأدب في لبنان من يستحق أن يدعى أديباً, فالأديب كما يفهمه الغرب, وكما يحاول كل منا أن يكون, هو غير الشاعر الذي ينبش قبور الأصوات, ليسرق أروع ما فيها من معنى وتركيب وصورة وخيال", فهي بهذا تشبه مدرسة الديوان التي قامت في مصر بزعامة العقاد والمازني وشنت حرباً شعواء على المنفلوطي وشوقي وعبد الرحمن شكري..‏
يقول الياس أبو شبكة: "إن عصبة العشرة صممت أن تخدم الأدب العربي عن طريق النقد, ولن ترجع عن تصميمها مهما توالت عليها تهجمات السباب والشتائم من أولئك الذين لا يطربهم إلا المدح حتى السخيف المبتذل".‏
إنها يقظة أدبية نشيطة قام بها نفر من الأدباء والشبان الثائرين على التقليد والجمود, لخلق أدب جديد لا يقوم على المحاكاة وإتباع الأساليب السلفية, فقد هالهم أن تظل بعض الأقلام تمعن في الإساءة إلى الأدب العربي, بما تشوهه من محاسن القديم لفرط ترديده, وابتذال بدائعه, وبما يولده نتاجها العقيم في نفوس النشء العربي من الرغبة عن لغته, والإقبال على الجديد المبتكر في لغات الأمم الأجنبية.‏
كان أعضاء العصبة يريدون أقلاماً تستمد نورها من شمس العصر, وتغمس في مداد من حياة أبنائه وألوانها وشعورها وأحداثها, لا أقلاماً حائرة تجردت عن روح عصرها, وأنكرتها سائر العصور.‏
ويعترف رئيس العصبة ميشال أبو شهلا في المقدمة التي كتبها للكتاب "الرسوم" لالياس أبو شبكة بأن المعاول التي حملها أعضاء العصبة لم تكن معاول هدم وحسد ونقمة, بل معاول بناء, غايتها أن تمهد الطريق للأقلام الجديدة, لتعيد للنشء العربي حب لغته, وتخلق في مجموعه كتّاباً وقراء يغذون الأدب الجديد, وينعشون المكتبة العربية.‏
كان لنشاط العصبة أصداء واسعة ليس في لبنان فحسب, بل في سورية والعراق ومصر والمغرب العربي, وسائر الأقطار العربية الأخرى, ولاقت في كل مكان تحبيذاً وتأييداً من الأجيال الطالعة هنا وهناك, مما ضاعف من إيمانها برسالتها, وشجعها على المضي في أداء هذه الرسالة.‏
ولم تقصر نقدها على الأدب وفنونه, بل خصت السياسة بنصيب وافر منه, وكان الشيخ خليل تقي الدين أول مقتحمي هذا الميدان, فهو لم يكتف بالنشر في مجلة المعرض, بل صار ينشر في مجلة "المضحك المبكي" التي كان يصدرها حبيب كحالة في دمشق, ويتناول في نقده شؤون السياسة, وكان يومئذ أمين سر مجلس النواب اللبناني, وتبعه في ذلك إلياس أبو شبكة الذي كان يترصد رجال القلم والسياسة والإدارة جميعاً, فيرسمهم وينقدهم ويسخر منهم أحياناً, ويوقع ما يكتبه باسمه المستعار "رسام" وقد جمع هذه المقالات التي نشرها في مجلة "المعرض" في كتابه "الرسوم" الذي صدر عن مطبعة المعرض في بيروت عام 1931.‏
استمر أعضاء عصبة العشرة في نقدهم لرجال الأدب والسياسة والإدارة والزعامة ثلاث سنوات, يهتكون ستورهم, ويعرونهم من أقنعتهم المستعارة, حتى عطّل رئيس الجمهورية اللبنانية شارل دباس مجلة المعرض, وبعد الإفراج عنها ظلت صامتة حوالي سنتين, ثم صدرت ثانية, ولكن فرسانها القدماء تفرقوا, فالتزمت جانب الاعتدال والاتزان.‏
كان من أبرز رجال السياسة الذين رسمهم قلم أبي شبكة: شارل دباس, محمد الجسر, أوغست أديب, إميل إدّه, حسين الأحدب, بشاره خليل الخوري, موسى نمور, جبران التويني, سليم تقلا, رشاد أديب, عمر الداعوق, حبيب طراد, عمر بَيْهُم, موسى مبارك, إميل ثابت, ميشال زكّور, شبل دموس.‏
ميشال شيحا, هنري فرعون, عز الدين العمري, جبرائيل نصار, يوسف السودا, بيتروطراد, حسين قزعون, يوسف البريدي, عبد الله نوفل, فريد الخازن, الدكتور أيوب ثابت, يوسف الخازن, إبراهيم حيدر... واكتفى برسم كل من رجال الأدب: شبلي الملاط, أمين تقي الدين, فليكس فارس, بشارة عبد الله الخوري, راجي الراعي, إلياس فياض, حبيب جاماتي, كرم ملحم كرم, ميشال أبو شهلا, خليل تقي الدين فؤاد حبيش...‏
كان أبو شبكة ينوي إصدار جزء ثان من كتاب الرسوم, لكنه اكتفى بالجزء الأول فقط, لأن مجلة المعرض عُطّلت وتوقف النشر فيها, وانطوت بذلك صفحة عصبة العشرة التي لعبت كما رأينا دوراً بارزاً ومؤثراً في الحياة الأدبية والسياسية في لبنان والوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين.‏
وصف إلياس أبو شبكة صديقه فؤاد حبيش في كتابه "الرسوم" بقوله: "هو يذهب مذهب العراة ويأخذ بآرائهم, اعتقاداً منه أن مذهبهم إنما هو المذهب الصحي المهذب....".‏
وقال أيضاً: "إنه لم يبتدع مذهب العري بل اتبعه, فما كتابه "رسول العري" الذي أوقع الواقعة عند صدوره إلا بوق من أبواق الغرب تكلم فيه برجع قولٍ قد قاله بعض أدباء الغرب من قبله, إلا أن رجع القول هذا في بلاد تخزن أخلاقها وعاداتها, وتتمسك بمبادئها ونزعاتها, وهبط به على مستوى الرجل الثاني, فهو إذاً متبع شرعةٍ ومبتدع بدعةٍ في آن واحد..".‏
وأضاف: "مفكر: ترى في كتاباته روحاً جديداً, وآراء صائبة لا يتلون في معاقدها, ويحسب أنه يأخذ فيها بالخير والإصلاح, ولكني ضعيف اليقين في نجاحه إلا إذا مهدت المدارس أخلاق الناشئة لقبول مثل هذه الأفكار وتشربها...".‏
المصادر:‏
1 ـ يوسف أسعد داغر ـ مصادر الدراسة الأدبية ـ مكتبة لبنان ـ بيروت 2000.‏
2 ـ إلياس أبو شبكة ـ الرسوم ـ مطبعة المعرض ـ بيروت 1931.‏
3 ـ عيسى فتوح, محاضرات في تاريخ الأدب العربي الحديث ـ دار كيوان ـ دمشق 2006.‏
1 أصدر فؤاد حبيش كتابين في هذا المجال هما: رسول العري, والسحيقات.‏




المصدر

جريدة الاسبوع الادبي العدد 1004 تاريخ 29/4/2006

http://www.awu-dam.org/esbou1000/1004/isb1004-029.htm