تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بول شاؤول يتحدث بصراحة!



زيت الشوك
06-13-2007, 10:59 AM
الشاعر اللبناني بول شاؤول بصراحة جارحة:وهم العالمية أضاع الشعر العربي

السبت 2 / 6 / 2007
أجري الحوار- مصطفي عبادة- تصوير- موسي محمود



بول شاؤول شاعر ومسرحي لبناني يجمع بين فنين صعبين هما الشعر والمسرح, عمل في فترة من حياته مدرسا للغة العربية في سن الفيل مسقط رأسه, ثم عمل في الصحافة الأدبية مسئولا عن الأقسام الثقافية.

أصدر بول شاؤول العديد من المجموعات الشعرية منها: أيها الطاعن في الموت, بوصلة الدم, وجه لا يسقط ولا يصل, الهواء الشاغر, أوراق الغائب.أما عشقه الثاني وهو المسرح فله فيه العديد من المسرحيات: المتمردة, ميتة تذكارية, الزائرة كما ترجم كتاب الشعر الفرنسي الحديث, ومختارات من الشعر العالمي, وفي انتظار جودو, ونهاية اللعبة.في هذا الحوار تخلي شاؤول عن الحذر وأجاب بصراحة مطلقة وجارحة أحيانا, عن حقيقة العالمية التي يبحث عنها الشعراء العرب, ويري أنها وهم, لأن الشعر بطبيعته نخبوي ويستعصي علي منطق التسليع الذي ترسخه العولمة, علي عكس الرواية التي تحولت إلي سلعة, وأصبح الروائيون العرب يكتبون حسب شروط ومواصفات الغرب, ولم يتحرج في ذكر أسمائهم, بل إنه يري أن الشعراء العرب الموجودين في الغرب إنما هم كذلك لأنهم يقيمون هناك أو عبر علاقات صداقة فقط, أما شعرهم فغير موجود وأكبرهم يوزع300 نسخة وهو أدونيس.في السطور المقبلة الكثير من التفاصيل:

* تتسم قصائدك بحسية عالية.. ما سببها وهل لها علاقة بالحروب الدائرة في لبنان؟

إنه الحس المرتبط بالمجتمع وبالحروب والجسد, وبالنسبة لي, فقد عشت الحروب في لبنان, وهذه الحسية لا تنفصل عن الحروب والقتل والشهوة والعبث والعدم, من الصعب أن نفصل أحيانا قصيدة الحب, أو قصيدة الرغبة عما يحيط بها, لأن الجسد هو بؤرة المجتمع, وبؤرة العالم, أو هو آلة مهزومة من المجتمع, أو تنتظر أن تهزم, أو آلة تحتفل بالمجتمع. والجسد بؤرة لكل سلوكيات المجتمع, والشعر مهما حاول أن ينعزل, فالعزلة هي أعلي قمة من قمم الدخول في الواقع, لكن دون الاقتراب من لغة المجتمع, ومن التهويمات الاجتماعية, ومن التابوهات والموت المجتمعي, الشاعر داخل المجتمع, وفي الوقت نفسه هو خارجه, في قواعد اللغة وخارجها, داخل إلزامات التراث وخارجها, داخل السائد وخارجه, المشكلة تأتي عندما يصبح الشاعر داخل المجتمع ولا يستطيع الخروج منه, فهنا يقضي علي فرديته, وخصوصيته, وتفرده.

* هل حاولت إثراء قصيدتك الشعرية بكتابتك للمسرح؟

حاولت ذلك بالمسرح والسينما, أنا من عشاق المسرح ومن كبار خبرائه في الوطن العربي, ومنذ السبعينيات, حتي الآن حضرت وشاهدت كل المسرح العربي الأساسي, من الجزائر إلي مصر, وقرأت آلاف النصوص, وكتبت المسرح, وقد أفادني المسرح في الشعر, وأفادني الشعر في المسرح, وفي كتابي الذي نشرته منذ سنتين نفاد الأحوال كانت البنية فيه درامية, لكن النص سردي, ومفهوم الشعر, توسع الآن كثيرا, حتي ليقال إننا نعيش الآن عصر ما بعد القصيدة, حتي قصيدة النثر, وهي تسمية رديئة جدا, ونحن نعيش ما بعد قصيدة النثر, لأن هذه القصيدة كما نعرف في العالم العربي استمدت نظريتها من سوزان برنار وهي قد استمدت نظريتها من النصوص الفرنسية, ونحن تبنينا نظريتها وطبقناها علي قصيدة النثر العربية, كأنك أحضرت المشروع الزراعي الأمريكي, وطبقته علي صعيد مصر, المهم: أننا نعيش الآن ما بعد هذه الثنائيات: قصيدة النثر, والنثر الشعري, الشعر والنثر....إلخ هذه التسميات, أنا أعتبر النبي لجبران خليل جبران قصيدة نثرية, والتوحيدي في إشراقاته شاعر قصيدة نثر.

* أشرت إلي المرجعية الغربية لقصيدة النثر, هل لاتزال هذه المرجعية قائمة؟

نعم, علي مستوي النظرية واللغة, لأن اللحظة العربية كلها معولمة, منذ محمد عبده, وفرح أنطون, والطهطاوي, كل هؤلاء أبناء الفكر الفرنسي, إلي أحمد شوقي ومسرحه, وعلي محمود طه, إلي صلاح عبدالصبور, وعندنا في لبنان منذ سعيد عقل, إلياس أبوشبكة, والشابي الذي تأثر بجبران وبالتجربة الفرنسية, الأمر نفسه ينطبق علي المسرح العربي, فعندنا بريختيه, وتأثرنا بديستويفسكي, وبيتر فايس, وبيرانديللو, وكل هذا لا ينفصل عن الشعر, وطه حسين مثلا: جمع بين قوة التراث وبين الفكر الديكارتي والأرسطي القديم, كذلك التنوير, ليس عربيا, إنه التنوير الغربي, الذي أدي إلي عالمية ولم يؤد إلي عولمة, ولهذا نحن تأثرنا عالميا في الشعر والثورة التكنولوجية الغربية في القرن التاسع عشر أدت إلي عالمية, بينما هي في العصر الحالي تؤدي إلي عولمة, وهناك فرق, فالعولمة تعني ضرب المقاومة بالذاتية. وعندما أقول إن النهضة العربية معولمة فإنني أقصد المعني الإيجابي وليس السلبي.

* لكن البعض يرجع إلي التراث القديم, كما ذكرت أنت التوحيدي, لإيجاد شرعية لقصيدة النثر؟

قصيدة النثر لا تحتاج إلي شرعية, فهي موجودة, وأصر علي أن التوحيدي لديه نصوص شعرية, وكذلك جبران, وأمين الريحاني, وتاريخ النثر عندنا قديم يتجاوز1400 سنة, بينما النثر في إنجلترا وفرنسا ليس قديما كما هو لدينا, فمخزوننا النثري الشعري أقدم من أي مخزون في الغرب, إذن الرجوع إلي التراث ليس من أجل جلب الشرعية, بل هو امتداد شرعي رأسي, ومنذ خمسين عاما حينما ظهرت قصيدة النثر كنا نحتاج إلي تأسيس شرعية لها, لكن اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات والتجارب لسنا في حاجة إلي هذه الشرعية, ولا تنس في هذا السياق أن الماركسيين بحثوا في التراث العربي عن الشرعية لها, والتمسوها عند الخوارج والقرامطة. والوجوديون فعلوا الشئ نفسه, ليس في العالم علي المستوي الفكري تيار يموت أو يولد فجأة, أو يقوم من لا شئ, فلا العقلانية ماتت ولا الأفكار الغيبية كذلك, كما لا تنس أننا في هذه الفترة كنا نريد أن نغير العالم, لكن الذي جري أن العالم هو الذي غيرنا.

* حينما ظهرت قصيدة النثر كانت بيروت هي أكثر العواصم حماسة لها.. لماذا؟

لأنها كانت, أي بيروت, تتمتع بحرية أكثر وقتها, أكثر من أية عاصمة عربية أخري, وكذلك لم تكن لدينا رقابة أو تابوهات, والشاعر كان يتحرك في بيروت دون أن يعترضه أي عائق, وبقية العالم العربي كانت فيه تابوهات العسكر, والفاشية الدينية, وليدة الأنظمة العربية الثورية التي قامت من ناحية أخري هذه النظم بترييف المدن, فجاء الريفيون إلي المدينة محملين بشعارات ثورية, ومعتقدات ريفية, من هنا لاتزال المدن العربية تضرب مع الأنظمة الثورية, لأن هذه الأنظمة بدأت جماهيرية وانتهت أنظمة عائلية وطائفية ومناطقية, أما بيروت فلا, ففيها غليان ثقافي ونقابي وتشكيلي, وديمقراطية, من هنا تنفست قصيدة النثر بسرعة فيها وبدون عوائق, إذن بيروت كانت سباقة, مثلما كانت مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين, هي السباقة في السينما وفي الشعر, لأنها كانت تمتلك الحرية أكثر من عواصم عربية أخري, ومن هنا جاء اللبنانيون إلي مصر لممارسة حريتهم, مثلما حدث بعد ذلك في السبعينيات عندما هاجر أغلب المثقفين العرب إلي بيروت ليمارسوا حريتهم.

* أخيرا كيف تري واقع الشعر العربي اليوم؟

إنه يعيش عصره الذهبي, ودعك من الذين يعلنون موت الشعر, فالذين يقولون ذلك هم الموتي, لأن الشعر اليوم تحرر من الأيديولوجيا ومن الأفكار الجاهزة ومن المدارس النظرية, ومن بقية الأعباء, وصار حرا, عكس الماضي, ففي السبعينيات كان يكفي الشاعر أن يكتب قصيدة عن فلسطين أو كوبا أو فيتنام فينصب شاعرا ثوريا بنص ردئ, اليوم انتفت العوامل الخارجية في الشعر, فأن تكون شاعرا أو لا تكون, من دون سند خارجي, أنت والنص في مواجهة, ليس أن تتستر وراء قضية كي تصبح شاعرا, أو وراء أيديولوجيا, اليوم الشعر في أجمل لحظاته الحرة, وتلك خطورة الكتابة الشعرية الآن, عكس ما كان يحدث من قصائد متخلفة في قضايا تقدمية.

* في محاضرة لأدونيس في مصر قال إننا ككتلة عربية انقرضنا إبداعيا في العالم.. ما رأيك أنت خصوصا أنك تري أن الشعر في عصره الذهبي؟

النظام العربي منذ ثلاثين عاما قضي علي كل شئ, ففي السبعينيات كنا في طريقنا إلي اختراق التجارب الكبري, و الآن أين نحن؟ لكن هذا شئ والقول بأننا نعيش عصرا شعريا ذهبيا شئ آخر, فأدونيس وأنسي الحاج, وحتي السياب والبياتي وسعدي يوسف, هؤلاء استندوا إلي مدارس شعرية أو علي أحزاب سواء مدارس شعرية غربية أوأحزاب عربية, وأعني بالمدارس الرمزية والسوريالية.... إلخ, شأن نهضتنا التي بدأت بتأثير غربي, كما قلت, لكن عندما بدأت هذه النهضة تتبلور, وتتمخض عن مشروعها الخاص قصمتنا الأنظمة العسكرية بالحروب وبالهزائم وبالطوارئ والمحرمات, والنهضة الشعرية شئ, ووصول هذه النهضة بأصدائها إلي الغرب شئ آخر, فالشعر الياباني مزدهر, لكن داخل اليابان, ولا وجود له في الغرب, لأن من يصل اليوم إلي الغرب هم الشعراء الرديئون الذين لديهم علاقات, ويمالئون أمريكا والاستعمار, الشعراء الأساسيون في العربية غير مترجمين في الغرب, لماذا؟ لأن من يصل إلي الغرب اليوم هو من يعيش هناك كأدونيس مثلا أو عنده علاقات بالغرب, فمثلا يوسف حبشي أكبر روائي في لبنان غير مترجم في الغرب, وأحفاده تترجم أعمالهم.الغرب ليس هو مرجع القول, إننا نعيش عصرا ذهبيا أو غير ذهبي, أنا أقيس علي ما نحن عليه, فنحن علي أعتاب عصر شعري جديد بدون أيديولوجيا ومرجعيات, وهذا سيؤدي عندما يتراكم إلي شعر متجاوز وحي وحر, في مواجهة إلزامات العولمة والأصوليات والحروب والقمع والاستهلاك, والنمطية, وكل موبقات العالم, لأن الشعر هو آخر مقاومة ضد الاستهلاك والأحادية والاستعمار المقنع بالعولمة, ومنطق التسليع, وبالتالي فالشعر أقل بيعا من الرواية, لأن الرواية تمت عولمتها وخضعت لمنطق الاستهلاك, لأنهم وجدوا أن الشعر عصي علي التسليع والعولمة, لأنه بطبعه لا يمكن أن يكون سلعة, ولا تنس أنه قبل العولمة, حاولت بعض الأنظمة الأيديولوجية العربية استيعاب الشعر, فاستقطبت بعض الشعراء, لكن الشعر أفلت منها, لأن الشعر غير قابل للاستيعاب, وليس مادة استهلاكية, وعندما يكون أكبر شاعر في العالم العربي يبيع400 نسخة ماعدا محمود درويش, علي سكان مجملهم300 مليون, فماذا تريد إذن العولمة في الشعر ومنه, وتاريخ الشعر كله هكذا؟ رامبو طبع وباع من ديوانه ثلاثين نسخة وبودلير منع ديوانه أزهار الشر, وفاليري أكبر شاعر فرنسي لا يبيع أكثر من ثلاثمائة نسخة, الشعر هو خميرة العالم, لا يقاس برواجه, بل بقيمته الحيوية, ولهذا أعجب من كلمة شاعر عالمي, هذه كذبة, فذلك يعني أن يقبل بك الغرب, وتقع تحت شروطه التي تريد روايات كالتي يكتبها إلياس.

* إلياس من؟
يعني.. لا تهتم, ومثل الطاهر بن جلون, ومن يكتبون للمجتمع الفرنسي, للرواج هناك, بينما روائي كبير مثل محفوظ لم يفعل ذلك, لأنه خلق سلطة جماهيرية عكس من يبحثون عن سلطة سياسية في الغرب فيكتبون رواية مناسبة, وما يعجب الغرب الآن هو التركيز علي التخلف, والتقاليد, والاغتصاب والثأر, وقمع المرأة, وتكتب هذه الرواية بلغة معروفة للترويج في الخارج وللوصول إلي فكرة العالمية حسب شروط هذا الخارج*



http://arabi.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=cult4.htm&DID=9235