تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : 26 نيسان عيد طرابلس والطرابلسيين



chidichidi
06-10-2007, 05:32 PM
26 نيسان يوم تحررت طرابلس من الفرنج (الصليبيين)
الدكتور عمر عبدالسلام تدمري


"المنصور قلاوون"
وبقيت امارة طرابلس وعاصمتها مستعصية على كل القادة والفاتحين، حتى قيّض الله لها "المنصور قلاوون" ليكون فتحها على يديه في السادس والعشرين من نيسان 688هـ/1289م بعد حصار دام 33 يوماً، مستخدماً
19 "مَنْجَنيقاً" (آلات لقذف الحجارة ودك الاسوار)،
وألفاً وخمس مئة رجل متخصصين بنقب الحجارة لفتح ثغرات في أسوار المدينة، حيث كان سورها يتسع لمرور ثلاثة فرسان بخيولهم عليه دفعة واحدة،
وجماعة من "الزّراقين" الذين يقذفون النار المشتعلة بالقار وغيره من المواد الملتهبة عبر "المزاريق" (الانابيب) من فوق السور، فضلاً عن عشرة آلاف فارس، وثلاثة وثلاثين الفاً من المشاة، عدا المطوعة من المغاربة وأهل الشام والعلماء.

من القاهرة الى دمشق فطرابلس
ولقد خرج "المنصور" بجيشه من القاهرة عاصمة دولة المماليك الى دمشق حيث انضمت اليه جيوش بلاد الشام، وبعد انتهاء الاستعدادات اللازمة خرج قاصداً طرابلس في شهر آذار واجتاز ثلوج الجبال في شمال "لبنان".

هضبة القبة
ورابط عند الهضبة المشرفة على المدينة من الجهة الشمالية الشرقية، ونصبت فيها خيمته السلطانية وكان لها قبّة ضخمة، فأخذت الهضبة اسمها منذ ذلك التاريخ وأصبحت تعرف بـ "القبة".
وراحت المجانيق تقذف الحجارة الثقيلة على أسوار المدينة لتدكها، وتقدم النقَّابون والحجّارون تحت ستار تلك القذائف لنقب ثغرات في الاسوار يدخل منها جيش السلطان، وتسنّى لهم ذلك بعد 33 يوماً من الحصار والقتال والرمي بالحجارة والسهام.

26 نيسان الساعة 1 ظهراً
وتدفق الفاتحون داخل المدينة في يوم الثلاثاء 26 من نيسان 1289م وسيطروا عليها عند تمام الساعة الواحدة ظهراً، ووقع القتل والاسر في الفرنج، وأُحصي من قتل منهم أثناء أيام الحصار لوحده فبلغوا نحو 7 آلاف وقد فر الآلاف بالمراكب الى سواحل اوروبا، ووقع في الاسر 1200 مقاتل من الفرنج، ومنهم من هرب والتجأ الى الجزر المتناثرة في البحر، فعبر اليها الفاتحون بخيولهم، وبعضهم سباحة، وقيل ان البحر انطرد في ذلك الوقت عن الساحل وبانت الارض فعبر الناس الى جزيرة البقر سيراً، وقذفت الريح أحد مراكب الفرنج الهاربين الى البر فوقعوا في أيدي العامة الذين في مؤخرة جيش السلطان، فقتلوا بعضهم وأسروا الآخرين.
أما قتلى المسلمين فبلغوا 55 رجلاً من رجال الحلقة (الحرس السلطاني)، قتل أكثرهم من خلفهم على يد سكان القرى المتحالفين مع الفرنج المحتلين، وقد اشار اليهم الشاعر "شهاب الدين محمود" في قصيدته المشهورة التي ألقاها أمام السلطان في طرابلس وقد حضر موقعة الفتح، فقال:
"أمدّهُم جيرانُهُم بحُماتهم ويَعْجَب ذاك المد من دأبةُ الجَزْرُ"

المؤرخ "أبو الفداء"
وشارك في فتح طرابلس ملك حماة "المؤرخ" "ابو الفداء الايوبي"، برفقة أبيه وعمه، وذكر في كتابه "المختصر في أخبار البشر" انه بعد انتهاء المعارك عبر في مركب الى جزيرة النخلة فوجدها ملأى بجثث القتلى ولم يتحمل الوقوف عندها من روائحهم النَتِنَة.

طرابلس بعد الفتح
ولقد أحدث فتح طرابلس دوياً هائلاً خفقت له قلوب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، فبفتحها سقطت آخر الامارات "الصليبية" التي أقامها المحتلون الفرنج في الشرق، وأُرسلت رسائل البشرى بالنصر والفتح المبين الى دمشق والقاهرة واليمن، وقُرِىءَ كتاب بالنصر على منبر الجامع الاموي في دمشق، ودقت البشائر والتهاني، وزينت المدن وعُمِلَت القلاع في الشوارع، وسُرَّ الناس بهذا النصر غاية السرور، وتبارى الشعراء والادباء في وصف موقعة الفتح، وتهنئة السلطان والملوك والامراء بالنصر المبين، ومنذ ذلك اليوم أُطلق على موقع "القبّة" اسم "قبّة النصر" تيمناً بالقبة السلطانية والنصر الذي تحقق على يدي المنصور قلاوون.

"المسجد المنصوري الكبير"
وتخليداً لهذا الفتح العظيم فقد أطلق السلطان الاشرف خليل اسم ابيه المنصور قلاوون على جامع طرابلس الكبير، فلم يسمه باسمه "الجامع الاشرفي الكبير"، بل أمر ان يسمى "الجامع المنصوري الكبير" وفاء لروح هذا الفاتح العظيم.

المؤرخ "ابن الفرات"
ومن أطرف ما قيل عن فتح طرابلس ما ذكره المؤرخ "ابن الفرات" ان الملك الاشرف كان جالساً في بعض الايام في الميدان بالقاهرة والقراء يقرأون القرآن العزيز بين يديه، وكان والده الملك المنصور يومئذ يحاصر طرابلس الشام، فقال الملك الاشرف: "هذه الساعة أُخذت طرابلس"، وشاع عنه ذلك وذاع، وملأ الافواه والاسماع، فلم يبق الا مدة مسافة الطريق حتى وردت الاخبار بفتح طرابلس في الساعة المذكورة، وكان الامر كما قال!

هدم طرابلس عند البحر ونقلها الى حيث هي اليوم
وكان السلطان قلاوون يريد الابقاء على طرابلس كما هي، ولكن قادته اشاروا عليه بهدمها وبناء مدينة اخرى في الداخل، فاستجاب لرأيهم، وهكذا اقترن الفتح بتحول كبير في استحداث المدينة العامرة التي نعيش في أفيائها الآن، فكانت نتاج تخطيط المماليك وعمارتهم.

عاصمة لنيابة السلطنة
واتخذها السلاطين عاصمة لنيابة السلطنة في بلاد الشام، فكانت الثالثة في الاهمية بعد نيابتي دمشق وحلب، والثانية بعمارتها المملوكية بعد القاهرة، والاولى بين جميع نيابات الشام المطلة مباشرة على ساحل البحر. فيما كانت بيروت وصيدا وبعلبك بلدات صغاراً تابعة لنائب دمشق.
وصور تتبع نائب صفد بفلسطين. وكانت حدود نيابة طرابلس تمتد من جسر المعاملتين جنوباً حتى جبال اللاذقية شمالاً.

وبعد...
الا يستحق يوم الفتح (26 نيسان) ان يكون عيد طرابلس والطرابلسيين يحتفلون فيه كل عام؟