تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ فيصل مولوي وفتح الاسلام



فـاروق
06-08-2007, 10:18 AM
المستشار الشيخ فيصل مولوي(*)

لا نريد أن نتحدث عن اتهامات كثيرة تطلق على مجموعة (فتح الإسلام) طالما أنها هي لم تعلن تبني هذه الأعمال صراحة، ونحرص على أن نتكم فيما تم إعلانه ـ وهو قليل جداً ـ، وفيما أعلنت المنظمة أنها تقوم به من أعمال، أو لم تنكر نسبته اليها، فنقول:

إن الأهداف المعلنة لحركة فتح الإسلام على لسان شاكر العبسي وفق ما صرح به لوكالة رويترز للأنباء هي هدفان اثنان: الأول هو (الإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيمات الفلسطينية في لبنان حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية. والثاني هو التوجه لمواجهة إسرائيل). وهو يعتبر (كل من يقاتل دفاعاً عن راية الإسلام، ومن يقاتل أعداء الله الذين نهبوا خيرات هذه الأمة فاحتلوا أرضها واستباحوا عرضها، كل من يقاتلهم على وجه الأرض هو أخ لنا) وهو يأمل (بطرد الأميركيين خارج الوطن العربي وإنهاء مصالحهم فيه)، رغم أنه يؤكد أنه (لا توجد صلات تنظيمية بين حركته وبين تنظيم القاعدة) ورغم أن بيانات (فتح الإسلام) تنشر على شبكة الانترنت من قبل المواقع التي تنشر بيانات تنظيم القاعدة.

هذه الأهداف إسلامية ووطنية بلا جدال، وهي تعتبر أهدافاً مشروعة. لكن هل المنهج والوسائل المتبعة لتحقيق هذه الأهداف مشروعة ايضاً؟

1 ـ لقد تبرأت حركة فتح الإسلام من تفجير حافلتي الركاب في عين علق، ولم تعلن رسمياً تبنيها للتفجيرات الأخيرة في الأشرفية وفردان وعاليه، ولا سرقة مصرف البحر المتوسط في أميون. لكننا نقول ان هذه الجرائم لا يجوز أن تمر بدون تحقيق يكشف الفاعلين ويعاقبهم. وإذا كان التحقيق يصل في بعض خيوطه الى أفراد من (فتح الإسلام) فيجب تسليمهم الى القضاء، لأن أمن المجتمع واطمئنان الناس وفرض العقاب على المجرمين، يعتبر من أهم المقاصد الشرعية. إن الإصرار على عدم تسليمهم للقضاء يساهم في تعطيل العدالة وتشجيع المجرمين.

2 ـ ما هو الحكم الشرعي في قتل العسكريين وهم نيام، أو على الطرقات وهم متوجهون لقضاء إجازاتهم مع أهليهم. لم يكن القتل في معركة، مع أن الواجب الشرعي أن يهرب المسلم من مثل هذه المعركة التي يتعرض فيها لقتل بريء. لكن قتلهم بهذا الشكل يعتبر من الكبائر من وجهة النظر الشرعية (خاصة وقد تحدث الكثير عن ذبح بعضهم)، وليس له أي مبرر على الإطلاق، فضلاً عن أنه يخل بمقتضيات الشرف والمروءة حتى عند أهل الجاهلية.

قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) (الأنعام: 151)، وقال: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها...) (النساء: 93).

ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه. والثيب هو المتزوج. وقال في حجّة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا... فلا ترجعنّ بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض..) متفق عليه.

إن (فتح الإسلام) تعلن أنها تريد قتال إسرائيل، لكنها قاتلت اللبنانيين وهم ليسوا أعداء ولا محاربين، وقتلت العسكريين وأكثرهم مسلمون. حتى لو كان مقاتلو (فتح الإسلام) مقاتلين ضد إسرائيل فعلاً، (وهذا لم يحدث حتى الآن)، فإن هذا الأمر لا يعفيهم من المسؤولية عما يقعون فيه من مخالفات شرعية، ومن جرائم الاعتداء على الأبرياء والمدنيين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).

3 ـ نشير أيضاً الى ما نشر في الصحف عن أن أحد المحاصرين في طرابلس فجر نفسه حتى لا يقع في أيدي قوات الأمن. معنى ذلك أنه قتل نفسه، وقال إن جميع عناصر فتح الإسلام مدربون على تفجير أنفسهم حتى لا يقعوا في الأسر. وقتل النفس كما هو معروف محرم بشكل قاطع. روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال عن الذي قتل نفسه بالسكين: (عبدي بادرني بنفسه، حرّمت عليه الجنّة). وإذا كان كثير من العلماء المعاصرين أباحوا العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون عندما يفجرون أنفسهم بالعدو، فقد اشترطوا لذلك أن تكون نية المجاهد قتل الأعداء ولو كان متيقناً من قتل نفسه، وأن يكون ذلك تجاه عدو محارب، وليس في قتال فتنة بين المسلمين، أما أن يقتل المسلم نفسه هرباً من الاعتقال فذلك ما لم يقل به أحد من العلماء فيما نعلم.

الوسائل تعاكس الأهداف
والأقوال تخالف الأفعال

من العجيب أن تعلن (فتح الإسلام) أهدافاً سامية، ثم يتبين أن منهجها في العمل ووسائلها المستعملة ليس فقط لا تحقق الأهداف، بل هي تساهم في تحقيق أهداف معاكسة. فقتال إسرائيل هو الهدف المعلن، لكن المنهج هو قتال اللبنانيين سلطة وشعباً. والإصلاح الإسلامي لمجتمع المخيمات هو الهدف المعلن، لكن المنهج هو إدخال المخيمات وأهلها في صراع مع السلطة ومع الشعب المجاور لهم.

وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بظهور أمثال هؤلاء الذين يعلنون الالتزام بالإسلام من جهة، ويخالفون أحكامه من جهة أخرى، وقد ذكر البخاري ومسلم أن رجلاً اعترض على توزيع بعض الغنائم وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: اتق الله يا محمد، وأراد بعض الصحابة قتله، لكن رسول الله منعهم، وقال عن الرجل بعد أن ولّى: (إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم... يقتلون أهل الإسلام ويدعون عبدة الأوثان).
وقد ذكر البخاري أيضاً حديث أبي الخويصرة الذي لم يعجبه قسم رسول الله للغنائم فقال له: يا رسول الله اعدل. قال رسول الله: (ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟) واستأذن عمر بن الخطاب لقتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدهم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية..)

كما روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القول ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية..). وقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أهل الجمل الذين قاتلوه: (أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا).

بين معاقبة المجرمين.. وإنهاء الظاهرة

من الطبيعي ان الانحراف الفكري إذا أدى الى جرائم فهي لا بد أن تعاقب بمقتضى القوانين النافذة. لكن معاقبة الجرائم لا تعني بالضرورة إنهاء الظاهرة، لذلك كان من واجب السلطة حصر استعمال القوة العسكرية بمعاقبة الجرائم، وإفساح المجال أمام الجهات الأخرى الإسلامية الرسمية والشعبية لتتبع الأسس الفكرية التي تساعد على نمو هذه الظاهرة ومواجهتها بالحوار والاقناع.

إن ظاهرة (فتح الإسلام) أساسها انحراف فكري يقوم على التكفير واستحلال الدماء والأموال، ومثل هذه الظاهرة لا يمكن انهاؤها بشكل كامل إلا عن طريق الحوار والتوعية والاقناع. لقد ظلت ظاهرة الخوارج تعبث في مجتمعنا الإسلامي سنوات طويلة، ولم تنته بالعنف أو بالحسم العسكري، لكنها انتهت عندما استطاع المجتمع الاسلامي بالحوار أن يستوعبها، ولم يبق من هؤلاء إلا (الإباضية) الذين لا يعتمدون التكفير منهجاً لهم، وأصبحوا مذهباً فقهياً لا أكثر.

إن تصرفات الأجهزة الأمنية في ملاحقة المجرمين يجب أن لا تعرقل مهمة الجهات الأخرى التي تحاول معالجة هذه الظاهرة الفكرية بالحوار والاقناع.

ومما يؤسف له في هذا المجال أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تزال تتصرف مع شباب الصحوة الإسلامية بقدر كبير من سوء الفهم وإساءة التعامل، مما يساهم في دفعهم الى الارتماء في أحضان التطرف والمنظمات التكفيرية. وآخر هذه الممارسات ما حصل في جريمة اغتيال (أبي جندل) بلال المحمود، المقتول ظلماً برصاص قوى الأمن الداخلي، بعد خروجه من صلاة العشاء، وبينما كان يسهر مع أصدقائه وهو غير مسلح، ولم يقع بينه وبين قوى الأمن أي خلاف أو تلاسن، كل ذنبه أنه كان موقوفاً في أحداث الضنية ـ وأكثر الموقوفين فيها كانوا أبرياء ـ وخرج بموجب قانون العفو، فهو متهم في جميع الأحوال على ما يبدو. صحيح أن القيادة الأمنية والقيادة السياسية طلبت إجراء تحقيق ما حدث، لكن المشاعر المتهيجة لا يمكن أن تهدأ قبل استكمال التحقيق وفرض العقاب على من يستحق.

إننا ندعو الجميع الى الحذر والانتباه، والى أن نحاكم الناس الى كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، وأن لا نكتفي بالأهداف المعلنة، أو ببعض الممارسات، لكننا يجب أن ننظر الى كل عمل من الأعمال بالموازين الشرعية الصحيحة. إننا نعتقد أن عناصر (فتح الإسلام) يجب أن يحاسبوا أمام القضاء، ونحن نطالب لهم بضمانات تمنع الظلم عنهم، لكن لا يجوز بحال أن يظلم غيرهم ولا أن يمر قتل الأبرياء دون عقاب.

إن المعركة الحالية بين الجيش اللبناني ومجموعة (فتح الإسلام) سببتها أعمال هذه المجموعة التي تخالف الأحكام الشرعية وتناقض المصالح الوطنية اللبنانية والفلسطينية. ولا نرى لها حلاً إلا بتسليم المطلوبين للقضاء. ونطالب الجميع بتحييد المدنيين في المخيم عن كل عمل عسكري، وندعو الله تعالى أن يكشف هذا البلاء ليجتمع الجميع في المعركة الواحدة ضد الصهاينة الغاصبين.


(*) الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان