تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لحود يبلغ الأسد: بأمرك سأمدّد لنفسي!



المستقبل
06-08-2007, 07:29 AM
المجيء الثاني لـ"الثورة" السورية الى بعبدا يعيد معادلات التخريب التي أرساها مجيئها الأول

لحود يبلغ الأسد: بأمرك سأمدّد لنفسي!



في حمأة الحملة اللبنانية الرامية الى منع تجديد ولاية إميل لحود في رئاسة الجمهورية، وفي ظل شكوى قصر بعبدا لدى القيادة السورية من "سطوة" الرئيس رفيق الحريري على وسائل الاعلام (!)، أوفد الرئيس السوري بشار الأسد، على عجل، وفدا من صحيفة "الثورة"، الى مونت كارلو، لتسجيل حوار مطول مع لحود الذي كان في ضيافة "كلاسيكية" عند عصام فارس، حيث يجد قليلا من الراحة التي تعينه على استكمال صراعه الاسطوري لصالح الفقراء ضد مصالح رجال الأعمال وأصحاب رؤوس المال.

آنذاك، لم يُخف القصر الجمهوري الأبعاد الحقيقية لتلك المقابلة "العاجلة". وضعها في سياق رسالة قاسية يوجهها قصر المهاجرين الى قصر قريطم، عنوانها: بشار الأسد هو لحود ولحود هو بشار الأسد.

بعد حين تمّت ترجمة هذا الشعار، فكان قرار التمديد للحود، بما هو محاولة اغتيال كاملة للديموقراطية اللبنانية. قرار التمديد استتبع بقرار تطويع اللبنانيين من خلال جرائم الاغتيال: الحبة الأولى في العنقود كانت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة التي فتحت الطريق امام اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

حاليا، صحيفة "الثورة" عادت الى القصر الجمهوري في بعبدا بأمر من بشار الأسد. لا يمكن التقليل من الدلالات الخطرة لهذا الحدث. في تحليل المعطى السوري الأمور لا تحتاج الى إلهام إلهي ولا الى ذكاء خارق ولا الى "رؤى حايكية". النظام السوري صاحب "استراتيجية كلاسيكية"، مثله مثل كل ديكتاتوريات الارض، مثله مثل كل النازيين الذين يريدون الانقلاب على معادلات "التسليم بالأمر الواقع". ولمن أدمن التشكيك فليس له سوى قراءة متجددة لاستراتيجية بهجت سليمان التي تطبق بكل حذافيرها اليوم، وتعيد الاعتبار الى نظرية العماد ميشال عون عن الاطفائي السوري المهووس.
المجيء الأول لـ"الثورة" كان ايذانا بمحاولة سورية لاغتيال الديموقراطية اللبنانية والكرامة اللبنانية والارادة اللبنانية بفرض التمديد على البلاد، لجعل "بلاد الأرز" مجرد ملحق مُهان بنظام "الرغبة الأسدية". ولأن التمديد، وخلافا لما يظنه لحود المريض بالتعلق التبعي بمركز سلطوي، لم يكن في خدمته على الاطلاق بل كان كليا في خدمة "المعلم"، فإن بشار الأسد يريد خدمة جديدة من أداته في القصر الجمهوري اللبناني: مواصلة مسيرة ضرب لبنان.

لحود لن يتوانى عن تقديم الخدمة الجديدة. في مكان ما هو لا يزال يحلم بأن يبسط سيطرة عائلته على لبنان كما بسط حافظ الأسد سيطرة عائلته على سوريا، وفق المعادلة التي صاغها "جنرال بعبدا" بعد التمديد: آل حافظ الأسد في دمشق وآل أميل لحود في بيروت.

التمديد الجديد

الخدمة المطلوبة من لحود، في رسالة "الثورة" الثانية لا تتصل، كما يتردد، بتشكيل حكومة ثانية لمواجهة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بل بذهابه نحو "تمديد جديد"، بقرار لا ينبع هذه المرة من تهديد إرهابي يوجه الى مفاتيح القرار في مجلس النواب، إنما من إرادة لحودية ذاتية تبقيه في القصر الجمهوري بعد الثالث والعشرين من تشرين الثاني المقبل، بدعم من بطش "الارهاب السوري" ومن القوى المستتبعة للمحور السوري ـ الايراني. في مكان ما ثمة دعوة الى تصحيح الرؤية المزيفة التي حصلت في الثالث من أيلول 2004. آنذاك كان القرار أسديا فرديا يترجمه اللبنانيون لإبقاء لحود. الآن القرار أسدي ينفذه لحود.

مع المجيء الثاني لـ"الثورة" الى القصر الجمهوري أبلغ لحود "زعيمه" السوري أنه سوف يؤدي الخدمة المطلوبة منه في تخريب لبنان، فقال له، بصورة رسمية هذه المرة، من خلال المنبر المعتمد بينهما: في حال عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية (كذا) سوف أمارس صلاحياتي الدستورية (كذا) كي لا يغرق لبنان في الفراغ (كذا).

بعد المجيء الثاني لـ"الثورة" ثمة جديد طرأ على "الخطاب التوحيدي" لجماعة الأسد في لبنان. لحود دخل الى المعادلة الشرطية لتشكيل حكومة جديدة. هذه الجماعة بدأت تردد لازمة جديدة: على قوى الأكثرية أن تتفق مع رئيس الجمهورية على الوزراء الذين يطالب لحود بتعيينهم أو بتغييرهم، كما عليها ان تبحث معه في ترتيب شرعية القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس السنيورة. إنها المطالبة بالمستحيل.

لحود لا يرشح عون!

ما يحدث ليس ضربا من ضروب العشوائية. لحود بات يعيش في صورة البقاء في القصر الجمهوري. لهذا السبب، وللمرة الأولى في إطلالة إعلامية له، يتراجع عن ترشيحه المستمر للعماد ميشال عون. لم يترك لحود سابقا وسيلة اعلام عربية او اوروبية او اميركية إلا ورشح فيها عون. في مقابلته الاولى مع صحيفة سورية، منذ تطبيع علاقته مع "مرشح الرابية"، لم يفعل ذلك.

يبدو أن نبيل نقولا سأل عن السبب وحصل على الجواب. موقفه الاخير المتعلق بالحرب على عصابة العبسي في مخيم نهر البارد تماهى كليا مع الموقف الذي ترغب به دمشق. إنضم الى عبدة سيمور هيرش. البعض يعتقد ان فريق الثامن من آذار بدأ يتوجس من عون، منذ ارتضى ان ينتقل الى السفارة الأميركية في عوكر ليجتمع مع دايفيد ولش. موقفه من تطورات نهر البارد لم يكن متطابقا مع "فرمان الخط الأحمر". اصراره على الاجتماع مع وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير في باريس بعدما كان الأخير قد رفض زيارة عون في الرابية على الرغم من أنه كان يمر بالقرب من منزله، يثير الريبة لا سيما بعد "جدول الأجوبة" الذي قدمه عون في لقاء "كي دورسي" الثاني، ردا على "جدول الإستفهامات" الذي وضعه كوشنير للقاء الأول.

من اختبر دمشق، حتى من أقرب الرجال اليها، يدرك ان عون بمجرد ان أبدى نية لتسويق ترشيحه أميركيا وأوروبيا وعربيا، لم يعد مصدر ثقة. قصر المهاجرين يريد رئيسا للبنان لا شريك له فيه. لحود دون خلق العالم يفتخر بمقاطعة دول العالم له. ليس على وجه الارض، رئيسا لجمهورية صغيرة محاطة بطمع شبق لشقيق وبآلة تدميرية لعدو، يحوّل عزلته الكونية الى وسام على صدره. يحق للثوار أن يفعلوا ذلك ولكن الرؤساء المسؤولين المفترض بهم الزود عن بلدهم وعن اندماجه في الأسرة الدولية، إن فعلوا ذلك فهم يقدمون الدليل الحاسم، على أنهم خونة مكتملي الصفات.

الخيانة
خيانة يمكن إدراك مكوناتها في حديث لحود الى "الثورة". في مكان ما لا يحسب المراقب نفسه أمام شخص يسمي نفسه رئيسا للجمهورية بل يخال أنه في حضرة رئيس تحرير واحدة من تلك المواقع الالكترونية السورية المسوّقة، بالتزوير والفبركة، لـ"اخلاقية" اغتيال الشخصيات الرسمية والسياسية والروحية والاعلامية المنادية بسيادة لبنان واستقلاله.
في حواره الثاني مع "الثورة" يتكلم عن قوى الرابع عشر من آذار، كما سبق له أن تكلم، في حواره الأول، على الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ببساطة يقول لحود إن "ما يقوم به هذا الفريق والتزام معظم اركانه بأجندة خارجية يخدم تماماً المصلحة الاميركية ـ الاسرائيلية".

لم يشرح ما هي هذه الأجندة. لا يستطيع. إذا كان انتشار الجيش في الجنوب، فحليفه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قال بعضمة لسانه إنه هو صاحب هذا الاقتراح. حليفه الثاني نبيه بري يفاخر بأنه كان الداعم الاول لهذا التوجه. إذا كانت المحكمة ذات الطابع الدولي تحت الفصل السابع، فإنه هو وحلفاؤه في لبنان وسيدهم المقيم في قصر المهاجرين من سدوا الطريق اللبنانية امام عبورها تحت الفصل السادس. إذا كان الانبطاح امام دولة مشتبه بإمكان ان تكون وراء اغتيال نخبة لبنانية قادرة على مصارعة اسرائيل في الحرب الاقتصادية والفكرية والقانونية فإنه هو ومن معه يعطي النظام السوري براءة لا يبدو ان لجنة التحقيق الدولية تراها فيه. وإذا كان الموقف الحاسم الداعم للجيش اللبناني لمواجهة "عصابة العبسي"، فليس له سوى ان يقول ذلك بلا عودة الى التاريخ، لأن فتح صفحات التاريخ لا يمكن أن تعطي لحود أي علامة على مقياس الوطنية، أما إذا كانت المسألة تتصل بالخوف من التوطين، فإن الوحيد الذي يمكن ان يعطي التوطين فهو لحود، لأن من يملك القدرة على تسويق انتشار الجيش في الجنوب بقناع الابتسامة التي كان بها يصرخ مخوّنا كل من يطالب بنشر الجيش في الجنوب، يستطيع ان يعيد الكرة في تسويقه للتوطين. مشكلة لحود ومن معه أنه يتكل على ما يعتبره ذاكرة ضعيفة لدى الناس. هو ومن يحيط به، وحدهم دون خلق العالم، يتراجعون عن "ثوابتهم" من دون ان يرف لهم جفن.

انها مأساة لبنان في تسليم مراكزه القيادية الى أدوات لإرادة تخريبية سورية. المأساة ستكون أكبر إن بقي هؤلاء، ولو بعد طول معاناة، من دون محاكمة. الخيانة العظمى لا يمكن أن تمر كما لو كانت بطولة وطنية في بلد يدفع شعبه ثمنا باهظا لرصف الطريق المؤدية الى الحرية.

فارس خشّان