تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : غوانتانامو: انتحار العمري او انتحار القيم !!



من هناك
06-02-2007, 02:28 AM
أعلن الجيش الأميركي أن السعودي عبد الرحمن العمري المعتقل في قاعدة غوانتانامو الأميركية في كوبا، توفي في السجن في عملية «انتحار على الأرجح»، هي الرابعة التي يشهدها هذا المعتقل الذي يثير انتقادات منظمات حقوق الانسان. وقالت القيادة العسكرية الجنوبية في بيانلها ان «الحراس عثروا على المعتقل فاقد الوعي، ولا يتنفس في زنزانته». واضافت ان «طبيبا أعلن وفاة المعتقل، بعد ان حاول اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لانقاذه».

مركز الحقوق الدستورية، الذي يمثل بعض المعتقلين، حمل الحكومة الأميركية مسؤولية وفاة السعودي. وقال ويلز ديكسون كبير محامي المركز لمبادرة العدالة الشاملة لغوانتانامو، في بيان له ان «حكومة الولايات المتحدة مسؤولة عن موت الرجل ويجب محاسبتها». واضاف أن «العسكريين ابقوا السجناء في عزلة باستمرار، ويواصلون رفض السماح بإجراء عمليات تقييم مستقلة لأوضاعهم النفسية». وأكد المركز أن الحكومة الأميركية قدمت «معلومات محدودة جدا» الى أسر ومحامي المعتقلين المتوفين، وتحدت محاولة للمحافظة على البراهين المتعلقة بالوفاة. وأثار مسؤولون أميركيون حينها استياء شديدا في العالم، بوصفهم انتحار هؤلاء بـ«العمل الحربي غير المتوازن» وبـ«عملية علاقات عامة».

من جهتها، اعربت الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في السعودية عن «بالغ استيائها وأسفها» لوفاة المعتقل العمري وطالبت بالتحقيق في الرواية الاميركية. وقال بيان الجمعية «بصرف النظر عن صحة ادعاء السلطات الاميركية عن انتحار المعتقل تتحمل هذه السلطات المسؤولية الكاملة» عن وفاة المعتقل السعودي ومن قبله سعوديين آخرين، واشار البيان الى «حدوث وفيات في نفس المعتقل بنفس الطريقة». واعتبرت الجمعية انه كان يجب بكل الاحوال على ادارة المعتقل «اخذ الاحتياطات اللازمة لمنع مثل هذه الحالات». كما طالبت «بتحقيق مستقل ومحايد حول ظروف وفاة المعتقل.

كما شكك محامي معتقلي غوانتانامو السعوديين كاتب الشمري في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية برواية السلطات الاميركية، مشيرا إلى أن تشريح جثتي المعتقلين السعوديين مانع العتيبي وياسر الزهراني.اللذين أعلن السنة الماضية في يونيو من العامالماضي عن انتحارهما في المعتقل أظهر أن حنجرتيهما كانتا منزوعتين، مما يناقض الرواية الاميركية حول شنق هؤلاء نفسيهما. وأشار إلى أن اللجنة الطبية السعودية التي قامت بالتشريح وجهت اسئلة للسلطات الاميركية في المعتقل حول ظروف وفاة المعتقلين السابقين ولم تتلق ردا حتى الآن.

من الصعب تصديق الرواية الامريكية بشأن وفاة المعتقلين المحتجزين من غير سند قانوني ولمدد تجاوزت الخمس سنوات, ذلك ان الكذب والتزييف اصبح صفة ملازمة لإدارة بوش وسياسيها, ابتداءا بمبررات غزو العراق وتدميره كمسألة اسلحة الدمار الشامل وصفقة اليورانيوم مع النيجر وغيرهم. اما البنتاغون فقد شكل فرقا واجهزة مهمتها تنحصر في نشر الاكاذيب وإشاعتها. في شهر نيسان الماضي شهد الكونغرس جلسة مثيرة، قدمت خلالها جيسيكا لينش، المجندة السابقة التي أُسرت في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وكيفن تيلمان، شقيق الجندي بات تيلمان الذي حارب وقتل في أفغانستان بنيران صديقة، شهادتيهما حول حقيقة ما جرى في الحادثتين، مفندين ومناقضين بذلك معلومات البنتاغون في الروايتين وفاضحين أكاذيبه, فاوضحت جيسيكا ان القصة التي نشرها البنتاغون حول بطولتها المزعومة كانت محض إفتراء كما تم الكشف ان قصة بطولة الجندي تيلمان وكيفية وفاته كانت رواية مفبركة. والامر كذلك فإن مصداقية البنتاغون بشكل عام وبمسألة الانتحار المزعوم على وجه الخصوص تبدو ضعيفة ومهزوزة.

من الضروري هنا استذكار أقرار مجلس النواب الامريكي وقبل اسابيع معدودة من الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي قانونا ـ سبق أن مرره مجلس الشيوخ ـ بخصوص محاكمة واستجواب «الارهابيين»، وهي المرة الأولى التي يصبح فيها تعذيب المتهمين «قانونيا» في النظام الامريكي حسب رأي الكاتب المعروف فهمي هويدي، كما أن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها دولة على الالتفاف على معاهدة جنيف بشأن الأسرى، التي تحظر مادتها الثالثة «المعاملة المهينة والمساس بالكرامة الشخصية للمعتقلين»، القانون أبقى على السجون السرية، التي كان انكشاف أمرها فضيحة اخلاقية للادارة الأمريكية، كما أتاح للمحققين الأمريكيين استعمال «أساليب شديدة» في استنطاق واستجواب المتهمين -غير الامريكيين- والاصرار على منع التعذيب الجسدي بالجرح او البتر أو الاغتصاب، في حين أجاز استعمال «وسائل تقنية» اخرى قاسية وغير مألوفة للحصول على المعلومات. وترك القانون للرئيس الامريكي حق تحديد ما هي الأساليب المتبعة في هذا الصدد. وبكل الاحوال كان القانون معنيا بشكل خاص بسجناء غوانتنامو وكرد فعل على قضايا كثيرة رفعها محاموا بعض معتقلي غوانتاموا تطعن في قانونية توقيفهم وأساليب التعامل معهم.

وإذا سلمنا جدلا بالرواية الامريكية حول انتحار بعض المعتقلين –وهو ما لا أقبله شخصيا- فإن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق السلطات الامريكية والتي تعاملت بقسوة بالغة وبظلم مبين مع معتقلي غوانتناموا. التعذيب المادي والنفسي والاساليب المتطورة في محاولة تحطيم ارادة وعزيمة الموقوفين وإنسداد الآفاق وامتهان المقدسات كما حصل في مسألة تدنيس القران وشروط الحياة الصعبة والقاسية والتي لا تليق بالبهائم في اجواء حارة ورطبة, عوامل متراكمة في دفع المعتقل الى حافة اليأس ومحاولته الهروب من هذا الجحيم المتواصل.

امريكا اطلقت سراح العديد من الموقوفين في غوانتامو بعد قضائهم شهورا واعواما وبعد ان اتضح للسلطات الامريكية براءتهم من أي تهم تتعلق "بالارهاب" ضمن المقياس الامريكي شديد القسوة, من غير ان تقوم بالاعتذار لهم عما لاقوه من عنت ولأواء ناهيك عن دفع التعويضات لهم, معززة بذلك الشعور الطاغي والذي يعم قلوب الكثيرين عن ظلم وطغيان الادارة الامريكية وعن ان حربها المعلنة هي حرب ارهاب وليست ضده.

الانتحار المؤكد في غوانتناموا, ليس إنتحارا لموقوفين ومعتقلين, فتلك الروايات تحتاج الى تأكيد من جهات محايدة, غير ان المؤكد ان القيم الامريكية المعلنة فيما يخص حقوق الانسان وحريته تم نحرها او إنتحارها في ذلك المعتقل الاسود سيء الصيت والسمعة. امريكا ما بعد بوش -الرئيس الاسوأ في تاريخ الولايات الامريكية بحسب جيمي كارتر- ستحتاج الى عقود من العمل الدؤوب والجهد المتواصل في التسويق والعلاقات العامة لتمسح صورتها الشائنة في القلوب والاذهان ولتزيل إن استطاعت تاريخا ملطخا بالعار ومجللا بالسواد.

ياسر سعد