تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قم السنية....ورحلة التطور !!



فـاروق
05-31-2007, 11:56 AM
عن "بريدة" السعودية المتحولة من التطرف إلى الإعتدال النسبي
"قم السنية" تجاهد لتغيير صورتها وتخفيف لحيتها الكثة
سلطان القحطاني من بريدة (وسط السعودية): مضى الوقت الذي كان فيه الزائرون إلى مدينة بريدة وسط السعودية، التي تعتبر معقلاً دينيًا يؤهلها لتكون "قم السنية"، يذهبون مئات الكيلو مترات بحثًا عن علب السجائر أو الأوراق الرقيقة التي تستخدم في لف سجائر الحشيش، لأن المدينة تشهد تطورًا اجتماعيًا غير مسبوق، تقلصت على أثره قائمة المحرمات.

وبعد سنوات من كونها جوهرة في إسطول التشدد الإسلامي تحاول المدينة الأنيقة القفز على ماضيها من خلال حراك اجتماعي يقوده جيل جديد من الشبان الذين يمثلون ما نسبته 86 في المئة من عدد السكان، كما تشير إحصائية تقريبية، وذلك بغية أن تكون المدينة أكثر تواؤمًا مع خطوات الإنفتاح التي تقودها حكومة البلاد.

ولم تعد بريدة ذلك المفرخ الكبير للدعاة ورجال الدين في المملكة المحافظة بعد عقود من السيطرة المطلقة، نافست خلالها إقليم "الحجاز" المعروف بأنه سيد الإحتكار الديني منذ قرون خلت كونه يحوي في أرضه المقدسات الإسلامية مثل مكة المكرمة، مهد الإسلام، والمدينة المنورة حيث مثوى النبي محمد (ص).

ومع التمدد العقائدي فرضت بريدة صبغتها الدينية عبر حملات "تبشير وهابي"، طال مناطق المملكة جميعها عبر الدعاة الجوالة الذين كانوا يجوبون الصحارى والقفار موضحين تعاليم الدين، متبوعين بكميات كبيرة من السيولة النقدية بفضل التبرعات الخيرية التي كانت تنساب بلا حدود.

ولا زالت المدينة تعيش على وقع ضجة كبيرة أثارها مركز نسائي ضخم للياقة البدنية قيد البناء الذي يعتبر مثالاً حيًا على وجه المدينة الجديدة التي كانت إلى وقت قريب ترفض عمل المرأة وتعليمها، إلى أن شاءت السلطة السياسية إقرار الأمر حتى أصبح موضع التنفيذ.

ولكن هل تحولت بريدة من كونها مدينة ذات لحية طويلة جدًا إلى مدينة حليقة الذقن ترتدي سلسالاً ذهبيًا مثل صرعة لندنية؟ .. ليس إلى هذا الحد المتوقع، إلا أنه تحول في طريقه إلى أن يكون نموذجًا يحتذي في سائر أقاليم المملكة.

يقول عمر الأحمدي الذي يعمل في مكتب إدارة الشؤون الإسلامية في المنطقة : "المدينة تشهد تطورًا وتغييرات لافتة مع الوقت وخصوصًا في الجانب التنموي والاقتصادي، أما الاجتماعي فهنالك أشياء ضد الأخلاق".

وبطبيعة عمله، فإن الأحمدي يرى ويسمع كل يوم الشكاوى المتعلقة بأئمة المساجد لكنه لا يعتبرها "ردة عن تعاليم المدينة المحافظة" كما يقول بإبتسامة وهو يُطلع "إيلاف" على مراكز النهضة الحديثة في بريدة التابعة لإقليم القصيم وسط السعودية.

وفي بريدة مثالٌ آخر على تخلصها من عقدة البيروقراطية التي تكاد أن تصبح سمة غالبة للمؤسسات الحكومية في البلاد، بعد أن أصبحت محاكمها الشرعية محجًا لأولئك القادمين من عاصمة الحكم الرياض، هربًا من سير الإجراءات المعقدة.
يقول القاضي خالد الخضر، القاضي في محكمة بريدة، أن عددًا كبيرًا من القضايا تأتي من الرياض. ويضيف وهو يحتسي كأسًا من حليب ناقة جُلب للتو : "لدينا سرعة من الإجرءات على الرغم أن العدد الآتي من خارج المدينة (بريدة) يفوق عدد المقيمين فيها".

وتشتهر بريدة بصوالينها الثقافية ومحاضراتها الدينية منذ وقت طويل الأمد لكن اللافت حاليًا هو ما أصبح يقال في هذه المنتديات الجماعية من طروحات تناقض طبيعة المدينة المحافظة، وتتحدث عن كل شيء، من المشاركة السياسية في صنع القرار، مرورًا بالبطالة، والأزمة الفكرية في البلاد، وغير انتهاء بسلك القضاء.

ويعتبر القضاء هو أعقد الحبال في العملية الإصلاحية التي يقودها عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد إمضائه نحو عام ونصف العام.

وكمثال على هذا الإنفتاح الفكري يظهر الدكتور عبد الكريم الخضر، وهو محاضر في جامعة القصيم، متحدثًا حول ملف القضاء: "لدينا أزمة فعلية في القضاء لأن هنالك العديد من الأخطاء التي تستوجب المراجعة".

ويملك الخضر آراء أكثر جرأة من حديث عابر عن القضاء رغم أنه من أحد أعرق بيوتات بريدة وأكثرها رسوخًا دينيًا، وهو يريد تقنينًا للشريعة في البلاد، القول الذي لم تتخيل أن تسمعه من شخص محسوب على التيار الديني في هذه المدينة بالذات.

ويبدو أن المدينة في طريقها للتغير أكثر فأكثر بعد أن أصيبت بالعقم الفكري في فترة زمنية قد خلت، إذ لم تنجب مثلما سبق وأن أنجبت من مفكرين ليبراليين أصبحوا أيقونات لافتة لها "القدح المعلّى" في ما يختص بالفكر وملحقاته.

ولا يزال في رحم المستقبل بقية من التحولات.