تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مكانـة رمــوز الجهاد ، ونقـد المشروع الجهادي لترشيــده



مقاوم
05-27-2007, 07:30 PM
مكانـة رمــوز الجهاد ، ونقـد المشروع الجهادي لترشيــده

حامد بن عبدالله العلي


ليست رموز الشموخ في أمّتنا ـ كما هـي في كلّ أمّـة ـ سوى النماذج التي تجسّـدت فيها رسالة الأمّة وقِيَمها ، فهـم كتابها الناطق بحضارتها ، وصرحها المشعّ بعظمتها ، وشمسها المنيرة بهمـتها السامقة ، وعلوّ مكانتها ،

إنهم يختصـرون بشخصيّتاتهم هذا كلّه ، ويعبـّرون بمواقفهم ، وبطولاتهم ، عن أهداف الأمـّة ، وسـرّ بعثـها بالحـق .

ولهذا يقترن ذكـرهم بالأمجاد، فنذكرها بذكرهـم ، ونستحضر العزّة بحضور مثالهـم ، ونستعيد تاريخنا بإنجازاتـه المليئة بالمفاخـر ، بمجرد ذكر أسماءهم ،

ولرموز الأمّـة وقادتهـا فينا أعلى منزلـة، وأعظم مكانة ، غير مدّعين لهم العصمة ، ولا غالين فيهم ، ولا محرّمين نقدهم ، بـل لأنهّم حقا نجوم الهدى ، ومصابيح الدجى ، والمنبع الذي يروي ظمأنا للعزيمـة عند الشدائد ، والعيـن الفيّاضـة التي تمدّنـا بالهـمّة العالية فتثبّت الأفئدة ، وتقوّي السـواعد.

وفي سـوح الجهـاد فـي أفغانستان ، والعراق ، وفلسطين ، والشيشان ، وكشمير ، والفلبين ، وغيرها ، تجلّـت لنا كواكـب ، بعـد أن كادت الأمّة أن تنسى غابـر الأمــثال من عظماء الأبطـال ، فأحيت بأفعالها للأمـّة الآمـال ، وأرسـلت علينا بتضحياتها المبْهرة رياحـا تحمـل بشائـر كسر الأغلال ، وتغيّـر الأحـوال ، والإنطلاق إلى قــمم الجبــال .

ولانريد أن نحصر الأسماء فنضرب الأمثـلة بادئيـن بشيخ الجهاد عبدالله عزام رحمه الله ، وننتهي إلى حين كتابة هذا المقال بآخر الكواكب الشامخة الملاّ داد الله الذي استشهد الأسبوع الماضي ، مرورا بمؤسس مدرسة الإستشهاديين أحمد ياسين رحمه الله ، وبأميرهـم الزرقاوي رحمه الله ، بـل سنـدع الكواكـب تستغني عــن ذكرهـا ، بإشراقها وسموهــا .

ونحـن مهما كتبنا فيهـم ، فحـقّهـم لن نوفيـه ، غير أننا نسأل الله تعالى أن يرفع قدرهـم وذكرهـم في الدنيا ، وفي الآخـرة يُعليـه .

ولأنّنـا أمة الإتّبـاع للرسول الخاتم المطـاع صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده لإجمـاع السلف خير الأتباع ، فإنّنا نجعـل المثال الأعلى الذي نقيس عليه مسيرة الأمّة كلّها ، هذا المثـال المتمثّل بالوحـي فحسـب ، فهو الحجـة الناطقة ، والأنوار الشارقة ، والبراهين التي للباطل ماحقـة .

ولأنّنـا أيّتها الأمّـة كذلك ، ولأنّ كلّ مشروع فينا ، هـو جزء من مشروع الأمة ، لها حـقّ أن تنقـده ، لتسترشد بنقده في مسيرة نهضتها ، وأن تسـمع بوضـوح من ينقـده ،

فإننا نقدم إرشادات مهمّة لمسيرة الجهـاد ، تتضمّن في طيّاتهـا نقـدا لمظاهـر خاطئة ، طفت على السـطح ، واستعلنـت ، ونرى أن المسيـرة بأمس الحاجة إلى هذه الإرشادات اليوم ، وإلى النقـد الذاتي ، بعد أن أنشغلنا عن ذلك ـ حينا ـ بضـخّ التحريض ، وشـحذ الهمــم ، في فورة الهجوم الصهيوصليبي على أمّتنـا ، حتى إنكسـرت شوكـته ، وانكفأ يبحـث عن خلاصـه ، بفضل الله تعالى ، ثم سواعد الأبطال ،

فنحن بعد انتشرت في الأمّـة جذوة الجهـاد ، وانتعشت عزيمته ، واستغلظ ، واستوى على سوقـه ، وأخـذت الأمـّة في مشـروع جهـاد طويـل الأمـد فيما يبدو ، ولم نعـد نخشـى على حدِّه من الاستعلان بنقـده ،

لايجوز لنـا أن ندع الخلل يسـتقر بالسكوت عنه ، فنتحمل إثـم الساكت عن الحـق ، حتى يتعاظـم الخطـأ ، الذي إذا بقي في البذور مستودعـا ، فسيظهـر أثره في الثمار قبيحا مستبشعـا.

فنـقول وبالله التوفــيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيـل ،

هذه جملة من الإرشادات :

حماية الجهاد من داء الحزبية المذمومة المقيت :

فهذا الداء أشدّ فتكا بمشروع الجهاد من كلّ داء ، وأخطـر ما فيه أنه يحوّل النية من إبتغاء وجه الله تعالى في نصر الأمـّة ، إلى الإنتصار للمشروع الخاص ، بما يسوقه ذلك من أخلاق الشـحّ ، وأمراض التحاسد ، وآثار التباغض والتدابر ، حتى يحمل المبتلوْن بهذا الداء أنفسَهم على الظلم ، والعـدوان على غيـرهم من أخوة الجهـاد ، وعلى الكذب ، والإنتصار للنفس ، وإتباع الهوى ،

يبدأ الـداء بتتبّع معايـب الآخريـن لإسقاطهم ، وينتهي بسفك دماءهم بخداع النفس بباطل التأويـل ، وإتباع الظنـون .

الحفاظ على منظومة قيادة الرأي سليمة من العبث

فهذه الأمّـة مازالت يقودها أئمة العلم المعروفون بالعدالة ، والمعرفة ، والوعي ، يقودونهـا إلى صائب الرأي ، وسلامة المواقف ، ولم يكن في تاريخها لأهل الجهل ، و الجهالة ، أيّ منزلـة ، إذ في ذلك إزراء بميراث النبوّة ، وحـطّ من مكانـة الوحـي فيها ،

وقـد علمت أمتنا أن قيادة الرأي هـي أخطـر منزلة ، والخلل فيها يستتبعه دمار ينتقل في مراحل المسيرة كلّها ، ولهذا قدمت العلماء الأئمة تستنير بآراءهم ، وتجعل الناس تبعا لهـم ، امتثالا لقوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (العلماء هم ورثة الأنبياء ) .

وياللعجب أيّ قيمة لرسالة أمّـة ، تسلّط الغوغاء على قيادة الرأي ، فتلقي إليهم خطامه ، ويملكون زمامه ، يقيّمون العلماء ، والمفكرين ، يحطّون هذا ، ويرفعون ذاك ، ويخطّطون ، وينظّرون ، حتى تمتلأ الساحة من الفوضى الفكرية ، والعبث في العقول والمدارك ،

فالجهاد مالم يقـم أمره على تنظيم سليم لقيادة الرأي على رأسه العلماءُ العارفون ، يرجع إليهم الأتبـاع ، ويقدمون كلمتهم ، لن يكون رشـيدا .

خطورة التجنيـد العشــوائي :

ومعنى التجنيد العشوائي ، هو التساهل في قبول المنتمين إلى المشروع من غير شروط فكريّة ، أو سلوكيّة ، ولا قطع مراحل تربويّة ، وهذا الداء يسـرى للجهاد ، عندما تتساهل القيادة في النظام الأمني رغبة في إستعجال الثمرة ، أو حرصا على تكثير العدد في ساحة تتصاعد فيها المنافسة ، أو جنوحا إلى البروز الإعلامي ، وأخطـر ما يحمله هذا الدعاء أنه يحوّل جبهـة الجهـاد إلى مشروع مخترق ، يتنافس على إستغلاله قوى خارجية ، كلّ منها يوجّـه مشروع الجهـاد إلى حيث يحصد ثمراته إليـه ، فتضيـع دماء المخلصين هدرا ، وتهُـدر أهداف الجهاد شذرا .

ومن ينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى بجلاء ، كيف كان يقيم هرم مشروعه على قواعد متينة من رجال هُمُ القـمم ، باشر تربيتهم بنفـسه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وكذلك كلّ نبيّ ( وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا )

خطورة سيطرة نظرية المؤامـرة عند كلّ نقـد :

وهذا المرض من آثار الإعتداد بالنفس وتضخيمها لدى المشروع الجهـادي ، فيتعامل مع مشروعه كأنّه الأمل الوحيد المعصـوم ، ومن أشـنع آثاره أنه يُغـلق عليه تقبّل النصح ، والنقد ، ويتخيـّل أنّ الجميع في دائرة المؤامـرة عليه ، ويترجم كلّ موقف يعارضه أنـّه مدفوع من قبل أعداءه فحسـب ، ويزيد إستحكام هذه المعضلة ، مع الزخم الإعلامي مديحا ، أو تنويـها بخطـره ، فلا تسأل بعد ذلك عن تراكـم الأخطاء ، وتعاظمها ، حتى تقضي على المشروع .

البيئة الحاضنة لمشروع الجهاد أولا :

ذلك أنّ مشروع الجهاد الناجـح ليس تنفيسا عنفـيّا مجردا بلا غاية ، ولا هـو ردّات فعل إنتقامية ، ولا إستعراض عضلات في بطولات سرعان ما تنقلب إلى حطام ،
إنه مشروع تغيير لأمّة تريد النهوض ، فإذا لم يتوفر له بيئة حاضنة له ، فليس هو مشروع تغيير ناجـح ، ولهذا لـم تنجح مشاريع الصدام مع السلطات ، بينما تنجح مشاريع مقاومة الإحتـلال ، كما أشرت في فتوى منشورة على هذا الموقع.

ولهذا أمـرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي جنـد له ربُّه ملائكة السماء ، ومعه الوعد الإلهـي بالنصر ، وأنصاره في مكـة أشجع الناس ، وأصبرهم ، وأمضاهم عزيمة ، أمـرَ أصحابه بكفّ الأيدي ، والصـبر ، حتى إنتقل إلى بيئة تحتضن مشروعه فانطلق منها راشدا مستكملا رسالته ، عبـر مراحلها إلى أهدافه.

ومن أخطـر ما يصيب المشروع الجهادي إن هـو لم يـع هذا الأمر المهم ، فانطلق بحماسة عشوائية في غير بيئته ، أنـّه سرعان ما يجد نفسه في صدام مع المجتمع نفسه ، لا مع العـدوّ التي استعـدّ المشروع لحربـه ، إذ كان عـدوّه يملك كلّ وسائل التأثير على المجتمـع ، فيفرض العـدوّ وجهة المعركة ، وساحتها ، وطبيعتها ،

ثم يتطور هذا الصدام بالمشروع إلى تخبـط فكري مشـوب بانكفاء نفسي مخيف لدى المشروع الجهـادي ، وقـد يتحوّل إلى غلوّ بشـع ، فنهاية مأساوية ، أو تراجع إلى الضـد يثير الشفقة ، بعد أن يحـرق طاقات كثيـرة ، لو أنها وضعت في مشروع ناجح لأينعت ثمـاره سريـعا !

ومن أمثلة التاريخ ، أنـّه قد أشار أهل السابقة من الصحابة على الحسين رضي الله عنه ، سيد شباب أهل الجنـة ، أنّ البيئة لا تصلح لما تريد ، فلمّا مالـت نفسـه إلى الاسترواح أنّ نصـره منوط بمكانته في الأمّة ، وعلوّ منزلته ، ففـرط في تدابير النجاح ، ذُبـح وهو ريحانة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فكيـف بغيـره ؟!!

إنّ التمكـين لن ينـزل على المجاهدين لأنهّم مخلصون فحسـب ، فإذا استعدوْا بيئتهـم عليهـم ، بعجلة جائشة ، وسهام طائشة ، ولم يعـوْا أن كسب الناس ، ولو بتــرك قتل من يستحق القتل ، لدفع مفسدة أعظـم ، فسيُذبحـون ، ويذبح معهم مشروعهـم ،

وهذا ينقلنا إلــى :

الحرص على سمعة المشروع الجهـادي ، وتقبّل مشروعـة في الناس:

سيرة نبّينا صلى الله عليه وسلم مليئة بالمواقف التي تتجلّى فيها هذه الناحية ، ومن ذلك أنـّه سمع أشنع كلمة ، وأقبحها ، قـد قيلت فيه ، وهي قــول رأس المنافقين عبدالله بن أبي : ( ما مثلنا ومثل محمد إلاّ كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك ، وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعـزّ منها الأذل ) ، فقال عمر رضي الله عنه (دعني اضرب عنق هذا الخبيث ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعه لا يتحدَّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) ،

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تحمّـل هذه الإساءة البالغة ، وتـرك من قال هذه الكلمات التي وصفها الله تعالى ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) من أجـل أن يُبقى سمعةَ مشروعه سليمة من الإشاعات ، بلْه غيرها ، فكيف بغيـره ؟!

ومعلومٌ ما في الحكمة النبوية القائلة ( كيف وقد قيل ) من فوائد عظيمة ، يجب أن لايغفل عنها المشروع الجهـادي.

ولهذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ربما يعفو عـمّن يهـمّ بقتله ، ويستفيد بذلك حسن الدعايـة له ولرسالته .

فقد روت كتب الحديث والسيرة عن جابر قال ‏: ‏ غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفه بنخل فرأوا من المسلمين بغرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث ، حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف ، فقال من يمنعك منّي ، قال الله ، فسقط السيف من يده ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال من يمنعك مني ، قال : كن خير آخذ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : تشهد أن لا إله إلا الله ، فقال الأعرابي‏:‏ لا ، غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيلـه ، وفي بعض روايات هذا الخبر ، رجع إلى أصحابه فقال : جئتـكم من عند خير الناس.‏

ولهذا كانت عناوين الإسلام العامة كلّها ، تلقي في نفوس البشر ، الإطمئنان ، والراحة ، والإستبشار مما فيه ، فالإسلام من السلم ، والإيمان من الأمن ، والإحسان أعلى منازل الديـن ، كمـا الرحمة شعاره ، قال تعالى ( وما أرسلنا إلاّ رحمة للعالمين ) ، والخيريّة مناره ، قال تعالى ( كنتم خيـر أمة أخرجت للناس ) ، ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) والوسطية هي الخيرية ، حتى تقبله نفوس البشـر .

ولهذا كان الجهاد ذا أهـداف ترجع إلى تحقيق هذه المعانـي فحسـب ، لم يكن القتل فيه مقصودا لذاته ، ومن هنا لم يعرف التاريخ حروب أمـّة ، كانت أكثر إنضباطا من حروب المسلمين ، ولا أزكى أثاراً على الناس منها .

ويستفاد من هذا أنّ ظهور المشروع الجهادي في وسائل الإعلام يجب أن يكون الإنطباع العام فيـه ، والأشـد وضوحـا عليه ، هـو إبراز رسالة الإسلام السامية هـذه ، وإن احتيج إلى إرهاب العدو أحيانا فيجب أن لايطغى على هـذا الإطار ، بل يكون محتويا فيه .

نعم ، فالله تعالى جعـل هذه الأمّـة الخيّـرة معيارا ، فما شاع فيها من إستحسان وقبول فهو علامـة على الخيـر ، والعكس بالعكس ، وقد قال الحبر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ( ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن ) ، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم شكر الأمّة عمل المؤمن عاجل بشراه ، ويجعل الله تعالى في قلوب عباده قبولا لمن يحبه .

ولايمكن لمشروع أن ينجح بالقوّة وحدها ، متجاهلا قبول الناس، وحسن إستقبالهـم لـه ، وأثـر سمعته الطيـّبة في نفوسهم ، فكيف إذا كان مشروع أمـّة الخير ، والرحمة ، والإحسان ، وقد ورد أنّ صلاة من أمّ قومـا وهـم له كارهون محجـوبة ، وأنّ شر الحكام من يلعـن الناس ويلعنونه ،

ومعلوم أنَّ الطغاة مهما حاولوا تشويه سمعة أهل الجهاد فإنهـم يفشلون ماداموا يكذبون دفاعاً عن باطلهم ، وإرضاءً لأعداء الأمـّة ، وستبقى الأمّة ـ إلاّ الذين في قلوبهم مرض والغوغاء ـ في ريبٍ مما يقول الطغـاة ، إنْ لم يكذّبوه ،

وأن التعاطف مع القائم بالحقّ على الطغـيان ، مركوز في نفوسهـم ، معقود في فطرهم ، حتى يقع في المشروع الجهـادي الخـلل ، فيضع في يـد عدوّه أعظـم سلاح يقاتله بـه ، وهو إزالة غطاء القبول والتأييد لـه في الأمـّـة .

كما هو معلوم أنّ من يبتغـي إلغـاء جهود الأمـّة ، ويتجهـّم لمشاريع الخير فيها ، ويحتقـر ما يفعله أهلُ الخيـر من غيـره ، وينظر إلى نفسه أنـّه الأمـل الوحيـد الرفيـع ، والنهـج الفـرد المنيـع ، فعاقبته الفشـل ، ونهايته الخطـل ، و( من قال هلك الناس فهو أهلكهـم ) حديث .

المراحـل ، المـراحـل

قد خلـق الله تعالى الدنيا في ستة أيام ، ونـقل خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم إلى التمكين التام عبر مراحل ، كان خطاب كلّ مرحلة يناسبها ، حتى تـمّ أمره ، ومضت الحكمة القائلة ( من استعجل الشيء قبل أوانه ، عوقب بحرمانه ) ، والجهـاد لايمكنه أن يحقق هدفه من التمكين إلاّ بمروره عبر مراحل التمكين ، ولن يحقق شيئا بالقفـز على المراحل إلاّ السـقوط ، ولا من حرقها إلاّ حـرق نفسه ،

وفي كلّ مرحلة يحتاج إلى صياغة خطاب سياسي يناسبها ، من غير تنازل عن الحـق ، ولا مداهنـة للجاهلية ، وكذلك كانت سيرة النبي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقـد وضع وثيقة صلح الحدييبية ، بحيث بدا ظاهرها ـ عند أحسن الناس فهما ـ أنها مجحفة للطرف الإسلامي ، وكانت في حقيقتها فتحا مبينا ، وكان خطابها قد اقتضى أن يؤجـل الصدام مع أشـدّ الناس عداوة له ، وأن يدخـل في حلف مع من لايؤمـن برسالته ، فقد دخلت خزاعة في حلفه ، واستغل هذه المرحلة ، ليخضع من حول دولته من الأعراب ، والقبائـل ، ، ثم بعد الفتـح ، انتقل إلى مرحلة ما وراء جزيرة العرب ، وهكذا كانت سيـرته .

ولايصنع الذين يقفزون إلى اسم التمكين دون مسمّاه ، وشعاره دون حقيقته ، سوى خداع النفـس ، وإلهاءها بالأماني ، وليس هذا حـلاّ لما يتوقّع من الصراع الداخـلي ، بل هـو استجلابٌ له ،

فلا يمنع من الصراع على ثمار الجهاد ، إلاّ ائتلاف الكلمة ، وتصافي القلوب ، بعد وحـدة الأهداف ، وتقارب الرؤى ، وتلك مهمـة قيادات من ذوي الرأي ، والحلم ، والعلم ، فهي التي تثمـر العواقب الرشيدة ، لا إلى السـلاح ، والدماء بين أهل الجهـاد ، فهذه تثـمر مزيدا منها لاغيـر ، وتنجـب الخراب فحسـب ،

وهذا ما عرفه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وابن الحسن رضي الله عنه ، فتركا الإحتكام إلى السلاح في عاقبـة أمرهما ، وآثرا العصمة من الدماء ، في مآلهما ، في قتال كانوا هــم فيه على الحق ، فكيف بقتال غيـر هذا ، وكيف في جيل غير جيلهـم ؟!


الأخلاق ، الأخلاق :

لقد وصف الله تعالى الرسالة التي بعث به خاتم النبيين صلى الله عليـــه وسلَّم قائـلا ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وفي الحديث ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وبدأ النبيّ صلى الله عليه وسلم بتلاوة آيات القرآن الحاضّة بعد التوحيد ، على إكرام اليتيم ، وإطعام المسكين ، وإنقاذ الموءودة ، وكانت سيرته التي هيأ الله بها قبولـه قبل ذلك ، أنّه يقري الضيف ، ويحمل الكلّ ، ويغيث الملهوف ، ويصل الرحم ، ويعين على نوائب الحق ، وأنّه الصادق الأمين ، وختـم مشروعه في أوّل قرار اتخذه بعد التمكين بأن عـفا عن أعداءه حتى التي أكـلت كبد عمّه .

وليت شعري إنما يسود الناس بمكارم الأخلاق ، إن هـم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، ولئن مكَّن الله تعالى دينه بغلاظ القـلوب ، لا أحـلام لهـم يعلمون بها فضيلـة الجـود على المخطئين بالعفـو ، ولايكرمون كريما ، ولا ينزلون الناس منازلهم ، ولا يعرفون لذي الحـقوق حقـوقهـم ، فإنه مضيّـع هذا الدين ، والله تعالى العليـم الحكـيم لايفعل ذلك ،

وانـظروا في الناس ، فمن رأيتموهـم زيّنهـم الله تعالى بمكارم الأخلاق ، وحـلاّهـم بحليتها ، فاعلموا أنـّه يسوّدهم بديـنه ، ويمكّنهـم بـه لامحالـة ، ومن رأيتموهـم بخلاف ذلك ، فسيضمحـلون لامحالة .

وعي الواقع، ومعادلة الصراع ، ومشاريع الأعداء

وقد وضع الله تعالى في الحياة سننا ، وجعلهـا أسبابا تثمر مسبّباتها ، فمن أخذ بأسباب النجاح ، أثمـرت له ثمارها ، ومن فـرّط فيها تشتَّت عليـه شمله ، وضاع عليه هدفه ، وحتى الأنبياء أمروا في صراعهـم مع أعداءهم ، أن يأخذوا بهذه الأسباب ، ولما حصـل التقصير فيها في معسكرهم حُبس عنهم النصر ، كما في قصة أحـد ، وحتى نزل قول الحق سبحانه ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عنـد أنفسـكم ) .

ومن أعظـم ما يفرح الطغاة ، ويستفيدون منه ، مشروعٌ جهادي ، جاهل بواقع الحياة ، في غفلة تامة عن معادلة الصراع في بيئته ، ساذج سياسيا لايدري عن حقيقة مشاريع الأعداء ، وطرق مكرهم وكيدهـم .

فينظرون إليه على أنه مادّة خام مثاليّة ، لتكريس طغيانهم ، أو لحرق المشروع الجهادي في إيجاد توازنات يحتاجها العـدوّ ، أو تغيير في توازنات موجـودة إلى حيث يستفيد من هذا التغيـّـر ، أو يحرق المشروع الجهـادي في صراع آخـر ، يقف بعد ذلك على حطامه محقـقا أهدافا طاغوتية لم يكن يحلم بتحقيقها لولا سذاجة القائمين على المشروع الجهادي .

إنّ توظيـف الجهـاد ممكن ، بل هو واقـع اليوم ،و

ستبدي لك الأيام ما كان خافيا ** ويأتيك بالأنباء من لـم تزوّد

ولهذا فإن المشروع الجهادي إذا لم يكن واعيا بكل التداخلات ، والتجاذبات بين القوى المتصارعة الدولية والإقليمية في ساحة وجوده ، فهـو مفرّط في أعـظم أسباب النجاح ، إذ المعرفة أعـظم قوة ، ومعرفـة العـدوّ على رأسها ، وحينئذ لن يجني إلاّ على نفسـه ،

ثـمّ إن أمّة العلم والوعي ، ليسـت مطالبة أن تسلك في مشاريع جاهلة ، أو تؤيـّد من يفـرّط فيما أمر الله تعالى به من الإعداد فيجني ثمار تفريطه .

والله أعلى وأعلم وهو حسبنا ونعم الوكيـل نعم المولى ونعم النصيـر
اللهم إني قد بلغـت اللهم فاشــهد ،،

فـاروق
05-27-2007, 10:20 PM
ممتاز..بارك الله بك وبه...

صراحة انا قرأت اكثر من مقال للشيخ حامد...ولكني اعتبر هذا المقال احسنهم وانفعهم والله اعلم

مع ان لي تحفظ بسيط...ولكني ساتركه الان واؤكد على ما جاء في المقال...واترك النقد للقارئ

ربما ثبت للجميع ان قيادات الجهاد حين ترتبط بعلم شرعي وخلق رفيع وفهم للواقع وروية في تمكين الجهاد تثمر حبا في القلوب ونصرا على الارض وتترك وراءها نهجا يضيء وينير لسالكي الطريق....وكما قال صاحب المقال: رغم كل التشوهات الاعلامية ورغم انف الحاقدين ستسطع شمسهم

ولنا في ذلك امثلة ان شاء الله في الشيخ الشهيد عبد الله عزام والشيخ الشهيد احمد ياسين....نحسبهم من خيرة الناس ولا نزكيهم على الله.

هذه هي المدارس التي تؤتي اكلها كل حين باذن ربها

مقاوم
05-28-2007, 06:30 AM
بوركت أيها الفاروق وجزاك الله خيرا

لا يقدر المعادن والجواهر إلا من حباه الله بعين فاحصة وعقل راجح وقلب حي!

حق لهذا المقال أن يترجم إلى منهج يدرس لدى كل الحركات والتيارات الإسلامية!

حفظ الله الشيخ حامد ونفعنا بعلمه وأدامه ذخرا للجهاد والمجاهدين وعلما من أعلام هذا الدين.

شيركوه
05-28-2007, 05:14 PM
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على هذا النقل المبارك

شوعم مقاوم انت كمان منضم لعصبة النقيلة؟؟؟
:)

السلام عليكم

مقاوم
05-28-2007, 05:26 PM
والله يا عمي لو بيطلع معي هيك درر ما كان في لزوم للنقل :)

حفيدة الصحابة
05-29-2007, 04:11 PM
بارك الله في الشيخ المجاهد بقلمه ...حامد العلي

وجزاكم الله خير أخانا ..مقاوم..

مقاوم
05-29-2007, 05:57 PM
وإياكم أختي

نسأل الله أن يتقبل من الجميع

مقاوم
05-29-2007, 06:36 PM
http://2-up.info/uploads/b866224f2a.gif