تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بعد تجربتيْ الكتائب وأمل: سنّة «المستقبل» بمواجهة الفلسطينيين



من هناك
05-27-2007, 01:43 AM
بعد تجربتيْ الكتائب وأمل: سنّة «المستقبل» بمواجهة الفلسطينيين

إبراهيم الأمين
يحقّ لسمير جعجع أن يفاخر أمام أنصاره بأنه لم يغيّر حرفاً في مفرداته السياسية، هو قال إن ما يؤمن به من شعارات أودى به في عتمة السجن سنين طويلة، وهو خرج من دون تنازلات في ما خص هذه العناوين، وإن من أفتى أو سهّل خروجه هو من عدّل في مواقفه، وإن ما يقوله وليد جنبلاط وسعد الحريري وآخرون من قوى 14 آذار، عن العداء لسوريا والموقف المختلف إزاء القضية العربية، ومعارضة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واعتماد الحياد في أي صراع في المنطقة، والسعي إلى تركيبة على علاقة بالغرب.. واللجوء إلى البيئة الطائفية الضيّقة.. كل ذلك هو ما كان جعحع ينطق به وما صار خصوم الأمس وحلفاء اليوم ينطقون به.



أما عن الصيغة القائمة في الحكم الآن، فإن جعجع لن يغامر في طرحٍ مستقلٍّ يكون ثمنه مغادرة الحلف القائم الآن مع الحريري وجنبلاط، وهو مستعدّ في هذا المجال لأن يدفع من جيبه في التكتيك، لكنه يأمل ويعمل على الربح في نهاية المطاف. وكل مقدمات قائد القوات لا تشير إلى أنه غيّر موقفه حتى من طرح الفدرالية، شرط أن يوفّر له عناصر النجاح، وهي العناصر غير المتوافرة عند المسيحيين، وهو يأمل أن تظهر عندما تتعاظم النزعة الانعزالية عند الآخرين وعندما تصبح الفدرالية مطلباً مباشراً عند الحريري وجنبلاط.


وإذا كانت تطورات الفترة الماضية غير كافية لمناقشة هذا الأمر، فإن التحول اللبناني بمعناه المعرّف عنه في أدبيات الجبهة اللبنانية قد ظهر في سلوكيات قوى وطوائف كثيرة من التي كانت تمثّل الخط العربي في لبنان. وبعد الحملة العنصرية على كل ما هو آتٍ من سوريا بشراً وموقفاً وبضاعة وحتى طعاماً، كان على هذه القوى أن تثبت بالدم أنها غادرت موقعها السابق. وهو أمر ليس متوافراً عندما ترغب هي. وإذ حاول البعض تحويل حزب الله إلى خصم محلّي يمثّل امتداداً للصورة العربية المرفوضة، فإنّ مواجهته لم تتوافر لأسباب كثيرة، لكن ظهر في اللحظة الحرجة أن هناك خصماً ممكناً، وبعد معاناة الفلسطينيين مع الكتائب المسيحية عشية الحرب الأهلية وما بعدها، ثم معاناتهم مع السلطات اللبنانية المتعاقبة على الحكم منذ أكثر من خمسين سنة، واجه هؤلاء حركة أمل الشيعية على مدى عقدين بين توترات سياسية ثم مواجهات عسكرية أكلت الأخضر واليابس.



وبدا أن الأمر توقف عند هذا الحد. وبعد توقف الحرب، برز الضعف في العنصر المسيحي الذي لم يعد قادراً على تولّي هذه المهمة، ثم جاء التحوّل في الموقف الشيعي نحو تبنّي موقف حزب الله الذي يخوض معركة الفلسطينيين أنفسهم، ولم يكن أمام الراعي الخارجي لهذا الملفّ سوى البحث عن أداة أخرى في مواجهة الفلسطينيين، وتحويلهم غصباً، إما إلى عصابات أو إلى مهاجرين ليس أمامهم إلّا الرحيل، ومن بقي فإن عليه التخلّي عن هويّته الوطنية أو العربية وتلبّس الهويات الطائفية الموزّعة في لبنان.



وبعدما جرب كميل شمعون حظه سابقاً مع المسيحيين من الفلسطينيين، جاء وليد جنبلاط يطرح معادلته الابتزازية مع هؤلاء: قاتلوا عني أعطكم شرعية الوجود والنضال. أما تيار الحريري فوجد نفسه أولاّ أقرب إلى وهم تحويل الفلسطينيين في لبنان إلى «قوة ضاربة» تخضع لإرادته السياسية، وهي حاله مع المجموعات الإسلامية التي واجهت اضطهاداً من السوريين لعقود خلت. لكن الحريري وجد صعوبة في توحيد الموقف الفلسطيني ولم يجد معه إلا قلّة من أنصار سلطة رام الله المتهاوية هناك اصلًا.


فجأة جاءت أحداث الشمال. وخلال أيام قليلة تحوّل تيار «المستقبل» إلى شبيهٍ للكتائب في منتصف السبعينات وإلى شبيهٍ لأمل في منتصف الثمانينات. وها هو اليوم يضجّ بمواقف عنصرية ضد الفلسطينيين في مخيمات لبنان لأنهم لا يعرفون مصلحتهم ولأنهم يؤوون مخربين وإرهابيين، وثمّة أوصاف نعت بها هؤلاء، لم يكن هناك أقسى منها في قاموس ميليشيات لبنان.


وكعادة المحتال اللبناني الذي ينادي على مواطنه الآخر بـ«أخي» ثم يطعنه صبح مساء، توالى الكلام الإنساني من جانب قادة المستقبل على «إخواننا وأهلنا في المخيمات» وهو الكلام الذي يمرّ فقط عبر الشاشات المريضة والصحف الصفراء لكنه لا يصل هو ولا ربطات الخبز وفرش النوم إلى قلوب وعقول أبناء المخيمات أو الأحياء الفقيرة التي لم تخرج يوماً إلا خلف كمال جنبلاط ولم تهتف يوماً ضد رفيق الحريري، وتراها اليوم تشبّه فؤاد السنيورة وسعد الحريري ووليد جنبلاط بقادة إسرائيل وإرهابيي البيت الأبيض. فهل يسرّ جعجع أكثر؟


ومنذ اليوم الأول للمواجهات، يعرف تيار المستقبل ومعه جنبلاط ومَن هم على الأرض من مخبري فرع الملعومات ومفكّريه، أنه ليس في طرابلس أو في مخيماتها من هو مستعدّ لخوض معركة عن الآخر. عمد هذا الفريق إلى اختيار ما يناسب من الألعاب. في اليوم الأول، ارتأى هؤلاء لعبة الغميضة، لكنهم فوجئوا بأن رائحتهم تتقدمهم. فجأة قرّر أحد ما التحول إلى مباراة في كرة القدم. أخرج الفريق الأساسي من قوى الأمن وأدخل فريق الاحتياط وكلّه من الجيش. لكنّ الشوط الأول لم يدُم طويلاً حتى تحوّل الجميع إلى لعبة الكرة الطائرة على تخوم مخيّمٍ بائس. بينما سارع محترفون إلى طاولة بلياردو يرمون كراتٍ لتصيب أخرى بغير اتجاه، يسقط مرشح الرئاسة ميشال سليمان وتسقط فكرة الحكومة العسكرية.



وجد الناس أنفسهم في ملعب لكرة القدم بدون حكَم. وحدَه ديفيد ولش كان أمام طاولة الشطرنج يحتكر البيادق كيفما شاء.


وفي لحظة الحقيقة، ركض هواة مثلُ جنبلاط والحريري إلى سباق البدل. قرّرا تسليم الشارة إلى فلسطينيين مثل سلطان أبو العينين الذي يفترض أنه يمكن فتح بازار للمقايضة بين دماء من أبناء المخيّمات وبين امتيازات تافهة لم تساعد القضية الفلسطينية على شيء في كل محافل العالم. علماً بأن شهيّة العنصريين في لبنان على دماء فلسطينيين أو سوريين ولبنانيين من مواطني الدرجة الثانية، لا تعفي القيادة التاريخية لمنظمة التحرير والقيادة الحالية من المسؤولية عن مسلسل الأخطاء المستمر على حساب من بقي من أبناء الشتات في لبنان وغيره... وهو دور لن يستوي في وضعٍ غير مستقيم، حيث الكارثة تحلّ قاسية عندما يتحوّل أهل السّنّة إلى أعداء لأمكنة وناس، لمجرد الرغبة في الإنتماء إلى عالم المجانين الذي يديره القابضون على نفط العالم.