تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع تقرير لجنة فينوغراد



ابو شجاع
05-20-2007, 01:28 PM
وقفة مع تقرير لجنة فينوغراد





بعد سجال طويل دار بين جهات مختلفة في كيان يهود، حيث تناثرت شظاياه حتى وصلت إلى وسائل الإعلام المختلفة، خرج أخيراً بعد التأجيل من جعبتهم تقرير لجنة فينوغراد الأخير، تلك اللجنة التي كلفت من قبل دولة يهود لتقصي الحقائق والبحث في أسباب هزيمة جيشهم المنكرة في حرب الصيف الماضي في لبنان، ذلك الجيش المدجج بالسلاح من رأسه حتى أخمص قدميه الذي انكسرت شوكته في مواجهة ثلة مسلمة مجاهدة من المقاومين في جنوب لبنان، فشرب جيش يهود على أيدي هؤلاء الأبطال الموتَ الزُّؤام في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وغيرها، هزيمة منكرة نالت من الرؤوس الكبيرة في حكومة اليهود فأطاحت برئيس أركان جيشهم داني حلوتس، ووجهت أصابع الاتهام لرئيس حكومتهم ووزير دفاعهم أولمرت وبيرتس، وطالت شارون ونتنياهو والآخرين بالمسؤولية عن عدم جاهزية جيشهم وهزيمته النكراء في حرب الصيف الماضي، تلك الحرب التي خاضها المجاهدون من أبناء لبنان بما لا يقارن من عدد وعتاد محدودَيْن نسبةً لما لدى جيش يهود من عتاد وجاهزية، فحطموا كبرياء جيش العصابات اليهودي بعد أن كسروا قواعده في اللعبة، فنتفوا ريشه وتلاعبوا بقادته ومخططيه بعد أن أحرقوا دباباته ومدرعاته، وأمطروا مدن اليهود وقراهم وكيبوتساتهم بالنار التي طالت ميناء حيفا ولوّح بها لما بعد بعد حيفا، إن تقرير لجنة فينوغراد بخصوص هذه الحرب حقيق باستخلاص العبر منه، والوقوف على بعض المسائل المهمة التي تتعلق به والتي لا بد من إمعان النظر فيها، وهي:



1) لقد أثبتت حرب لبنان الأخيرة حقيقةً لا تخطؤها العين، مفادها أن ما يسمى بدولة إسرائيل التي تهاوى حكامُ العرب في مبادرتهم الخيانية الأخيرة للاعتراف بها والتطبيع معها، ليست إلا مشروعاً استعمارياً فاشلاً، وكياناً مشوهاً ولد ميتاً من اللحظة الأولى، وهو إلى زوال محتوم، تشهد على ذلك الحقائقُ القرآنية والتاريخية، وتشهد عليه كذلك الحقائق الموضوعية على الأرض التي ليس أقلَّها تقريرُ لجنة فينوغراد الأخير، الذي تناول هزيمة هذا الكيان المسخ وجيشه الجبان في حرب لبنان الأخيرة، فظهر على حقيقته جيشاً جباناً يرتجف خلف سلاحه يرضى من الغنيمة بالإياب، وكياناً خائر القوى تنهك حكومتَه قضايا الفساد المالي والأخلاقي، قامت أركانه منذ البداية على أعمدة الجبن والخسة والتآمر منذ وعد بلفور، حيث اتُّخذ هذا الكيانُ المسخ منذ ذلك الوقت مخلبَ قِطٍّ للاستعمار الغربي الصليبي في هذه المنطقة، ومروراً بتواطؤ الحكام العرب على تسليم أرض فلسطين بعد إفراغها من أهلها في المسرحيات الحربية الشكلية في عامي 1948 و 1967، وأخيراً وليس آخراً إجماعهم على الاعتراف الكامل بحق إسرائيل في الوجود، وفتح الباب على مصراعيه لتطبيع العلاقات معها بعد التآمر المكشوف على محاصرة أهل فلسطين وقتلهم وتجويعهم، ثم جرّ ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشاركت فيها حركتا فتح وحماس جنباً إلى جنب للقبول بمبادرة التفريط العربية الخيانية هذه.


2) كيف يمكن للرجال الأحرار الأغيار في الأمة الإسلامية وفي الجيوش، خاصة تلك الجيوش التي ذاقت مرارة الهزيمة والانكسار في حربي عام 1948 و1967 أن يمرّ عليهم تقرير لجنة فينوغراد مرور الكرام، ذلك التقرير الذي حمّل حكّامَ إسرائيل مسؤوليةَ هزيمة جيشها المنكرة في حرب لبنان الأخيرة، مع أنّ الناظر يرى أنّ إسرائيل لم تخسر في أعقاب هذه الحرب التي استمرت شهراً شيئاً من الأراضي التي تحتلها، في الوقت الذي خسرت فيه الأردن في حرب الأيام الستة عام 1967 الضفةَ الغربية بأكملها، وخسرت سوريا الجولانَ بأكمله، وخسرت مصرُ سيْناءَ بأكملها ولم تستعِدْها إلا باتفاقية كامب ديفد الخيانية، تلك الاتفاقية التي حوّل السادات بها انتصارَ الجيش المصري في حرب رمضان 1973 إلى مكاسبَ وإنجازاتٍ إسرائيلية كاملة، وكأن الذي انتصر في الحرب هم اليهود لا المسلمين. إنه ديدن حكام العرب الخونة في تحويل كل نصر للأمة إلى مكتسبات لأعدائهم من المحتلين الصليبيين واليهود، فلا عجب أن حوّلوا هزيمة إسرائيل العسكرية المنكرة في حرب لبنان الأخيرة إلى نصر سياسي لها حين قاموا بتحميل المقاومة في لبنان المسؤوليةَ عن اندلاع الحرب، فدَعَوْا إلى تصفية حزب الله وتجريده من سلاحه، وسحب المقاومين إلى ما وراء نهر الليطاني لحماية اليهود وجيشهم من ضربات المقاومة. ولاعجب أن نرى اليهود يقيمون لجان تحقيق وتقصي حقائق في أعقاب الهزائم التي مُنُوا بها لاستخلاص العبر في تمتين جبهتهم الداخلية، وسد الثغرات العسكرية تحضيراً للمواجهة القادمة، بينما نجد في الوقت نفسه حكام العرب العملاء يستخلصون العبر بعد هزيمة جيوشهم في حروبهم الوهمية، فيُحضِّرون مفاوضيهم لمزيد من الانبطاح التفاوضي الاستسلامي، ويجهزون إعلامَهم وأبواقهم لمزيد من الكذب على الأمة وتضليلها.


3) كيف يمكن لضباط جيوشنا وقادتهم أن يتجرعوا كلَّ هذا الكمِّ المهول من الذل والمهانة التي سقاهم إياه حكامهم المجرمون، فصاروا يتعايشون متأقلمين مع هذا الواقع الذليل الذي فرضه الحكام عليهم وهم يراقبون العربدة المستمرة لعصابات الجيش اليهودي على أهل فلسطين ومقدساتها وهم كالأموات لا يحركون ساكناً، وكأن ما يجري يجري على كوكب آخر؟! هل من المعقول أن يصبح رئيسُ الأركان في جيش الأردن ومصر وسوريا وغيرها من جيوش العرب والمسلمين مثلَ رئيس الإطفائية؟! هل من المعقول أن يصبح قائدُ سلاح الجو وآمِرُ سلاح المدفعية والمدرعات مثلَ مدير المستشفى أو رئيس المخفر؟! هل من المعقول أن تصبح الفيالق والفرق العسكرية مثل فرق الكشافة؟! ألا تستحق فلسطين ومسجدها الأقصى أن تعقد لجان لتقصي الحقائق ومحاكمة المسؤولين عن أسباب الهزائم المتكررة التي ضيَّعت البلادَ والعباد في حروب شكلية لم يكن للأمة فيها ناقةٌ ولا جمل؟! ألا تستحق حيفا وعكا ويافا واللد والرملة وعسقلان عقدَ لجان لمحاسبة الحكام الخونة الذين باعوها بعد أن سلموها في قمتهم الأخيرة بثمن بخس وكانوا فيها من الزاهدين.


لقد أصبحت حقيقةُ قضية فلسطين أوضحَ وأجلى من الشمس في رابعة النهار، إنها قضيةٌ لا يمكن أن تحلّها المبادرات الدولية ولا الإملاءات الأمريكية ولا المؤامرات الإنجليزية والأوروبية. إنّ قضية فلسطين كانت وما زالت وستبقى قضيةَ الأمة الإسلامية، لا قضية العرب ولا قضية الفلسطينيين ولا قضية المفاوضين فيما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

إن قضية فلسطين لن تحلّ إلا بإشعال أتون الجهاد الشامل الحقيقي الذي يحشد قوى الأمة ومقدراتها الماديةَ والمعنوية، فإنّ الحديد لا يفلّه إلا الحديد، ولن يكون ذلك إلا بتحرك الأحرار المخلصين القادرين في جيوش المسلمين لنصرة العاملين على إقامة الخلافة على أنقاض عروش الخسة والعار، ومبايعة خليفة راشد يحاسب المتواطئين ويحاكمهم، ويقود الأمة في دروب العزّة والكرامة في الدنيا والآخرة...









30/4/2007 منصور المقدسي

http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/index.php/waqafat/single/1969 (http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/index.php/waqafat/single/1969)

http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/images/bann_r.jpg