تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية للمعضلة الشيعية 1/2



مقاوم
05-01-2007, 08:11 AM
رؤية للمعضلة الشيعية 1/2

د. محمد الأحمري (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.authors&authorsID=244)

خلاصة:

هذه الدراسة توضح أن الكثير من صراعات المنطقة، مملاة عليها من خارجها، وبالتالي فالمواقف المتخذة بشأنها ليست دائما من أجل أهلها، وقد لا تصب في مصلحتهم.

فالمحتل يستخدم الدين والسياسة والاقتصاد والمذهب والعرق والشيخ والليبرالي في حرب دائمة تضمن انتصاره دائما، مع بقاء الضحية ناقة حلوباً في إنائه، وخاسرة لمصلحتها، والاستبصار هنا يقوم على تعديل في اتجاه الخطاب، وتغيير لبعض محتوياته، فالعالم سيستفيد في المستقبل من هذه المنطقة إذا كانت آمنة يسودها السلم والثقة.

ومن الخير للمسلمين عاجلا وآجلا أن ينزعوا فتيل الفتنة، وألا يجعلوا من بلادهم منطقة تبعث فيها خلافات الماضي الداخلية، ولا منابر الأحقاد من الخارج، وعليهم أن يدركوا أن في تعصبهم لبعض أفكارهم أو أفكار أسلافهم، ضعفاً، يدمر حاضرهم ومستقبلهم، ولا يقل عما يذوقونه من عدوان الخارج، ومن الخير لهم أن يروا العالم كما هو، ثم يوجهوه لما يخدم مصالحهم التي هي ليست بالضرورة مضادة لمصالح غيرهم.

1

* منطلقات:

في الأشهر الماضية، خرجت كثير من الدراسات الإستراتيجية الغربية التي تتحدث عن التعامل مع المسألة الشيعية، ومع الإسلام، ومع إيران، وعن الأقليات الشيعية في العالم السني، وسبل استثمار تلك الخلافات العقدية والسياسية.

ومن المجدي أن يشار إلى بعض هذه الدراسات والمناقشات التي حاولت أن تعطي صورة لكل جهة، ومن بين تلك الدراسات ذات القيمة، كتابان أولهما لوالي نصر، "انبعاث الشيعة،" والثاني لـ"راي تقية"، "إيران الخفية"، ويبدو أن كليهما من أصول شيعية، وأنهما يحملان الجنسية الأمريكية، ثم هناك بعض حلقات البحث التي جرت مع المؤلفين وغيرهما، بعضها في مجلس العلاقات الأمريكية وبعضها خارجه.

ما يميز الدراستين، أنهما تحملان رؤية عملية لما يجب أن يكون عليه المستقبل الغربي في علاقاته مع المسلمين، وبخاصة ما يهم الشأن الشيعي عموما والإيراني خصوصا.

ولعل من أهم ما يستحق التنبه له في هذه الدراسات وفي حلقات التخطيط المستقبلي التي صاحبت الكتابين: سياسة تقسيم الإسلام إلى قسمين: إسلام سني وإسلام شيعي، سياسة سبق أن أثارها كثير من المتعصبين ضد المسلمين، من أمثال فريدمان الذي يزعم أن السنة كانوا يحتلون العراق، وأن أمريكا جاءت لتحرير الأكثرية من الأقلية!!، ومن المتعصبين المذهبيين الزاعمين أنهم يكتبون إستراتيجية للعلاقات "الشيعية الأمريكية"، كما ينصح كتاب: "انبعاث الشيعة"، الذي يقوم على نظرية أن الإسلام إسلامان وليس إسلاماً واحداً، أحد الإسلامين يشبه الكاثوليكية، وهو الإسلام السني بجموده وتقليديته وتخلفه وخطره على الغرب وثقافته، الإسلام الذي بصورة صديق للغرب، وهو في الحقيقة عدو له، والإسلام الثاني "الإسلام الشيعي"، وهو عنده يمثل "بروتستانت الإسلام"، أي التيار المتنور الديمقراطي العقلاني الواقعي المتصالح فكريا ومستقبليا مع الغرب، والذي كان يظهر للغرب أنه عدو له، وفي الحقيقة يحمل بذور الصداقة والعلاقة الإستراتيجية.

قد يكون هدف الفكرة السابقة تقريب الغرب للشيعة وتقريب الشيعة للغرب، وتقوية الأقلية ضد الغالبية، وبناء ولاء أعمق من السياسة، ولكن الغرب قد يفيد منها عاجلا وآجلا، وهذا التوجه إحياء لأفكار قديمة استعمارية نجحت في الماضي، وقد يكون مرحبا بها في صياغة وشكل ومكان جديد، فمسيرة استرقاق العالم العربي والإسلامي مريحة، ومُفكّر فيها، ومدروسة مسبقا، يقول أهل هذا الرأي: كما أفادوا ذات يوم من تقسيم المسلمين إلى عرب وأتراك، وكانت تلك غنيمة النصارى الكبرى في مطلع القرن العشرين، فإن الغنيمة الكبرى الجديدة تقسيم الإسلام نفسه إلى شيعة وسنة، بتنفيذ من الغرب، وبرغبة من المسلمين، وتهييج عقدي، فكما كان للتهييج القومي الطوراني والعربي والأرمني جدواه في تمزيق الوحدة الإسلامية والدولة العثمانية، فلتقم العقيدة ـ وبحجة التصحيح والتنقية والتهييج المذهبي ـ بدورها اليوم في تقطيع بقية الأوصال.

وكما كانت القوميات العربية والطورانية التركية سلاحا استعماريا نافذا، فليكن الإسلام نفسه سلاحهم اليوم ضد أهله، ثم يستمتعون بالغلبة على كيانات ممزقة، ودين مستولى عليه، أو بحجة الدفاع عنه، "كما كان الشعار الذي رفعه بوش الأب" فقد تقوم اليوم عقائد ـ بنية صالحة لها ـ بتقديم مصلحة المستعمرين بلا وعي على مصالحها، وعلى مصالح المسلمين. وبالتالي، فبروتستانت الإسلام "الشيعة"، سيكون لهم مستقبل تنويري وسياسي ديمقراطي كبير، وهم المؤثرون والمقبولون والمرغوبون في التفكير الغربي والعالمي، ويزعمون أن لهم الجاذبية ولهم المستقبل في داخل العالم الإسلامي.

تقوم الإستراتيجية من الطرف الغربي على أساس آخر مهم، هو أن تدمير الإسلام بالإسلام هو خير طريقة للتعامل مع الإسلام الصاعد، وأن الدول المعتدلة في العالم الإسلامي، لا تختلف في فلسفة مجتمعها ومستقبل تطلعاته عن الدول والجماعات المتطرفة، وأن السلوك المناسب هو في إبقاء هذه الدول والجماعات في صراعات داخلية دائمة، فالخلاف في الرأي يصبح مصيريا وحاسما وعقديا، والخلاف يكبر أيضا مع الأقليات فيها، ومع المخالفين لعقائدها من خارجها، وعلى الغرب أن يحسن علاقاته بالطرفين، ويجعل كل طرف قادرا على تدمير الآخر، أو متحفزا، أو يخشى خيانته. والمجتمع القلق المتوجس لا يصل لشيء في المستقبل إلا إلى الخوف.

ـ إبعاد العناصر الوطنية الصادقة، دينية كانت أو ليبرالية، عن مواقع القرار؛ بحجة أنها متشددة، أو غير عملية، أو وطنية أو قومية أكثر من الحاجة، وربما اتهموها بما يرددون في السنوات الأخيرة: "إيديولوجية". ويتجهون نحو الاستفادة من العناصر المتدينة التي تثير القلق والحرب المذهبية، لتستخدم وقت الحاجة في معارك إسلامية داخلية، وتأييد الليبرالية الغربية الولاء، التي ترمي ببلادها في أحضان الغرب والصهاينة، ولهذا تحدث "بعضهم" مؤخرا عن فائدة العلاقة الجيدة بالصهاينة؛ لأنهم سوف يحملون الانفتاح والديمقراطية والحرية للشعوب المجاورة، وزعموا أن العرب تأخروا في الاستفادة من الجوار الصهيوني التقدمي، ويعزب عن علم هؤلاء ـ أو يبعدون عمدا ـ التجربة الفلسطينية مع الصهاينة، وهي حقيقة صارخة كالشمس وضوحا، فقد كان الفلسطينيون الإسرائيليون في حال سيئة بالرغم من حمل الجنسية الإسرائيلية، فالعنصرية هي النظام، ويعاملون كطبقة دنيا مكروهة ومتهمة دائما.

وأما في الضفة وغزة، فالإبادة والتدمير والإفقار والطرد هي السياسة، ولما جاءت الديمقراطية "المحاصرة" بمن يكرهون أكثر، كان التجويع والتقتيل هو الحل، ولن ينال العرب البعيدون خيراً مما ناله القريبون من الصهاينة.

ـ الإصرار على علاقات مؤثرة أو ضاغطة على الجميع، ففي الوقت الذي يواجه الغرب إيران ويعاديها، ليس لأنها شيعية أو سنية، ولا لكونها تقية أو فاجرة، بل بسبب استقلال إيران، وتقوية نفسها خارج حظيرة الاحتلال، وبسبب سلاحها النووي أخيراً، أو بسبب طموحاتها الإمبراطورية، فإنه توجد أيضا علاقات غربية جيدة مع الأقليات الشيعية في الكيانات السنية، فالغرب يهمه وجود معارضة للأصدقاء "المعتدلين، وإن لم تكن هذه المعارضة موجودة فإنه يصنعها، للاستفادة من هذه المعارضة وقتما يحتاج الغرب أن يخوّف وأن يُذل، أو ربما يصفع بهم الصديق المعتدل، "سياسة العصا والجزرة، أو الابتسامة والسوط"، ولا يحترم الغرب الأقليات في المستعمرات، ولا الخلاف الديني ولا القومي، بل هو يصنع من كل هذه التمزقات فرصا للتسيد والغلبة، وقهر المقاوم؛ ومن الأمثلة الكبيرة ما كان من تقريب كيسنجر للأكراد، وتشجيع ثورتهم في أوائل السبعينيات الميلادية، وتمويلهم عندما كانت هناك حاجة للضغط على صدام، إلى أن وقّع اتفاقية الجزائر عام 1975م، حتى إذا دخل في بيت الطاعة ـ مؤقتا ـ، كشف الغطاء عن الملا مصطفى البارزاني، وأصبح يكتب ويلجأ لكيسنجر ويرسل، ولا يرد عليه إلا بما يهمله ويذله. ولما عادت الحاجة بعد نحو من عقدين عادت العلاقة مع البارزاني الابن.

وبعد دخول أمريكا للعراق، واحتلالها كانت مسألة التفريق والخلاف المذهبي والعرقي حاجة حقيقية لاستقرار الاحتلال، فعراق موحد ضد الاحتلال لا يمكن أن يكون مقبولا، ولا قابلا بالإذلال. ولهذا تحدث مارتن إنديك في الأيام الأولى للاحتلال، واعدا وملزما بسياسة فرق تسد، كما تقول "الحكمة القديمة"، ومشكلة صهاينة أمريكا من أمثال أنديك، أنهم بالغوا في استخدام النار المذهبية والقومية المشبوبة من قبلهم، فنالتهم نيرانها كما نالت العراقيين.

ومن الطريف أنه ذات يوم في الدوحة خرج مارتن إنديك وتوماس فريدمان والصحفي ماهر عبد الله -رحمه الله- من حلقة من حلقات نقاش المؤتمر السنوي، الذي ينظمه إنديك وغيره عن العلاقات الإسلامية الأمريكية في الدوحة، قال ماهر: أخذ إنديك بيدي وبيد فريدمان، وقال: "هذا ـ مشيرا إلى فريدمان ـ عولمي أصولي، وأنت: ـ يعني ماهر ـ إسلامي أصولي، وأنا صهيوني أصولي، شئنا أم أبينا نحن بحاجة إلى أن نتفاهم".

وقد حدّث ـ رحمه الله ـ بهذه الحادثة عددا من أصدقائه، فهذه القائمة من صهاينة واشنطن لا تخفي أنها تعمل للحركة الصهيونية قبل كل شيء، وقد تخفي أحيانا آراءها وتدعي العمل لمصلحة أمريكا، بينما توجه السياسة في المنطقة والعالم لخدمة الصهاينة فقط، ضد مصلحة المجتمع الأمريكي وغيره.

ولهذا، فإقدام بعض المشايخ وبعض المثقفين على إشعال نار الخلاف الطائفي لا ينطلق كله من حاجتهم، وقد لا تكون هذه الرؤية رؤيتهم، وربما دون إدراك واع منهم، بل هذه إستراتيجية للمحتلين معلنة ومطلوبة لتدمير الوحدات المضادة للاحتلال؛ مثل: العراق، وإيران ولبنان، ومناطق الخليج، حتى تضعف هذه الوحدات أو تستمر ضعيفة، وتجد في المحتل حلا لمشكلاتها، فتبقى دائما خائفة مروعة فتأوي للمحتل وتسلم له أمرها، وتجعل منه حاميها وأملها، ومصدر استقرارها، لأن في الجوار أخاً يرعبها، ولابد في سبيل المفاصلة مع هذا القريب، أن نجعل من دينه وخلقه وجنسه وأرضه شرا محضا، و بالتالي فالمحتل خير حام، وأبر صديق موال.

ولا حاجة لتكرار "مقولة عامة" عنصرية أو فكرة سيئة مسبقة عن الشعوب الأخرى، لأنها ليست صحيحة، ولأن كل محتل سيجد فرقا وطوائف وأسباباً لخلافات في كل مجتمع مغلوب. والمجتمع القوي النابه يتفوق على أمراضه وأقسامه وفرقه وعقائده، ويصنع عدلا وقسطا، يخفف من قدرة العدو على تدميره من داخله.

ومنذ قتل محمد باقر الحكيم، كتبت مخوفاً من هذا الطريق، طريق الحرب الأهلية المذهبية، الطريق الذي يدمر الجميع، ولا يخدم سنة ولا شيعة، فإن كان قتل الشيعة من إستراتيجية القاعدة، فهو ضرر بالغ آنذاك والآن. ولا يهم من بدأ بالأمر، فالواجب إيقاف هذه الحرب الاستعمارية المذهبية والمجازر التي يخسر فيها العراقيون أجمعون.

فقد بدأت في مناطق إيرانية أعمال تستهدف إيران، وتستخدم الأقليات السنية والعرقية ـ وبتمويل قيل إنه عربي ـ لتفجير الخلافات بين الأقليات وبين الحكومة الإيرانية، بحجة الاختلاف في المذهب والجنس، كالفتنة التي ظهرت في بلوشستان، بعض هذا أشار له مايكل هيرش في مقالته: "إعادة توجيه"، ومستقبلا في عربستان، وسوف يستخدمون الأذريين في إيران وفي أذربيجان، والأكراد. بحجة تحريرهم من الشيعة أو الفرس، وهناك دعم مطلق لليبراليين الإيرانيين لتحريرهم من الحكومة الدينية، بقيادة متغربين وبقية من الموالين لابن الشاه.

وإيران تعاني من أزمات داخلية قيادية، فلم يعد يؤيد أحمدي نجاد إلا قلة من الكبار منهم خامنئي، وهناك أصوات وخلافات يقودها رفسنجاني ضد خصمه نجاد، بعضها توحي بغزل يتبناه رفسنجاني للغرب، وزاد من تأكيد هذا لقاءات رفسنجاني مع وسطاء مؤثرين، وهو يشكو من تشدد واندفاع وفردية وشعبوية نجاد، وبعض النقد من برلمان يرى في نجاد شخصا فاشلا في برنامجه الاقتصادي الموعود، وأنه أشغل شعبه، وهيج العالم بمغامرات كلامية ومواقف لا فائدة منها، مثل: مؤتمر إعادة النظر في مذبحة اليهود، وفي ذهابه لأمريكا الجنوبية لتأييدها ضد الشمالية، وإهمال الوعود الاقتصادية التي قطعها على نفسه وانتخب بسببها.

وقد استطاعت العصابة الصهيونية من المحافظين الجدد أن يؤثروا على الثقافة السياسية وعلى توجهات الجماهير في بريطانيا وأمريكا، وبالتالي كثير من الغربيين، ويروّعوهم من خطر العالم الإسلامي على مستقبل الغرب ومصالحه، فالإسلام عندهم هو العقيدة المتحدية الوحيدة التي بقيت في العالم ترى أن لها فلسفة في الحياة تخالف الغرب ـ هكذا يرى مؤلف نهاية التاريخ ـ ولهذا فإن الخلاف الأمريكي الأوربي والأمريكي الصيني أو الروسي مجرد خلاف اقتصادي يحل بسهولة، بينما صوروا الخلاف مع المسلمين بأنه خلاف وجود أو عدم، مع عالم إسلامي صاعد ماليا وسكانيا وعقديا، يهدد الغرب كما هدد الإمبراطورية الرومانية سابقا، وأخذ منها الشرق وشمال إفريقيا، وهذا التفسير مما يرغب الحاقدون الصهاينة على ترسيخه في المخيلة المسيحية.

وبالتالي بناء الإستراتيجية المستقبلية بناءً على هذه الوجهة، ولعل من طريف الإقرار بذلك ما كتبه "مورافيتش" في مجلة السياسة الخارجية "فورن بولسي"، وهو من الصهاينة المسيّرين لسياسة حكومة بوش المعروفين بـ: "المحافظين الجدد"، فقد ذكر أن المحافظين تعرضوا للانكشاف والإبعاد من الحكومة، ولكن لا يملك غيرهم في أمريكا أفكاراً ذات قيمة يمكن أن تسير عليها الأمة الأمريكية، وبالتالي فهم الوحيدون الذين يستطيعون أن يصنعوا الفكر والسياسة.

ولهذا، فالموقف الغربي ثابت على علويته فوق الضعفاء المسلمين، فلم يسمح لأكثر من خمسين دولة إسلامية، ولا لمليار وثلث من البشر، أن يفكوا الحصار عن إخوانهم الفلسطينيين، المضروب عليهم من قبل أربعة ملايين صهيوني!! وهو ثابت على حرمان المسلمين من التقدم العلمي، يسانده خور القيادات وغياب الشعوب، فالغرب لم يكن ليسمح لمدينة دولة كـ "سنغافورة" بالصناعة لولا مواجهات شديدة، سجلها كوان لو في كتابه: "من العالم الثالث إلى العالم الأول"، ولكن الإرادة الصادقة تحطم القيود. ففي السنوات الأخيرة استورد عدد من الدول البترولية ـ ومنها إيران ودول عربية ـ البنزين ومنتجات النفط من مصانع التكرير في سنغافورة.

والغرب يخاف أشد الخوف من سلاح نووي إيراني، يعيد شيئا من التوازن في العالم، ويهدد الشر الصهيوني في العالم، والخوف من أنه قد يعطي المسلمين سلاحا نوويا، بعد أن أخرج مشرف سلاح الباكستان من أيدي الباكستانيين. فالخوف من سلاح إيران حقيقي، وقد فشل الغرب في حصار إيران، كما يقول راي تقية: "إن الشواهد في الدوائر السياسية في واشنطن تقول: لم ينجح إلا الفشل"، ويقول: "إنهم يضغطون على إيران لتقتحم العقبة وتعد القنبلة"، إيران الخفية، ص 220 ـ222. ويرى بأن الضغط الخارجي يقوي الداخل الإيراني ويصنع تماسكه. بل واستطاعت كسر الحصار عليها، فإيران تبادلت علاقات جيدة اقتصادية وعامة مع الصين والهند وروسيا، بل واستطاعت إلى حد كبير تحسين العلاقات مع الخليجيين، فقد كان هذا استجابة لرغبات إيران مقابل أن توقف دعم معارضيهم.

وقد يظهر أن الصين وروسيا تعارضان أي عمل عسكري، أو تشدد غربي ضد إيران، ذلك ما يبدو بسبب كراهية هذه الدول للهيمنة الأمريكية على العالم، وبخاصة على النفط، والتجارة وطرقها، وأزمة السيادة في آسيا، ولكن ألا تحبذ روسيا والصين أن تتورط أمريكا ورطة كبرى في إيران؟ الواضح أن الصينيين والروس استفادوا فائدة كبيرة من ورطة أمريكا في حملتها على الإسلام والمسلمين، وفي الحرب على الإرهاب، فهي أشغلت أمريكا، وشوهت سمعتها، ودمرت الكثير من مواردها، وتفرغت الصين وروسيا للتنمية، وترويج اقتصادها، وسمعتها، واستفادتا من شعار الحرب على الإرهاب في قمع المسلمين بلا ضجة ولا عتاب في سينكيانج ـ البلدان الإسلامية في غرب الصين ـ وأعطت الروس فرصة قمع الشيشان وغيرهم.

وليس سرا أنه في محضر النقاش الذي جرى بين سولانا مسؤول الخارجية الأوروبية ولاريجاني المسؤول الإيراني عن الملف النووي، ذكر لاريجاني أنه من الممكن أن تتنازل إيران عن السلاح النووي مقابل ثمن لائق، فطلب منه سولانا توضيح ذلك، فوضح له بأنهم يريدون هيمنة إيرانية على بقية شواطئ الخليج، لأن هذه مناطق شيعية وثروتها تذهب لحكام سنة!!

وهذا مما يجعل خيار الحل السلمي صعبا، فإننا نجد على الجبهة الأمريكية استبداد المتعصب المسيحي "تشيني" نائب الرئيس بالقرار في المنطقة من خلال أتباعه المتنفذين، قد يؤدي لضرب إيران بطائرات صهيونية وحماية أمريكية، أو ضربة أمريكية مباشرة، ولكن يغفل المروجون للحروب، أنها قد تنتهي في غير صالحهم، وتهرب أمريكا وراء المحيطات، وتصلى المنطقة نيرانا طويلة المدى.

وقد يقبل الأمريكان نصائح تقيه وبريجنسكي، بفتح علاقات جيدة مع إيران، تنتج حصارا للمتشددين، وتحل الخلافات الكبرى، وتعيد نفوذ إيران للخليج ولا يكونون فيه عامل إرباك، يتعاونون مع أمريكا فيه ولا يتنافسون، وسوف يستطيع الأمريكان بالتعاون مع الإيرانيين -كما يرى- حل مشكلات كثيرة، كالعراق، بحسن العلاقة، ويرد على أن تصور إيران مثل شرق أوروبا مجرد وهم، فمع وجود رغبات غير دينية وليبرالية في البلاد، ولكنها ليست كالحالة في شرق أوروبا، فهناك علاقات جيدة بين الحكم والشعب، أو على الأقل قسم كبير منه، والموقف الإيراني من إسرائيل بعضه بقية من ثقافة الثورة، وخلاص من مشكلات داخلية، وحماية من بعيد للداخل، سوف تضعف هذه اللغة عندما تكون العلاقة جيدة مع أمريكا، وسيكون لها دور في تلطيف الموقف، بل وعلاقة مستقبلية بما يسمى "القوى الناعمة" كالدين والحوزات، والنخبة والتجارة. تلك بعض النصائح المهمة التي تسدى للحكومات الغربية، وقد لا تكون بعيدة عن تبنيها.

أما وجود السلاح النووي في إيران، فله آثاره النفسية على غرور ممتلكيه، وليست الأهمية من السلاح ذاته، ولكن من المهابة التي يعطيها لمن حازه، وعقلية الترويع والردع في تركيبة السياسة الحديثة، وقد تكون له آثار سلبية، مثل فرض الهيمنة الإيرانية السياسية والدينية على المشرق العربي، وربما أبعد في كل الاتجاهات، وقد تكون له فائدة أخرى؛ فإن وجود قوة منافسة للصهاينة سوف يخفف من شرهم، ويقلل من نفوذهم، وربما يخفف من جرائم المذابح الصهيونية للعرب في فلسطين، ويقلل من تطلعاتهم في الأرض والتجارة والنفط والمياه، ويعطي للعرب الباقين مساحة من الخلاص من العبودية التامة لأحد الطرفين، وبخاصة أنه ليس هناك برنامج عربي منظور للاستقلال، ولا للسيادة، هذا في حال اعتبار إيران مجرد منافس للصهاينة وللغرب، ولا تربطه علاقات أخرى أحسن ولا أسوأ بالعرب.
وبما أننا لا نرى مستقبلا ملحوظا قريبا في المنطقة إلا لتركيا وإيران، فإن الغرب سيحرص على توريط تركيا، وتدمير نهضتها بخصومات جانبية كردية وإيرانية مثلا، أما مصر الكبيرة، فقد صغّرها "الصغار جدا"، وأوهنوا مكانتها، حتى أصبحت على أحسن حال، تتطلع إلى مجرد دور وسيط غير موثوق بين حماس وفتح!! وقد تعوض هذه الحكومة الضعيفة في مصر أن تصعد الخلاف مع العرب، لتبني مكانا تعوض به عن تدهور مكانتها، مع أن مصر تملك أكثر مما يتخيل حكامها الآن، ولكن قبولهم بالاستضعاف والامتهان الصهيوني وتسليم قيادة البلاد للوكلاء ولعساكر هرمين وخائفين وربما فاسدين، وللسفراء الأجانب، وانحسار دور الحكومة في تطمين الغرب بأنها تمسك بزمام البلد، وتحافظ عليه تحت الطلب، وتطارد الإسلام فيه، هذه السياسة أو الكارثة، أخرجت بلدا قياديا عن دوره ومساره وهويته العربية الإسلامية واستطاعوا تجميده، أو ليكون دوره مجرد مكتب للقوى العظمى ـ بل وللصغرى جداً ـ وإشغالها بالصغائر والتوافه وقسر الأمة على الاشتغال بمواجهات داخلية دائمة، ومنع الشعب من اختيار قيادته، وإلهاء الناس بهمّ قوتهم اليومي عن مكانة بلادهم، وعن إمكانات البلاد ودورها الأممي. يتبع.

الأسدي
05-01-2007, 02:34 PM
على كل حال فان سبب ضعف العرب وعيشهم بين إحدى مصيبتين..إما الهيمنة الفارسية ..وإما الهيمنة الغربية.....تذكرنا بحال العرب قبل الإسلام..وخضوع بعضهم للفرس..وبعضهم للروم.....

والسبب في فشلهم القديم والحديث ذاته..وهو التشرذم والعداء البيني.....
........ووجود روح الاستقلال والاستبداد عند كل زعامة عشائرية ووطنية.....

مقاوم
05-02-2007, 09:48 AM
تتمة الموضوع: http://saowt.com/forum/showthread.php?t=22055