تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النسبية في الاعتقاد " او الحقيقة النسبية " عن مجلة الزيتونة



ابو شجاع
04-30-2007, 12:59 PM
النسبية في الاعتقاد

الكاتب: ياسين بن علي



من الأفكار التي بنيت عليها رؤية الغرب للكون والإنسان والحياة فكرة النسبية. والنسبية رأي "يقول بأن الحقيقة نسبية وتختلف من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر وليس لها معايير موضوعية"(1). فهي نظرية مضادة للدغمائية Dogmatism والتشكيكية Skepticism وتقتضي البعد عن النزعة التوكيدية Determinism القطعية في الحكم على الآراء والأفكار والقناعات، وتنفي وجود فكرة أو مسلمة عقلية تمثل الحقيقة المطلقة ولا تقبل النقاش والنظر فيها.

أما فساد هذه الفكرة التي يكثر الغرب وأذنابه من الحديث عنها فآت من جهات عدة منها:



1. إنّ النسبية كحكم تشمل النظرية ذاتها، فلا قطع ولا توكيد في كلّ النظريات والأفكار ومنها نظرية النسبية نفسها. وهذا يعني أنها لا تصلح كأساس تبنى عليه أيّ فكرة، لأنّ النسبية تمنح الإنسان الحقّ في عدم قبولها، ومنه تمنح له الحقّ في عدم قبول ما تفرع عنها وبني عليها. وكمثال على هذا لو أخذنا مسألة العقيدة كما هي في التصور القائم الآن، لقلنا إن العقيدة نسبية، فلعلي عقيدته ولتوماس عقيدته، وعليهما أن يتسامحا مع بعضهما بعضا. ولكن ماذا لو قال قائل: إن النسبية نسبية، فلي أن أقبلها ولي أن أردها، فإن قلنا له: ليس لك أن تردها، ناقضنا النسبية وجعلنا منها توكيدية قطعية، وإن قلنا له: لك أن تردها، هدمنا نظرية النسبية بأكملها.



2. إنّ الحقيقة ليست مصطلحا خاصا يصطلح عليه كلّ قوم كيفما يريدون، وليست فكرة مجردة تأملية يتأمل فيها الفلاسفة كما يشتهون، وليست مفهوما حضاريا تختصّ به أمة معيّنة دون الأمم، إنما هي واقع معين عند البشر قاطبة مهما اختلفوا في التعبير عنه. وهذا الواقع هو كون الحقيقة عند كل البشر مطابقة الحكم أو الفكر للواقع الذي دل عليه. فلو رسمنا شكلا هندسيا له أربع أضلاع متوازية متساوية وأربع زوايا قائمة، وعرضناه على محمد وتوماس للحكم عليه، فإنّ التثبت من حقيقة حكمهما يكون بطريقة واحدة عند البشر قاطبة وهي مطابقة حكمهما بواقع الشكل. فإن قال أحدهما أو كلاهما، إنه مربع قلنا هذه حقيقة، وإن قال أحدهما أو كلاهما، إنه مثلث قلنا ليست هذه الحقيقة؛ لأن الشكل الهندسي المرسوم ليس سطحا يحيط به ثلاثة خطوط. ولو قال علي: فلان بالبيت. وقال جيمي: فلان ليس بالبيت. فإن الحقيقة تكمن في مطابقة حكمهما للواقع. فإن كان فلان بالبيت كان قول علي حقيقة، وإن لم يكن فلان بالبيت كان قول جيمي حقيقة.

هذا هو مفهوم الحقيقة، فهو مطابقة الفكر للواقع الذي دلّ عليه بغض النظر عن طبيعة الفكر نفسه، سواء أكان فكرا محضا أو علميا أو منطقيا أو تشريعيا أو غيره.

أما مسألة مقياس اعتبار الحقائق والتوصل إليها والتفكير فيها، فتضبط بالنظر في مجالات البحث العقلي نفسه. ذلك، أنّ العقل يطلق أحكامه على الأمور والأشياء من حيث وجودها، وماهيتها وصفتها. فإذا كان الحكم العقلي، متعلقا بوجود الشيء فإنه بلا ريب قطعي يقيني، لأنّ الحكم على الوجود جاء عن طريق الإحساس المباشر بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع. وأما إذا كان الحكم متعلقا بماهية الشيء أو صفته، فيكون ظنيا فيه قابلية الخطأ؛ لأنّ الحكم على الماهية أو الصفة، يأتي من طريق المعلومات عن الشيء، أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهي يمكن أن يتسرب إليها الخطأ. لذا كان هذا الحكم عرضة للتفاوت والاختلاف لتفاوت القدرات البشرية في التحليل، وفي كم المعلومات عن الشيء وكيفها.

ومثال ذلك، لو سمعنا حسّ حركة فإننا نحكم قطعا بوجود متحرك، ولكننا لا نستطيع الجزم بماهيته ولا صفته، فقد يكون إنسانا وقد يكون شيئا أخر. وهذا هو مجال النسبية التي يتحدث عنها الغرب.

إلاّ أنّ الإقرار بالنسبية لا يعني عدم وجود حقيقة، لأننا إذا طابقنا الحكم على واقعه تمكنا من إدراك حقيقته. ولو حكمنا على المتحرك – كما في المثال المذكور – بأنه رجل أو حيوان من حركته، ثم طابقنا الحكم على واقعه المحسوس لدينا لأدركنا الحقيقة.

لذلك، فإن وجود النسبية في بعض الأحكام والأفكار لا ينفي وجود الحقيقة المطلقة القطعية التي تلزم العقل بالتسليم بها عن قناعة.



3. إن الغرب متأثر بتاريخ الكنيسة ونزعتها الدغمائية السلطوية، لذلك تبنى فكرة النسبية كنقيض لما كانت عليه الكنيسة، ورأى فيها حلا يضمن حرية التفكير والبحث العقلي، وقاعدة توفر الأجواء النقدية لكل فكرة ورأي. ومن علامات تأثر الغرب بتاريخ صراع مفكريه مع الكنيسة، ربطه بين الحقيقة المطلقة التي تتمثّل في عقيدة وبين الدغمائية التي تعني الارتباط بفكرة ما دون دليل عقلي عليها (2). إذا، فهو ينظر إلى الحقيقة المطلقة أو العقيدة كنظرية مرتبطة بالتسلط وغير عقلية، وبعبارة أخرى فإنها لا تستمد وجودها من براهين عقلية وإنما من سلطة وقوة.

فقد عرف العقيدة بقوله: "هي إيمان ناشئ عن مصدر لا شعوري، يكره الإنسان على التصديق بقضية من القضايا من غير دليل" (3). وبقوله: "العقيدة...بمعناها الواسع، هي قبول غير مصحوب بدليل، وترادف الرأي... وبمعناها الديني، فهي قبول العقل لحقيقة ما (ذات طبيعة فوقية كإله) بدون برهنة عقلية، أو هي يقين غير عقلي ويرادفها الإيمان" (4). وعرّف الإيمان بأنه :" ... من ناحية أخلاقية، اعتقاد عقلي ومع ذلك فلا يمكن البرهنة عليه، يتعلّق بوجود الإله، وخلود الروح والحرية... ومن ناحية دينية، توجه روحي نحو حقيقة موحاة ودغمائية (غير استدلالية وغير قابلة للنظر)" (5).

هذا هو تعريف العقيدة الطاغي على العقل الغربي. والخطأ فيه يبرز فيما يلي:

· لقد ربط العقل الغربي الاعتقاد بمفهوم الإيمان والدين. وهذا خطأ محض؛ لأنّ العقيدة من حيث واقعها عند كلّ البشر هي التصديق الجازم. وقد يكون هذا التصديق مرتبطا بالدين أي بالإيمان بالخالق ويوم البعث وغيره من أفكار الدين، وقد لا يكون كذلك. ففصل الدين عن الحياة، عقيدة الرأسمالية، ولا إله والكون مادة عقيدة الشيوعية، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، عقيدة الإسلام.

· يقول الفيلسوف كارل ياسبرز JASPERS : "إنّ فكرة الإله عندنا في الغرب تنبع من مصدرين تاريخيين هما: الإنجيل والفلسفة اليونانية" (6). مما يعني أن ربط العقل الغربي بين العقيدة والدين يعني الربط بين العقيدة والدين النصراني تحديدا، وهو ما أثر في موضوعية البحث ككل، وأثر تبعا لذلك في مصداقية التعريف الغربي للعقيدة ونظرته إليها كحقيقة مطلقة. فإذا كانت النصرانية دينا يحصر الإيمان في القلب والوجدان، وينفي دور العقل فيه مما جعلها تستخدم سلطة الكنيسة في فرض تعاليمها، ومما جعلها أيضا تنفر من النقد العقلي البناء والمحاورة الفكرية، فإنّ الإسلام كدين يوجب التفكّر ويحضّ على استعمال العقل في قبوله بل يبني عقيدته ككل على العقل، ويعرضها للنقاش والمحاورة متحديا إثبات بطلانها عقلا. يقول دومنيك موران في كتابه (هل الله موجود): "ليس الله نتيجة تفكير أو تجربة في مختبر. فكما يمكننا إثبات وجوده، يمكننا البرهنة على عدم وجوده... (7). ويقول:"إذا تعلق الأمر بوجود الله، فقد أجمع فلاسفة المسيحية وعلماء اللاهوت على أن لفظ الدليل، الذي هو قطعا في عالمنا قد ارتبط بالدقة العلمية، لا يحقق الغرض. لذلك فإنّ الكثيرين، كتوماس الأكويني يحبّذون الكلام عن الطرق إلى الله... (8). ويقول الكاردينال (البابا الحالي) راتزنغر في كتابه (الإيمان المسيحي): "ليس بمستطاع أي أحد أن يبرهن رياضيا على وجود الله، ولا حتى المؤمن نفسه" (9). وعلى النقيض من هذا، نرى الدعوة الإسلامية قائمة على العقل والتفكير، والبرهنة والاستدلال. فعشرات الآيات من القرآن تدعو إلى التفكر والبرهنة والاستدلال، منها: قوله تعالى: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} (الروم 8)، وقوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (البقرة 111)، وقوله تعالى: {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض، أإله مع الله، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل 64).



وعليه، فمن الخطأ أن يحصر العقل الغربي مفهوم العقيدة في إطار الفهم النصراني للدين، أو فهمه هو له، وكأنّ البشر لم تعرف دينا غير النصرانية، أو كأنّ النصرانية تعبر عن كل الأديان، أو كأنّ تجربة العقل الغربي مع الدين تختزل كل تجارب البشرية. فهذه نظرة أحادية من الغرب قاصرة وخاصة فلا تعمم على البشرية، لأنها تعبر عن واقع الإنسان الغربي لا عن واقع الإنسان ككل. وهذا يثبت لنا مرة أخرى أن نظرية المعرفة الغربية بنيت على أسس فكرية واهية، ونزعة أحادية غير موضوعية تجاهلت ما تزعمه من كونية وشمول حينما أعرضت عن رؤية الإسلام للأمور والأشياء واكتفت بقياسها بتجربة ذاتية خاصة.




________________________

(1) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ص352

(2) ينظر: Dictionnaire de Philosophie, Jacqueline Russ, p.77

(3) غوستاف لوبون في الآراء والمعتقدات ص90

(4) Dictionnaire de Philosophie, Jacqueline Russ, p.62

(5) المصدر نفسه ص 111

(6) INTRODUCTION A LA PHILOSOPHIE, p. 39

(7) DIEU EXISTE –T-IL? P. 14

(8) المصدر نفسه ص 15

(9) FOI CHRETIENNE, p. 12


مجلة الزيتونة

http://azeytouna.net/ (http://azeytouna.net/)

فـاروق
04-30-2007, 01:47 PM
جميل جميل....وبلغة مبسطة

بارك الله بك

ذكرتني بكتابات البوطي حول المنطق....

ابو شجاع
05-01-2007, 12:31 PM
جميل جميل....وبلغة مبسطة

بارك الله بك

ذكرتني بكتابات البوطي حول المنطق....


الموضوع للاستاذ ياسين بن علي وهو حامل دعوة من تونس الخضراء ويشرف على موقع مجلة الزيتونة

وان تتبعت جميع مواضيعه اخي فاروق في الفكر او العقائد او الفقه ستجده يكتب بصورة مبسطة كما تفضلت يستطيع من خلالها الدراويش امثالي ان يفهموا الكلام الكبير :)

اما الدكتور البوطي فهو قلم مبدع بحق لا انفك عن قرائة ما تقع عليه يداي من مقالات وكتب له

رغم ان لي موقفا سيئا جدا تجاهه

وهاهو موقع مجلة الزيتونة مرة اخرى

http://azeytouna.net (http://azeytouna.net/)