لماذا جنين؟

إبراهيم أبو الهيجاء / مدير مركز القدس للدراسات والبحوث

جنين ومخيمها، حالة متمردة متميزة في وجه كل شيء، والاحتلال تحديدا ً... وقد شكلت قبل خمس سنوات حالة تحدي في وجه خنجر الجدار الإسرائيلي، الذي توقف عشرة أيام صاغرا قبالة مقاومة متواضعة، ولم يكن لجيشها، الذي قتل منه خمس وعشرون جنديا، من مفر سوى الاستعانة بطائرات الاف ،وسحق ألف بيت في مخيم صغير، لا يتجاوز حجمه الكيلو متر مربع، ولا يعيش بين أنقاضه سوى عشرة آلاف فلسطيني. ورغم ذلك، قاوم المخيم ببسالة، كانت نموذجا فلسطينيا، لازال صداه يتردد في التاريخ المعاصر ....

أمس كان المشهد في جنين دمويا، فقد اغتالت إسرائيل ستة مقاومين وطفلة بدم بارد، وبالمناسبة، جنين لا يمر شهر واحد، إلا وفيها حالة اغتيال ... أما الاقتحامات، فحدث ولا حرج، فهي شبه يومية ... أما الحواجز، فمن يأتي إلى جنين يدرك، الفرق بين وجوده في الوسط والجنوب الفلسطيني قياسا بالشمال، حيث إن أكثر من 50% من الحواجز الإسرائيلية متركز فيها ... أما المعتقلون منها، فهم يشكلون النسبة الأكبر، حيث بلغ عددهم 1500 أسيرا ...

بسبب كل ذلك وليس العكس، كما تروج مراكز الأبحاث المأجورة، تعد جنين حسب السلم الاقتصادي الفلسطيني، الأفقر ... هذه المكونات هي ما يميز جنين، صحيح أن التصعيد الإسرائيلي مرتبط بخطة اولمرت، الهروب إلى الأمام، من خلال دفع الضغط الدولي والمأزق الإسرائيلي الداخلي المتعدد الجوانب، وتصديره إلى الفلسطينيين, وفتح النار بهذه الكثافة على المقاومين في جنين، حيث لا تكتفي باعتقالهم أو جرحهم، ولكنها تتعمد تصفيتهم مع سبق الإصرار والترصد...

والسبب الخفي الذي لا تقوله إسرائيل، وراء هذه الهمجية على جنين القسام، متعلق بتلك الذكريات، التي هزم فيها الدم الجنيني آلة الحرب الصهيونية من جهة، هناك كان الجنود يتوسلون للمقاومين، أن يسمحوا لهم بإخراج جثث قتلاهم أو منحهم هدنة قصيرة ... أما السبب الأهم، فهو حالة المقاومة التي تواجه بها قوات الاحتلال المقتحمة، كلما تدخل مدينة ومخيم جنين، حيث لازالت الكمائن تنصب والقنابل تلقى والرصاص يجلجل ...

هذه الحالة نادرة من حيث استمرارها في مدن الضفة الغربية، وهذا ما يزعج إسرائيل وساساتها كثيرا، حيث حاولت إسرائيل خلال الشهر الماضي، اقتحام مخيم جنين عدة مرات، ولكنها فشلت مرارا في التقدم نحو المواقع الحساسة والضيقة، لذا فإن حساب إسرائيل، برأيي، مع جنين مستمر، معها ومع كل مخيم وقرية ومدينة، والسؤال المهم هنا الذي يطرحه الجميع على حكومة الوحدة .. لقد أوضحتم لنا خطتكم الأمنية النظرية، فما هي الخطة الدفاعية قبالة العدوان الصهيوني؟
والسؤال الثاني للرئيس الفلسطيني .. ما هي الفائدة المتحصل عليها من لقاءات عبثية مع من يعطي الأوامر بسفك الدم الفلسطيني؟ ..والإجابات مهمة في فهم مدى الصبر، الذي يمكن أن يحتمله الشعب، وتحتمله المقاومة في كظم الغيظ وعض الأصابع.