تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الوجود القانوني للإخوان المسلمين..دراسة تاريخية قانونية



مقاوم
04-16-2007, 08:25 AM
الوجود القانوني للإخوان المسلمين..



دراسةتاريخية قانونية


تتعرض جماعة الإخوان المسلمين على فتراتٍ متقاربة لحملاتٍظالمةٍ لتشويه صورتها ومحاولة صرف الناس عنها لدرجة أن ينفي فريقٌ من هؤلاء وجودَهافيقول حين يُسأل عنها نافيًا وجودها "مفيش حاجة اسمها إخوان مسلمين"، وهو في هذايناقض نفسه حين يتهمها مرةً بأنها أساسُ الإرهاب، ومرةً أخرى يقول إنها تيارٌسلميٌّ يعمل بالطرق السلمية.
فإن كانت جماعة الإخوان غير موجودة فكيف تُوصف بتلك الأوصاف،وهذا الفريق لا يستحق الرد عليه فهو كمن ينكر وجود الشمس وقت الظهيرة.


قد تنكر العين ضوءَ الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماءمن سقم

وهناك فريقٌ آخر لا ينكر الوجود الفعلي، ولكنه يُنكر الوجودالشرعي للإخوان، وهذه المشروعية حقيقةً لا تنكر، ويتراوح ردُّ الإخوان على هؤلاءمستندين إما للمفهوم الإسلامي للمشروعية أو للمفهوم السياسي لها، ويبينون منخلالهما مدى ما تتمتع به جماعة الإخوان من مشروعية.
أما عن الوجود الشرعي للإخوان بالمفهوم القانوني- أي وجودالإخوان كجماعة معترف بها قانونًا- فلا يتحدث عنه إلا القليل، وهو موضوع دراستناتلك التي نحاول فيها من خلال الدراسة التاريخية والقانونية الإجابة على سؤال (هلالإخوان موجودة قانونًا أم أنها جماعة محظورة أو تم حلها وفقًاللقانون(.



لمحة تاريخية

الجمعية بمعناها العام هي اتفاقٌ بين شخصين أو أكثر للتعاونعلى تحقيقِ غرضٍ ما، ولما كان هذا التعريف من العموم بحيث يشمل الشركات والجمعياتوُضِع الربح كضابطٍ يُفرِّق بين الجمعيات والشركات، فإذا كان الغرضُ الأساسي مناتفاق الأشخاص هو تحقيق الربح المادي فنحن بصدد شركة، أما إن كان الغرض الأساسي أيشيءٍ غير الربح المادي فهي جمعية، وإن تحقق بعض الربح المادي عند ممارسة الجمعيةلأنشطتها، وعلى ذلك فإن الجمعية بمعناها الفني لا تكون إلا عندما لا يكون الغرضالأساسي منها الربح المادي.
وقبل صدور قوانين تُنظِّم عمل الجمعيات ترددت المحاكم فيمواقفها من الجمعيات ذات النفع العام، فبعض الأحكام اعترفت لها بالشخصية المعنوية،وبعضها لم يعترف بالشخصية المعنوية، ولكنها في كل الأحوال كانت تعترف بوجودِ هذهالجمعية، وغاية الأمر أنه لا يُعترف لها بحقوقٍ ولا التزاماتٍ تجاه الغير أو أنيتصرف باسمها ممثلٌ عنها، ولكنها كانت تعترف بالشخصية المعنوية لشركاتِ الأموالفقط، وفي 27 يناير عام 1925م قضت محكمة الموسكي بأن الجمعيات ليس لها مبدئيًّاوجودٌ قانوني؛ لأن الأصلَ هو أن الأشخاص الحقيقيين هم الذين يكونون أصحاب حقوق،فالجمعيات التي هي هيئات غير حقيقية أي غير مادية لا يكون لها وجود قانوني إلا إذاكان القانون قد منحها الشخصية الاعتبارية(1).
وكانت تلك القضية قد نُظرت أمام القضاء عندما استأجر الناديالسعدي "حزب الوفد" مبنًى من وزارة المالية وهو في الحكم، وقام بتوقيع العقد نيابةًعن الحزب فتح الله بركات باشا ولما تغيَّرت الحكومة أرسل وزير المالية الجديدخطابًا للحزب يعتبر فيه العقد لاغيًّا، وأصدر أمره بالاستيلاء عليه، وقد استأنف فتحالله بركات باشا الحكم بصفته وكيلاً للحزب وأمينًا لصندوقه، فقضت محكمة مصرالابتدائية في 25 مايو 1925م بإلغاء الحكم السابق واستندت في ذلك إلى أن الناديالسعدي في تكوينٍ يجعله في عدادِ الجمعيات التي لا تسعى للربح، وأن الدستور المصريفي مادة 21 يقرر حق المصريين في تكوين الجمعيات وفقًا للقانون إلا أنه لم يصدرقانون يُنظِّم عمل الجمعيات ويُبيِّن كيفية استعمال هذا الحق فيجب الاعتراف لتلكالجمعيات بالشخصية المعنوية التي لا غنى عنها للقيام بأعمالها الضرورية لكيانها مادامت قد تكوَّنت لغرضٍ مباحٍ وبنظامٍ يجعل لها ذاتية مستقلة عن ذاتية الأعضاءالمكونين لها(2).



تأسيس الإخوان المسلمين

وفي ظل الأوضاع السالف ذكرها تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مارسعام 1928م وعملت حتى مايو 1929م كجمعيةٍ غير مُسجَّلة رسميًّا، ولما احتاجت الجمعيةلإنشاء مقر لها ومسجد ومدرسة لتمارس أنشطتها تمَّ تسجيل الجمعية في سجلات وزارةالداخلية؛ حيث كانت وزارة الداخلية هي الجهة المنوطة بها عمل الجمعيات؛ وذلك قبلإنشاء وزارة الشئون الاجتماعية.
وكانت الجمعيات تميز نفسها عن الأحزاب بأن تذكر في قوانينهاالداخلية أنها لا علاقةَ لها بالعمل السياسي، وعلى ذلك عندما صدر أول قانونٍ للإخوان عام 1930م نص فيه أن الجمعية لا تعمل بالسياسة، ولما عُدِّل في عام 1932منص على نفس الأمر، وكان المقصود هو السياسة الحزبية أو بمعنى أوضح أنها ليست حزبًامن الأحزاب السياسية.
وقد وضح ذلك جليًّا في موقفٍ لوزارة الداخلية من جمعيةالشبان المسلمين التي نشطت مع الإخوان في بداية ثلاثينيات القرن الماضي في مساعدةالفلسطينيين في محنتهم، فقد تقدَّمت جمعية الشبان المسلمين لوزارة الداخلية لعملبعض أنشطتها الخيرية، وكان في لجنة وزارة الداخلية التي تنظر في هذه الأمور عضويهودي يُدعى هنري نوسي، وكان يشرف على جمعية الإسعاف وفروعها ويمثلها وأمثالها فياللجنة، واعترض ذلك العضو على هذا النشاط الخيري بزعم أن جمعية الشبان المسلمين لهاأنشطة سياسية، واستدل على ذلك بتعرض الجمعية في جريدتها لشئون السياسية والحكم فيمصر وأمثالها، وأبرز عددًا من جمعية الشبان المسلمين يثبت فيه ما يقول، وقد تابعذلك العضو بعض الأعضاء المصريين، ولكن الدكتور عبد الحميد سعيد- رئيس جمعية الشبانالمسلمين- تصدَّى لهم وأوضح لهم أن السياسةَ التي يجب على المسلم الابتعاد عنهاويجب على الجمعية الإسلامية أن لا تخوض فيها هي السياسة الحزبية، وأن الإسلام لايعرف التفريق بين الدين والسياسة(3).
ويبدو أن تلك الحوادث وهذا الفهم هو الذي دفع الإمام البناعند إصدار قانون الإخوان في عام 1935م إلى استبعاد النص مع القانون على عدم العملبالسياسة من قانون الجمعية ولائحتها الداخلية، وهو ما استمرَّ الإخوان على العمل بهبعد ذلك.



تنظيم القانونللجمعيات

كان أول قانون يصدر وينظم حق تكوين الجمعيات هو القانون رقم 27 والصادر في 5 يوليو 1923م، وكان القانون خاص بشركات التعاون الزراعي والذي عدلبعد ذلك بقوانين أخرى، وهو خارج نطاق البحث.
أما أول قانون أثَّر على أنشطة الجمعيات فكان المرسوم بقانونرقم 17 والصادر في 8 مارس عام 1938م، والذي حل جمعيات القمصان الزرقاء التي كوَّنهاحزب الوفد اقتداءً بالنازيين في ألمانيا لتأديب خصومه السياسيين، وكان يشرف عليهاالنقراشي باشا، وكذلك القمصان الخضراء التابعة لحزب (مصر الفتاة)، وقد قضت المادةالأولى من المرسوم حظر الجمعيات أو الجماعات دائمة كانت أو مؤقتة والتي يكون لها- سواء من حيث تأليفها أو عملها أو من حيث تدريب أعضائها أو نظامهم أو زيهم أوتجهيزهم- صورة التشكيلات شبه العسكرية خدمةً لحزب أو مذهب سياسي معين.
وفي المذكرة التفسيرية للمرسوم صرَّحت بأنه لا يندرج تحت هذاالوصف الجمعيات الرياضية وجمعيات التربية البدنية وهيئات الكشافة بالرغم من ارتداءأعضائها لزي خاص أو حملهم لشعار معين(4)، وبناءً على ذلكالمرسوم بقانون حلت جماعات القمصان الزرقاء والخضراء ولم يتم حل جوالة الإخوانالمسلمين لانضواء أنشطتها تحت لواء جمعية الكشافة وليس لسببٍ آخر كما ادَّعى البعضدون بينة، ولم تتأثر جماعة الإخوان المسلمين بذلك القانون.
وبعد إنشاء وزارة الشئون الاجتماعية عام 1939م في وزارة عليماهر أصبح الجزء الخيري من نشاط تلك الجمعيات يخضع للوزارة، وفي نهاية عهد وزارةالوفد التي أتى بها الإنجليز في 4 فبراير 1942م، وتحديدًا في عام 1944م فكَّرت تلكالوزارة في إصدار قانونٍ للجمعيات لتحد من نشاط الإخوان المسلمين غير أنَّ الوقت لميسمح لها بإصدار ذلك القانون لإقالتها، وبعد استقرار الأمر للنقراشي بعد مقتل أحمدماهر أصدرت حكومة النقراشي في 12 يوليو عام 1945م القانون رقم 49 لسنة 1945م لتنظيمعمل البر بالجمعيات الخيرية، وقررت المادة الأولى من القانون "تعد جمعية خيرية كلجماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرضٍ من أغراض البر سواء أكان ذلك عن طريقالمعاونة المادية أم المعنوية، وتعد مؤسسةً اجتماعيةً كل مؤسسة تنشأ بمالٍ يُجمعكله أو بعضه من الجمهور لمدةٍ معينة وغير معينة سواء أكانت هذه المؤسسة تقوم بأداءخدمة إنسانية دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أو زراعية... أم بأي غرضٍ آخر منأغراض البر أو النفع العام.
وقد أعطى القانون للجمعيات القائمة مهلة ثلاثة أشهر لتوفيقأوضاعها وفقًا للقانون وإلا جاز لوزير الشئون الاجتماعية طلب حلها.
ولما كانت بعض أنشطة الإخوان تخضع لذلك القانون، كما أن بعضجمعيات الإخوان كانت تتلقى المساعدات من وزارة الشئون الاجتماعية، فقد دعا الإمامالبنا لجمعيةٍ عموميةٍ لهيئة الإخوان المسلمين وأصدروا قانونًا جديدًا للنظامالأساسي للإخوان المسلمين في 8 سبتمبر 1945م تمَّ فيه تعريف الإخوان المسلمين ولأولمرةٍ في قانونهم بأنهم هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق أغراضٍ علميةٍ وعمليةٍواقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وخيريةٍ، وكذلك أغراض قومية وإنسانية عالمية.

وحدد أهداف وأغراض الجماعة فكانت كالتالي(5):
أ- الغرض العلمي:وهو شرح دعوةالقرآن الكريم شرحًا دقيقًا يوضحها ويردها إلى فطريتها وشمولها ويعرضها عرضًا يوافقرُوح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات.
ب- الغرض العملي:وهو جمع الأمةالمصرية والأمم الإسلامية على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم البالغ فينفوس أبنائها حتى تكون أمة قرآنية حقًّا، وتقريب وجهات النظر بين الفِرق الإسلاميةالمختلفة.
ج- الغرض الاقتصادي:وهو تنميةالثروة القومية وحمايتها وتحريرها والعمل على رفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالةالاجتماعية بين الأفراد والطبقات والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، وضمان تكافؤ الفرصللجميع.
د- الغرض الاجتماعي الخيري:وهوالمساهمة في الخدمة الاجتماعية الشعبية ومكافحة الجهل والمرض، والفقر والرذيلة،وتشجيع أعمال البر والخير النافعة.
هـ- والغرض الوطني القومي:وهوالعمل على تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعًا والوطن الإسلامي بكل أجزائه منكل سلطانٍ أجنبي ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان على الوصول إلى حقِّهاوتأييد الوحدة العربية تأييدًا كاملاً، والسير إلى الجامعة الإسلامية سيرًا حثيثًا،ومناصرة التعاون العالمي مناصرةً صادقةً في ظل مثُل عُلُِّيا فاضلة تصون الحريات،وتحفظ الحقوق ويأخذ معها القوي بيد الضعيف حتى ينهض، وإقامة الدولة الصالحة التيتُنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليًّا وتحرسها في الداخل وتبلغها فيالخارج.
و- الغرض الإنساني العالمي:وهوالمشاركة في بناء السلام العالمي والحضارة الإنسانية على أساسٍ جديدٍ من تآزرالمادة والروح، بتقديم مبادئ الإسلام العالمية التي تعلن الأخوة وترسم الطريقالعملي للوصول إليها للعالم المتعطش إلى حياةٍ رُوحيةٍ فاضلة.

وقد حدث خلافٌ بين الحكومة والإخوان فأغراض الإخوان أكثربكثير من المسموح به في قانون الجمعيات، ورأت الوزارة أن تستفتي قلم قضايا الحكومةفي صفة الإخوان المسلمين القانونية وتكييف شخصيتهم المعنوية، فقرر قلم الحكومة فيفتواه أن الإخوان المسلمين هيئة دينية اجتماعية سياسية، وأن قانون الجمعيات الخيريةلا ينطبق عليها لأنه لا ينظم إلا نشاطًا واحدًا من أنشطة الإخوان، وهو البر والخدمةالاجتماعية، وبناءً على ذلك نظَّم الإخوان نشاطهم في البر والخدمة الاجتماعية طبقًالأحكام القانون، وسجلوا قسم البر والخدمة الاجتماعية كجمعيةٍ مستقلةٍ إداريًّا عنالإخوان المسلمين وأصبحت فروع ذلك القسم فروع للجمعية، كما سجلوا فرق كشافتهموجوالتهم بجمعيةِ الكشافة الأهلية وطبقًا لأحكام قانونها وكذلك سجلوا شركةالمعاملات الإسلامية في المحكمة المختصة وفي حدود قانون الشركات.
فأصبح للجماعة أربع كيانات قانونية:
الأول هو النشاط السياسيوالدعوي وهو من الناحية القانونية يعتبر حزبًا من الأحزاب الموجودة، وتحكم مشروعيةوجوده القانوني المادة (21) من دستور 1923م،
كما كان هناك جمعية خيرية تخضع للقانون 49 لسنة 1945م
ونشاط الكشافة، وهو مُسجَّلٌ في الجمعية الأهلية للكشافة
ونشاطاقتصادي يتمثل في شركة المعاملات الإسلامية وتخضع لقانون الشركات ومسجلة في المحكمةالمختصة بذلك(6).

وكانت تلك الكيانات الأربعة مستقلة عن بعضها من الناحيةالقانونية والإدارية إلا أن الرابط بينها هو الرابط الحقيقي بين الإخوان المسلمينعلى مرِّ الزمن؛ وهو وحدة الهدف والدعوة والعمل للإسلام والحب في الله، كما رسختالتربية التي يتلقاها الإخوان الأخوة الصادقة بين جميع أفرادهم، فكان الإخوانيشعرون بالتكامل بين تلك الكيانات لا التناقض؛ لذلك لم يظهر أي نوعٍ من التفكك فيصفوف الإخوان رغم تعدد الكيانات القانونية، وكان المرشد على رأس الكيان الأول لأنالحركة من خلاله كانت هي الأوسع والأرحب ولم يشذ أي فرد من أفراد الإخوان من قادةالكيانات الأخرى عن الخط العام للجماعة.



صدور القانوني المدني

ثم صدر القانون المدني في 16يوليو 1948م- والذي لم يوضع موضعالتنفيذ إلا في 15 أكتوبر 1949م- والقانون المدني هو القانون العام للجمعيات والذييجب الرجوع إليه والتقيد بأحكامه إلا إذا كان هناك قانونٌ أولى بالتطبيق سواء كانهذا القانون سابقًا عليه أو لاحقًا له ويؤيد ذلك ما نصت عليه المادة 80 من القانونالمدني "على أن الجمعيات الخيرية والتعاونية والمؤسسات الاجتماعية والنقابات ينظمهاالقانون، والأمر الثاني والذي يؤيد هذا النظر ما أورده المشرع في مذكرته الإيضاحيةبأن القانون اقتصر على إيراد قواعد عامة ترسم للجمعيات والمؤسسات الحدود التي ينطلقفيها نشاطها لتحقيق أغراضها غير أن هذا لا يعني أن القواعد المتقدم ذكرها تستنفذنظام الجمعيات بأسره، أو تعتبر دستورًا جامعًا مانعًا، فللدولة توخيًا لحمايةالسلام الاجتماعي من شوكة بعض الجمعيات أو رعاية لأغراض اقتصادية أن تنظم وجودالجمعيات بصورة أكثر تفصيلاً، وأن تحد من الأهلية التي يخولها إياها هذا المشروع،وهذا يكون بمقتضى تشريعات خاصة لها صبغتها الإدارية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والقانون رقم 49 لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعيةليس المآل الوحيد الذي يمكن أن يساق في هذا الصدد(7)، وعلىذلك لم يُنشئ القانونُ المدني أحكامًا تؤثر على الشخصية المعنوية للجمعيات الموجودةقبل صدور القانون.

مقاوم
04-16-2007, 08:26 AM
الحل الأول للإخوان

في 8 ديسمبر عام 1948م وبناءً على تعليمات سفراء إنجلتراوأمريكا وفرنسا أصدر النقراشي القرار العسكري رقم 63 لسنة 1948م بحل جماعة الإخوانالمسلمين ومصادرة أموالها، واستند في إصدار هذا الأمر إلى البند الثامن من المادةالثالثة من القانون 15 لسنة 1923م الخاص بالأحكام العرفية، وقد تجاوز في هذا الأمرالصلاحيات الممنوحة له بموجب ذلك القانون، والذي لا يتحدث إلا عن فض الاجتماعات أومنع حدوثها ولو بالقوة، ولكنه لا يشمل حل الجمعيات وإنهاء وجودها القانوني أومصادرة أموالها، ويعد إصدار النقراشي هذا القرار تجاوزًا للسلطة المخولة له واعتداءً على القانون والدستور قبل أن يكون اعتداءً على هيئة الإخوان المسلمين، ولميكن ذلك كله إلا تنفيذًا لرغبات الدول الأجنبية وخضوعًا للاحتلال.

وقام الدكتور عبد الكريم محمد منصور وزكريا عبد الرحمنباعتبارهما أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين برفع دعوى رقم 176 لسنة 3 قضاء إداريوتم إيداع صحيفة الدعوة في 3 يناير 1949م وطالبا فيها بوقف تنفيذ الأمر العسكري،وقد انضم إليهما الإمام الشهيد في جلسة 11 يناير 1949م وطلب من المحكمة اعتبارهخصمًا ثالثًا باعتباره رئيس الهيئة، ولكن محامي الحكومة دفع بعدم قبول الدعوى لأنالمدعيين ليست لهما صفة التقاضي عن الهيئة؛ لأن هذه الصفة لا تثبت إلا لرئيسالهيئة أو سكرتيرها العام، وأن رئيس الهيئة "الإمام البنا" لا يجوز قبول طلبه؛ لأنطلبه استند إلى دعوى غير مقبولة.

وللاحتياط أقام الإمام البنا وسكرتير الجماعة عبد الحكيمعابدين دعوى أخرى في 13 يناير 1949م، وهي الدعوى 190 لسنة 3 قضاء إداري، وقد طالبافيها بوقف تنفيذ القرار العسكري رقم 63 لسنة 1948م والأوامر المترتبة عليه؛ وذلكعلى سبيل الاستعجال، أما في الموضوع فالحكم بإلغاء تلك الأوامر، واستمر الأمريتداول في القضاء الإداري، وبعد سقوط حكومة الأحرار الدستوريين ومتاجرة الوفد بقضيةالإخوان وما قامت به حكومة السعديين تجاههم من اعتقالاتٍ وتعذيب، فاز الوفدبالانتخابات البرلمانية بمساعدة الإخوان فقامت حكومة الوفد بالإفراج عن المعتقلين،ولكنها أرادت إعدام الجماعة باعتبارها هيئة إسلامية جامعة وجعلها جمعية خيريةكغيرها من الجمعيات فأصدرت حكومة الوفد القرار بقانون رقم 50 لسنة 1950م الذي مدَّالعمل بالأحكام العرفية لمدة عام أو للمدة التي تنتهي فيها الحكومة من إصدار قانونالجمعيات؛ لأن إلغاء الأحكام العرفية كان يعني سقوط القرار بحل الإخوان والصادر منالحاكم العسكري مستندًا فيه لتطبيق الأحكام العرفية، كما حاول فؤاد سراج الدين بيعالمركز العام في المزاد العلني وحوَّله إلى قسم شرطة الدرب الأحمر، ثم أصدرت حكومةالوفد بعد ذلك قانون الجمعيات في 26 أبريل من عام 1951م وهو القانون 66 لعام 1951مبشأن الجمعيات ذات الأغراض الاجتماعية والدينية والأدبية، وكان الغرض من هذاالقانون تحويل الإخوان إلى جماعةٍ دينيةٍ بعيدة عن السياسة إلا أن قرار محكمةالقضاء الإداري الصادر في 17 سبتمبر 1951م لم يُمكِّن حكومة الوفد من تنفيذ مخططهاإذ قرر أن جمعية الإخوان المسلمين تكوَّنت في ظل الحق الأصيل في تكوين الجمعياتالذي أعلنه دستور 1923م وقرر قيامه، فاكتسبت صفتها القانونية كما تمتعت بشخصيتهاالمعنوية من تكوينها وفق المبادئ المقررة من إسناد هذه الشخصية إلى كل هيئة استوفتعناصرها وتوافرت لها مقوماتها من إرادة خاصة ونظام تبرز به هذه الإرادةوتظهر.

وجاء الحكم في الموضوع في القضية 190 لسنة 3 قضاء إداريليؤكد الحكم السابق ويؤكد أن الإخوان هيئة إسلامية جامعة، وأن الإخوان وفَّقواأوضاعهم وفقًا للقوانين المعمول بها، ومما يجدر الإشارة إليه أن الحكم اعتبر أنجماعة الإخوان المسلمين تستند في وجودها إلى ما تستند إليه الأحزاب السياسية وهوالمادة 21 من دستور 1923م.



الحل الثاني للجماعة

ولما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار تنظيم الأحزاب وطالب بأنتطهر الأحزاب نفسها، تقدم الإخوان لتسجيل الجماعة كحزبٍ سياسي ولكن تم سحب هذاالطلب بناءً على نصيحة جمال عبد الناصر ثم ما لبس أن تكشف الأمر وصدر المرسومبقانون رقم 37 لسنة 1953م بحل الأحزاب السياسية القائمة وقت صدوره وحصرها بالاسمدون أن يتضمن المرسوم اسم الإخوان المسلمين، وعلى ذلك فقد اعتبر هذا المرسومالإخوان جمعية وليست حزبًا، واستمرت الجماعة في مزاولة كافة أنشطتها في مجال العملالعام كسابقِ عهدها، باعتبارها هيئةً إسلاميةً جامعةً تعمل بالسياسة والدعوةالدينية والأمور الاجتماعية، وعندما أراد مجلس قيادة الثورة حل الإخوان في يناير 1954م لم يُبد أسبابًا إلا إلحاق الإخوان بالأحزاب واعتبارها حزبًا سياسيًّا يطبقعليه المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953م بحل الأحزاب السياسية وأيًّا كان الرأي حولصدور أمر الإلحاق من مجلس الوزراء واغتصابه سلطة رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيبفإن الدولة بكافة مؤسساتها اعترفت ثانيةً بالإخوان بعد أحداث مارس 1954م وسمحت لهمبإصدار جريدتهم وأعادت للجماعة دارهم وممتلكاتهم وأموالهم، وقام مجلس قيادة الثورةبزيارة المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي إلا أنه لم يصدر قرارًا بإلغاء القرارالسابق وبعد تمثيلية المنشية اتخذت الحكومة كافة الإجراءات التي اتخذتها ضد الإخوانولم تصدر قرارًا جديدًا بحل الإخوان، واستمرت في منع الإخوان ومحاكمتهم بالقوةالجبرية دون سند من قانون والذي لا زالت الدولة تمارسه حتى الآن.

واستمرت الدولة من عام 1954م حتى 1977م تقوم على أساسالتنظيم الواحد والحزب الواحد حتى صدر القانون 40 لسنة 1977م بتنظيم الأحزابالسياسية، وهذا القانون رغم معارضة الكثيرين له في بداية صدوره لما تضمَّن من قيودٍإلا أنه كان أفضل حالاً مما أصبح عليه بعد إدخال التعديلات عليه، وفي تلك الفترةكان الوضع السياسي والقانوني يمكن أن يسمح بقيام حزب للإخوان وجمعية فقانون الأحزابكان يعطي الحق لمَن رفضت لجنة الأحزاب قيام حزبه بأن يطعن على ذلك القرار في محكمةالقضاء الإداري ثم الإدارية العليا، وقد استفاد حزب الوفد عند تأسيسه من هذه الميزةوالتي أُلغيت في أول تعديل لقانون الأحزاب.
وسار قانون الأحزاب من سيئ إلى أسوأ، وكل تعديل جديد لهذاالقانون كان إلى الأسوأ وللتضييق على الأحزاب في ممارسة أنشطتها.
وقد قام الإخوان برفع الدعوى 133 لسنة 32 قضاء إداري، وكانرافعو الدعوة كلاًّ من المرشدَيْن عمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر والدكتورتوفيق الشاوي، وطالبوا بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحل الإخوان، واستمرت الدعوىفي التداول حتى عام 1992م حين قضت محكمة القضاء الإداري في 6/2/1992م بعدم قبولالدعوى لعدم وجود قرار إداري بحل الإخوان، وقررت في حيثيات حكمها:
" أنه من حيث المستقر عليه فقهًا وقضاءً أنه يشترط لقبول دعوىالإلغاء أن يكون هناك قرارٌ إداري سواء أكان هذا القرار إيجابيًّا أو سلبيًّا فإذاانتفى مثل هذا القرار تعيَّن الحكم بعدم قبول الدعوى وإذا ثبت مما سلف ذكره أن ليسهناك قرارٌ سلبيٌّ يمنع جماعة الإخوان من مباشرة نشاطها، فمن ثم يتعين والحالة هذهالقضاء بعدم قبول هذا الطلب لانتفاء القرار الإداري".
وبناءً على ذلك الحكم فإن القضاءَ الإداري يقر بأنه ليس هناكقرارٌ يمنع الإخوان من ممارسة أنشطتهم ورغم ذلك قام الإخوان برفع دعوى استئناف لذلكالحكم ولم يحكم فيها إلى يومنا هذا، وهو حكمٌ يحتاج إلى قرار سياسي أكثر منه إجراءقانوني.


-----------------

(1) قلم محكمة الموسكي الجزئية سنة 1945م- مجلة المحاماة- السنة الخامسة- صـ356 وما بعدها- رقم 305.
(2) المحاماة صـ705 ومابعدها.
(3) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية- السنة الثالثة- العدد 71- 21شوال 1364هـ/ 27سبتمبر 1945م، مقال للشيخ محب الدينالخطيب.
(4) مجلة الحقوق- كلية الحقوق جامعةالإسكندرية- السنة الخامسة- العدد الأول والثاني- بحث مقارن للدكتور سعد عصفور- مارس 1951م.
(5) قانون الإخوان المسلمين الصادر في 8سبتمبر 1945م.
(6) جريدة الإخوان المسلمين اليومية- السنةالأولى- العدد 50 - صـ4- شعبان 1365هـ / 1يوليو 1946م، مقال بعنوان: "نحن".
(7) سعد عصفور- المحاماة- السنة الخامسة- العدد الأول والثاني- صـ107.