مقاوم
04-14-2007, 07:10 AM
زمن دجل الديجتل!
بقلم أسامة شحادة
كثيراً ما استوقفتني سيارات فارهة فيها رجال ونساء من الطبقات المخملية، تسأل عن جارنا "الشيخ .."، الذي ذاع صيته بين هذه الطبقات، بأنه بارع وذو مقدرة قوية على معالجة المشاكل وحل العقد، كما أنه مطلع على الطب الشعب،ي وفوق هذا "حجابه" نافع!!
ومن طريف ما حصل لي بسبب هذا "الشيخ المزعوم"، أن أحد الأصدقاء ممن يحمل درجة الماجستير في الهندسة اتصل بي يسأل عن منزل "الشيخ .."، لأنه بجواري، فأبيت أن أرشده عليه كما أفعل دوماً، ونصحته بتركه فلم ينتصح! وذلك لأن عمته أكدت عليه أن يذهب إليه، وحتى يطمئن صديقي سأل "الشيخ المزعوم" هل تكتب الحجب أو لك علاقة بالدجالين؟ فأجابه "الشيخ المزعوم" بكل ثقة: كلا!!
وبعد أسبوعين، قابلت صديقي، فقال لقد تبين لي أن "الشيخ.." دجال، فقد ذهبت عمتي عنده لوحدها، فأعطاها حجاباً! ويكمل صديقي أنه تبين له فيما بعد أن والده وعمه ووالدته سبق لهم التعامل مع هذا الدجال، وفي إحدى المرات كان الهدف هو إعطاء والده دواء يتيح له الاختفاء عن أنظار الناس!!! لكن لم ينفع الدواء.
ومن هؤلاء المشعوذين من أصبح يتقمص دور رجال الأعمال، فترى الإعلانات التي تحتل نصف صفحة أحياناً، أن "الشيخ ..." قد عاد إلى الوطن بعد جولة في الخليج والمغرب و.... وقائمة بعدة هواتف، ولا تعرف بالضبط ماذا كان يصنع هناك أو هنا؟؟
وآخر، حين ترى شاحنات المياه المعبأة تقف بباب مزرعته، تظن أنه يعمل في قطاع تجارة الجملة، لكن سرعان ما تدرك أن هذه الكميات الضخمة يشتريها "المغفلون"، الذين يأتون من بلاد كثيرة، وذلك أن هذا "..." يقرأ القرآن على حمولة الشاحنة مرة واحدة!! وهو يبيع كل "مغفل" كرتون بسعر باهظ!!
وهذا كله من الشرك الواضح والبين لمن كان عنده أدنى علاقة بالقرآن الكريم، الذي يصرح بكل وضوح أن علم الغيب والنفع والضر بيده سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب"، وقوله: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا"، وقوله: "قل لا يعلم الغيب إلا الله"، وقوله: "قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً".
كما أن هؤلاء الدجاجلة لا ترى في سلوكهم وحياتهم أثرا للتدين، فلا هم من رواد المساجد ولا أبناؤهم وبناتهم وزوجاتهم ممن تظهر عليهم معالم الخير والإيمان، ولا يعرفهم الصالحون من أهل الحي، كإمام المسجد أو طلبة الشريعة المجاورون لهم؟؟؟؟
وهذه الصور البسيطة من الدجل والشعوذة قد تطورت في عصر "الديجتل"، فأصبحت ترى اليوم قنوات فضائية مخصصة لأمثال هذا المشعوذ، لكنه يلبس بدلة وكرافته، ويسخر وسائل "الميديا" لترويج شعوذته ودجله، وتنهال عليه الاتصالات من غالب الدول العربية، وهم يطلبون منه بكل وضوح أن يرزقهم الولد أو يشفي لهم مريض أو يدلهم على مفقود، وهذا من الشرك بالله، واتخاذ غير الله رباً ورازقاً، والأعجب من ذلك ادعاؤه معرفة مشكلة المتصل قبل أن يتكلم، فيبدأ في ذكر الأعراض التي يعانى منها!!!
ومثل هذه القنوات "الشعوذية"، برامج الحظ والأبراج، التي أصبحت تحظى برواج، مما جعل القنوات تتسابق على أي دجال أو دجالة، ليقدم برامج الحظ عبر الاتصالات والرسائل، مما يعود بالمال الحرام على أصحاب القنوات .
وهذا الدجل الديجتل يمتد ليصل عالم السينما، فأصبحت أفلام السحر، وخاصة "هارى بوتر" من أكثر الأفلام رواجاً!! كما أن برامج السحر والسحرة، أصبحت مما تتنافس فيه الفضائيات والمهرجانات.
أما الكتب، فمن يدقق في الكتب المعروضة في المكتبات الكبرى، يجد أن روايات السحر والتنجيم تأخذ حيزاً كبيراً، وقد سألت أحد الباعة في المكتبات عن هذه الكتب، فأكد لي كثرة الإقبال عليها، وخاصة من النساء.
ولرواج هذه الدجل، تنافست شركات الاتصالات بتقديم خدمة الأبراج وحظك اليوم!!
كما أن غالب المنتديات في الانترنت، تجد فيها نافذة لهذه الخزعبلات. أما الصحف، فباب الأبراج فيها يتساوى في رسوخه مع افتتاحية الصحف.
وأخيرا وصل دجل الديجتل إلى أيدي أبنائنا وبناتنا عبر لعبة "ويجا"، وهي بحسب موسوعة "ويكبيديا": "لوح غريب يعتقد أنه أحد الوسائل الناجحة لتحضير الأرواح، ويعتبر لوح (الاويجا) من الطرق الكلاسيكية في تحضير الأرواح، .... وقد انتشرت أيضا بصورة كبيرة بين شباب الوطن العربي! وقد أدى هذا الانتشار إلى ابتكار نسخه عربية من اللعبة ذات الصناعة المحلية".
وتحضير الأرواح خرافة شيطانية ومحرمة شرعاً، لأنها تعامل مع الجن وممارسة للسحر، وهدف اللعبة معرفة القدر والمستقبل القادم، وغالباً ما تنتهي اللعبة بجريمة لسيطرة الجن والسحر على اللاعبين، وهذا ما قدمه الفليم المصري، والذي حمل نفس الاسم، وهذا يكشف جانباً من دور السينما الحقيقي، والرسالة التي يحملها كثير من الكتاب والمخرجين السينمائيين لهذه الأمة وأجيالها.
وفي دراسة ميدانية حديثة، قام بها د. محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة، ترد الأرقام التالية: 300 ألف شخص في مصر يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح، 250 ألفا، أي ربع مليون دجال، يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، ينفق العرب زهاء 5 مليارات دولار سنويا على السحر والشعوذة، نصف نساء العرب يعتقدن بفعل الخرافات والخزعبلات، ويترددن على المشعوذين سراً وعلانية، 50% من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشاكلهن.
أما دراسة الباحثين المصريين رشدي منصور ونجيب إسكندر في المركز القومي للبحوث النفسية بالقاهرة، فأكدت أن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات، ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة 11%.
أليس استهلاك الطبقة المتعلمة والمثقفة لهذا الدجل والشعوذة، يطرح سؤالا عن حقيقة تعلم وثقافة هذه الأجيال، التي حازت الشهادات العليا في فروع المعرفة الدنيوية، ولكنها تجهل أبسط وأهم قواعد العقيدة الإسلامية، وهي التوحيد، وتنساق وراء الجهل والخرافة، بما ينافي إمكانية الفهم والإدراك السليم للحقائق، وكأن المطلوب هو ثقافة "جاهلية"، وهل يكون هذا هو جزء من الجواب عن السؤال المحير: لماذا لا نزال في مؤخرة الأمم مع "فشو القلم" وكثرة المدارس بيننا؟؟
بقلم أسامة شحادة
كثيراً ما استوقفتني سيارات فارهة فيها رجال ونساء من الطبقات المخملية، تسأل عن جارنا "الشيخ .."، الذي ذاع صيته بين هذه الطبقات، بأنه بارع وذو مقدرة قوية على معالجة المشاكل وحل العقد، كما أنه مطلع على الطب الشعب،ي وفوق هذا "حجابه" نافع!!
ومن طريف ما حصل لي بسبب هذا "الشيخ المزعوم"، أن أحد الأصدقاء ممن يحمل درجة الماجستير في الهندسة اتصل بي يسأل عن منزل "الشيخ .."، لأنه بجواري، فأبيت أن أرشده عليه كما أفعل دوماً، ونصحته بتركه فلم ينتصح! وذلك لأن عمته أكدت عليه أن يذهب إليه، وحتى يطمئن صديقي سأل "الشيخ المزعوم" هل تكتب الحجب أو لك علاقة بالدجالين؟ فأجابه "الشيخ المزعوم" بكل ثقة: كلا!!
وبعد أسبوعين، قابلت صديقي، فقال لقد تبين لي أن "الشيخ.." دجال، فقد ذهبت عمتي عنده لوحدها، فأعطاها حجاباً! ويكمل صديقي أنه تبين له فيما بعد أن والده وعمه ووالدته سبق لهم التعامل مع هذا الدجال، وفي إحدى المرات كان الهدف هو إعطاء والده دواء يتيح له الاختفاء عن أنظار الناس!!! لكن لم ينفع الدواء.
ومن هؤلاء المشعوذين من أصبح يتقمص دور رجال الأعمال، فترى الإعلانات التي تحتل نصف صفحة أحياناً، أن "الشيخ ..." قد عاد إلى الوطن بعد جولة في الخليج والمغرب و.... وقائمة بعدة هواتف، ولا تعرف بالضبط ماذا كان يصنع هناك أو هنا؟؟
وآخر، حين ترى شاحنات المياه المعبأة تقف بباب مزرعته، تظن أنه يعمل في قطاع تجارة الجملة، لكن سرعان ما تدرك أن هذه الكميات الضخمة يشتريها "المغفلون"، الذين يأتون من بلاد كثيرة، وذلك أن هذا "..." يقرأ القرآن على حمولة الشاحنة مرة واحدة!! وهو يبيع كل "مغفل" كرتون بسعر باهظ!!
وهذا كله من الشرك الواضح والبين لمن كان عنده أدنى علاقة بالقرآن الكريم، الذي يصرح بكل وضوح أن علم الغيب والنفع والضر بيده سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب"، وقوله: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا"، وقوله: "قل لا يعلم الغيب إلا الله"، وقوله: "قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً".
كما أن هؤلاء الدجاجلة لا ترى في سلوكهم وحياتهم أثرا للتدين، فلا هم من رواد المساجد ولا أبناؤهم وبناتهم وزوجاتهم ممن تظهر عليهم معالم الخير والإيمان، ولا يعرفهم الصالحون من أهل الحي، كإمام المسجد أو طلبة الشريعة المجاورون لهم؟؟؟؟
وهذه الصور البسيطة من الدجل والشعوذة قد تطورت في عصر "الديجتل"، فأصبحت ترى اليوم قنوات فضائية مخصصة لأمثال هذا المشعوذ، لكنه يلبس بدلة وكرافته، ويسخر وسائل "الميديا" لترويج شعوذته ودجله، وتنهال عليه الاتصالات من غالب الدول العربية، وهم يطلبون منه بكل وضوح أن يرزقهم الولد أو يشفي لهم مريض أو يدلهم على مفقود، وهذا من الشرك بالله، واتخاذ غير الله رباً ورازقاً، والأعجب من ذلك ادعاؤه معرفة مشكلة المتصل قبل أن يتكلم، فيبدأ في ذكر الأعراض التي يعانى منها!!!
ومثل هذه القنوات "الشعوذية"، برامج الحظ والأبراج، التي أصبحت تحظى برواج، مما جعل القنوات تتسابق على أي دجال أو دجالة، ليقدم برامج الحظ عبر الاتصالات والرسائل، مما يعود بالمال الحرام على أصحاب القنوات .
وهذا الدجل الديجتل يمتد ليصل عالم السينما، فأصبحت أفلام السحر، وخاصة "هارى بوتر" من أكثر الأفلام رواجاً!! كما أن برامج السحر والسحرة، أصبحت مما تتنافس فيه الفضائيات والمهرجانات.
أما الكتب، فمن يدقق في الكتب المعروضة في المكتبات الكبرى، يجد أن روايات السحر والتنجيم تأخذ حيزاً كبيراً، وقد سألت أحد الباعة في المكتبات عن هذه الكتب، فأكد لي كثرة الإقبال عليها، وخاصة من النساء.
ولرواج هذه الدجل، تنافست شركات الاتصالات بتقديم خدمة الأبراج وحظك اليوم!!
كما أن غالب المنتديات في الانترنت، تجد فيها نافذة لهذه الخزعبلات. أما الصحف، فباب الأبراج فيها يتساوى في رسوخه مع افتتاحية الصحف.
وأخيرا وصل دجل الديجتل إلى أيدي أبنائنا وبناتنا عبر لعبة "ويجا"، وهي بحسب موسوعة "ويكبيديا": "لوح غريب يعتقد أنه أحد الوسائل الناجحة لتحضير الأرواح، ويعتبر لوح (الاويجا) من الطرق الكلاسيكية في تحضير الأرواح، .... وقد انتشرت أيضا بصورة كبيرة بين شباب الوطن العربي! وقد أدى هذا الانتشار إلى ابتكار نسخه عربية من اللعبة ذات الصناعة المحلية".
وتحضير الأرواح خرافة شيطانية ومحرمة شرعاً، لأنها تعامل مع الجن وممارسة للسحر، وهدف اللعبة معرفة القدر والمستقبل القادم، وغالباً ما تنتهي اللعبة بجريمة لسيطرة الجن والسحر على اللاعبين، وهذا ما قدمه الفليم المصري، والذي حمل نفس الاسم، وهذا يكشف جانباً من دور السينما الحقيقي، والرسالة التي يحملها كثير من الكتاب والمخرجين السينمائيين لهذه الأمة وأجيالها.
وفي دراسة ميدانية حديثة، قام بها د. محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة، ترد الأرقام التالية: 300 ألف شخص في مصر يدعون علاج الأمراض بتحضير الأرواح، 250 ألفا، أي ربع مليون دجال، يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، ينفق العرب زهاء 5 مليارات دولار سنويا على السحر والشعوذة، نصف نساء العرب يعتقدن بفعل الخرافات والخزعبلات، ويترددن على المشعوذين سراً وعلانية، 50% من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشاكلهن.
أما دراسة الباحثين المصريين رشدي منصور ونجيب إسكندر في المركز القومي للبحوث النفسية بالقاهرة، فأكدت أن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات، ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة 11%.
أليس استهلاك الطبقة المتعلمة والمثقفة لهذا الدجل والشعوذة، يطرح سؤالا عن حقيقة تعلم وثقافة هذه الأجيال، التي حازت الشهادات العليا في فروع المعرفة الدنيوية، ولكنها تجهل أبسط وأهم قواعد العقيدة الإسلامية، وهي التوحيد، وتنساق وراء الجهل والخرافة، بما ينافي إمكانية الفهم والإدراك السليم للحقائق، وكأن المطلوب هو ثقافة "جاهلية"، وهل يكون هذا هو جزء من الجواب عن السؤال المحير: لماذا لا نزال في مؤخرة الأمم مع "فشو القلم" وكثرة المدارس بيننا؟؟