تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأندلس.. من الفتح إلى السقوط بقلم د. راغب السرجانى



Anfal
04-05-2007, 07:02 PM
أحببت أن أفتح للأندلس موضوعا مستقلا حتى نستطيع أن نوفي حقها علينا وحق دماء الشهداء
وقد وفقني الله أن أجد تاريخ الأندلس أخيرا مكتوبا وليس مسموعا للدكتور راغب السرجاني وأحببت أن أشارككم فيها.. نرجو الله أن يجعلها لنا عظة وعبرة وأن تكون لنا لا علينا


http://img177.imageshack.us/img177/4386/spain02xh7.gif

الفصل الأول: الطريق إلى الأندلس

في بداية حديثنا عن تاريخ الأندلس وفي محاولة لتحليل التاريخ تحليلا دقيقا، نحاول أن نقلب صفحات، ونُظهر أحداثا قد علاها التراب أعواما وأعواما، نحاول أن نظهر ما حاول الكثيرون أن يطمسوه، أو يخرجوه لنا في صورة باطل وهو حق، أو إظهار الحق وكأنه باطل. فكثير من الناس يحاولون أن يزوروا التاريخ الإسلامي، وهي جريمة خطيرة جد خطيرة يجب أن يقف ويتصدى لها المسلمون.

سنن الله في خلقه:
وفي بداية الحديث أيضا يهمنا أن نتعرف على سنن الله في خلقه، وسننه سبحانه وتعالى في أرضه، فلله سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كما يقول سبحانه وتعالى: [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلً] {فاطر:43}

فهذا أمر الله سبحانه وتعالى قرره في كتابه وجعله من سننه الثوابت، وكمثال عملي على ذلك نجد أن الماء يغلي عند درجة مائة مئوية، وسيظل يغلي عند هذه الدرجة إلى يوم القيامة، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن ثبّت لنا هذا الأمر؛ إذ لو كان الماء يغلي عند درجة ثلاثين - مثلا - وغدا عند درجة خمسين، وبعد غد عند سبعين فلن تستقيم حياة الناس مع هذا الأمر، ولن تستقر أمورهم؛ لأن كل يوم غير الآخر، وكل شكل فيه تبدل وتحول لم يُعهد. والله سبحانه وتعالى وضع قواعد محكمة وسُننًا ثابتة.

فالنار تحرق وستظل تحرق إلى يوم القيامة، إلا أن هناك استثناءات لا ينبني عليها، فتلك النار التي الأصل فيها الإحراق لم تحرق إبراهيم عليه السلام. وهذا استثناء، والمؤمن الكيّس الحصيف لا يبني على الاستثناءات، ولا يتخذها قواعد، إنما يبني على قواعد أصولية ثابتة راسخة.

فهل يستطيع المؤمن في حياته أن يبني على الاستثناء ويضع يده - مثلا - في النار؟ ثم يقول: قد يحدث لي مثلما حدث مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، هذا غير جائز على الإطلاق، ولا يمكن أن يتفوه به أحد.

إذن، هي ثوابت الله التي لا تتبدل ولا تتغير، وقس على ذلك ما شئت، فالإنسان والحيوان بصفة عامة لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو بدون شراب، ولو عاش إنسان بدون طعام وشراب أياما كثيرة أو حتى شهورا، فمآله لا محالة إلى الموت.

كذلك وبالمثل فإن سنن الله تعالى في تغيير الأمم هي سنن ثابتة، فقد جعل الله لتغيير الأمم وتبديلها من الفساد إلى الصلاح، ومن الصلاح إلى الفساد سننا ثابتة لا تتغير، فإن أنت سرت في طريق معين كانت الخاتمة معلومة وواضحة جدا ؛ إذ هي ثابتة عند الله سبحانه وتعالى.

وحينما تقرأ التاريخ، وحينما تُقلِب في صفحاته تشاهد سنن الله سبحانه وتعالى في التغيير والتبديل، فالتاريخ يكرر نفسه بصورة عجيبة، حتى والله لكأنك تقرأ أحداثا حدثت منذ ألف عام أو أكثر، فتشعر وكأنها هي هي، نفس الأحداث التي تتم في هذا الزمن، مع اختلاف فقط في بعض الأسماء أو المسميات.

فحين تقرأ التاريخ كأنك تقرأ المستقبل بأحداثه وتفصيلاته؛ ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد قرأه لك بسننه الثوابت، وحدد لك كيف ستكون العواقب، وما نهاية هذا الطريق الذي ستبدؤه وتتبعه. والمؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقين، والمؤمن العاقل الواعي هو الذي يكرر ما فعله السابقون من المحامد والإيجابيات، فيفلح بفلاحهم واقتدائه بهم، وهو نفسه الذي لا يقع في أخطاء من عارض منهج الله سبحانه وتعالى، أو وقع في خطأ مقصود كان أو غير مقصود.

لماذا تاريخ الأندلس ؟
وقد يبرز هنا سؤال آخر، لماذا تاريخ الأندلس بالذات؟ لماذا ندرس تاريخ الأندلس دون غيره؟
فنقول: إن تاريخ الأندلس يشمل أكثر من ثمانمائة سنة كاملة، ثمانمائة سنة من تاريخ الإسلام، وتحديدًا من سنة 92 للهجرة إلى سنة 897 للهجرة، أي ثمانمائة سنة وخمس سنين، هذا إذا أغفلنا التداعيات التي أعقبت ما بعد 897 هجرية، فهي إذن فترة ليست بالهينة من تاريخ الإسلام.

فمن العجيب إذن ألا يعرف، أو يتعرف المسلمون على تفاصيل فترة هي أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي، هذا أمر. والأمر الآخر أن تاريخ الأندلس لكبر حجمه وسعة مساحته، مرت فيه كثير من دورات التاريخ التي اكتملت ثم انتهت، فسنن الله في تاريخ الأندلس واضحة للعيان، ففيه كثير من الأمم قامت وارتفع نجمها، وفيه أيضا كثير من الأمم سقطت وأفل نجمها، كثير من الدول أصبحت قوية، ومن ثم راحت تفتح ما حولها من البلاد، وكثير من الدول سقطت وهوت، وأصبحت في تعداد الدول المنهزمة والتي نسمع عن مثلها في هذه الآونة، أيضا ظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع، وظهر في تاريخ الأندلس الخائف الجبان، ظهر في تاريخ الأندلس التقي الورع، وظهر في تاريخ الأندلس المخالف لشرع ربه سبحانه وتعالى، ظهر في تاريخ الأندلس الأمين على نفسه وعلى دينه وعلى وطنه، وظهر في تاريخ الأندلس الخائن لنفسه ولدينه ولوطنه، ظهرت كل هذه النماذج، وتساوى فيها الحكام والمحكومين والعلماء وحتى عوام الناس. وإن دراسة مثل هذه الأمور يفيد كثيرا في استقراء المستقبل المجهول للمسلمين.

Anfal
04-11-2007, 08:38 AM
هل سمعت عما جرى في الأندلس ؟

والآن، تُرى كم من المسلمين يسمع عن موقعة وادي برباط؟ تلك الموقعة التي تُعد من أهم المواقع في التاريخ الإسلامي، الموقعة التي فُتحت فيها الأندلس، الموقعة التي تُشَبّه في التاريخ بموقعتي اليرموك والقادسية، ومع ذلك جم غفير من المسلمين لا يسمع من الأساس عن وادي برباط.

وتُرى، هل قصة حرق السفن التي حدثت في عهد طارق بن زياد رحمه الله هل هي حقيقة؟ أم من نسج الخيال؟ كثير من الناس لا يعلم حقيقة وتفاصيل هذه القصة، وكيف حدثت؟ إن كانت حدثت، وإن لم يكن قد حدثت في الأصل فلماذا انتشرت بين الناس؟!
ثم، من هو عبد الرحمن الداخل رحمه الله؟ وكم من الناس يعرف تاريخه؟ ذلك الرجل الذي قال عنه المؤرخون: لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس.
ومن هو عبد الرحمن الناصر؟ أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق. ماذا تعرف عن حياته؟ كيف وصل إلى هذه الدرجة العالية؟ وكيف أصبح أكبر قوة في عالم عصره؟

يوسف بن تشفين رحمه الله القائد الرباني، صاحب موقعة الزلاقة، كيف نشأ؟ كيف ربّى الناس على حياة الجهاد؟ كيف تمكن من الأمور؟ بل كيف ساد دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات؟

أبو بكر بن عمر اللنتوني، من يسمع عن هذا الاسم؟؟ من يسمع عن ذلك المجاهد الذي دخل الإسلام على يده أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية؟! إنه أبو بكر بن عمر اللنتوني، من يسمع عنه؟

من يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور، صاحب موقعة الأرك الخالدة، تلك التي دُكّت فيها حصون النصارى وانتصر فيها المسلمون نصرا ساحقا؟

من يسمع عن دولة المرابطين المجاهدة؟ ومن يسمع عن دولة الموحدين وكيف قامت؟
من يسمع عن مسجد قرطبة؟ ذلك المسجد الذي كان يُعد أوسع مساجد العالم، ثم كيف حُوّل إلى كنيسة ما زالت قائمة إلى اليوم؟

من يسمع عن مسجد أشبيليه؟ من يسمع عن جامعة قرطبة؟ من يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزهراء؟ من يسمع عن قصر الحمراء؟ وغيرها من الأماكن الخالدة التي أمست رسوما وأطلالا، وهي اليوم في عداد أفضل المناطق السياحية في إسبانيا وتُزار من عموم الناس سواء مسلمين أو غير مسلمين.

ثم من يسمع عن موقعة العقاب؟ تلك التي مُني فيها المسلمون بهزيمة ساحقة ، رغم تفوقهم على عدوهم في العدد والعدة، وكأن حنين عادت من غابر التاريخ لتروي أحداثها في موقعة العقاب، تلك الموقعة التي قال عنها المؤرخون: بعد موقعة العقاب لم يُر في الأندلس شاب صالح للقتال.

من يعلم أن عدد المسلمين الذين هلكوا في هذه الموقعة الضخمة قد تجاوز ثمانين ألف مسلم؟ فهل نسمع عن موقعة العقاب؟
كيف سقطت الأندلس؟ وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت في أمة من المسلمين سقطت لا محالة بفعل سنن الله الثابتة.

ثم كيف وأين سطعت شمس الإسلام بعد سقوط الأندلس؟ كيف جاء غروب شمس الإسلام في الأندلس في غرب أوروبا متزامنا مع إشراقها وسطوعها في القسطنطينية شرق أوربا؟

ما هي مأساة بلانسير ؟ وكيف قتل ستة آلاف مسلم في يوم واحد؟ وما هي مأساة أوبدّة؟ وكيف قتل ستة آلاف مسلم آخرين في يوم واحد؟

ما هي مأساة بربشتر، وكيف قتل أربعة آلاف مسلم في يوم واحد، وسبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بربشتر؟ وإننا لنشاهد هذه الأحداث الغابرة تتحدث الآن عن نفسها في البوسنة والهرسك.

ماذا كان رد فعل المسلمين، وكيف تصرفوا، وكيف قاموا من هذه المآسي المفزعة، أسئلة كثيرة وكثيرة، لو استطعنا الإجابة عنها لعرفنا كيف ننهض الآن ونقوم.

فتاريخ الأندلس بصفحاته الطويلة - أكثر من ثمانمائة سنة - يعد ثروة حقيقية، وثروة ضخمة جدًّا من العلم والخبرة والعِبرة، ومن المستحيل في هذه الدراسة أن نلم بكل أحداثه وتفصيلاته، ولذلك فلا بد وأن نُغفل منه بعض الجوانب، ليس تقليلا من شأنها وإنما اختصارا للمساحة.

وواجب على الجميع أن يبحث في هذا التاريخ، تاريخ الأندلس، تاريخ ثمانمائة سنة؛ إذ هو يحتاج أكثر وأكثر مما أفردنا له، فلا بد من القراءة والاستزادة من المصادر التاريخية وغيرها.

وتاريخ الأندلس هذا يعد جزءا ضئيلا جدا من تاريخ الدولة الإسلامية ذات الألف وأربعمائة عام من الزمن، وذات الأبعاد الجغرافية الهائلة من المساحة، فانظر أيها المسلم إلى العمل الذي يجب أن تفعله، ولا تركن أبدا إلى الدَّعة، ولا تركن أبدا إلى السكون، فأمامك طريق طويل جدا حتى تتعرف على سنن الله سبحانه وتعالى.

طبيعة الجهاد في الإسلام
قبل الخوض في تاريخ الأندلس من حيث ترتيب الأحداث منذ الفتح وحتى السقوط، منذ عام اثنين وثمانين حتى عام سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة - قبل الخوض في تفصيلات هذه الأحداث، فهناك بعض الأسئلة التي قد تدور في خاطر بعض الناس فنحاول الإجابة عليها، وكان من أهمها: لماذا حمل المسلمون سيوفهم وخرجوا بجيوشهم متوجهين إلى الأندلس لفتحها؟

فالأندلس دولة مستقلة ذات سيادة ويحكمها القوط النصارى في ذلك الزمن، والمسلمون دولة كبيرة جدا وهم جيرانهم، فلماذا يحمل المسلمون سيوفهم ويتوجهون إلى فتح هذه البلاد ليعرضوا عليها ثلاثتهم المعهودة: الإسلام أو الجزية أو الحرب؟

فهذا العمل يعد الآن في مصطلح الشرعية الدولية بمثابة تعدٍ على حدود دولة مجاورة ذات سيادة. فلماذا إذن حمل المسلمون السيف وانتقلوا إلى البلاد المجاورة؟ ومن هذا السؤال بالذات يتولد عند كثير من الناس استنتاج واستنباط هو في غير محله على الإطلاق ومجافٍ للحقيقة تماما، إنه قولهم: إن الإسلام انتشر بحد السيف. فهذه مشكلة كبيرة تعترض كثيرا من الدعاة، خاصة من قِبل أصحاب المناهج العلمانية.

ولكن كيف وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ] {البقرة:256} .

ويبقى السؤال: كيف نوفق بين حمل المسلمين سيوفهم وخروجهم إلى هذه البلاد، وبين قوله تعالى في الآية السابقة: [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ] {البقرة:256} .
ولتوضيح هذا الأمر نقول: الجهاد في الإسلام نوعان، نوع يسمى جهاد الدفع ، وآخر يسمى جهاد الطلب، وجهاد الدفع هو: ذلك الجهاد الذي يتبادر إلى الذهن من أول وهلة، ويعني الدفاع عن الأرض، وهو أمر مقبول ومفطور على فهمه عوام الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين.

أما النوع الآخر والذي لا يستوعبه كثير من الناس هو ما يسمى بجهاد الطلب أو جهاد نشر الدعوة، أو جهاد تعليم الآخرين هذا الدين،

فالإسلام هو الدين الخاتم، وهو كلمة الله الأخيرة إلى الناس، وقد كلّف الله هذه الأمة - أمة الإسلام - أمر نشر هذا الدين في ربوع العالم، وتعليم الناس كل الناس مراد ربهم عزّ وجلّ الذي أنزله على نبيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

ومن سنن الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك أقوام ممن يحكمون شعوبا غير إسلامية يحولون دون وصول هذه الدعوة إلى شعوبهم، ويقفون بكل ما أوتوا من قوة في الحد من انتشارها، فالإسلام في هذه الحالة شرع للمسلمين أن يتوجهوا بجيوشهم وسيوفهم؛ لحماية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لنشر هذا الدين وتعليمه للآخرين، فمَن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن المسيح هو الله؟ مَن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يعلمونهم أن البقرة هي الإله؟ ومَن لهؤلاء الذين يولدون في بلاد يتعلمون أنهم خُلقوا من عدم، وأن ليس للكون إله، وأن الطبيعة هي رب الكون؟

من لهؤلاء؟ ومَن يعلمهم إذا لم يعلمهم المسلمون أصحاب الرسالة الخاتمة؟ وقد جعل الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل، وليس نبي يبعثه الله عز وجل من بعده صلى الله عليه وسلم، فمَن لهؤلاء إذن غير هذه الأمة الشاهدة؟ وقد قال سبحانه وتعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً] {البقرة:143} .

إنها مهمة أمة الإسلام، أمة الشهادة، ستشهد على الأمم عند الله سبحانه وتعالى وتقول: يارب، ذهبت إليهم وعلمتهم وشرحت لهم، وجاهدت في سبيلك، لكنهم أنكروا, أو اتبعوا. فهذه الأمة شاهدة بهذا الجهاد وبتوصيل دعوتها الربانية إلى هذه الأمم.

والطبيعي أن يكون هناك من يمنعك ويصدك، ويقف بكل ما أوتي من قوة حائلا بينك وبين مَن تريد توصيل الدعوة إليهم؛ وذلك لأنهم- وهم الحكام- مستفيدون من عبادة هؤلاء الناس لغير الله سبحانه وتعالى، فإذا حكم شرع الله انتقلت الحاكمية من هؤلاء الناس- الحكام- إلى الله سبحانه وتعالى وهم لا يريدون ذلك، ومن هنا سيقفون أمامك بجيوشهم وسيوفهم، ولن تجد إلا أن تقف أنت أيضا أمامهم بجيشك وسيفك حتى تحمي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

والمسلمون كما تربوا لا يقاتلون الشعوب، هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب الجيوش الفاتحة فيقول: اتقوا الله في الفلاحين، اتقوا الله في عموم الناس. الناس المغلوبون على أمرهم، الذين أصبحوا لا يهمهم مصلحة الحاكم هذا أو ذاك، إنما يريدون أن يتعلموا أين الخير فيتبعوه، اتقوا الله في هؤلاء، يقول: ولا تقتلوا إلا من قاتلكم.

فكان المسلمون يتجنبون تماما إيذاء أيٍّ ممن لم يقاتلونهم، ولو أذًى يسيرا، فتجنبوا الأطفال والنساء وعُبّاد الصوامع والضعفاء والكهول الذين لا يستطيعون قتالا، بل إنهم تجنبوا الأقوياء الذين لم يعاونوا، أو يشتركوا في قتال المسلمين، وكان المسلمون يقاتلون الجيوش فقط، يقاتلون الحُكام الذين عَبّدوا الناس لغير الله سبحانه وتعالى.

Anfal
05-18-2007, 10:18 AM
لماذا الدعوة إلى الله تكون مصحوبة بالجيش؟
وهنا قد يسأل سائل: إذا سمح لك هؤلاء الحكام بالدعوة إلى الله في بلادهم، كأن تقوم مجموعة من الدعاة المسلمين بالذهاب إلى هذا البلد أو غيره، والدعوة إلى الله فيه دون جيش أو قتال أو جزية، ويختار الناس ما يشاءون، إذا سُمح بذلك فهل يقبل المسلمون هذا ويتخلون عن الجيش والسيف؟ وما هو موقفهم؟ ولماذا لم يبعث المسلمون أناسا يدعون إلى الله بدون جيش؟ لماذا لم يبعثوا من يدعو إلى الله في الأندلس وفي الروم دون أن يخرج خلفهم جيش؟ أليس الإسلام قد انتشر في إندونيسيا والفلبين وماليزيا، وغيرها من الدول بالتجارة ودون سيف؟

وفي حقيقة الأمر فإن في هذا الكلام افتراض غير واقعي وغير عملي، ففكرة أن الدعاة إلى الله يخرجون إلى مثل هذه البلاد بدون جيش أمر يعد مخالفا لسنن الله سبحانه وتعالى في أرضه وفي خلقه، بل إنه مخالف للتاريخ والواقع؛ ففي التاريخ نجد أن دولا ضخمة جدا دخلت في الإسلام عن طريق الفتوحات الإسلامية، أما القلة الاستثنائية هي التي دخلت الإسلام عن طريق التجارة، وللأسف فإن هناك كثير من الناس خاصة من المسلمين من يصور الأمر بغير ذلك -عن وعي منهم أو عن غير وعي- استحياء من فتح المسلمين للبلاد الأخرى.

لكن الدين الإسلامي وهو دين الله الكامل الشامل ليس فيه ثغرات وليس فيه ما نستحي منه أو نخفيه عن الآخرين، فهذه دولة فارس والتي تشمل الآن: العراق وإيران وباكستان وأفغانستان وكل دول الاتحاد السوفيتي الجنوبية والتي تمثل أكثر من خمسة عشر إلى ستة عشر من جملة الاتحاد السوفيتي السابق، كل هذه البلدان من هذه الدولة الفارسية أسلمت ودخلها المسلمون عن طريق الفتح الإسلامي العسكري، بالجيوش والجهاد والاستشهاد والحروب المريرة لسنوات طويلة، ومثلها أيضا دولة الروم، وكذلك بلاد الشام التي تشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وأجزاء من جنوب تركيا، بالإضافة أيضا إلى بلاد آسيا الصغرى، كل ذلك فتح بالجهاد في سبيل الله، دولة الروم فُتحت فتحا عسكريا، وليس فتح القسطنطينية خافيا عن العيون، وكذلك أيضا كل بلدان شرق أوروبا، وكان منها على سبيل المثال: بُلغاريا واليونان ورومانيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من النمسا ويوغوسلافيا بكاملها وقبرص ومالطا، كل هذه البلدان فُتحت بالجهاد في سبيل الله في زمن الخلافة العثمانية، وعاش فيها الإسلام ردحا من الزمن، ثم ما لبث أن اختفى منها.

وأيضا دول شمال إفريقيا كلها فُتحت بالجهاد في سبيل الله، ابتداء بمصر ومرورا بليبيا ثم تونس ثم الجزائر ثم المغرب، ومثلها أيضا دول وسط وغرب إفريقيا فتحت بالجهاد في سبيل الله. ثم على سبيل الاستثناء دخل الإسلام ماليزيا وإندونيسيا عن طريق التجارة، أبعد ذلك يُغلَّب هذا الأمر الذي حدث على سبيل الاستثناء على سنة الله سبحانه وتعالى في نشر دينه عن طريق الجهاد في سبيل الله؟! فهذا أمر لا يعقل، ولا يمكن أن يُقره أحد.

إذن بقيت القاعدة التي تقول: إن هؤلاء الحكام الذين يحكمون الشعوب المجاورة للدولة الإسلامية لن يتركوا المسلمين أبدا يدعون إلى الله سبحانه وتعالى في حراسة جيش من الجيوش، ومن هنا شرع الله سبحانه وتعالى الجهاد فأصبح سنة ماضية إلى يوم القيامة.

حقيقة الحرية في البلدان الغربية
إذا نظرنا إلى الأمر نظرة واقعية نجد أن الناس اليوم قد فُتنت بما أُشيع عن حرية التعبير في البلدان الغربية في أمريكا وفرنسا وإنجلترا، ودول الغرب بصفة عامة، حتى ظنوا أن الدعوة سبيلها مفتوح، ومن ثم راحوا يقولون: ابعث من يدعو إلى الله في هذه الدول فلن يكون هناك من يعوقهم.

لكن الحقيقة أن هذا الأمر ليس متروكا هكذا بدون وعي منهم أو إدراك، فإنهم ما تركوا مثل هذه الحرية المزعومة إلا لمعرفتهم أن المسلمين لم يصلوا بعد إلى القوة المؤثرة المغيِّرة في هذه البلاد، ولو وصل المسلمون إلى المستوى الذي يرى حكام الغرب فيه أنه سيؤثر على سياسة البلد فلن يكون هناك حرية، ولن يكون هناك سماح بالدعوة للإسلام، بل سيقفون لهم بالمرصاد، فهذه الدول لا تسمح بقيام دول إسلامية خارج حدودها، فما الحال لو قامت هذه البلاد الإسلامية أو الدول الإسلامية أو مجرد الفكر الإسلامي المنهجي داخل هذه البلاد؟ فها هي السودان البلد الفقير والضعيف نسبيا بالمقارنة بغيره من الدول حينما أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض ولاياتها قامت الدنيا ولم تقعد، وقامت دول الغرب هذه وأمريكا على رأسها بضرب مصنع الأدوية الموجود في الخرطوم بحجة أنه يصنع موادا كيماوية.

فهذه مجرد بادرة قيام دولة إسلامية في مكان ضعيف معزول وبعيد تمام البعد عن هذه البلاد الغربية. ومثلها فعلت فرنسا بلد الحريات والتنوير، وبلد الحضارة كما ملأوا أسماعنا، فحين بدأت الفتيات الصغيرات يدخلن المدارس محجبات صالت صولتهم وتم منعهن من دخول المدارس، أما إذا دخلن بلباس فاضح فبها ونعمت. ولِمَ يكون ذلك؟ لأنه مد إسلامي، وفكر يحاول أن يتغلغل ومن ثم يسعون لإيقافه، والحادثة مشهورة ومعروفة للجميع.

وفي أمريكا منذ حوالي عام، كانوا في الكونجرس يسعون لتمرير قانون يسمح بالقبض على من يُخلّ بالأمن القومي الأمريكي بدون دليل، أي قانون يشبه قانون الطوارئ المعروف، وهذا أمر غير شرعي؛ إذ لا بد أن يكون هناك دليل قبل أن يدان الإنسان أو يتهم أو تقيد حريته، ولقد كان هناك بعض الدلائل التي تشير إلى إمكانية تطبيق هذا القانون، والذي بموجبه يمكن الإمساك بالناشطين في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بحجة مس الأمن القومي الأمريكي أو الإرهاب.

فهذه البلاد لن تسمح على الإطلاق للدعاة إلى الله سبحانه وتعالى بالقيام بدورهم في هداية الناس وتعريفهم بربهم، ولن يستطيع الدعاة القيام بهذه المهام إلا إذا كانوا محميين بقوة تحوطهم وتحرسهم، هذه القوة هي قوة الجيش الإسلامي والفتح الإسلامي وقوة الجهاد في سبيل الله، ثم إذا افترضنا أن بلدا مما ذُكر سابقا من أدعياء الحرية سُمح فيه بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وسمح فيه بالمقال الإسلامي، والكتاب الإسلامي، والشريط الإسلامي، ثم يخرج عليك بعد ذلك في مقابل المقال الإسلامي بعشرة آلاف مقال علماني، وفي مقابل الصورة الإسلامية الهادفة عشرة آلاف صورة فاضحة تثير الناس وتبعدهم عن دين الله سبحانه وتعالى، وفي مقابل دعوتك أن الله سبحانه وتعالى واحد عشرات المؤلفات التي تقول إن الله هو المسيح، معاذ الله من هذا القول ومن الشرك به سبحانه وتعالى، فإن كان هذا الأمر على هذا النحو فهل ستؤدي الدعوة الإسلامية نتيجتها وسط هذا الركام الضخم جدا من المضادات المناوئة لها، ودعوة المسلمون إنما هي محاولة إدخال كل البشر وكل الخلق في دين الله سبحانه وتعالى، وتعبيدهم له وحده، ومن هنا شُرع الجهاد في سبيل الله، وشرع فتح البلاد المجاورة لأمة الإسلام حتى وإن أبت في بادئ الأمر.