تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سيد قطب .. والطبعة الشرعية!



FreeMuslim
04-03-2007, 03:11 PM
سيد قطب .. والطبعة الشرعية!

أ.د. حلمي محمد القاعود

يظل كتاب " معالم فى الطريق لشهيد الإسلام " سيد قطب " ، مسمار جحا الذى يجلس تحته نفر من خصوم الإسلام ، حيث يلصقون به تهمة تكفير المجتمع والتحريض على العنف ورفض الآخر .. وللأسف الشديد ، مازال نفر من كتاب السلطة واليسار المتأمرك ، فضلاً عن صحافة لاظوغلى ، تتخذ من هذا الكتاب مادة غزيرة للهجوم على الإسلام وقيمه وتعاليمه ، وإن كان هجومهم فى الظاهر موجها إلى جماعة الإخوان المسلمين التى يسمونها " المحظورة " ، أو الجماعات الإسلامية بصفة عامة .
وسيد قطب ( 1906 – 1965 ) تخرج فى دار العلوم ، معقل الثقافة الإسلامية المتجددة ، وبرع فى النقد الأدبى والدراسات الإسلامية ، وله عدد كبير من الكتب أبرزها وأعظمها " فى ظلال القرآن " الذى يُعد أفضل تفسير معاصر ، لغة وبيانا ورأيا وعطاءً ..
أما " معالم فى الطريق " فهو أحد كتبه التى تسعى لبناء المجتمع وفق مفهوم إسلامى ، يقوم على التجرّد من عبودية غير الله والتحرر مما سواه .. وفى أوائل الخمسينيات ذهب فى رحلته التاريخية إلى الولايات المتحدة ، التى اكتشف فيها وحشية الرأسمالية الغربية ، وتدميرها لروح الإنسان وفطرته ، كما اكتشف من قبل خواء الشيوعية وخداعها وقهرها لكل ماهو حى فى الضمير والوجدان .. ووصل إلى نتيجة سهلة وبسيطة ، وهى : " الإسلام هو الحل " .
ومع أن السلطة البوليسية الفاشية تجند كتابها لمواجهة هذا الشعار ، فقد كانت ترجمة " سيد قطب " له ترجمة تطبيقية تتمثل فى بناء المجتمع بناء يقوم على غرس قيم الحرية والعدل والتسامح والمساواة والعمل والإنتاج والإبداع ، ولم يكن " سيد قطب " انقلابيا كما يدعى بعضهم ، أو داعية عنف أو دمار .. ومن المفارقات أنه صاحب عبارة " دعاة لا قضاة " التى اعتمدها المستشار حسن الهضيبى فيما بعد ليردّ على اتهام السلطة العسكرية للإخوان بتكفير الناس ، علماً أن هذه السلطة كانت أول من كفر الناس ، وكان شعار " إخوان الشياطين " يملأ صحف الخمسينيات والستينيات ، إشارة إلى " كفر الإخوان " أو تكفيرهم !
كثيرون ممن هاجموا " معالم فى الطريق " لم يطالعوه ، وردّدوا ما قاله الماركسيون فى الستينيات حوله ، حبث يُحمّلون " سيد قطب " ظهور جماعات العنف ، ووقوع بعض الحوادث التى تمت فى العقود الماضية ، مع أن الرجل كان يهدف إلى التركيز على بناء الفرد بناء إسلاميا ، وتربيته بما يجعله صالحا لبناء المجتمع وفقا لقيم الإسلام وأخلاقه .. والخروج من " الجاهلية " التى فرضت على الشعوب أن تعبد حكامها ومصالحها من دون الله ، أو تعبد " المادة عموما " ، سواء فى المعسكرين الشيوعى والرأسمالى القائمين فى زمانه ..
وقد رأى بعضهم فى الوصف ب " الجاهلية " للعصر أو الناس ، تكفيراً وإخراجاً من الملّة ، وهو فهم خاطئ وقاصر ، فالأداء اللغوى يحمل – وخاصة فى الأدبيات العامة – أكثر من مستوى ، أو ما يُسميه علماء البلاغة بالمعنى القريب والمعنى البعيد . أو المعنى الحقيقى والمعنى المجازى ، وهو ما يجعل كلام سيد قطب يصبّ فى الإطار المجازى ، كما نتحدث اليوم عن حكم الفراعنة الجدد ، بقصد الإشارة إلى قسوتهم ضد شعوبهم ، ومصادرة الحريات ، والضرب عرض الحائط بالقانون والدستور .. وكما نشير إلى " كهنة آمون " ونريد بهم الكذابين والمنافقين فى مجال السياسة والصحافة والثقافة والإعلام ، الذين يسوّغون قهر السلطة للشعب ، ويجمّلون صورة اللصوص الكبار الذين يسرقون بالقوانين واللوائح التى صنعوها ..
المجاز إذاً لا يقصد " الفراعنة " القدامى ، ولا " كهنة آمون " التاريخيين ... ولكنه يقصد أشباههم المعاصرين ، ولنا أن نتذكر أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، خاطب أبا ذرّ – رضى الله عنه – فى بعض المواقف التى أنكرها عليه ، فقال له : " إنك امرؤ فيك جاهلية ... " أو كما قال ، وهو – صلى الله عليه وسلم – لم يقصد إخراجه من حظيرة الإسلام ، ولكن يُريد تنبيهه إلى خطأ ، ما كان ينبغى أن يحدث منه أو من غيره من الصحابة رضوان الله عليهم .
لقد آلمنى أن يردد الصحفى النشيط " سليمان جودة " فى لقاء تلفزيونى على القناة الثقافية مساء الخميس 22/3/2007م ، الأفكار المتداولة عن " معالم فى الطريق " لدى كتّاب السلطة الناصرية والحالية ، ويدّعى أن " سيد قطب " يحتكر الحقيقة .. ثم يتساءل فى تعجب عن معنى الطبعة الشرعية للكتاب ..
ولأن سليمان لم يعاصر أيام ذبح " سيد قطب " على يد الفراعنة المعاصرين ، فأود أن أقول له : إن " الطبعة الشرعية " التى وضعت على كتاب " معالم فى الطريق " وعلى بقية كتبه الأخرى ، وكتب شقيقه " محمد " التى قامت بطبعها " دار الشروق " لصاحبها " محمد المعلم وأولاده " ، كانت محاولة لوقف الاستباحة التى جرت لكتب الشقيقين ، وخاصة بعد المذبحة التى راح ضحيتها " سيد " وابن شقيقته ( الذى استشهد نتيجة التعذيب ) وتشتيت شمل الأسرة ، فقد ظهر "ورّاقون" فى لبنان وسورية والعراق والمغرب العربى ، وراحوا يطبعون كتبهما ، ويوزعونها فى أرجاء العالم الإسلامى دون أن يعبأوا بحقوق الورثة . وأذكر أن أحدهم وكان يُدعى " حبنكة " ، صاحب دار نشر فى بيروت ، كان يقول مسوّغاً نشره للظلال بدون إذن من أصحابه : إنه ينشر الدعوة الإسلامية !
إذاً عبارة الطبعة الشرعية لا تعنى شيئاً غريباً أو مثيراً للتساؤل ، بقدر ما تحفظ حقاً لأصحابه ، وتذود عنه اللصوص .
ولا أعلم أن " سيد قطب " يحتكر الحقيقة ، بل كان يعرض مالديه ، والناس تقبل به أو ترفضه ، وكان فى غاية التواضع حين آثر أن يسمى تفسيره للقرآن " فى ظلال القرآن " ، ولم يفعل كما فعل مئات المفسرين من قبله الذين سمّوا أعمالهم تفسيراً أو أحكاماً .. لقد عدّها خواطر ، وعلينا أن نقرأها ، فنستفيد منها أو نرفضها .. وإذا قارنت سلوكه ، بسلوك بعض الصبية اليساريين أو أشباههم ممن يدعون العلم أو النقد أو الأدب فى زماننا ، لوجدت أن الفارق بين الرجل وبينهم ، ما بين السماء والأرض .. ولكن غوغائيتهم ونرجسيتهم وتورّم ذواتهم يجعلهم فى مكان آخر .
إن الإسلام لا يرغم أحداً على قبوله والانضواء تحت رايته ، وفى الوقت ذاته فعلى الآخرين أن يحترموا أتباعه ، وسبق أن حسم القرآن الكريم المسألة بوضوح شديد : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. " .
ومن المؤسف أن تخصص بعض الدول الإسلامية ، نفراً من أبواقها لمهمة محددة ، هى تشويه الإسلام ورجاله ، ووصمهم بالعنف والإرهاب ، وكأنهم صاروا وكلاء عن الغرب الاستعمارى الذى جعل من القضاء على الإسلام والتشهير بعقائده وقيمه ، استراتيجية لا تتغير منذ الحروب الصليبية حتى اليوم ، وإلى ماشاء الله .
لقد كان " سيد قطب " – رضوان الله عليه - يحلم بمجتمع جديد ، وعندما قام العسكر بانقلابهم فى يولية 1952، أيدهم كما أيدتهم جماهير الأمة العربية كلها ، وحين اكتشف خداعهم ووحشيتهم ، فارقهم مع أن بعضهم كان يعد نفسه تلميذاً له أو صديقاً .. ولأنهم لم يتركوا عنصراً يمكن أن ينازعهم السلطة أو الحكم ، فقد قضوا على الأحزاب والجماعات والمؤسسات التى يُشتبه فى تأثيرها على الرأى العام ، وأدخلوا الناس جميعا زنزانة كبيرة اسمها " الوطن " .
لم يُبقوا على سيد قطب الذى كان بحق للأمة كلها وليس للإخوان أو الجماعات الإسلامية كما أشار الدكتور وحيد عبدالمجيد فى اللقاء التلفزيونى المشار إليه . لم تشفع صداقة بعضهم أو تلمذنهم له ، وقام العسكر بالحكم عليه فى عام 1954 بالسجن خمسة عشر عاما ، وأفرجوا عنه صحيا لغاية فى نفس يعقوب ، بعد أن قضى عشر سنوات تمزّق فيها صدره بالالتهاب الرئوى ، حيث أرادوا اصطياد من يلتفون حوله من بقايا العناصر الرافضة للاستبداد والقهر .. ولم يتركوه طويلاً حتى علقوه على المشنقة ، بعد أن حولوه بألسنة الزور اليسارية والمرتزقة إلى إرهابى غير مسبوق.. ومع ذلك ، فقد كان هناك من يحبونه ، ومن يشعرون بفداحة الأمة لخسارته ، بدليل توزيع كتبه فى طبعات " غير شرعية " ، وكان هناك من الشعراء من رثاه بدمع العين ، ويذكرنا الأستاذ "وديع فلسطين" بقصيدة " سيّد " التى كتبها الشاعر الراحل محمود أبو الوفا ، ويقول فيها:

(يـا سيّداً كان عندى
يـاطـاهر iiالطرفين
يـا أبـعد الناس iiخلقا
أخى ، ومن منك أولى
ومـاذكـرنـا iiعظيما



أعز من أن iiأصطفيه
مـن أمـه iiلأبـيـه
عـن كـل فعل iiكريه
بـكـل وصف iiنزيه
إلا رأيـنـاك iiفـيه)
إلى أن يقول :
وما بكى أى عصر .. إلا أعزّ بنيه )
إن سلطة تقتل رجلا يقول ربى الله ، ويحمل قلما ، ولم يدع إلى حمل سلاح ، لهى سلطة فاقدة للرشد وهى سلطة ضعيفة بكل المقاييس ، بدليل هزيمتها المروّعة عام 1967م ، وفضيحتها العالمية الداوية ، وتخلفها فى كل الميادين ... ولعل أصدقاءنا الصحفيين والكتاب الذين نأمل فيهم خيراً مثل " سليمان جودة " ، أن يتثبتوا قبل إصدار الأحكام العامة ، ولا يستجيبوا لما يبثه " مثقفو الحظيرة " من آراء وأفكار تخاصم العلم والحق والصواب ، ولا تفزع لذبح كاتب موهوب مثل " سيّد قطب " ، ولكنها تملأ الدنيا ضجيجاً من أجل " امرأة " تشتم الإسلام ، وترى الكعبة صنما ، وتدعو لتعدد الأزواج!