تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لبـنان بعـد القمـة كمـا رآه بـان كـي مـون (طلال سلمان)



الحسني
04-02-2007, 01:59 PM
لبـنان بعـد القمـة كمـا رآه بـان كـي مـون
(طلال سلمان - السفير - 2/4/2007 م)


عاش بان كي مون، خلال زيارته لبنان التي امتدت يومين طويلين، سلسلة من المفاجآت والصدمات والاكتشافات يستحيل عليه معها أن ينسى «الفرادة» التي يحظى بها هذا الوطن الصغير سواء في واقعه السياسي أم في موقعه في حركة الصراع المحتدم في المنطقة ومن حولها.

المفاجأة الأولى كانت عندما فتح نافذته في الفندق الذي حوّله نزوله فيه إلى ثكنة، فانشرح لمنظر الشاطئ وسأل مضيفه: أليس هذا هو المحيط الأطلسي؟! ابتسم المضيف لنكتة الأمين العام للأمم المتحدة، ثم انتبه إلى أنه يسأله جاداً، فكان عليه أن يرد فيصحح له منظوره الجغرافي: «بل هو البحر الأبيض المتوسط، سعادة الأمين العام، فلبنان يقع على الشاطئ الشرقي لهذا البحر الذي كان مركز «العالم القديم»...

أما المنظور السياسي فكان مستحيلاً تصحيحه، لأن هذا الدبلوماسي الذي وُلد ونشأ في وطن شطره الصراع الدولي إلى نصفين، وكان حظه أنه في الشطر الأميركي ولذلك استطاع الوصول إلى منصبه السامي، قد سمع ممن التقاهم من أقطاب السياسة في لبنان روايات متناقضة للوقائع ذاتها، وتفسيرات متعاكسة للدستور وبالتالي لمرتكزات الدولة، ومن ثم السلطة، في لبنان، بحيث يستحيل عليه أن يدعي معرفته بالحقيقة التي هي في لبنان «أرباع حقائق» لا تجتمع في واحدة!!
ولقد فوجئ الأمين العام الأممي، مثلاً، بأن الحكومة بتراء وليست طبيعية التكوين، وأنها في نظر نسبة كبرى من اللبنانيين غير شرعية وغير دستورية...

... وأن المشكلة في المحكمة ذات الطابع الدولي ليست في إقرار المبدأ، بل في ضمان ألا يكون «التدويل» مفتوحاً على الأغراض والمصالح الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً.. وأن الإجماع لبنانياً نادراً ما تحقق كما هو متحقق حول ضرورة كشف الحقيقة والاقتصاص من المخططين والمحرضين والمنفذين لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.

وبالتأكيد فقد اكتشف بان كي مون، حين ذهب السبت إلى الجنوب أن «حرباً» قد وقعت هناك!! وأن إسرائيل قد دمرت آلاف المنازل في مئات القرى، وأن بعض هذه المنازل قد دُمر ـ بالصواريخ الإسرائيلية ـ للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة إلخ... وأن مجموع الشهداء اللبنانيين نتيجة تلك الحرب الإسرائيلية قد زادوا عن ألف ومئتين.

ومن الطبيعي أن يفاجأ الأمين العام بهذه الوقائع إذ أن قمة الملوك والرؤساء العرب في الرياض، لم تجد من ضرورة للتوقف أمام تلك الحرب الإسرائيلية، ربما لأن مضيفي القمة اعتبروها ـ آنذاك ـ نتيجة «مغامرة» نفذها طرف لبناني ولكن لأغراض غير لبنانية.

... ثم ان أهل القمة كانوا معنيين بإعادة تسويق «مبادرة السلام العربية»، وهكذا فقد احتفلوا بعيد ميلادها الخامس ثم أعادوا إطلاقها وفي ظنهم أنهم يحرجون إسرائيل، فإذا بصديقهم الأميركي يخذلهم ويرد إليهم الحرج مضاعفاً، متجاهلاً أنهم كرمى لعينيه قد أغفلوا في مشروعهم لتجديد المبادرة أي ذكر للحرب الإسرائيلية على لبنان، حتى لا يعتبر ذكرها تعريضاً بنوايا السلام الإسرائيلية، أو باندفاع الإدارة الأميركية إلى إنقاذ لبنان من «مستقبل عراقي»!

لقد قرّر عرب القمة أن يروا في الحرب الإسرائيلية على لبنان «جملة إيرانية معترضة»... ربما لهذا قالت بعض ألسنة تلك القمة عشية اختتامها للإيرانيين وبشكل مباشر: «لماذا تتدخلون في الشؤون اللبنانية»؟!. بينما لم يوجه مثل هذا الكلام، لا في الماضي ولا في الحاضر، إلى الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، مثلاً، ولا حتى إلى الإسرائيليين.

٭ ٭ ٭
يقول بعض من كان قريباً إلى «سعادة الأمين العام» خلال زيارته اللبنانية، الحافلة بالغرائب والعجائب، إن الرجل قد غادرنا وهو في حالة من الذهول...

لقد جاء وفي ذهنه أنه يزور «دولة» طبيعية، فإذا هو يجول في ما يشبه «الولايات»، ترفع جميعها العلم اللبناني، لكنها لا تتبع «سلطة واحدة موحدة»، وإن كان الجميع يحرص على الشكل: فرئيس الحكومة الذي يعتبر رئيس الجمهورية مطعوناً في شرعيته بسبب من القرار الدولي 1559 الذي أدان التمديد، يرفع صورة هذا الرئيس فوق رأسه في مكتبه...

.. ورئيس الجمهورية الذي لا يعتبر الحكومة موجودة، ولا يراها مستقيلة، لا يستطيع أن يوقفها عن العمل، أو عن ادعاء الشرعية.

... ورئيس المجلس النيابي الذي يقر بشرعية رئيس الجمهورية لا يزوره، ولا يناقش معه «مبادراته»، سواء تلك التي ركزت على «الحوار»، أو الثانية التي اكتفت بـ«التشاور» أو الثالثة التي وجهت إلى السعودية استدراجاً لتحرك يجمع أطراف الصراع لديها بقصد «إلزامهم» بقبول حل وسط...

ولقد سمع الأمين العام الأممي من رئيس المجلس ما ينقض ـ بالدليل الحسي ـ روايات «رسمية» سبق لرئيس الحكومة أن تحدث بها، بل وأبلغها رسمياً إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، عبر وثائق خطية!... وكان عليه أن يقبل ما ينقض «الصورة» التي كان يحفظها لرئيس الحكومة «كبطل وطني» يقاوم التعدي على السيادة، كما الحال في كوريا الجنوبية مع الشمالية!!

أما من أقطاب السياسة، بالموالاة فيها والمعارضة، فقد سمع الرجل الآتي من وطن شطره الصراع الدولي نصفين، روايات متضاربة، إن صدقت واحدة منها تعرضت لسقوط في استنتاج خاطئ، وإن قبلتها جميعاً انتهيت إلى الافتراض أنك في مستشفى للمجانين...

ولعل أكثر ما أذهل هذا الرجل شديد التهذيب أنه سمع من جهة رسمية مسؤولة روايات عن تهريب مستمر للسلاح (الثقيل) عبر الحدود السورية، في حين أن قيادة الجيش اللبناني التي نشرت منذ شهور آلاف الجنود على طول الحدود اللبنانية ـ السورية، أكدت له أن أي سلاح ثقيل لم يمر، وأن الصور التي قدمتها له إسرائيل وقبلتها بعض الجهات الرسمية اللبنانية بل واعتمدتها وصارت تقدمها للعالم كأدلة لا تدحض، هي «صور قديمة» أو أنها «مصنوعة» و«معدلة» بما يخدم الاستثمار السياسي الذي تتقاطع عنده مصالح فئات لبنانية مع جهات أجنبية متعددة بأغراضها وأهدافها التي تتجاوز لبنان واللبنانيين.

٭ ٭ ٭
عندما تقوم «دول عديدة» على أرض وطن صغير تكون النتيجة انعدام وجود الدولة..
.. ويصير سهلاً الحديث عن اقتحام المجلس النيابي، أو عن استبداله بفندق: ألم تتحول شوارع لبنان إلى فنادق؟ فما المانع من أن تتحوّل المؤسسة التشريعية الأم إلى فندق، وأن يتحوّل الدستور إلى فطور صباحي شهي مع «الكرواسان» الفرنسي والقهوة الأميركية التي لا تشبه القهوة؟!
وفي انتظار أن يستفيق الأمين العام للأمم المتحدة من صدمته اللبنانية، وأن يعود لبنان إلى دائرة الاهتمام العربي (بعد استيعاب الصدمة الأميركية في العراق تحت الاحتلال) لا مجال لغير الاستمتاع بالطرائف اللبنانية التي لا تنتهي.