تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية جديدة لأبعاد اعتقال العلامة سلمان بن فهد العودة وتسفيره



lokman
08-13-2002, 11:17 AM
النفوس مشحونة ، والطقس حارّ ليس فقط جويا وإنما سياسيا – كما عبر أكثر من مسؤول أردني- والحضور يزداد بشكل كبير ، عصر يوم الأحد 11 أغسطس في قاعة الندوات في مجمع النقابات المهنية في حي الشميساني بانتظار مشاهدة والاستماع للشيخ سلمان العودة بعد ساعات قليلة، العشرات وصلوا ظهرا أي قبل أربع ساعات لضمان حجز المقاعد الأمامية في القاعة ، حالة لم تشهدها القاعة قبل ذلك ، والتحضيرات قائمة على قدم وساق لبث المحاضرة وتسجيلها عبر وسائل الإعلام .

مع اقتراب موعد المحاضرة ومع اكتظاظ القاعة والساحة الخارجية الكبيرة ، بدأ الجميع بالتساؤل – وقد أتوا من مختلف مناطق المملكة - : هل حقا سيسمح للشيخ سلمان بإلقاء محاضرته، هل ستتمكن الألوف من رؤية الشيخ الذي طالما استمعت لمحاضراته ولرفاقه المعروفين : سفر الحوالي ، ناصر العمر ، عبد الوهاب الطريري، والقائمة تطول ، أحد الدعاة والمفكرين تساءل ( مستغربا ) : " هل يمكن أن نشاهد بعد أقل من ساعة سلمان العوده ، لا أكاد أصدق " ، هذا السؤال كان يراود الكثير ، ولم تفلح تأكيدات منظمي المهرجان لمئات السائلين بوجود الشيخ في عمان منذ البارحة ، بإزالة الشكوك والمخاوف ..

بدأت الأنباء بالتسرب للناس حول اعتقال الشيخ ، وبدأ التوتر والقلق يسود ويسيطر على وجوه الحاضرين ، بعد دقائق أعلن عن إلغاء المحاضرة ، وطلب من الموجودين المغادرة بهدوء ، وبعد محاولات للتعبير عن الغضب والاحتجاج ، بأشكال من الهتاف والتكبير والتجمع والتجمهر أمام قوات الأمن التي أحاطت بالمكان ، عاد الناس الى منازلهم محزونين ليعرفوا ماذا حدث في عمان عبر قناة الجزيرة – في قطر – وربما عبر التلفاز الإسرائيلي !!

السياسيون والمراقبون والإعلاميون بدؤوا بالتحليل والتكهن ، وإجراء الاتصالات وانتظار التسريبات ، وكان السؤال الرئيس مادام رئيس الوزراء قد وافق على حضور الشيخ وسمح له بالقدوم ، ومن البدهي أن موافقة رئيس الوزراء لا تتم إلا بعد موافقة الأجهزة الأمنية والدوائر الرسمية المختصة ، إذن ما الجديد الذي سبب الغاء المحاضرة ؟

بعض المحللين ذهبوا إلى التأكيد على دور السفارة الأمريكية وأنه من المتوقع أنها أعربت عن عدم ارتياحها لوجود الشيخ ولمحاضرته التي ستصب في النهاية ضد الأجندة الأمريكية المرتقبة في المنطقة ، خاصة مع التذمر والهجوم الأمريكي على الخطاب الإسلامي في السعودية ، والذي يشكل الشيخ وموقعه جزءا منه . آخرون ربطوا بين بعض الاتجاهات السلفية الهامشية ، والتي تتمتع بعلاقة قوية بالأجهزة المعنية وبين الغاء المحاضرة ، إذ أنّ هذه الجهات متضررة من وجود الشيخ ومحاضرته ، والتي سيسمعها الآلاف ، فسيفسد دعايتها السياسية ضد اتجاه الشيخ وأرائه، خاصة أن العوده يمتلك شخصية كارزمية وأسلوبا فكريا قادر على الـتأثير الكبير والبالغ .. هذه التكهنات والتوقعات لم تدم طويلا ، مع تأكيد بعض التسريبات الرسمية أن الاعتقال والتسفير " أوامر عليا " ، في اليوم التالي 12 آب أعلن عن وصول أربعة آلاف جندي أمريكي إلى الأردن – لإجراء مناورات عسكرية – وفقا للرواية الرسمية ، لكن الرواية الشعبية ورواية المحللين الأردنيين تختلف كثيرا عن الرواية الرسمية ..

بدأت خيوط الموقف تتضح وتترابط لرسم اللوحة ، وبألوانها المختلفة ، تجييش إعلامي هائل منذ أيام تلفزيونيا وصحفيا ضد قطر وقناة الجزيرة ، وفتح جبهة جانبية سياسيا وأعلاميا مع دولة مثل قطر، وبحجة قناة الجزيرة، للمحاولة للتحايل والتشويش على ما جاء في برنامج الاتجاه المعاكس ضد دور الحكومة الأردنية القادم في المنطقة وفق الأجندة الأمريكية ضد العراق ، من جهة أخرى لإلهاء الرأي العام وإشغاله في قضية جانبية ، وإبعاده عن النقاش والتداول في موضوع القوات الأمريكية القادمة إلى الأردن ، في ظل الإحباط والغضب المتراكم من الظروف السياسية الحالية . إذن ، شخص مثل سلمان العوده ، تعرفه أمريكا وإسرائيل جيدا، قادر بسمته وبلغته و بفكره على امتلاك مشاعر الناس وتوجيه مواقفهم ، مما يؤدي – في المحصلة – إلى المساهمة في التعبئة الشعبية ضد المشروع الأمريكي لضرب العراق ، ولعل خبر صحيفة الدستور اليومية الرسمية في اليوم التالي لإلغاء المحاضرة – حول تسفير الشيخ – يكشف هذا الأمر ، إذ قالت أنّ السبب يعود لأن الشيخ كان ينوي انتقاد مواقف الحكومة الأردنية ‍‍‍‍، فهل أصبحت الحكومة ترجم في الغيب أم تقرأ أفكار الناس ، أم أنّ محاضر مثل العوده ومحاضرة بعنوان " الجهاد الإسلامي أم الإرهاب " و ألاف الحضور ، معادلة خطيرة على المدى البعيد ‍‍؟ ‍‍‍.

في اليوم التالي لإلغاء محاضرة الشيخ أعلن عن إلغاء كل فعاليات مهرجان مؤتة من قبل النقابات المهنية المنظمة له ، احتجاجا على ما حدث مع الشيخ ، وعلى منع الغنوشي من القدوم الى الأردن ، والدكتور محمد الأصبحي من الحديث ، وعلى المضايقات الكبيرة من قبل الأجهزة الرسمية . فالمطلوب – في الأردن – الصمت الشعبي والسياسي المطبق ، مع مهرجانات غنائية ساقطة برعاية عليا بعنوان " شعللت " ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، يشارك فيها السقط من المطربين ، و لا يجوز أن يفكر الناس فيما سيجري بعد أشهر ، شرق الأردن ، وبالتحديد في العراق. المحللون السياسيون يتوقعون اعتقالات وقائية كبيرة تطال المئات من النشطين – خاصة الإسلاميين - ، بحيث ترهب هذه الاعتقالات الناس والمعارضة ، وتكون في نفس الوقت بالونات اختبار للساحة الأردنية وتوجهاتها ومخبأتها ، لدراسة احتمالات تفاعلها مع الأحداث القادمة الخطيرة .