تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التقيا عند نقطة خير



بشرى
03-23-2003, 09:51 AM
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" متفق عليه.. فالكمال إذا صفة نادرة. وقال عليه السلام: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". قاله عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ثم لم تزل الأمة والإنسانية عامة في تردد وانحطاط. وسط هذا كله بالكاد تجد بين المائة ألف شخصا واحدا يستحق أن تقول عنه رجلا من: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"، فلا هو بالخامل المنعزل عن الناس ظانا الدين تنسكا ورهبانية ولا هو بعبد للدينار والدرهم أو الخبيصة والخميلة. فإن أراد أخونا الموفق هذا إكمال دينه ونوى الزواج وضع نُصب عينيه: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". فإن بدأ بالبحث عن هذه الشريكة تمناها كعائشة أو أسماء أو رقية. فهو يريد فيها كل لمحة إيمانية أشرقت من بين سطور تاريخ قرأه وأحبّه؛ لكنه أيضا يريدها كأجمل فتاة عصرية ويجد لنفسه في ذلك عذرا إذ يجب أن تعفه عن النظر إلى ما سواها مما تضج به الدنيا من أشكال المرأة الحرباء المتلونة. أما المؤمنة التي سمت وترفعت عن دنيا نزدان مزهوة بتنوع وتلون يسحر ذوي الألباب ويأخذ بشغاف قلوبهم، تراها وقد قنعت بالقليل، اشترت الباقية بالفانية، الصبر شعارها واليقين دثارها يكبر فيها الشموخ في زمن الانكسار. تجدها ترنو بنظرها للبعيد تنتظره ليسير بها في طريق النور، يشد عضدها، يزيل عنها وحشة الاغتراب، واضعة نصب عينيها قوله عليه الصلاة والسلام: "إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". فهي تتمنى فيه صدق أبي ذر، وإقدام خالد، وفقه معاذ، وبهاء مصعب والقائمة طويلة. ولعمري ما اجتمع هذا لأحدهم فكيف بأبناء أرذل دنيا؟ فإن وفق الله بينهما برباط الزواج ترى ما يُرمد العين ويُدمي القلب، فبدلا من أن ينظر كلا الطرفين لشريكه بعين المودة والرحمة تراه ينظر له بعين مجهرية لا تغفل شاردة ولا واردة وهي عين ظالمة تكبر القبيح وتصغر المليح، فيندلع شرر الغضب مع كل هفوة وإن صغرت، ثم يدّعي كل منهما أنه غضب لله وفي الله، وبدلا من أن يضع كل منهما يده يحنو على مثالب الآخر ومعايبه فيسترها ويحاول إصلاحها برفق وتؤدة تجده يغرز فيها مخالبه ويشحذ لها لسانه، ويجدّ ويجتهد في نبشها؛ هذا وقد قال جلّ وعلا واصفا مكان الزوج من زوجه: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"..
رفقا بنفسك أخيّ ورفقا بنفسك أخيّة، فلا ينبغي أن يضع كل منكما مقاييس خيالية لشريك حياته ولينظر الجميع إلى واقع الحال. لتتسع الصدور فيتراحم الغرباء في زمن الغربة ولندرك أننا نحيا عيش القابض على الجمر: فلقد وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم رحماء بينهم وأنهم أذلّة على المؤمنين، فإن كانت الرحمة والرقة مطلوبة بين المؤمنين، فهي مطلوبة بين الزوجين من باب أولى. فنجد أخواتنا الملتزمات تتخطى إحداهن العقد الثالث رافضة الارتباط بمن ترى في دينه رقة وإن لم يخرجه ذلك عن الملة.. ولو أنا فهمنا الفهم الصحيح لمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "من ترضون خلقه ودينه.." لما كانت هذه المعضلة؛ إذ لا ينبغي أن يقاس الخاطب بالصدّيق والفاروق لأنا إن فعلنا فلن تتزوج النساء قط. إنما تكون عين الرضا قياسا بأمثل أهل الزمان وقد كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يُقبل ويُرد كزوج. فكم من موفقة تزوجت مسلما مقيما على بعض الذنوب التي لا تخرجه من دائرة الإسلام ولا تدخله في دائرة الكبائر فأعانها الله لإصلاح عيبه وردّه إلى رشده وصنعت منه رجلا قدوة في إيمانه وتقاه فنالت بذلك أجره وفضله عند الله فلا داعي لكل هذا التشدد. فلتعلمي يا من رددت هؤلاء أن من علامات صلاح أحدهم خطبته لك ورغبته فيك لأنك ذات دين، وهو يعلم أنك صوامة بالنهار قوامة بالليل مع ذلك سعى إليك وأرادك دون سواك.. ووالله لشاب مهما كانت عيوبه لا يرضى إلا بذات الدين لهو شاب خيّر ومبارك إن شاء الله. فرفقا بنفسك أخيّة ورفقا به فنحن في زمان رباط ومجاهدة، وإحصان مسلم وبناء أسرة يستحق قليلا من التضحية. وماذا لو تنازل الطرفان قليلا لنلتقي عند نقطة الوسط فنحن أمة وسط والله هو الموفق لكل خير وفلاح.