تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يا بني (رسالة الى كل شاب اعزب)



chidichidi
03-31-2007, 06:39 AM
يا أبني.........



http://www.odabasham.net/images/alitantawi0307.jpg

الشيخ: علي الطنطاوي
]إلى السيد م.أ من (الإسماعيلية)بمصر, الذي كتب إلي ّ واستحلفني أن أقرأ كتابه, وأن أردّ عليه[
لماذا تكتب إليّ على تردد واستحياء؟ أتحسب أنك أنت وحدك الذي يحس هذه الوقدة في أعصابه من ضرم الشهوة, وأنك أنت وحدك الذي أختص بها دون الناس أجمعين ؟
لا, يا ابني , هوّن عليك , فليس الذي تشكو داءك وحدك , ولكنه ( داء الشباب ) , وقد كتبت فيه قديماً و حديثاً , ولولا أني لا أحب الحديث المعاد , ولا أقتني – مع الأسف- إلاّ الأقل من مقالاتي القديمة من مقالاتي القديمة لنقلتها إليك , أو لأ حلتك عليها.
ولئن أرّقك هذا الذي تجد وأنت في السابعة عشرة , فلطالما أرّق كثيرين غيرك , صغاراً وكباراً , ولطالما نفى عن عيونهم لذيذ الكرى , و لطالما صرف عن درسه التلميذ , وعن عمله العامل , وعن تجارته التاجر . وما الحب الذي افتنّ في وصفه الشعراء, وفي تحليله الأدباء ,إلاّ ما تجده أنت , سواء بسواء , ولكنك أخذته مجرداً مكشوفا ً , فعرفه الناس فلم يخُدعوا عنه , وأخذوه فلفُّوه بمثل الورق (الشكلاطة ) ليخدعوا عن حقيقته الناس , وشربت بفيك من الينبوع , وشربوا بالكأس المذهبة الحواشي , والماء في كأس أبي نواس التي أقام في قرارتها كسرى , كالماء في الساقية , والشهوة في رسالتك إليّ كالشهوة في غزل الشعراء ,وشعر الغزليين , ولوحات المصورين , وألحان المغنيين , ولكن الضمير ها هنا بارز ظاهر , والضمير هنالك مستتر خفي, وشر الداء ما خفي واستتر !
إنه ما أشرف على مثل سنك أحد إلاّ وتوقد في أعضابه في نفسه شىء كان خامداً , فأحسّ حرّه في أعصابه , وتبدلت في عينه الدنيا غير الدنيا , والناس غير الناس , فلم يعد المرأة على حقيقتها إنساناً من لحم ودم , له ما للإ نسان من المزايا , وفيه ما فيه من العيوب , ولكن أملاً فيه تجتمع الآمال كلها , وأمنيّة فيها تلتقي الأماني, ويلبسها من خيال غريزته ثوباً يُخفي عيوبها ويستر نقائضها, ويلبسها تمثالاً للخير المحض والجمال الكامل , ويعمل منها ما يعمل الوثني من الحجر : ينحته بيده صنماً , ثم يعبده بطوعه رباً! إنّ الصنم للوثني رب من حجر , والمرأة للعاشق وثن من خيال!
كل هذا طبيعي معقول , ولكن الذي لا يكون أبداَ طبيعياً ولا معقولاً , أن يحس الفتى بهذا كله في سن خمس عشرة , أو ست عشرة سنة , ثم يضطره أسلوب التعليم إلى البقاء في المدرسة إلى سن العشرين أو خمس وعشرين.
فماذا يصنع في هذه السنوات , وهي أشد سنيّ العمر اضطرام شهوة , واضطراب جسد , وهياجاَ وغليانا ً ؟
ماذا يصنع؟
هذه هي المشكلة.
أما سنة الله , وطبيعة النفس , فتقول له : تزوًج .
وأما أوضاع المجتمع وأساليب التعليم فتقول له : اختر إحدى ثلاث كلها شر , ولكن إياك أن تفكر في الرابعة التي هي وحدها الخير , وهي الزواج.
إما أن تنطوي على نفسك , على أوهام غريزتك وأحلام شهوتك , تدأب على التفكير فيها , وتغذيها بالروايات الداعرة , و ( الأفلام ) الفاجرة , والصور العاهرة , حتى تملأ وحدها نفسك , تستأثر بسمعك وبصرك , فلا ترى حيثما نظرت إلاّ صور الغيد الفواتن , تراهن في كتاب الجغرافيا إن فتحته , وفي طلعة البدر إن لمحته , وفي حمرة الشفق, وفي سواد الليل , وفي أحلام اليقظة , وفي رؤى المنام .
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثّلُ لي ليلى بكل سيبل
ثم لا ينتهن بك الحال إلاّ إلى الهوس أو الجنون أو انهيار الأعصاب .
وإما أن تعمد إلى ما يسمونه اليوم العادة السرية , وقد كان يسمّى قديما ً غير هذا , وقد تكلًم في حكمه الفقهاء , وقال فيه الشعراء , وكان له في كتب الآداب باب لا أحب أن أدلّ عليه أو أرشد إليه , وهو وإن كان أقلً الثلاثة شراً , وأخفها ضراَ ; ولكنه إن جاوز حده ركب النفس بالهم , والجسم بالسقم , وجعل صاحبه الشاب كهلا ً محطما ً , كئيبا ً , مستوحشا ً , يفر من الناس , و يجبن من لقائهم , ويخاف الحياة ويهرب من تبعاتها , وهذا حكم على المرء بالموت وهو في رباط الحياة .
وإما أن تغرف من حمأة اللّذة المحرمة , وتسلك سبل الضلال , وتؤم بيوت الفحش , تبذل صحتك وشبابك ومستقبلك ودينك في لذ ّة عارضة ومتعة بارعة , فإذا أنت قد خسرت الشهادة التي تسعى إليها , و( الوظيفة ) التي تحرص عليها , والعلم الذ ي أملّت فيه , ولم يبق لك من قوَّتك وفتوتك ما تضرب به في لجّ العمل الحر ّ.
ولا تحسب بعد ُ أنك تشبع , كلا , إنك كلما واصلت واحدة زادك الوصال نهما ً, كشارب الماء المَلح , لا يزداد شربا ً إلا ّ إزداد عطشا ً , ولو أنك عرفت آلافا ً منهن ثم رأيت أخرى متمنعة عليك , معرضة عنك , لرغبت فيها وحدها , وأحسست من الألم لفقدها مثل الذي يحسه من لم يعرف إمرأة قط ّ , وهاك فاروق مثلا ً !
وَهَبك َ وجدت منهن كل ما طلبت , ووسعك السلطان والمال , فهل يسعك الجسد ؟ وهل تقوى الصحة على حمل مطالب الشهوة ؟ دون ذلك وتنهار أقوى الأجساد . وكم من رجال كانوا أعاجيب في القوة وكانوا أبطالا ً في الرَّبع والصرع والرمي والسبق , ما هي إلا ّ أن استجابوا إلى شهواتهم , وانقادوا إلى غرائزهم ,حتى أمسَوا حطاما ً....
إنّ من عجائب حكمة الله أنه جعل مع الفضيلة ثوابها : الصحة والنشاط . وجعل مع الرذيلة عقابها : الانحطاط والمرض. ولرُبّ رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه كابن ستين , وابن ستين يبدو من العفاف كشاب في الثلاثين , ومن أمثال الإفرنج التي سمعناها وهي حق وصدق : من حفظ شبابه حُفظ له شيخوخته.
ولو تُرك الرجل لغريزته , ولم تكن هذه المغريات من الصور والروايات والأفلام ,وتكشّف النساء وشيوع الفاحشة , لما هاجت به الغريزة إلا ّ مرة أو مرتين في الشهر والشهرين , لأن من القواعد الثابتة في العلم أنه كلما ارتقى الحيوان (والإنسان هنا حيوان ) في سلّم التطور , قلَّ عنده السفاد وطال الحمل , فالديك والدجاجة قلَّ عنده السّفاد وطال الحمل , فالديك والدجاجة يتسافدان كل يوم لأن مدة الحمل (البيضة ) يوم واحد , أما القط (وهو من ذوات الأثداد ) فيسافد القطّة مرة أو مرتين لأن حملها مرة في السنة أو مرتين . وأظن أنَّ الإنسان أرقى من القط ّ , فلماذا يكون للقط ّ موسم واحد ,هو عندنا شباط (فبراير) وتكون شهور السنة كلها شباط عند بعض الناس ؟ لهذه المغريات !
فالبلاء كله من هذه المغريات ,من دعاة الشر ورسل إبليس , الذين يزينون للمرأة التكشف والتبرج والاختلاط باسم المدنية والتقدمية والنهضة النسائية , وما يُعنون بالمرأة إلا ّ كعناية الجزار بالنعجة , يطعمها ويدفع عنها ويحميها ويسمّنها , ولكن للذبح ...
والذين دأبوا على نشر صور العاريات في مجلاتهم من الممثلات الأجنبيات أولا ً, ثم من بنات المدارس بدعوى الرياضة , ونساء السواحل بحَّجة الاصطياف , وعملوا على ذلك الدهر الطويل , على خطة مرسومة , وسبيل معينة ,صابرين محتسبين لوجة إبليس , ولولاهم ولولا مجلاتهم ولولا تلك الروايات من قبل وهاتيك الأفلام من بعد ,ولولا الذين تخرجوا بمدرسة الضلال, ثم وَلُوا – مع الأسف – أمر أبنائنا وبناتنا في مدارسنا , ما رأينا ولا توهمنا أننا سنرى يوما ً , بنات المسلمين يكشفن عن سيقانهن وأفخاذهن , للعبة بكرة السلة , أو لعرض في حفلة الرياضة , أو لاصطياف على الساحل , ولو بُعث قاسم أمين ومن شايعه على دعوته من رؤوس الفتنة , ورأوا إلام انتهت إليه المرأة بدعوتهم ( التي أرادوا بها غير هذا ) لأخذتهم الصَّعقة !
وأؤكد لك أن َّ (ذلك الأمر ) في حقيقته أتفه وأهون مما تظن , وأن َّ الحديث عنه أعظم منه , ووصفه أكبر أثرا ً في النفس من فعله , ولولا هذا الفن : فن الشعر والقصة والتصوير والغناء , ولولا هذا الذي يجمّل المرأة , ويحسن الحب , لما رأيت لتلك (الصلة الجسمية ) في نفسك ولا نفس غيرك من الشباب عشر ما تحسّه اليوم , إنها عملية كالعمليات الطبية كلها , إنها قذرة حقا ً , لذلك وضع الله لها هذا ( البنج) الذي يُعمي ويُصم ّ , فلا يرى المرء القبح فيها , وهذا البنج هو الشهوة , ولو فكَّر المرء فيها هادئا ً , لو فكَّر فيها بعقل رأسه لا بعقل أعصابه لما رآها إلا َّ كما أقول .
وهذه المغريات كلها لا تعمل عملها , ولا تؤتى المرَّ من ثمارها , ما لم يوجد رفيق السوء , الذي يدلك على طريق الفاحشة , ويوصلك إلى بابها , إنَّها كالسيارة الكاملة العدة , وهذا الرفيق كالزناد (المارش ) , وليس تمشي السيارة مهما كانت قوتها إلا َّ بالزناد .
وكأني أسمعك تقول : هذا هو الداء , فما الدواء ؟
الدواء أن تعود إلى سنّة الله , وطبائع الأشياء التي طبعها الله , إن َّ الله ما حرَّم شيئا ً إلا َّ أحلَّ شيئا ً مكانه , حرَّم المراباة وأحلَّ التجارة , وحرَّم الزنا وأحلَّ الزواج , فالدواء هو الزواج .
الزواج وحده طريق الإصلاح , وأنا أقترح على الجمعيات الإسلامية والنوادي الإصلاحية أن تؤسس قسما ً جديدا ً يرغب الشبان في الزواج , ويدعوهم إليه ,ويسهله عليهم , ويدلّ الخاطب على الفتاة التي تصلح له ويصلح لها , ويقرضه المال إن كان معسراً , ولهذا الاقتراح تفصيلات وذيول , من استجاب له وأراد العمل به ,شرحت له تفصيلاته .
فإذا لم يتيسر لك الزواج , ولم ترد الفاحشة , فليس إلا َّ التسامي , وأنا لا أريد أن أعقِّد هذا الفصل الذي أكتبه ليكون مفهوما ً واضحا ً, بمصطلحات علم النفس , لذلك أعمد إلى مثال أمثله لك : أترى إلى إبريق الشاي الذي يغلي على النار , إنك إن سددته فأحكمت سدَّه , وأوقدت عليه , فجَّره البخار المحبوس , وإن خرقته سال ماؤه باحترق الإبريق , وإن وصلت به ذراعا ً كبيراً كذراع القاطرة , أدار لك المصنع وسيَّر القطار , وعمل الأعاجيب . فالأولى حالة من يحبس نفسه عن شهوته , يفكر فيها ويعكف عليها , والثانية حال من يتبع سبل الضلال , ويؤم مواطن اللذة المحرمة , والثالثة حالة المتسامي .
فالتسامي هو أن تنفِّس عن نفسك بجهد روحي أو عقلي أو قلبي أو جسدي يستنفذ هذه القدرة المدخرة , ويخرج هذه الطاقة المحبوسة , بالالتجاء إلى الله , والاستغراق في العبادة , أو بالانقطاع إلى العمل والانغماس في البحث أو بالتفرغ للفن والتعبير عن هذه الصور التي تصورها لك غريزتك بالألفاظ شعرا ً, أو بالألوان لوحة ً , أو بالالحان نغما ً , أو بالجهد الجسدي والإقبال على الرياضة , والعناية بالتربية البدنية أو بالبطولة الرياضية .
والإنسان يا ابنى محبًّ لنفسه لا يقدم أحدا ً عليها , فإذا وقف أمام المرآة , ورآى استدارة كتفيه ومتانه صدره , وقوة يديه , كان هذا الجسم الرياضي المتناسق القوي أحب ّ إليه من كلّ جسد أنثى , ولم يرضَ أن يضحي به , ويذهب قوته ويعصر عضلاته ويعود به جلدا ً على عظم ,من أجل سواد عيني فتاة , ولا من أجل زرقتهما ...
هذا هو الدواء : الزواج , وهو العلاج الكامل ,فإن لم يمكن فالتسامي , وهو مسكِّن مؤقت ,ولكنه مسكِّن قوي , ينفع ولا يؤذي .
أما ما يقوله المغفَّلون , أو المفسدون , من أن َّ دواء هذا الفساد الاجتماعي هو تعويد الجنسين على الاختلاط حتى تنكسر بالاعتياد حدّة الشهوة , وفتح (المحلات العمومية ) حتى يُقضى بها على البغاء السري ,فكلام فارغ , وقد جرّبت الاختلاط أمم الكفر فما زادها إلا َّ شهوة ً وفسادا ً , أما المحلات العمومية فإننا إذا أقررناها وجب أن نوسعها حتى تكفى الشبان جميعا ً , وإذن فينبغي أن يكون في القاهرة أكثر من عشرة آلاف بغي ّ , لأن في القاهرة ( من أصل المليونين ونصف المليون من سكانها ) مئتي شاب على الأقل...
وإذا نحن جَوَّزنا للشباب ارتيادها فاسغنوا بذلك عن الزواج , فماذا نصنع بالبنات ؟ هل نفتح لهن محلات عمومية فيها (بغايا ) من الذكور ؟ !

* * *
كلام فارغ يا ابني والله , وما تقوله عقولهم ولكن غرائزهم , وما يريدون إصلاح الأخلاق , ولا نشر المدنية , ولا الروح الرياضية , ولا الحياة الجامعية , إنما هي ألفاظ يتامظون بها , ويبتدهون كل يوم جديدا ً منها يهوِّلون به على الناس , ويروِّجون به لدعوتهم , وما يريدون إلا َّ أن تخرج لهم بناتهم وأخواتنا , ليستمتعوا برؤية الظاهر والمخفي من أجسادهن , وينالوا الحلال والحرام من المتعة بهن , ويصاحبوهن منفردات في الأسفار , ويراقصوهن متجملات في الحفلات , وينخدع مع ذلك بعض الآباء , فيضحون بأعراض بناتهم ليقال : إنهم من المتمدنين .
وبعد يا ابني ... فلا تتردد في الكتابة إلى ّ إن لم يُرضك هذا الجواب , ولا تستحي مما تجد من حر ّ هذه الشهوة التي ركّبها اللة في النفس , إنَّها علامة القوة والأيد والشباب , وعليك بالزواج , ولو أنك طالب لا تزال , فإن لم تستطعه فاعتصم بخوف الله , والانغماس في العبادة والدرس , والاشتغال بالفن , وعليك بالرياضة فإنها نعم العلاج .
والحديث طويل , وهذا ما اتسّع له مجال المقال , ومَن استزادني زدته رسالة إن شاء , أو مقالة إن شاء الناشرون .