تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أبو سعدى وأبو الرعب يأكلان الحصرم .. والأبناء يضرسون



من هناك
03-29-2007, 03:51 AM
أبو سعدى وأبو الرعب يأكلان الحصرم .. والأبناء يضرسون

المستقبل - الخميس 29 آذار 2007 - العدد 2572 - شباب - صفحة 8



عمر حرقوص
يحاول بعض الشباب هذه الأيام تسمية "أبطالهم" بأسماء تذكّر بالحرب الأهلية سيئة الذكر. يومها درج الناس الميليشيويون على مناداة بعضهم بألقاب لها علاقة بالخوف، وربطت هذه الأسماء بالأب ليصبح حاملها أباً للرعب أو أباً للهول والجماجم وغيرها من تسميات قصد فيها الناس وضع شخصيات عادية بمكان الخرافة. ومما ساهم في طغيان الرواية الخرافة وقوع كمية مجازر مارسها اللبنانيون بحق بعضهم إضافة إلى المجازر الثانية، فصار لكل مجزرة أب يمارس سطوته عبر أفعال منسوبة إليه، لتنتقل على ألسن الناس خبريات لم يقم بها عنترة بن شداد.
تماهى الكل مع هذه التسميات، ففي كل شارع كان هناك ديك يناديه أهل الحي باللقب الذي يناسب حضوره وتاريخه وما تيسر من أفعاله المتناغمة مع تلك الفترة. بعض التسميات التي استعملت يومها اندثرت مع ممات حامليها أو مع تغير السياسة وتقلبها، وأخرى عاشت طوال الحرب وبقيت كما هي بلا تغيير لأن أصحابها تمددوا مع التغيرات وانتشروا فيها، وتشرذموا منسحبين أمامها، ليتمكنوا لاحقاً من إضافتها إلى تاريخهم المجيد.
كانت جدران بيروت بشطريها تحمل الأسماء المشتركة، فـ"الأبطال" الذين مارسوا الهجومات والهجومات المضادة، محتلو البيوت وحارقو المدن تشاركوا بأشياء كثيرة ومنها أسماء بقيت في ذهن الناس سنوات طويلة ترتبط بالبطولة والخوف والرعب وغيرها. من هذه الأسماء تداول "القبضايات" أسماء مثل "أبو الطول" وهو لقصيري القامة من المقاتلين، و"أبو الرعب" لمن يستطيع أن يجعل شلة شباب مسالمين حين خروجهم من السينما يركعون أمامه، ليأخذهم إلى تدشيم محاور القتال بعدها. إضافة إلى أسماء من مثل "أبو ليلى" و"أبو النار" وهما ممن كانوا يساهمون في نشر ثقافة تعبئة أكياس الرمل وإغلاق المحاور بسرعة في سبيل منع العدوان الغاشم من المرور في مناطقهم.
في الفترات التي تلت الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 برزت نوعية جديدة من الأسماء مثل "أبو تراب" و"أبو حديد"، وغيرها مثل "أبو صخر"، الذي يعني في بعض المناطق إسماً مؤمناً كالصخر الذي لا يتكسّر، وفي مناطق أخرى يعني مفتت الصخر. وفي بعض الأحياء "أبو صخر" هو موزّع المخدّرات من نوع الهيرويين على "الأشاوس". أما "أبو سلطان" فاسمه يدل عليه بلا أي إشارة، وهو من مستمعي الأغنيات الطربية وعاشق النساء اللواتي لا يستطيع الوصول إليهن. يسهر حتى الصباح مستمعاً "للست" أم كلثوم، موقظاً أهالي الحي الساكتين على ضيم الأيام. صديقه "أبو جنط" وهو المختص بتغيير سيارته كل أسبوع، يضع في إحدى غرف بيته إشارات السيارات التي حصل عليها في زياراته "الليلية"، وهو يفضل دائماً سيارات "الترانس أم، دوبل موتور" لأنها تسير على دولابين بدون أي مشاكل، مع صوت يخرق جدار الجارة الشقراء التي تنتظر مروره أمام بيتها لتذوب كالشمعة، على ما يقول لأولاد الحي.
في أحياء ثانية كانت الحماية من "زيارات" أبو جنط الليلية تكلف أصحاب السيارات الجديدة بعض "الهدايا" للحراسة الليلية التي يتكفّلها "أبو زمبريطة" وشلّته من الشبان السهّيرة على أمن الحي وتوابعه، مما يساهم في تنقية ليالي الأهالي من السرقات الكبيرة، وتبقي فقط على فقدان بعض المسجلات من السيارات.
كان لكل سجّان اسم يكتمل مع تكوينه النفسي إضافة إلى كمية الحركات التي يقوم بها أثناء تعذيب أبناء المنطقة الثانية، أحد السجانين كان يدعى "مستر آر بي جي"، كان يهوى تهديد المعتقلين بتفجيرهم بقنابل قاذفات "الآر بي جي" ليعترفوا بانتماءاتهم، مع أنه تنقل من حزب ليبرالي يميني إلى منظمة تتمول من المخابرات السورية "أول حرف من اسمها صاعقة". لينتقل بعدها إلى حركة مؤمنة، ومنها إلى حزب مؤمن ليسجل مع قلائل غيره هذا العدد والتنوع في التغيير، ليصبح إسمه لاحقاً "أبو سهم"، فهو يعرف صعود وهبوط أسهم الأحزاب، مثلما يعرف خبراء البورصة صعود وهبوط الأسهم المالية.
"أبو سعدى" هو اسم الرجل الذي ربى عدداً كبيراً من الشباب من جماعة "الأبو"، وسمي "أبو سعدى" بسبب كثرة قناني العرق التي تجمّعت خلف بيته من ماركة تحمل الإسم نفسه. كان يدرب تلاميذه على الانتقال من حزب وعقيدة إلى حركة ومنظمة، واشتهر بافتتاحه أول "دكان" يوم صارت الحرب فعلية بعد "الجولات"، ليستنسخ "الأبوات" دكاكين جديدة لها مسميات مختلفة. أحد تلاميذه سمي "ذبّاح" لأنه وجد في إحدى الليالي منقوعاً في بركة ماء ليزيل كمية الدماء الموجودة على ثيابه، صرخت قريبته صوتاً جمع أهل الحي، فبرّر "أبو سعدى" أن تلميذه النجيب كان يذبح دجاجة ووقع في البركة.
أما "أبو حرامات" وهو المعني بتوزيع الإعاشة على المهجرين من بيوتهم، فكان مع شريكه "أبو طحين" يوزعان ثلث المواد المسجّلة للناس ويتقاسمان الثلثين الباقيين على نفسيهما. ظلا يتقاسمان الموارد، ويسجلان الأرقام القياسية في رفع حساباتهما المصرفية حتى وصلا إلى وادي الذهب. يومها قال الكريم خذ، فأخذا وأخذا وأخذا حتى رأيا الديك يبيض ذهباً.
إضافة إلى جماعة "الأبو"، كانت هناك أسماء فردية مثل: "زوربا" وهي محاولة من صاحبه المغني على القيثارة لتقليد زوربا اليوناني كما في الفيلم الذي شاهده في السينما المفتتحة حديثاً للمقاتلين قرب محور بناية فتال. و"يوري" في محاولة لتقليد رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين، خط أبيض وبعدها شمة "ومنصير على سطح القمر" حسبما أخبر شبان الحي مرة، ويشبّه الصاروخ الصاعد إلى الفضاء وما يتركه من دخان أبيض خلفه بخط الشم الذي يستعمله. و"بونانزا" لترتسم صورته لدى الناس ممتطياً فرساً بيضاء، يحمل مسدسين ورشاش حث إضافة إلى راجمة غراد 40 صاروخاً للرمي بعيداً فتسقط في أحراج جبل لبنان موقعة الخسائر بمئات الأشجار، فتتدخل "غرين بيس" رحمة بالبيئة التي تسقط شهيدة في لبنان، فيختطف إعلامي غربي، فيما الخاطفون يطلبون تحرير أوغندا وشمال بلاد الواق واق من شعوبها. يتجول "رامبو" في الأحياء مقلداً بطل الفيلم الأميركي وهو يحتل "فييتنام" مسقطاً عدداً من دجاجات بلديات "يكزدرن" في المزبلة المجاورة.
في هذه الأيام زاد الشباب أسماء متنوعة فأصبح لدينا "أبو سرماية" في مواجهة المحكمة الدولية، وأبو هدار نسبة لصوته الهادر كصاروخ يخترق حيفا وما بعد بعد حيفا حين يقف على أبواب مجلس النواب مسجلاً رقماً قياسياً في جعل الناس يقعون باليأس ويهربون من البلد.. وعندنا "أبو سرّة" يا ليمون، معلم جديد للغة العربية وتعابير تحولت من الشوارع إلى آداب الصالونات. كما عندنا أبو "لمبة" و"أبو فوفو" وابن عمه "أبو مجدرة" وغيرها من "أبوات" حديثة تغطي على التسميات المعروفة، لتكتمل طاولة المازات اللبنانية، و"كاسك يا وطن".