تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تحالف عوني ايراني في لبنان



ابن خلدون
03-20-2007, 09:38 PM
هكذا حصلت الجريمة
لكن كيف حصلت عملية الاغتيال، وما النتائج التي توصلت اليها التحقيقات القضائية يومذاك، ولماذا لم تستكمل؟ اسئلة اجاب عنها لـ"النهار" قائد الشرطة القضائية السابق العميد الركن المتقاعد عصام ابو زكي، وكان من اوائل الذين تولوا التحقيق في جريمة اغتيال كمال جنبلاط ومرافقيه، وهو الذي عمد الى جمع الادلة من مسرح الجريمة بعدما كان اول من وصل اليه.
يبدأ العميد ابو زكي حديثه مستعيناً بذاكرته وارشيفه وملفاته واوراقه، ويؤكد ان المخطط لاغتيال جنبلاط بدأ بمضايقته على الحواجز السورية حيث كان يعترض الضباط السوريون على وجود مرافقي جنبلاط في سيارة اخرى تواكبه، وعندما كان يؤكد لهم حيازنه رخصة لستة عشر عنصراً كان الجواب: "يجب ان تكون العناصر معك وليس في سيارة اخرى". وكان جنبلاط يسألهم "واين اضع هذا العدد في سيارتي؟" حتى ملّ جنبلاط من هذا الوضع وقرر الا يصحب احداً معه".
يضيف ابو زكي: "هذا الاسلوب يذكرنا تماماً بسحب عناصر الحماية من الرئيس الحريري".
وعن الوقائع التي حصلت يوم الاغتيال، يقول ابو زكي: "في ذلك اليوم المشؤوم في 16 آذار 1977، كنت متوجهاً من بيروت الى بعقلين حوالى الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر، ولدى وصولي الى مفرق دير دوريت شاهدت سيارة بونتياك "فيرل برد" تحمل لوحة عراقية متوقفة الى جانب الطريق ومفتوحة الابواب، وفوجئت في الوقت نفسه بوجود جثتين على الارض، الاولى بلباس عسكري والثانية بلباس مدني. وعندما اكملت طريقي فوجئت بسيارة المرسيدس العائدة للشهيد كمال جنبلاط وهي تحمل الرقم 5888، وبقربها وقف رئيس بلدية غريفة نديم حرب (وهو ما زال حياً) يلطم رأسه بها ويبكي، والى جانبه الضابط السابق في الجيش معين ابو شقرا، ولما رآني صرخ قائلاً "نزال شوف مين في بالسيارة". ورأيت مشهداً لن انساه ما حييت عمري. كان المعلم كمال جنبلاط داخل السيارة مائلاً بجسده ناحية اليسار والدم ينزف من رأسه حتى ربطة عنقه، والى جانبه كتاب "نكون او لا نكون". كان منظراً مؤلماً ومرعباً. ولاني ضابط امن مفصول الى المباحث العامة، وكونه لا يوجد يومها مخافر ولا قوى امنية في الجبل، بدأت فورا بالحفاظ على مسرح الجريمة لانه الدليل الوحيد الذي سيؤدي الى اكتشاف الفاعل، لان المجرم دائماً يترك اثراً. هكذا جمعت القذائف الفارغة، واستدعيت احد المصورين الذي التقط صوراً للشهيد ولرفيقيه، ثم فتشت سيارة البونتياك وعثرت في داخلها على اشرطة تسجيل وسكاكين مسنونة وحادة كالشفرة ومواد حارقة... بعدها بدأ المواطنون يصلون الى مكان الجريمة وهم في حالة من الذهول، وكان من بين الواصلين شيخ عقل الطائفة المرحوم الشيخ محمد ابو شقرا، الذي ذهل من هذا المنظر، وصرخ بي قائلاً: "يا عصام لا يجوز ان يبقى كمال جنبلاط مقتولاً في السيارة ومتروكاً على الطريق، شو فرجه عم تتفرجوا؟" وطلب نقله الى المختارة، فقاد السيارة شاب اسمه عادل حرفوش، وما زالت السيارة كما هي في قصر المختارة، تحمل آثار الجريمة".
ويتابع ابو زكي متذكراً وقائع ذلك اليوم الحزين: "... ثم وصل وليد جنبلاط الى المختارة بسيارة العميد رجا حرب، وتقدم مني واخبرني ان عناصر الحاجز السوري في منطقة الزير في الدامور صادروا مسدسه ومسدس رجا حرب، مع علمهم بأن والده استشهد. ثم بدأ جنبلاط يوجه تعليماته الى الجميع لوقف مسلسل الفتنة والحوادث الدموية التي رافقت عملية اغتيال كمال جنبلاط وسقط فيها عدد كبير من الضحايا الابرياء في منطقة الشوف".
وبرأي ابو زكي ان معظم الذين ارتكبوا المجازر في الشوف وبقية المناطق عشية اغتيال جنبلاط هم من المجموعات الدرزية التابعة للسوريين وقتذاك، ومن المطلوبين للعدالة، وان جنبلاط حرص كل الحرص على حماية الناس ووأد الفتنة.
وعن كيفية حصول جريمة الاغتيال وفق ما توصلت اليه التحقيقات، يقول ابو زكي: "يوم الجريمة كانت سيارة البونتياك متوقفة على مثلث بعقلين بالقرب من حاجز سوري معروف بحاجز الدوار، وكان برئاسة الضابط السوري محسن سلوم. كانت مهمة مَن في سيارة البونتياك رصد تحركات سيارة كمال جنبلاط اثر خروجها من المختارة، فما ان مرت سيارة جنبلاط حتى لحقت بها البونتياك، وكان جنبلاط في سيارته "المرسيدس" التي كان يقودها مرافقه حافظ الغصيني، وفي الخلف جلس مرافقه الآخر العريف في قوى الامن الداخلي فوزي شديد، متوجهين نزولاً من بعقلين ناحية دير دوريت باتجاه بيروت. وكانت الساعة تقارب الثانية والربع بعد الظهر، عندما اعترضت سيارة البونتياك، والتي بداخلها اربعة اشخاص مسلحين اثنان منهما بلباس عسكري مرقط، سيارة كمال جنبلاط بعدما تجاوزتها واقفلت عليها الطريق عند منعطفات دير دوريت، وترجل منها المسلحون شاهرين سلاحهم واقتادوا السائق حافظ الغصيني مع العريف فوزي شديد الى سيارة البونتياك، وصعد اثنان من المسلحين الى سيارة المرسيدس حيث كان الشهيد جنبلاط، فقادها احد المسلحين فيما جلس الاخر في المقعد الخلفي، وتبعتهم سيارة البونتياك، وبداخلها المسلحان الاخران ومعهما مرافقا جنبلاط، وصودف مرور سيارة مدنية من هناك، فأمرها المسلحون بمتابعة السير. ويروي صاحب هذه السيارة انه سمع صوت الشهيد جنبلاط وهو يسأل المسلحين "مين انتو يا عمي؟" وكما ثبت لدينا من خلال التحقيق، ان الشهيد جنبلاط عندما شعر بالخطر، وكونه في منطقته وبين اهله، حاول ان يلفت اليه الانتباه فقام بتغيير وجهة السيارة، وهذا مؤكد لدينا، لان الشخص المسلح الذي تولى قيادة سيارة الشهيد جنبلاط اوقفها بشكل مفاجئ، ما ادى الى اصطدام سيارة البونتياك التي كانت تسير خلف المرسيدس بمؤخرتها من ناحية اليسار، وهذا كان ثابتاً لدينا من خلال التحقيق، اذ ظهرت آثار الاصطدام في مقدمة البونتياك ومؤخرة المرسيدس، وتم اطلاق النار على الشهيد جنبلاط من المسلح الذي كان يجلس في الخلف. وتبين من الكشف الطبي ان الشهيد جنبلاط اصيب برشقات عدة: ثلاث رصاصات في ذراعه اليمنى المحطمة العظم وثلاث رصاصات في الصدر من ناحية اليمين نفذت احداها الى الكتف الايسر، وعدة رصاصات في القسم العلوي من الجمجمة حطمت العظم واتلفت المادة النخاعية وهي التي سببت الوفاة. لقد كان رأس الشهيد مهشماً كلياً من الخلف وكان دماغه ملتصقا في سقف السيارة. وقام المسلحان في سيارة البونتياك بانزال فوزي شديد وحافظ الغصيني واطلقا عليهما الرصاص، ثم فر المسلحون في سيارة البونتياك التي كانت تحمل لوحات عراقية، الا انهم، وبسبب اضطرابهم، اصطدموا بمرتفع ترابي فتركوها واستقلوا بالقوة سيارة فيات كانت تمر صدفة في المكان يقودها سائقها سليم حداد، وبقربه شاب يدعى جميل عازار، فارغموا عازار على النزول من السيارة والانبطاح ارضاً، وعمدوا الى تهديد السائق سليم حداد طالبين ان ينقلهم الى مستديرة الصالومي في سن الفيل. واكد حداد في افادته بأنهم كانوا اربعة مسلحين: اثنان بملابس مدنية وآخران بملابس عسكرية وكانت لهجتهم سورية، وكانوا عندما يمرون على حواجز القوات السورية يبرزون بطاقات خاصة "فيضربون لهم السلام". وعندما نزلوا الى مكتب قوات الردع السورية في الصالومي قالوا لـحداد "اذا حكيت أي كلمة ستموت"، واعتبر ابو زكي ان هذا التصرف من المسلحين فيه الكثير من الغباء او الثقة الزائدة بأن لا احد سيجرؤ على كشف امرهم".
قصّة البونتياك
واذا كانت سيارة البونتياك التي استقلها الجناة تشكل دليلاً حسياً على الجهة التي اغتالت الزعيم كمال جنبلاط، فان لهذه السيارة قصة غريبة يرويها ابو زكي مستعيناً بالوثائق والادلة. يقول: "قبيل الجريمة النكراء ضبطت الجمارك اللبنانية في مرفأ بيروت بتاريخ 8/1/1977 سيارة اميركية الصنع، من نوع بونتياك، بداخلها 79 كيلوغراما من حشيشة الكيف، وكانت تحمل لوحة لبنانية مجمركة ذات الرقم 133014/ ل، مسجلة باسم مالكها حسين محمد علي شمس الدين، واوقف شمس الدين ومعه معقب المعاملات وليد محمد زرقوط بناء لأمر من مدعي عام بيروت ديب درويش، وحضرت الى المرفأ دورية من المباحث العامة لتسلم السيارة والموقوفين والمخدرات، وعند اخراجها من المرفأ اوقفها حاجز سوري على بابه واخذها بالقوة من رجال المباحث اللبنانية. وعندما راجعت السلطات الامنية اللبنانية السوريين افاد آمر قوة الردع العربية السورية في المرفأ الملازم اول احمد سكابا انه تسلم الموقوفين والسيارة، وبناء لطلب السلطات اللبنانية سلمها الضابط سكابا افادة خطية جاء فيها حرفياً: "تسلمت من معاون رئيس ضابطة جمارك بيروت المدعوين حسين محمد علي شمس الدين ووليد محمد زرقوط مع 87 طربة حشيشة الكيف وزنها 30 كيلوغراماً، والسيارة بونتياك رقم 133014/ ل" وتحمل الوثيقة توقيع آمر قوة الردع العربية في مرفأ بيروت الملازم اول احمد سكابا. بعد ذلك قدّم الرائد السوري ابراهيم حويجي افادة بتسلمه السيارة، ومع الاسف هذه الافادة ليست في الملف لان بعض المعلومات التي كانت في الملف سرقت من العدلية، وهذه السيارة نفسها اعيد ادخالها الى لبنان عن طريق الحدود اللبنانية – السورية، بموجب معاملة جمركية مؤرخة بتاريخ 10/3/1977 باسم المدعو حسين جعفر كاظم جواد، وتحمل لوحة عراقية رقمها 72719– بغداد، واستقلها قتلة الشهيد جنبلاط. وقبل الاغتيال شوهدت في بيروت في اكثر من مكان. ويؤكد المعاون محمد الحسن، شقيق العميد اسماعيل الحسن، انه قبل حادثة الاغتيال وبينما كان يتولى حراسة مبنى مخفر حبيش شاهد السيارة تسير بعكس السير ويستقلها الجناة الاربعة، فتقدم من سائقها وقال له انك تسير بعكس السير، فقال له نحن مخابرات افتح لنا الطريق، ثم نزل المسلح واطلق النار في الهواء ارهاباً لتأمين السير".
يضيف ابو زكي: "ويؤكد المرحوم ابو طالب (الذي كان يملك محلاً تجارياً في آخر شارع الحمراء في نزلة ابو طالب التي صارت باسمه) انه شاهد السيارة نفسها تتوقف امام فندق "لورنزو موزارت"، حيث تبين بعد التحقيق والتفتيش في سجلات الفندق ان المسلحين الاربعة كانوا من النزلاء، وقد سجل اثنان منهم اسميهما: احدهما حسين جعفر كاظم جواد، والثاني ساهر محمود جبيلي، اما الاثنان الآخران فرفضا اعطاء اسميهما. وحسين جواد بقي في فندق "لورنزو" حتى صباح السادس عشر من آذار (يوم الاغتيال). وعلمنا في ما بعد انه بعد ساعة على مغادرتنا الفندق بعد التفتيش في سجل النزلاء حضرت مجموعة امنية سورية وسألت عن السجل، وأخذ عناصرها صاحب الفندق الى جهة مجهولة واهانوه... ".
وعن توصل التحقيق الى معرفة هوية احد المسلحين الاربعة الذين نفذوا عملية الاغتيال، يؤكد ابو زكي: "انه الرائد السوري ابرهيم حويجي، الذي كان مسؤولاً عن مكتب المخابرات السورية في مستديرة الصالومي، والذي تسلم سيارة البونتياك واحتفظ بها، وهو من الذين شاركوا في معركة تل الزعتر. ولدينا افادات تؤكد انه كان يقود البونتياك ويستخدمها في تنقلاته الشخصية. وتوصلنا فعلاً الى اكتشاف تطابق صفاته على احد المسلحين الاربعة. كما ان الشاهد سليم حداد، الذي نقل المسلحين الى الصالومي، اكد ان شخصاً جلس بقربه وكانت لديه رتبة عسكرية عالية، وكان عناصر الحواجز السورية الذين ينتشرون على الطرقات يؤدون له التحية العسكرية، والدليل انهم قصدوا الصالومي حيث كان مركز الرائد حويجي". ويؤكد ابو زكي ان حويجي "رقي بعد ذلك وصار مدير المخابرات الجوية في سوريا، وكان الزعيم وليد جنبلاط اكد انه التقى بحويجي في ليبيا خلال زيارة قام بها الى هناك".
ويضيف ابو زكي: "قتل كمال جنبلاط بحاجة الى قرار، ومن يتخذ القرار باطلاق النار على كمال جنبلاط ليس عسكرياً بسيطاً يتلقى الاوامر، بل اهم من عسكري. ونعتقد أن المسلحين كانوا يخططون لخطف كمال جنبلاط الى منطقة مسيحية، وارتكاب جريمتهم هناك حتى ينفجر قتال طائفي بين المسيحيين والدروز، وربما كانوا ينوون قطع رأسه، او احراق جثته، نظراً الى وجود سكاكين حادة في سيارتهم وكمية من البنزين، وهذا يدعم الاعتقاد السائد والذي لنا عليه الكثير من الادلة بأن الاعمال الدموية التي حصلت في الجبل يومذاك كانت بتحريض وتنظيم من الجهة الجانية نفسها، حيث كانت القوات السورية تنتشر وقتها في منطقة الشوف كلها".
ويشير ابو زكي الى وجود ترابط بين جريمتي اغتيال جنبلاط والحريري من حيث الاسلوب، "فكما تم تقليص افراد الحماية لجنبلاط، كذلك حصل الامر نفسه مع الرئيس الحريري، ثم ان التحقيق يربط جريمة اغتيال الشهيد كمال جنبلاط بكيفية اخذ سيارة البونتياك من لبنان الى سوريا، واعادة ادخالها الى بيروت، وهذا الامر ينطبق تماماً على سيارة الميتسوبيشي التي سرقت من اليابان الى لبنان، وبعدها هربت من لبنان الى دولة الامارات العربية المتحدة، حيث جرى تفكيكها هناك، ثم تم نقلها الى سوريا واعيد جمعها وادخلت الى بيروت مع المتفجرات. ليس هناك من جريمة غامضة، فالجرائم السياسية تكشف بعد مرور فترة من الزمن. وما يؤكد تورط سوريا في معظم الاغتيالات التي حصلت، وخصوصا اغتيال الشهيدين كمال جنبلاط ورفيق الحريري، ما قاله بشار الاسد لمجلة "دير شبيغل" الالمانية عندما نفى مسؤولية سوريا عن اغتيال الحريري مؤكدا ان "القرار السوري مركزي واذا ثبت تورط المخابرات السورية بهذه الجريمة فانه يعتبر ادانة للنظام، وانه لا تسقط شعرة في سوريا من دون معرفتي"، فاذا كان بشار الاسد يقول ذلك فماذا يقول حافظ الاسد؟ وهذا مشابه لنفس الدور الذي قام به اللواء محمد الخولي رئيس المخابرات الجوية السورية في جريمة الشهيد كمال جنبلاط...".
ويؤكد ابو زكي: "ان التحقيق القضائي في اغتيال جنبلاط كان في عهدة المحقق العدلي القاضي حسن قواص، والذي اصر على متابعة التحقيق والسير به غير آبه بالمخاطر والتهديدات التي تعرض لها من محاولة خطفه الى اطلاق قذيفة صاروخية على منزله ادت الى احتراقه، لمنعه من استكمال التحقيق، كما تعرضت شخصياً لأكثر من محاولة خطف، والارجح بقصد الاغتيال، لاننا كنا الى جانب القاضي قواص نساعده في التحقيق وجمع المعلومات".
وعن نهاية التحقيقات والسبب في توقفها، قال ابو زكي: "الرئيس الياس سركيس تعرض لضغوط سياسية كبيرة، فاستدعى القاضي قواص وطلب منه التوقف عن التحقيق، كما ان وليد جنبلاط عاد واسقط حقه، ثم تقرّر بعدها اسقاط الدعاوى والملاحقات الجزائية والكف عن التعقبات واسترداد كل المذكرات وحفظ الرسوم والمصاريف...".
وعن السبب في انتظار هذه المدة الزمنية الطويلة للكشف عن حقيقة اغتيال كمال جنبلاط، يقول ابو زكي: "... يعلم الجميع انه كان هناك تفويض اميركي لسوريا في لبنان، وان السوريين كانوا يغتالون من دون اي رادع او خوف من محاسبة، لذا حتى لو تم نشر نتائج التحقيق يومها فانه لم يكن ممكناً ان يحاسب احد، وكان وليد جنبلاط سيظهر في مظهر الضعيف الذي لم يستطع فعل شيء، وفضّل التركيز على متابعة نضال والده من اجل لبنان مستقل وديموقراطي، اي تقديم اولوية المعركة السياسية على احقاق العدالة في شأن اغتيال والده. وكلنا يعلم ان الرد على الاغتيال حصل في المجال السياسي وفي صورة نضال تدريجي يتحين كل فرصة لاحداث تبديل في الموازين الداخلية، من مصالحة الجبل الى معارضة انتخاب اميل لحود، اضافة طبعا الى بدء اثارة موضوع اعادة تموضع القوات السورية في العام 2000... ومقاومة التمديد وبدء تشكيل المعارضة اللبنانية المكشوفة لسوريا، ثم اخيراً "انتفاضة الاستقلال" واخراج السوريين من لبنان".
الريّس: تورّط مباشر للنظام السوري من جهة اخرى، يعتبر مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس انه لا يمكن فصل جريمة اغتيال كمال جنبلاط عن سياق الحوادث السياسية التي عصفت في لبنان منتصف السبعينات، كي لا نقول إنها كانت منطلقاً ومنعطفاً لمرحلة سياسية جديدة شكّل فيها عنصر التدخل السوري الاتجاه الأساسي، وخصوصاً أن هذا الاغتيال هدف الى القضاء على حركة النضال اللبناني - الفلسطيني المشترك الذي جسدته "الحركة الوطنية اللبنانية" بقيادة كمال جنبلاط، كما هدف الى الامساك بلبنان والسيطرة على حياته السياسية تمهيداً للسيطرة المطلقة على مؤسساته الدستورية ونظامه الأمني والاقتصادي. ومع أن اغتيال كمال جنبلاط لم يكن الأول في سلسلة الاستهدافات التي رسمها النظام السوري بقيادة حافظ الأسد آنذاك، الا أنه كان طبعاً الأخطر والأكبر، لأن شخصية كمال جنبلاط كانت واسعة التأثير والحضور، ولقد فتح الاغتيال نافذة الحوادث على تعقيدات كبيرة كان في كل مرة يستفيد منها النظام السوري ويوظف نتائجها لمصلحته".
يضيف الريس: "ولا يمكن اغفال التوافق السوري - الاسرائيلي في هذا المجال، لأن الدخول السوري الى لبنان سنة 1976 هدف من جهة الى القضاء على المقاومة الوطنية الفلسطينية المتحالفة طبعاً كما سبقت الاشارة مع قوى اليسار اللبناني المتمثلة بمظلة الحركة الوطنية اللبنانية، كما هدف من جهة ثانية الى القضاء على سيادة لبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي واشباع الرغبة التاريخية السورية الرافضة الاعتراف بالكيان اللبناني. وغني عن القول إن ملف جريمة اغتيال كمال جنبلاط قد يكون من الملفات التي اكتملت التحقيقات القضائية فيها بشكل كامل بالتواريخ والأسماء والوقائع التي تؤكد، وبما لا يقبل الشك، التورط المباشر للنظام السوري تخطيطاً وتنفيذاً. ولا ننسى هنا طبعأً أن كمال جنبلاط وقف ضد الدخول السوري الى لبنان وحذر من عواقبه الوخيمة على المستوى اللبناني والاقليمي، مؤكداً أنه سيكون من الصعوبة بمكان اخراج الجيش السوري بعد ذلك من لبنان. وبالفعل صدقت وجهة نظره اذ استمرت الوصاية السورية على لبنان ما يزيد على ثلاثين عاماً تخللتها كل أنواع الترهيب والاغتيال لكل من يرفض سياستها أو يطالب بالحد الأدنى من الاستقلال السياسي للبنان، أو أقله الحكم الذاتي اذا صح التعبير".
يتابع الريس: "وهنا يتقاطع اغتيال المعلم كمال جنبلاط مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي خالفت نتائجه كل توقعات النظام السوري، الذي مارس في ما سبق عمليات اغتيال عدة، وكان ينجح في كل مرة في امتصاص ردود الفعل السياسية والشعبية عليها، تماماً كما كان ينجح في ايصال الرسالة السياسية من وراء الاغتيال والتي كان يبعث بها الى المجتمع السياسي اللبناني برمته مما يزيد احكام سيطرته وسطوته عليه. ولكن ما حصل مع الحريري كان مختلفاً، لأن الشعب اللبناني بغالبيته الساحقة وقف في 14 آذار ليقول لا لاستمرار الوصاية السورية ولا للقتل والاغتيال، وإن الكيل قد طفح. إن حزم الشعب اللبناني هو الذي غيّر نظرة المجتمع الدولي ودفعه الى الضغط على النظام السوري لتحقيق انسحابه العسكري الكامل من لبنان".
النهار - صبحي منذر ياغي