تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مطالبة شيراك اسرائيل باجتياح سوريا لاسقاط النظام



الحسني
03-20-2007, 09:19 AM
مطالبة شيراك اسرائيل باجتياح سوريا لاسقاط النظام
(الديار 20/3/2007 م)


ما نشرته «معاريف» عن مطالبة شيراك اسرائيل باجتياح سوريا لاسقاط النظام إاذا كان صحيحاً - وقد تحدت معاريف من يكذبه - فانه يستحق وقفة غضب من قمة الرياض ‏المقبلة واذا لم يكن صحيحاً كان على شيراك ان يسارع لاثبات عدم صحته قبل ان يلعبه اللاعبون

وسام شيراك للشيخ سعد وتزامنه مع خبر طلب شيراك احتلال اسرائيل لسوريا ...‏

هل هو تهيئة الاجواء لتقبل عدوان اسرائيلي فعلي تتبرع باريس بتحمّل تبعاته الاخلاقية

لا يشعر اللبنانيون باليُتم اذا غاب صانع القرار 1559 الذي تسبب بكل التداعيات ‏الا اذا كان شعورهم بالقيم الفعلي من جانب عائلات ضحايا الحرب التي تسبب بها القرار 1559‏

من هما اللذان اذا اجتمعا يجب التفرقة بينهما ومن هما اللذان «يدقان عطر منشم» بين ‏القبائل؟

صحيفة «معاريف» الاسرائيلية، وان كانت صحيفة معادية، فانها لا يمكن ان تجازف بنشر خبر خطير ‏من النوع الذي نشرته حول طلب شيراك من اسرائيل ان تقوم بهجوم على سوريا لاسقاط النظام ‏فيها. فاذا كان الخبر صحيحاً فما هو موقف سوريا من هذه المعلومات الخطيرة؟، واذا لم يكن ‏صحيحا فلماذا لم يصدر شيراك بيانا واضحا يكذّب فيه الصحيفة الاسرائيلية؟

قد يقال: انه خبر يستهدف الوقيعة بين دمشق وباريس، وربما لقطع الطريق على أية محاولة ‏تكون جارية فعلا، او قد تجري في المستقبل، لاصلاح العلاقات السورية - الفرنسية. ولكن اذا ‏كان الخبر صحيحاً، فهذا لا ينفي خطورته: فشيراك رغم اعلان عزمه على عدم الترشح مجدداً للبقاء ‏في الاليزيه، لا يزال الان رئيسا لجمهورية فرنسا، ومن المفترض ان تطلب دمشق من باريس ان ‏تقدم ايضاحا حول ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية، وعلى هذا الايضاح يتوقف مصير العلاقات ‏السورية - الاسرائيلية سلباً او ايجاباً.

ومن المفارقات ان يتم نشر هذا الخبر، في حين كان آل ‏الحريري واصدقاؤهم المفضلين، يحتفلون بتسليم الشيخ سعد رفيق الحريري وساماً فرنسياً عالياً. ‏طبعاً لن يكون هذا الوسام مكافأة للشيخ سعد على ما اسداه للعلاقات الفرنسية - ‏اللبنانية من اياد بيضاء، بل واضح ان الوسام هو «عربون وفاء» لروح الشهيد الرئيس ‏رفيق الحريري من جانب الرئيس شيراك شخصياً. اما فيما يتعلق بالشيخ سعد فانه لو كان الآن ‏رئيسا لوزراء لبنان، او رئيساً لجمهورية لبنان عن المسيحيين! وهو الذي يمتلك المواصفات ‏المفترضة في رئيس الجمهورية المسيحي، كما يراها احد اكثر الحريصين على توفر مواصفات معينة ‏في الرئيس المسيحين، ولكن ما دام الشيخ سعد - رغم زعامته للاكثرية «الاربعطعشية»! - فانه ‏لا يستطيع ان يمنح باسم الدولة اللبنانية اعلى وسام لبناني للرئيس شيراك، نعم يستطيع ‏ان يوكل هذا الامر - اذا كان متعجلا للرد على الوسام الفرنسي بوسام لبناني! - الى ‏الرئيس السنيورة، مادامت مقاليد الدولة كلها قد تمركزت في يد «قائد لبنان التاريخي» ‏فؤاد السنيورة، بموجب مرسوم صادر عن البيت الابيض، الذي قرر في ساعة كرم اميركي غير ‏مسبوق، منح «واليه» على لبنان فؤاد السنيورة صفة الديمومة في هذا المنصب، حتى لو كانت ‏كل بنود الدستور اللبناني ومعها اغلبية الشعب اللبناني تصرخ مؤكدة بعدم شرعيته...‏

ولقد كان من حسن حظ لبنان، ان يكون الاسرائيليون «اعقل» من شيراك فلم يقدموا على ‏مغامرة غير محسوبة، هم انهم لا يقدمون على هجوم لحساب احد، بل يقومون به لو رأوه مناسبا ‏لحسابهم، ولا يزال «شبح» ما حدث لهم في تموز ماثلا امامهم بآثاره الكارثية! فاسرائيل تعوّدت ‏هي ان تقرر وتطلب من الآخرين ان يدعموا قرارها وقد ترى هي من المناسب ان يشاركوها في ‏العدوان على ان تكون محصلة العدوان لحسابها، اذا كانت محصلة ايجابية! اما اذا كانت نتائج ‏كارثية كما حدث لها في جنوب لبنان خلال تموز الماضي، فانها تبث ايحاءات بأن واشنطن كانت ‏محرضة على القيام به، فاذا كان هنالك من يحقد على اسرائيل فليحقد على اميركا اولا!‏

ففي عام 1956 تم العدوان الثلاثي، الذي شاركت فيه فرنسا، لان اسرائيل زينت لها ‏‏«مصلحتها» في هذا العدوان، كون مصر داعمة للثورة الجزائرية بالمال والسلاح، وقد وصل من ‏قناعة باريس بهذا المنطق درجة ان قال جاك بينو وزير الخارجية الفرنسي في حكومة غي ‏مولليه الاشتراكية، بانها تشترك في الهجوم على مصر لتضع على ضفاف السويس حداً للثورة في ‏الجزائر! اما في القضية التي تحدثت عنها «معاريف» والتي «تطوع» شيراك رئيس فرنسا لاقناع ‏اسرائيل بها وهي الهجوم على سوريا، فانه لم تتوفر لفرنسا مبررات المشاركة في عدوان تدعو ‏باريس اسرائيل للقيام به: فلقد بدا طلب شيراك من اسراذيل القيام بهذا العدوان مزيّناً ‏لاسرائيل مصلحتها في القيام به، لانها اذا استطاعت بواسطة العدوان الاسرائيلي ازالة ‏النظام في سوريا، ومجيء حكومة سورية يضعها الاحتلال الاسرائيلي على «عينه» فان اسرائيل ‏ترتاح من حزب الله والمقاومة بالسلاح، كما تستطيع الخلاص من مكاتب المنظمات الفلسطينية في ‏دمشق، وتقوى شوكة «اعداء سوريا» في لبنان، بحيث تصبح يدهم هي العليا، ويستولون على ‏السلطة كلياً، وتكون الضربة مزدوجة. بحيث تتخلص اسرائيل من «قوى الممانعة» في سوريا ‏ولبنان على السواء! ويكون ذلك تحقيقاً لما تصبو اليه اسرائيل من السير قدماً في «اعادة ‏ترتيب الاوضاع في الشرق الاوسط» كله، وهو ما سبق ان اعلنت واشنطن ايضا بأن «هدفها ‏الاساسي» من دعم «حرب اسرائيل على لبنان» في تموز الماضي، هو ان يكون الانتصار على ‏المقاومة مفتاحاً لامتلاكها الاسلحة على امتداد المنطقة!‏

وفي تصورنا ان هنالك ثلاثة احتمالات امام شيراك لمواجهة آثار ما نشرته معاريف: إما ان ‏يطعن بصحة ما نشرته «معاريف»، ولكنه بذلك قد يعرض نفسه الى مزيد من المعلومات التي ‏تعزز المعلومات التي نشرتها وتثبّت له بالدليل القاطع دقة المعلومات التي نشرتها، وفي ذلك ‏مزيد من افتضاح امره امام شعبه خاصة، وامام شعوب ودول المنطقة عموما. واما ان يعمد ‏الى ايجاد «صيغة» مع «معاريف» نفسها، تخفيفا للاضرار التي لحقت بسمعته. واما ان يكون ‏مقتنعا بأن عدم الرد، سوف يسهم بتحجيم اهمية ما نشر، متكلا على ان العرب لا تزال تنطبق ‏عليهم مقولة موشي دايان «للباري ماتش» التي سألته عما اذا كان لا يخاف عواقب ما سيطّلع ‏عليه العرب من اقواله، فقال لها ما معناه: انا لا اخشى ذلك لأن قادة العرب قليلو ‏القراءة والاطلاع، واذا اطّلعوا وقرأوا، فانهم لا يكلفون انفسهم عناء التفكير في مدى اهمية ‏او خطورة المعلومات، اذا كانت هامة وخطيرة! واذا قرأوا وفهموا، فان قابليتهم العجيبة ‏للنسيان كفيلة بأن تجعل ما يطلعون عليه من معلومات خطيرة عديم الاثر ولا يترتب عليه ردود ‏فعل تذكر!‏

ولكن على كل من الشيخ سعد الحريري والاستاذ جنبلاط ان يشعرا بالرضى عن نفسيهما بأن ‏‏«افكارهما» قد وصلت في وقت من الاوقات درجة ان يقتنع بها سيد الاليزيه ولو كان في «الهزيع ‏الاخير» من ولايته الاخيرة، فمن اجل اشباع الرغبة في الانتقام المسبق من النظام السوري التي ‏نادى بها علناً كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والشيخ سعد الحريري الذي وجه في ‏اللحظات الاولى اصابع الاتهام الى دمشق في ما حدث «للرئيس الشهيد»، سمح الرئيس الفرنسي - ‏دون تشاور حتى مع حزبه ومتجاوزا الجمعية الوطنية الفرنسية والرأي العام الفرنسي - ان ‏يطلب من دولة يعتبرها ثلاثمائة مليون عربي مغتصبة لاقدس ارض عندهم، ان يجتاح بلداً آخر، ‏ليس لأن هذا البلد ارتكب عملاً عدائياً ضد فرنسا، ولا ابدى في يوم من الايام رغبة في ان ‏يكون بينه وبينها جفاء او توتر في العلاقات بل كان هذا العداء او الجفاء من طرف واحد، ‏لا نستطيع ان نقول انه الطرف الفرنسي كدولة او شعب، بل من طرف الرئيس شيراك شخصيا ‏ولاسباب لم تعد خافية على احد، وهي العلاقة الشخصية المميزة بينه وبين عميد اسرة الحريري ‏الرئيس الشهيد واسرة الحريري، والتي يمكن ان يُشكر الرئيس شيراك عليها شخصيا، كدليل على ‏وفائه لهذه العلاقة المميزة سواء كان تميّزها ثمرة الاعجاب المتبادل بين شخصيهما ام بسبب ‏انعكاسات هذه الصداقة الحميمة على القضايا العامة، فلقد سبق ان برر الرئيس شيراك خلال ‏زيارة قام بها الى لبنان في مكان علني وفي البرلمان اللبناني على وجه التحديد الدور الذي ‏اوكل الى دمشق، لاعادة نهوض لبنان من ركام الحرب العبثية.

وقد لعب الرئيس الحريري في وقت ‏من الاوقات دوراً بنّاء في توطيد العلاقات بين الرئيسين شيراك وحافظ الاسد. وهذه العلاقات بين ‏البلدين يفترض ان تستمر الا اذا اصابها ما يزعزعها من امور مباشرة تتعلق بالبلدين، اما ‏ان تتوتر العلاقات بينهما ولدرجة ان يطلب رئيس فرنسا من دولة لها «سجلها الدامي ‏العدواني والاغتصابي» تجاه العرب، وتجاه قضية العرب الاولى فلسطين، لتحتل سوريا وتقلب ‏نظامها، دون ان يكون هذا النظام اساء لفرنسا اية اساءة مباشرة، فان مغامرة الرئيس ‏شيراك بعلاقاته مع النظام السوري، واستتباعا مع شرائح واسعة من الرأي العام في المنطقة ‏العربية كلها، دون «ممسك» على سوريا يثبت اساءتها مباشرة لفرنسا، فهذا يؤكد ان سبب ‏العداء منحصر في «وفاء» شيراك لشخص الرئيس الحريري ومشاركته عائلة الحريري اعتقادها ‏بدور لسوريا في المصير الفاجع الذي حدث للرئيس الشهيد، ولا ندري اذا كان هذا الامر مبرر في ‏العلاقات الدولية او له سابقة.

واذا صح ما نشرته «معاريف» حول طلب شيراك من اسرائيل ‏غزو سوريا لاسقاط نظامها، فمعنى ذلك ان اخلاصه لحقوق الانسان واستنكاره لما يعتقده من ‏مسؤولية لسوريا فيما حدث للرئيس الحريري، وان هذا يدفعه لان يتخذ هذا الموقف العدائي ‏الذي لو حدث بالفعل، لطالت آثاره سوريا كلها وشعبها وليس النظام وحده، ولكانت سوريا ‏قد تعرضت لما هو اسوأ مما حدث للبنان كبلد ووطن وشعب وبنى تحتية وارواح بريئة، وان كان ‏المستهدف هو المقاومة وحدها او رئيس لبنان الذي حظي بالعداء من شيراك استتباعا للجفاء ‏الذي كان ينتاب العلاقات بين الرئيسين لحود والحريري.‏

ولقد كان الكثيرون يتوقعون مثلا ان تكون ردة الفعل السورية استدعاء السفير الفرنسي الى ‏وزارة الخارجية السورية لكي يستوضح حكومته عن صحة ما نسب الى الرئيس شيراك. وفي حال ‏ثبوت صحة ما نسب اليه، فان اقل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من الجانب السوري كما كان يمكن ‏ان يحصل بين اية دولة تعرضت لتحريض على غزوها من جانب دولة اخرى معادية لها، وان يكون ‏المحرض على العدوان رئيس لدولة اخرى، لم تتعرض لأية اساءة من جانب الدولة المستهدفة ‏بالعدوان المقترح، ان اقل ما يمكن ان يحدث هو ان تعمد الدولة المستهدفة الى قطع العلاقات ‏مع الدولة التي سمح رئيسها لنفسه ان يطلب هذا الطلب، دون تبيان اسباب مباشرة لبلده في ‏التحريض على هذا العدوان، وحتى لو كان ما تعرض له رئيس وزراء بلد صديق له من مصير ‏فاجع، ومن منطلق ان هذا النظام في نظره ليس مراعياً لحقوق الانسان او ان لمخابراته ‏واجهزته ضلع فيما حدث لرئيس الوزراء الصديق وهو يرى انه لا يجوز بقاء ذلك النظام لانه ‏في نظره معاد لحقوق الانسان - وهذا غير وارد مبدئيا، لانه عندما نادى بالصداقة مع نظام ‏هذا البلد خلال خطاب القاه في برلمان لبنان، لم تكن طبيعة النظام ونهجه واداؤه مختلفة عما ‏هو عليه الان..

‏واذا كان يجوز اجتياح اي بلد لاسقاط النظام فيه، مهما كانت العواقب على شعب ذلك ‏البلد، فلماذا اذاً عارض شيراك العدوان على العراق، رغم ان المظالم التي ارتكبها ذلك ‏النظام، لا يفوقه في ارتكابها اي نظام آخر ربما في التاريخ، بل لا يفوق مظالم نظام صدام الا ‏ارتكابات الانظمة «الديموقراطية» التي ترفع شعارات العداء للديكتاتوريات والانظمة ‏الشمولية، ثم ترتكب هي اضعاف ماتدّعي انها ضد ارتكابه! والشاهد على ذلك، ما يحدث في ‏العراق على يد جيش الاحتلال بشهادة الإعلام الاميركي نفسه واعترافات العديد من المسؤولين ‏السياسيين والعسكريين الاميركيين داخل الادارة الاميركية بالذات، وهي شهادات واعترافات لا ‏تتعلق باخفاقاتهم في اقرار الامن والاستقرار في العراق وتزايد ضحايا الارهابَين: الارهاب ‏العسكري الاميركي، وارهاب التكفيريين، وهما ارهابان يتسابقان «كفرسي رهان» للوصول الى ‏النتيجة نفسها : وهي ان تصبح الاجواء مهيأة في العراق، لجعل تقسيم وتجزئة الكيان ‏العراقي امراً واقعاً، وان كان هنالك في الادارة الاميركية من لديه «نوايا حسنة» تتعلق ‏بوجوب الحفاظ على وحدة العراق، فانه يقولها لانقاذ المظاهر، وعلى اعتبار ان بلداً متحداً ‏بعناصره الاتنية والدينية والثقافية ويضم مئات الجنسيات والقوميات والمذاهب، ولا يمكنه ‏من ناحية اخلاقية ان يجاهر بتبني الطروحات التفتيتية، بدعوى منح «حرية تقرير المصير» لهذه ‏المجموعات التي يتألف منها المجتمع المدني الاميركي الموحد، والولايات المتحدة لم تكن كيانا ‏واحداً ثم تخلى هذا الكيان عن وحدته ليتبنى نظاما فدراليا، بل كانت ولا تزال مجموعات ‏اتنية متفرقة كل منها ينتمي الى اصل يختلف عن انتماءات المجموعات الاخرى. ومع ذلك امكن ‏جمعها في كيان متحد. والولايات المنتمية الى الكيان الفدرالي المتحد، لا يؤلف كل منها ‏انتماء منفصلا عن انتماء الولايات الاخرى، بل كل ولاية سكانها خليط من شتى الاتنيات ‏والانتماءات العرقية والدينية والثقافية فهي اذا انتمت الى نظام فدرالي، فان ‏فدراليتها لم تتم على اساس عرقي او اتني او مذهبي، بل انها فيديرالية ادارية لا يستطيع ‏اي جزء منها ان يتصرف بالنسبة للقضايا الاساسية المصيرية دون العودة الى الحكم المركزي بل ‏انه في مثل حالة اميركا فان الصيغة الفيديرالية ربما تكون انصهارية اكثر من اي انصهار ‏في اي كيان موحد وغير فيديرالي!‏

ونعود الى موضوع لقاءات باريس بين اطياف تنتمي الى قوى 14 آذار بمناسبة «الوسام ‏الشيراكي» للشيخ سعد، فنرى ان «المناسبة» ليست هي الهدف الاساس للقاءات. بل يمكن القول ‏ان مناسبة الوسام كانت وسيلة «للاجتماع الاكثري الباريسي» الذي يستعيد فيه الشباطيون ‏‏«تهاويل» المرحلة الاولى التي كانوا يزعمون فيها ان لقاءاتهم الباريسية كانت «اضطرارية» ‏لان حياة كل واحد منهم كانت مهددة، وقد رأينا انهم عندما اقتضت «الضرورة الميدانية» ‏حضورهم من باريس الى بيروت، سارعوا للحضور «زرافات ووحدانا» وقد غادرهم الخوف على ‏‏«الحياة الغالية» لكل واحد منهم!

‏وهذا يذكّرنا بما كان يقال عن اثنين في التاريخ العربي كانا يتناجيان فيما بينهما كيداً ‏لفريق يعتبرونه حجرعثرة في طريق مصالحهما السلطوية، بأن هذين «الفلانين» اذا رأيتموهما ‏مجتمعَيْن، ففرّقوا بينهما لانهما لا يجتمعان لانشاء السلام بين القبائل، بل لاثارة الاحقاد ‏والإحن! فيتلذذان برؤية الناس منقسمين متنازعين، حتى رتقت العلاقات بين «القبائل» بعد ان ‏‏«دُقّ بينها عطر منشم» وهو «عطر» يؤدي الى عكس ما يوحيه اسمه، وقد سمي عطرا من قبيل ‏تسمية الشيء بضده، فلقد كان لهذا «العطر» رائحة كريهة فاذا أريق من قارورته، فان ‏الناس المجتمعين يتفرقون هربا من رائحته الكريهة!‏

ونخشى ان تكون «عصبة باريس» ابت ان يغادر الرئيس شيراك قصر الاليزيه، الا وان ينطبق ‏عليه المثل القائل: «يا رايح كتر من الملايح»! وصحيح ان بادرته الطيبة تجاه الشيخ سعد ‏ترمز - كما قال الشيخ سعد في كلمته الموجزة - الى «وفاء» للرئيس الشهيد رفيق الحريري، ‏ولكن ما عكّر هذه المناسبة الطيبة، هو «الروائح الكريهة» التي فاحت في وقت متزامن مع ما ‏نسب الى الرئيس شيراك من تحريض اسرائيل على اجتياح سوريا، وهو امر قد اشاع السخط على ‏شيراك حتى من جانب اشد المحبين لفرنسا. وقد عكّر صفو هذه المناسبة التي ترمز للوفاء لذكرى ‏الرئيس الحريري التي لا تستحق ان يدق على موازاتها «عطر منشم» الذي تطيح كراهية رائحته ‏بجمال وصفه!‏

واما قول الشيخ سعد بأن اللبنانيين «سيشعرون باليتم من بعده» وان كان معناها النبيل ‏ينمّ عن شعور عميق بالامتنان تجاه الرئيس شيراك وهو مبادلة «وفاء بوفاء» الا ان ‏اللبنانيين الذين رأوا الآثار المدمرة للقرار 1559 على وحدتهم الوطنية وما جره هذا ‏القرار - الذي يباهي شيراك بأنه كان هو وراءه - من ويلات على لبنان وما تسبب من خلق ‏اجواء توتر نفذ من خلالها القتلة ايا كانوا وايا كان الذين يقفون وراءهم.. كما ان هذا ‏القرار افسح في المجال لاسرائيل ان تقوم بعدوانها الذي دمّر جنوب لبنان والضاحية والذي ‏صرّح رئيس وزراء العدو انه قام بعدوانه الذي دمر فيه لبنان، تنفيذاً للقرار 1559.

‏واذا صحّ فوق ذلك كله، ان الرئيس الفرنسي اضاف الى مآثره طلب اجتياح سوريا فانه يكون ‏بذلك قد مهّد «لمقبّلات» العدوان على لبنان. وبذلك جعل اللبنانيين والاسرائيليين على ‏السواء، يعانون من آثار هذا العدوان الذي كان للقرار المشؤولم الذي «اجترجه» شيراك هو ‏الذريعة التي تذرع بها اولمرت لشن حربه الكارثية على لبنان، وبعد ذلك لن يشعر ‏اللبنانيون ولا الاسرائيليون باليُتم من بعده. الا اذا كان بمعنى انه تسبب بقراره المشؤوم ‏‏1559. في ان يتم قتل المدنيين اللبنانيين الابرياء من اطفال وامهات ومدنيين بالمئات، الى ‏جانب عوائل الشهداء، لا يشعرون باليتم لغيابه، بل لانه تسبب في تيتم من بقي حياً من ‏عوائل ضحاياه!‏

ولولا «معزّةٍ» للشيخ سعد بعد أبيه عند الكثيرين من المنتمين الى قواعد تيار المستقبل لكان ‏هؤلاء انضموا الى اية مطالبة من اللبنانيين جميعا لتقديم شيراك كمجرم حرب الى «المحكمة ذات ‏الطابع الدولي» التي يسعى الشيخ سعد لانجازها والتي يجمع اللبنانيون على مبدأ قيامها، ‏شريطة ان تكون مستقلة وعادلة وغير منحازة او مسيسة.. ولا يكون هدفها اعطاء ذرائع ‏جديدرة للذين ينادون تارة باحتلال اسرائيل لبنان بموجب القرار 1559 وتدميره تحت عنوان ‏تنفيذ هذا القرار، الشيراكي الاصل.. علماً ان حب شيراك للبنان تنطبق عليه مقولة «ومن ‏الحب ما قَتَل!»، وهم يدعون اسرائيل لاحتلال سوريا وتدميرها وصولا الى اسقاط النظام. علماً ‏ان تفاصيل الاقتراح الشيراكي الذي قدمه لاسرائيل والذي اوردت «معاريف» تفاصيله، متحدية ‏من يكذبه، يقضي بضرب كل المواقع العسكرية والبنى التحتية السورية، التي تريد اسرائيل ‏تدميرها، اكثر مما تريد استهداف النظام القائم في سوريا!‏وكانت عقوبة القدر لشيراك ان يقول الاعلام الصهيوني، بأن اسرائيل رفضت تنفيذ هذا ‏الاقتراح الشيراكي ووصفته «بالقذر»! والحقيقة انها رفضت تنفيذه لأن «دروس تموز» علمتها ان ‏لا تُقدم على مثل هذه الحماقة - الكارثية!‏